الأحد, ديسمبر 7, 2025
.
منصة صحافية متخصصة بالريف في اليمن
الرئيسية بلوق الصفحة 9

تعز:عزلة حَوَامِرَة منطقة خارج خارطة الخدمات

0

في أعالي جبال ماوية شرق محافظة تعز، تقبع عزلة حَوَامِرَة كأنها خارج خارطة الدولة والزمن، تعيش بين الوعورة والعزلة، وتواجه واقعا منسيا قاسيا جعل الحياة فيها شاقة بكل تفاصيلها، فهناك تتحول أبسط الاحتياجات اليومية إلى مغامرات شاقة محفوفة بالمشقة، وتصبح رحلة المريض إلى المستشفى معركة من أجل البقاء.

يقول “غالب سيف”، أحد سكان المنطقة، لـ”منصة ريف اليمن”: “حياتنا هنا صعبة للغاية، الطريق وعرة والمسافة بعيدة، نقطع أربع ساعات كي نصل إلى منطقة العند في محافظة لحج لنشتري حاجات البيت، لأننا لا نستطيع الذهاب إلى سوق مديريتنا بسبب اختلاف العملة المتداولة”.

ويضيف: “نحن نتعامل بالطبعة الجديدة للعملة، ومنطقتنا تُعد الوحيدة في المديرية التي تتداول بها، ولهذا لا يمكننا الذهاب إلى سوق “السويداء” التابعة لمديريتنا، لأن التعامل هناك محصور بالطبعة القديمة، ما يجعل التبادل التجاري شبه مستحيل بالنسبة لنا”.


  مواضيع مقترحة


هذا التباين النقدي جعل من حوامرة منطقة معزولة اقتصاديًا، فلا حركة تجارية فاعلة داخلها، ولا قدرة على التواصل مع الأسواق المجاورة، وحتى حين يحاول الأهالي التنقل، تصطدم خطواتهم بواقع مرير من الطرق الجبلية المتهالكة، وغياب أي خدمات نقل منظمة.

صعوبات مضاعفة

وبحسب برنامج الأمم المتحدة الانمائي، أصبحت الحياة أكثر صعوبة في المجتمعات الريفية في اليمن بسبب تقييد الطرق الوعرة الوصول إلى الخدمات الحيوية والموارد والتعليم وفرص العمل والإمدادات الغذائية.

يوضح غالب أن الأهالي يواجهون صعوبات مضاعفة في التنقل، خاصة عند الحالات المرضية الطارئة، حيث إن أجرة النقل إلى منطقة العند للراكب الواحد 5000 ريال في الحالات العادية، وترتفع بمقدار مماثل عند حمل كيس دقيق أو أي حمولة إضافية.

وقال: “كلما زادت الحمولة، زادت الأجرة”، مؤكدًا أن بعض الحالات المرضية الطارئة قد تكلفهم ما لا يقل عن 200 ألف ريال أجرة السيارة فقط، (أكثر من 120 دولارًا) ناهيك على الغرامات التي تُدفع للمستشفى والصيدليات مقابل أدوية والصرفيات الشخصية وغير ذلك.

وأضاف: “أسعفت زوجتي مؤخرًا، ولأن السائق أحد أقارب زوجتي، خفّض لي الأجرة بـ30 ألف ريال فقط، لكن كانت كل مصاريفه على نفقتي من أكل وشرب وقات وغير ذلك”.


بعض القرى لا تصل إليها السيارات ويتم نقل المرضى على النعش أو البطانيات لمسافة ساعة ونصف من رأس جبل حوامرة حتى منطقة الجراجر وهي آخر نقطة تصل إليها السيارة.


يوضح غالب، أنهم لا يقومون بإسعاف أي مريض إلا عندما يرون أن حالته الصحية حرجة جدًا، مشيرًا إلى أن الكثير من الأهالي يضطرون لإعطاء أبنائهم المهدئات ليوم أو يومين، تهربًا من تكاليف الإسعاف والمواصلات، وإن لم تتحسن الحالة يضطرون للذهاب مجبرين.

لا تتوقف المعاناة عند المال، بل تتجسد في كل خطوة من الطريق، ويقول “عبدالوهاب علي”، أحد أبناء المنطقة، لـ”منصة ريف اليمن”: “بعض القرى لا تصل إليها السيارات مطلقًا، لذلك ننقل المرضى على النعش أو البطانيات لمسافة ساعة ونصف من رأس جبل حوامرة حتى منطقة الجراجر، وهي آخر نقطة تصل إليها السيارة”.

ويتابع: “النساء يحملن المواد الغذائية على رؤوسهن من القرى البعيدة، والرجال يستخدمون الحمير أو أكتافهم لنقل أكياس القمح والسكر، نحن نعيش كما لو أننا في زمنٍ لا يعرف الطرق ولا الدولة”.

تهميش وتعثر

تبدو حوامرة اليوم نموذجا صارخا لما تعيشه المناطق الجبلية في تعز من تهميشٍ مزمن؛ لا كهرباء، لا مياه، لا شبكة اتصالات مستقرة، ولا وجود فعليا لأي مؤسسة خدمية حكومية، فالمنطقة باتت خارج تغطية الخدمات العامة منذ سنوات طويلة، رغم الكثافة السكانية التي تقدر بآلاف الأسر الموزعة على القرى المتناثرة في المرتفعات.

ويشكل افتقار سكان الريف لشبكة الطرق تحديا كبيرا لتنمية المجتمعات هناك وتحسين ظروف الحياة. وحتى الوقت الحالي، لم تُعبّد إلا ٣٧٤٤ كم من الطرق الريفية وهذا لا يمثل سوى ٦.٤ في المائة من إجمالي شبكة الطرق و ٢١.٦ في المائة من إجمالي الطرق المُعبّدة بحسب دراسة نشرتها مبادرة إعادة تصور اقتصاد اليمن.

“عبدالجبار الصراري”، مدير عام مديرية ماوية، قال في حديث مع “منصة ريف اليمن” إن “السلطة المحلية لا تمتلك أي إيرادات حقيقة يمكن الاعتماد عليها لتنفيذ مشاريع استراتيجية، رغم إدراكنا لحجم المعاناة التي يعيشها الأهالي بسبب وعورة الطرقات وغياب الخدمات الأساسية”.


في ظل استمرار هذه المعاناة تتكرر الدعوات من أبناء حوامرة للسلطات المحلية والمنظمات الإنسانية لفتح طرق جديدة، واستكمال المركز الصحي، وتوفير أبسط مقومات الحياة.


وأشار الصراري، إلى أنه تم في وقت سابق البدء في بناء مركز صحي ببعض من إيرادات رُصدت من السلطة المحلية للمديرية على مدى ثلاث سنوات تقريبًا، والذي كان يمكن أن يقدم خدمة لأكثر من “5000” نسمة، حيث تم عمل القواعد والتجهيزات الأولية لبناء المركز، لكن المشروع توقف بسبب عدم وجود التمويل الكافي.

وأضاف أن السلطة المحلية تسعى لتوفير ما تبقى من المبلغ لضمان استكمال المشروع، مؤكدًا أنه قد تم إنجاز ما نسبته60% من عملية البناء.

ودعا الصراري الجهات المعنية والمنظمات الإنسانية إلى سرعة التدخل لفك العزلة المفروضة على أبناء منطقة حَوَامِرَة، وإنقاذ سكانها من معاناة يومية تتفاقم في ظل انعدام الطرق والخدمات الصحية، وغياب الحد الأدنى من مقومات الحياة.

في ظل استمرار هذه المعاناة، تتكرر الدعوات من أبناء حوامرة للسلطات المحلية والمنظمات الإنسانية لفتح طرق جديدة، واستكمال المركز الصحي، وتوفير أبسط مقومات الحياة، يقول عبدالوهاب علي في ختام حديثه: “لا نطلب رفاهية، فقط طريقًا تمشي فيه سيارة، ومركزًا صحيًا يعالج مرضانا، تعبنا من حمل مرضانا على أكتافنا، ومن انتظار الدولة التي لا تصل”.

تجميع البلاستيك.. مهنة الفقراء التي تحمي البيئة

0

تحت شجرة على رصيف شارع العدين بمحافظة إب، يجلس الخمسيني “ناجي حيدر” متكئاً على كيس مليء بعلب البلاستيك الفارغة، باحثاً عن استراحة قصيرة من لهيب شمس الظهيرة الحارقة. الكيس بالنسبة له ليس مجرد وسادة، بل مصدر رزق وحياة لعائلته الصغيرة، شأنه شأن العديد من اليمنيين الذين يعملون في تجميع مخلفات البلاستيك، في بلد أنهكته الحرب.

يقول ناجي: “كل يوم، أجوب شوارع المدينة باحثاً في مكبات القمامة عمَّا استطعت من علب المياه الفارغة وبعض مخلفات المعدن، وأبيعها بالقدر الذي كتبه الله لي حتى أشتري بعض الخبز لزوجتي وبناتي. هذا كل ما أستطيع فعله كي نعيش”.

ويضيف: “قبل الحرب كنت أسكن في تعز وكانت حالتنا مستورة لأنني كنت أستطيع العمل. عام 2015 نزحنا بسبب الحرب. الحياة صعبة هنا أيضاً، وظروف الناس كلها قاسية. المشكلة أنني مريض، وأنام في الشارع. أحياناً، إذا لم أستطع البيع، أضطر إلى أخذ بقايا الطعام من المطاعم لإطعام أسرتي؛ هذا أفضل من أن أرجع إليهم فارغ اليدين”.


      مواضيع مقترحة


يعاني ناجي من مرض في المفاصل بسبب البرد ووقوفه المستمر، لكنه شأن كثير من اليمنيين، من بينهم أطفال كثر، وجدوا أنفسهم مجبرين -بفعل الصراع وتفاقم الفقر- على العمل في جمع مخلفات البلاستيك والمعدن، فقد وجدوا في هذا العمل خيارهم الوحيد للبقاء برغم قلة الدخل الذي يجنونه منه.

 أزمة يمنية متفاقمة

يقدر برنامج الأمم المتحدة  الإنمائي أن نحو 65% من النفايات في اليمن عضوية، والباقي يتكون من 10% من البلاستيك و7% من الورق و6% من المعادن و1% من الزجاج و11% من أنواع أخرى.

ويشير تحليل لـDW عربية لأحدث بيانات الجهاز المركزي اليمني للإحصاء، إلى ارتفاع نسبة النفايات إلى نحو 4,4 ملايين طن في العام 2017 مقابل نحو 3,7 مليون طن في 2011.

يرى الدكتور “حاجب أحمد الحاجبي”، عضو هيئة التدريس في كلية البترول والموارد الطبيعية – بجامعة صنعاء، أن الصراع فاقم أزمة النفايات وأنهى قدرة الدولة على التخطيط والتنفيذ، ما جعل الحل يعتمد أكثر على المجتمع المحلي والمنظمات المدنية والقطاع الخاص والدعم الدولي. يقول الحاجبي إن “تقهقر الخدمات البلدية، كانقطاع الميزانيات، وتدمير البنية التحتية، واختلال المؤسسات المحلية، أدّى إلى ضعف جمع النفايات وغياب نُظم ثابتة”.

كانت مواقع جمع النفايات الرسمية تُمثّل مشكلة قبل الصراع الذي تشهده البلاد منذ أكثر من عشر سنوات؛ إذ لا يتجاوز عدد مكبات النفايات الرسمية واحدًا وعشرين مكبًا، ستة منها فقط تخضع للإشراف، بينما مكبات النفايات المتبقية مفتوحة، ولا تُدفن معظم النفايات في مدافن النفايات؛ مما يُشكل تهديدًا بيئيًا وصحيًا كبيرًا.



وتأثرت عملية جمع النفايات بأزمة الوقود وانقطاع رواتب العمال، وتسببت في تأخير إزالتها في بعض المناطق، بالإضافة إلى نقص المعدات ومركبات جمع النفايات التي لم تكن متوافرة بشكل كافٍ حتى قبل الصراع، إذ بلغ معدل إزالة النفايات من مختلف المدن نحو 65% و5% في المناطق الريفية، ولكن منذ اندلاع الصراع، تعرّضت 45% من المركبات للنهب والتدمير، بالإضافة إلى الضغط الكبير على بعض المدن بسبب النازحين داخليًا.

جامعو النفايات يخدمون البيئة!

يرى الحاجبي أن جامعي النفايات البلاستيكية هم الجزء الأكثر ظهوراً من سلسلة إدارة النفايات في اليمن، إذ يجمعون المواد القابلة لإعادة التدوير من المنازل والأسواق ومكبات النفايات، ويبيعونها إلى تجار وسطاء أو مراكز إعادة تدوير محدودة الوجود.

ويؤكد في حديثه لـ”منصة ريف اليمن”، على إسهام هؤلاء الجامعين في الحد من المخاطر، فهم -وفق تعبيره- يسهمون عملياً في تقليل كمية البلاستيك التي تصل للمكبات أو تُحرق في الشوارع، ويخفضون بالضرورة الضغط على البيئات الحضرية والبحرية عندما يجمعون كميات معتبرة.

تُلحق مخلفات البلاستيك ضرراً كبيراً بالبيئة، فتحلله بطيء جداً، وانقسامه إلى ميكروبلاستيك يلوث التربة والمياه الجوفية والمسطحات المائية. كما أنه يؤدي إلى انسداد شبكات الصرف ومجاري السيول ويضاعف مخاطر الفيضانات، وهو أمر ذو أثر خطير في مناطق اليمن المعرضة للأمطار الغزيرة. أما حرق البلاستيك في مناطق مكشوفة فيطلق أبخرة سامة تؤثر على صحة السكان والبيئة.

يحذر المهندس الزراعي “عبد القادر خضر السميطي” من أن المواد البلاستيكية لم تعد مجرد مخلّفات عابرة، بل أصبحت قنبلة بيئية صامتة تهدد التربة والمياه والإنسان على حدٍ سواء. فمع تزايد استخدامها باتت آثارها السلبية تتغلغل في كل تفاصيل بيئتنا، خصوصًا في المناطق الزراعية والوديان ومجاري السيول.

يقول السميطي، في حديثه لـ”منصة ريف اليمن”: “تشهد الأراضي الزراعية في كثير من المناطق تلوثًا متزايدًا بمخلّفات البلاستيك مثل الأكياس وعبوات المبيدات وأنابيب الري المهملة. هذه المواد تتحلل ببطء شديد وتبقى في التربة لعشرات السنين”، موضحاً أن هذه المخلفات “تؤدي إلى تدهور خصوبة التربة نتيجة تراكم الجزيئات البلاستيكية التي تعيق امتصاص الماء والعناصر الغذائية، فضلاً عن ضعف نمو الجذور بسبب الأغطية البلاستيكية التي تمنع تهوية التربة، واختلال النظام الميكروبي في التربة، إذ تتأثر البكتيريا والفطريات النافعة المسؤولة عن خصوبتها، بالإضافة إلى انتقال الملوثات الكيميائية إلى النباتات ثم إلى الإنسان عبر الغذاء”.

يُشدد السميطي على أن البلاستيك من أخطر ملوثات التربة الحديثة؛ فمع مرور الوقت تتحول مخلفاته إلى جزيئات دقيقة (الميكروبلاستيك) تختلط بجزيئات التربة وتغير خواصها الفيزيائية والكيميائية، فتقل قدرتها على الاحتفاظ بالماء، وتفقد مرونتها وتوازنها البيولوجي. كما أن الحرارة المنبعثة من الأغطية البلاستيكية المتراكمة تسهم في رفع درجة حرارة سطح الأرض؛ مما يضر بالبذور والنباتات الصغيرة.

يمنياتٌ يُبدعن في إعادة الاستخدام

دأبت نساء يمنيات عديدات على إعادة استخدام البلاستيك لصنع إطارات الصور وباقات الورود وأطباق الطعام، وتزيين أطباق العيد بخيوط مخلفات الأكياس، علاوة على قص عبوات البلاستيك وتشكيلها بطريقة فنية لتحويلها إلى سلال تُستخدم في حمل الأغراض وحفظ الفواكه والخضروات داخل المطبخ.



تقول “أمة الرحمن العفوري”، الإعلامية والمصورة اليمنية في حديث لـ”منصة ريف اليمن”: “مع تدهور المعيشة، أصبح البلاستيك مصدر بقاء لكثير من الأسر، فبدل أن يُعالج كأزمة بيئية تحول إلى مورد اقتصادي للنازحين والفقراء”. وبحسب العفوري فإن أولئك النسوة “يفعلن ذلك بدافع الحاجة الاقتصادية، والبعض بدافع الشغف والإبداع لكن الدافع الأكبر هو الفقر وغياب فرص العمل”.

هذا بالضبط ما حصل مع “هاجر جمال، 23 عاماً”، وهي أم لطفلين تقطن إحدى القرى الجبلية في ريف مدينة إب، وقد وجدت في البلاستيك وسيلة مجدية لمواجهة الظروف الاقتصادية المتردية، وتوفير الحد الأدنى من متطلبات العيش لعائلتها الصغيرة. دأبت هاجر على قص الكراتين، ودمجها بطريقة إبداعية مع مواد أخرى، مثل الفلين الذي يوضع تحت الثلاجات والغسالات، لتحويلها إلى “أشكال فنية جذابة تستخدم هدايا للأعراس في الريف”، كما تشرح.

يعمل زوج هاجر باليومية، وتشرح في حديث لمنصة ‘ريف اليمن’ أنه “بالكاد يستطيع توفير أبسط الحاجات الضرورية كالطحين والغاز، لكن غالباً يكافح عشان يوفر احتياجات أطفالي من ملابس ومتطلبات المدرسة، لهذا قلت أحاول جاهدة أن أخفف عن زوجي ولو حتى بجزء من حمله. أسعار منتجاتي تتراوح بين 500ـ1000 ريال (بين 0.5 و1 دولار)، في زبائن نساء وصديقات يأتين للبيت ويشترين مني، وأحياناً أبيعها لبعض المحال”.

ما تفعله هاجر وغيرها من اليمنيات من تحويل النفايات البلاستيكية إلى أعمال فنية، يمثل مظهراً إيجابياً، ومحل تقدير لبعض خبراء البيئة كونه ذا قيمة اجتماعية واقتصادية وبيئية؟

يرى الدكتور حاجب الحاجبي، وهو باحث في التغيرات المناخية وعلوم البيئة، أن هذا العمل “يقلّل كميات النفايات، ويطيل عمر المادة، ويوفر دخلًا للنساء والأسر، كما يعزز روح المبادرة والاقتصاد الدائري المحلي، ويسهم أيضاً فيرفع الوعي”. وعلى حد تعبيره فنحن أمام “أعمال فنية تُستخدم للتثقيف حول إعادة التدوير والحد من الاستهلاك”.

يمكن القول إن ما تفعله هاجر ونظيراتها يقدم منفعة كبيرة للبيئة تفوق فوائد إعادة التدوير، فمهنتها تندرج في إطار إعادة الاستخدام، وهذا من شأنه زيادة العمر الافتراضي للمواد، ويحد من انبعاثات الكربون الناجمة عن التخلص من البلاستيك.

مخاطر صحيّة

لا يخلو تدوير البلاستيك من مخاطر صحية وبيئية محتملة، يحذر الدكتور حاجب: “إذا لم تُنظف مخلفات البلاستيك جيداً قبل استخدامها فقد تحتفظ ببعض الملوثات (زيوت، سوائل، بقايا طعام) فتتحول ناقلاً للمسوسات أو مسببات الأمراض”. ويشرح الحاجبي مخاطر أخرى مثل “استخدام مواد مُذابة أو صمغ يحتوي على مذيبات، وهذا قد يعرّض الحرفيات/الحرفيين للروائح السامة أو التعرض الكيميائي”، منبهاً إلى أن بعض أنواع البلاستيك عند تسخينها أو قطعها قد تطلق جسيمات دقيقة أو أبخرة ضارة.


المهندس الزراعي عبد القادر السميطي: المواد البلاستيكية لم تعد مجرد مخلّفات عابرة، بل أصبحت قنبلة بيئية صامتة تهدد التربة والمياه والإنسان على حدٍ سواء.


يتعرض جامعو النفايات لمخاطر عديدة، بينها إصابات جسدية كالجروح من حواف المعادن والزجاج أثناء الفرز أو النقل، وصحية كالالتهابات والأمراض الجلدية جراء التعرض للنفايات الملوّثة والمواد العضوية، بالإضافة إلى الأمراض التنفسية بفعل استنشاق الغبار ودخان الحرق والروائح والملوثات. والأخطر من ذلك هو التعرض الكيميائي، فبعض الحاويات/العبوات قد تحتوي بقايا سوائل خطرة أو مذيبات ومواد مبيدية.

يوضح الحاجبي أن الأطفال أكثر عرضة للخطر نظراً لأن لديهم أجهزة مناعية غير مكتملة، بالإضافة إلى سلوكيات مرتبطة بهم مثل مصّ الأصابع.

من جانبها تشير الصحافية العفوري إلى أن جامعي البلاستيك، ولا سيما الأطفال، معرضون لمشكلات نفسية نتيجة العمل وسط القمامة، ونظرة المجتمع الدونية إليهم، لافتة إلى أن تزايد عددهم يعني مزيدًا من الأطفال خارج المدارس؛ ما يهدد مستقبلهم، ويعمّق دائرة الفقر.

استغلال وتحديات 

علاوة على كل المخاطر التي يواجهها أولئك البسطاء، فهم عرضة لاستغلال كبير من قبل مصانع التدوير أو تجار الجملة الوسطاء، فكل ما يجمعه الخمسيني ناجي قاسم طوال يومه من كل تلك العلب البلاستيكية لا يعود عليه بأكثر من 700 ريال يمني (1.3 دولار) وهذا المبلغ لا يكفي لشراء حتى وجبة غداء لعائلته الصغيرة.

تؤكد الصحافية العفوري وجود “استغلال واضح من قبل تجار ومصانع إعادة التدوير، إذ يشترون البلاستيك بأسعار زهيدة خصوصًا من الأطفال الذين لا توجد تشريعات حقيقية تحميهم، وإن وجدت فهي غير مطبقة بسبب الفوضى وضعف الدولة في ظل الحرب” وفق قولها.

أما هاجر جمال، فرغم أنها تعمل داخل بيتها ولا تواجه الظروف نفسها، لا يخلو عملها من التحديات، كقلة الدخل، والضغط النفسي بسبب الحاجة إلى تلبية الطلبات في مواعيد محددة. تقول: “العمل لساعات طويلة يمكن أن يكون مرهقًا جسديًا. وأحيانا يصعب عليّ الحفاظ على مستوى الإبداع في عملي”.

كما تشكو هاجر من عدم توافر بعض متطلبات مهنتها، “خصوصاً لأنه إحنا في قرية، ولا توجد عندنا الأشياء التي أريدها كمسدس الغراء اللاصق مثلاً. وما في أحد يقدر يشتريهن لي إلا إذا نزلت أنا للمدينة، وتكلفة التنقل غالية” حسب قولها.

تنصح هاجر النساء أن يكن مستعدات للعمل الجاد، وأن يتحلين بالصبر والإبداع، كما تنصحهن بالبحث عن مصادر دعم وموارد يمكن أن تساعدهن في سد حاجتهن وحاجات أبنائهن، في ظل الظروف الاقتصادية الخانقة.

لا بديل عن استراتيجية منظمة

قصة ناجي وزملائه، وما تواجهه هاجر ونظيراتها من تحديات، تؤكد أن الأفراد يؤدون دوراً حاسماً في إدارة أزمة النفايات، ولكن هذا الجهد الفردي لا يمكن أن يكون بديلاً من العمل المؤسسي والمنظم، فلكي يتحول البلاستيك من مصدر للبقاء إلى مورد مستدام، يجب تجاوز مرحلة تخفيف المشكلة إلى مرحلة الحل الشامل.

يؤكد الدكتور حاجب الحاجبي أن جامعي البلاستيك “عنصر حاسم وفعّال جزئياً، فهم يخففون المشكلة، لكن لا يحلّونها”، مشدداً على أن جهودهم لا تكفي دون سياسات وبنى تحتية مجتمعية ومؤسساتية.

بحسب دراسة حديثة  للمعهد الأوروبي للسلام، هنالك قلق خاص فيما يتعلق بالنفايات البلاستيكية، التي تتراكم على شكل أكياس وزجاجات وحاويات سوائل، وخاصة في المدن الكبرى مثل صنعاء. إذ يُشكل التخلص من النفايات البلاستيكية وحرقها في العراء مخاطر صحية على السكان والماشية والحيوانات الأخرى، بالإضافة إلى الحياة البحرية، كما أن لتراكم وحرق النفايات البلاستيكية غير المعالجة آثارًا ضارة على التربة والتنوع البيولوجي، وخاصةً حيث يتراكم البلاستيك في المناطق الزراعية.



ووفق منظمة  care البريطانية، يُشكل سوء إدارة النفايات الصلبة خطرًا حقيقيًا على صحة السكان؛ إذ تحتوي النفايات الملوثة على مواد كيميائية خطرة قد تُسبب أمراضًا، بما في ذلك الكوليرا وحمى الضنك، وآخرها كوفيد-19.

تقول الصحفية العفوري إن الحرب شلت دور الدولة تماماً، فلا توجد رقابة أو إدارة فاعلة للنفايات. مع ذلك، وللاستفادة من البلاستيك بطريقة ناجعة، يوصي الخبير البيئي حاجب بالعمل عبر المنظمات المحلية والبلديات والشركاء الدوليين لأن الدولة المركزية ضعيفة في مناطق كثيرة.

يسرد الحاجبي توصيات عديدة، أبرزها البدء بمشروعات جبهوية صغيرة قابلة للتكرار (scale-up) بدل السعي لتشييد بنية ضخمة فوراً، والتركيز على الوظائف النسائية وتمكين النساء في سلاسل القيمة (فرز، تصميم منتجات معاد تدويرها) مع مراعاة حماية الطفل والحقوق، مشيراً إلى أن دعم المشاريع النسائية الحرفية فكرة ممتازة بشرط التدريب ومراعاة إجراءات الصحة والسلامة، مع رقابة بسيطة، بالإضافة إلى بدء مشاريع تجريبية محلية للفرز وإعادة التدوير صغيرة الحجم، مع متطلبات بيئية وصحية واضحة.

كما يوصي بتنظيم ودعم جامعي النفايات (تسجيل، تدريب، حوافز مالية) فهذا “كفيل بتخفيف فوري للمشكلة المحلية، علاوة على منح الأولوية لحظر الحرق المفتوح، وبرامج التوعية المصحوبة ببدائل عملية”. كما يتطرق إلى وجوب حماية الأطفال مطالباً بمنع عملهم فورياً وتوفير بدائل تعليمية/ اقتصادية للأسر.

على الأرجح أن الخمسيني ناجي لا يفكر بكل هذه الاستراتيجيات، فهاجسه الوحيد هو أن يعود محملاً بما جمعه من البلاستيك كل يوم مع غروب شمس إب، وهو يأمل أن يسد بثمنه جوع أسرته، غير مدرك أنه بنشاطه هذا يسد ثغرات كبيرة في منظومة بيئية أنهكها الخراب.


*ُأنتجت هذه المادة في إطار برنامج تدريبي بالتعاون مع “أوان” ومنظمة “دعم الإعلام الدولي” International Media Support ( lMS)

حوطة الفقيه في شبوة: عراقة تاريخية وجمال معماري

0

حوطة الفقيه أو كما تُعرف باسم حوطة الفقيه علي هي قرية تاريخية تقع على ضفاف وادي عمقين، وتتبع إدارياً مديرية ميفعة بمحافظة شبوة (جنوب شرق) اليمن، وتعتبر من أقدم قرى المحافظة، إذ يزيد عمرها على السبعمائة عام، وتمثل نقطة التقاء للتاريخ، التجارة، والثقافة المحلية.

وكلمة حوطة تعني “القرية” أو “المستوطنة الصغيرة”، أما الفقيه علي فهو مؤسس المدينة وعلامة تاريخية، وقد سُمّيت المدينة باسمه تكريماً لإسهاماته في نشأتها.

لعبت حوطة الفقيه دوراً مركزياً في التجارة بين مدن شرق وغرب شبوة، كانت المدينة القرية إقامة أسواق سنوية تُعرف بالمولد مرتين في السنة، حيث كان التجار من مختلف مناطق المحافظة ومأرب المجاورة يتوافدون للبيع والشراء واستمرت حركة التجارة فيها حتى نهاية خمسينات القرن الماضي بعد استخدام السيارات بدلا عن الإبل وشق الطرق الترابية.

وتضم القرية التأريخية مايزيد عن 8 آلاف نسمة وفق إحصاء 2004م، مع توقع زيادة مستمرة، ويشكل مشايخ آل فقية علي الغالبية الكبرى من السكان، ويعمل غالبية مواطنيها في الزراعة والتجارة، ورغم أهميتها، تعاني من نقص الخدمات الأساسية، خصوصاً في مجالات الصحة، التعليم، الكهرباء، والمياه.

وتقع المدينة على أراضٍ خصبة بفضل وادي عمقين وأمطارها الموسمية الغزيرة، ما يجعلها مناسبة للزراعة والحراثة، إلا أنها تتعرض أحياناً للفيضانات، كان أخطرها في عام 1996م، مما أدى إلى خسائر بشرية وجرف أراضٍ واسعة، وفق صفحة مشخي

تشتهر حوطة الفقيه علي بمبانيها الطينية الفريدة، التي تحاكي ناطحات شبام بحضرموت التقليدية، وتبرز دقة البناء الهندسي وفن العمارة التقليدية رغم مرور القرون، وهو ما سنعرضه في هذه الصور التي وثقها أمجد ابوداحس.

الرقص الشعبي في صعدة.. إرث يروي الهوية ويعزز التواصل الثقافي

0

عند الغروب في قرية جبلية بمديرية رازح بمحافظة صعدة شمال غرب العاصمة صنعاء، تصطف الصفوف وتشُد الأحزمة على الجنابي ويعلو إيقاع الطبول بخفة مدروسة، ويندفع الراقصون في قفزات دائرية يلمع نصل الجنبية في الهواء ثم يعود إلى خاصرة صاحبه في حركة محسوبة ومدروسة في مشهد مألوف في أعراس صعدة ومواسمها.

على مدى سنوات والرقصات الشعبية مألوفة في أعراس صعدة ومواسمها لكنها أيضا تجد أصداءها على الضفة الأخرى من الحدود في نجران وعسير وجازان حيث تتجاوب الإيقاعات والقصائد والحركات وكأن الجبال تتبادل السلام خطوة بخطوة.


    مواضيع مقترحة


في عصر التطور التكنولوجي المتسارع تظل الرقصات التقليدية في محافظة صعدة شاهداً حيا على إصرار المجتمع في الحفاظ على هويته الثقافية ليست هذه الفنون مجرد أداءات حركية، بل هي تعبير عن التاريخ والانتماء والقيم المجتمعية التي تتحدى ظروف الحرب والنزوح.

إرث لا يندثر

تمثل الرقصات الشعبية جزءاً أساسياً من المناسبات الاجتماعية والدينية والاحتفالات القبلية حيث ذكر علي المحمدي الباحث في الرقص الشعبي اليمني في كتابه الرقصات الشعبية اليمنية أن محافظة صعدة تتميز برقصات تفوق المحافظات اليمنية الأخرى وتظهر تنوعاً كبيراً في الأنواع أكثرها شهرة هي المثلوث، السحار، النسر والرازحية.


تمثل الرقصات الشعبية جزءاً أساسياً من المناسبات الاجتماعية والدينية والاحتفالات القبلية ويعتبر البرع الصعدي حركة حيوية سريعة الإيقاع


رقصة المثلث هي رقصة ثلاثية يتناغم الأداء بين ثلاثة أنماط متناسقة ويحمل في طياته إحساسا بالحركة والأداء المتسق، أما رقصة السحار فتقدم بإيقاع واحد لكن يتم الانتقال فيه بطريقة انسيابية  تشبه الأداء العسكري يلبس فيها الزي التقليدي الجنبية والثوب اليمني ويظهر ذلك شكلا هندسيا يتم تداخله مع الإيقاع ذاته.

وتحاكي رقص النسر حركات النسر المنقض على فريسته حيث يظهر الراقص حركات دقيقة تحاكي طيران النسر في السماء وتعزز من عمق الرقص كأنها تدعو الجمهور للتأمل في طبيعة الطيران والحرية، أما الرازحية فتعتبر من أشهر رقصات صعدة تظهر فيها الحركة البطيئة والهادئة التي تتخللها حركات دقيقة مع إيقاعات ناعمة تعطي شعورا بالسكينة والدفء.

البرع الصعدي

يعتبر البرع الصعدي حركة حيوية سريعة الإيقاع تؤدى في الأفراح والمناسبات السعيدة، إذ يقول “فؤاد الشرجبي” مدير البيت اليمني للموسيقى أن هناك غناء صعديا متميزا جدا وإيقاعات ورقصات، ولديهم جزء من الروح البدوية وتنوع في الألوان الغنائية “إن صعدة تظهر تنوعا ثقافيا لا يضاهى”.

ويقول “محمد علي ثامر” مدير عام الإحصاء الثقافي بوزارة الثقافة والسياحة إن جهود توثيق التراث الموسيقي والفلكلوري اليمني توقفت منذ اندلاع الحرب بعد أن كان مركز التوثيق الموسيقي يحقق إنجازات بارزة.

وأكد خلال حديثه لـ”منصة ريف اليمن”، أن غياب الأرشفة المنهجية أدى إلى تراجع يهدد بقاء الرقصات الشعبية والتراث الغنائي، مشيرا إلى أن الجهود الحالية تقتصر على مبادرات فردية محدودة مثل بعض الأنشطة التي يشرف عليها البيت اليمني للموسيقى في ظل غياب خطط رسمية شاملة بسبب الأوضاع الراهنة.

في ظل الحرب والتحديات تتحول الرقصات إلى وسيلة للمقاومة السلمية تعبر عن التمسك بالهوية والكرامة، وتعزز السلام الداخلي والتلاحم المجتمعي. التراث الراقص في صعدة ليس مجرد فنون أدائية، بل هو روح مجتمع حي يعبر عن تاريخه وقيمه وتطلعاته.

يلعب الشباب دوراً مهماً في الحفاظ على الرقصات التقليدية؛ يتعلمون وينقلون هذه التقاليد إلى الأجيال المقبلة من خلال توثيق هذه الفنون ،وتطوير عروض تزاوج بين الأصالة والحداثة مما يضمن استمراريتها.


أصبحت منصات التواصل أدوات حيوية لنشر الرقصات التقليدية حيث توثق المقاطع وتشارك على نطاق واسع؛ مما يحولها إلى ذاكرة رقمية تحفظ التراث من الاندثار


“ناصر الوادعي ( 50 عاماً)” أحد سكان منطقة رازح بمحافظة صعدة، يؤكد أن الرقصات هي ذاكرة شعبنا الحية في كل مناسبة نجتمع فيها لأداء البرع أو الرقصة الرازحية، نعيد اكتشاف روابطنا بعضنا ببعض، ونذكر أنفسنا بأننا أقوى عندما نكون وحدة واحدة.

هوية وتراث

تتشابه نجران السعودية مع صعدة اليمنية في الرقصات والحركات الجماعية والإيقاعات المستمدة من البيئة الصحراوية للتراث الفني؛ فرقصة الزرافة التي تؤدى في نجران تشبه إلى حد كبير رقصة المثلوث بصعدة.

يقول الشاب “عبد الرحمن عداوي (33 عاماً)” وهو أحد سكان منطقة نجران: “رقصاتنا متشابهة إلى درجة كبيرة سواء في الإيقاع أو في الرموز التي تحملها كرقصة الزرفة النجرانية ورقصة المثلوث الصعدية”.

أما “محمد القاضي (35 عاما)”، أحد سكان محافظة صعدة فيقول: “الرقصات ليست مشابهة فحسب بل هي نفسها (البرعة) فهم نفس القبائل فقط، الحدود جعلتهم جزءاً داخل اليمن وآخر داخل السعودية، وإلا فهي جميعا قبائل خولان بن عامر بمحافظة صعدة وفي السعودية”.

ويضيف: “لا يزالون ينتسبون الى خولان بن عامر إلى الآن ويتعزوا بهذا، فهي قبائل خولانية لها نفس العادات والتقاليد والبرع، وتحافظ عليها بشكل كبير، وهي قبائل كبيرة تمتد من حدود منبه ورازح حتى تصل إلى أبها مثل قبائل فيفا وبني مالك وصبيا والحرث وجميع قبائل عسير وجيزان”.

الرقص والتكنولوجيا

مؤخراً أصبحت منصات مثل يوتيوب وتيك توك وانستغرام وفيس بوك وغيرها أدوات حيوية لنشر الرقصات التقليدية حيث توثق المقاطع وتشارك على نطاق واسع؛ مما يحولها إلى ذاكرة رقمية تحفظ التراث من الاندثار وتفتح آفاقا للتواصل الثقافي العابر للحدود، وفي عصر التكنولوجيا لم يعد الرقص الصعدي اليوم حكرا على الرجال، بل بات يأخذ حيزا في حفلات وأعراس النساء اليمنيات كنوع من أنواع الاحتفال والابتهاج.


يظل التراث الراقص في صعدة أكثر من مجرد حركات وإيقاعات فهو لغة هوية تحفظ جذور الانتماء وتبني جسوراً من التواصل الثقافي بين المجتمعات


تقول “أمل محمد ( 25 عاماً)” ذهبت إلى عرس في صنعاء وشاهدت مجموعة نساء يرقصن رقصا جديدا وجميلا جدا، وحينها سألت عنه تبين لي أنه صعدي، وتضيف لـ “منصة ريف اليمن”: “صحيح أن الرجال فقط من يرقصون هذا النوع لكنه راق للنساء في العرس وتمارسه النساء في الكثير من المناسبات النسائية “.

يظل التراث الراقص في صعدة أكثر من مجرد حركات وإيقاعات فهو لغة هوية تحفظ جذور الانتماء وتبني جسوراً من التواصل الثقافي بين المجتمعات، وعلى الرغم من الحرب وتحديات العصر يبقى هذا الفن الشعبي شاهداً على أن الثقافة قادرة على البقاء والتجدد مهما تغيرت الأزمنة.

لأول مرة في اليمن… مزاد وطني للصقور بمدينة المكلا

0

أعلنت الجمعية اليمنية لرياضات وسباقات الصقور، عن تنظيم المزاد الوطني الأول للصقور المطروحة في اليمن، والمقرر إقامته في الـ 15 نوفمبر 2025م بمدينة المكلا، تزامنًا مع فعاليات اليوم العالمي للصقور، في خطوة وطنية مسؤولة لتنظيم رياضة الصقارة في اليمن على أسس قانونية وتوعوية.

وبحسب الجمعية يهدف المزاد، إلى تنظيم عمليات بيع الصقور المطروحة داخل اليمن بطريقة قانونية ومسؤولة، وتشجيع الصقّارين على الممارسات السليمة في الطرح، بما يسهم في نشر الوعي البيئي وحماية الأنواع، ويعزّز الهوية التراثية لرياضة الصقارة اليمنية كإرث حضاري عربي أصيل.


   مواضيع مقترحة


الجمعية أكدت أن المزاد فعالية توعوية وتنظيمية وليست تجارية، وتُقام تحت إشرافها المباشر ووفق القوانين والضوابط البيئية النافذة في الجمهورية اليمنية، مع منع عرض الأنواع المهددة بالانقراض مثل الصقر الحُر والجير والصقور المُهجّنة.

وأوضح رئيس الجمعية، الدكتور علي بادعام، أن الجمعية ستعمل خلال الفترة المقبلة على التنسيق مع الجهات الرسمية ذات العلاقة لضمان تطوير التجربة بما يتوافق مع التشريعات البيئية الوطنية والمعايير الدولية ذات الصلة.

مؤكدا بأن المزاد يُقام داخل الجمهورية اليمنية فقط، كفعالية توعوية وتنظيمية، تحت إشراف الجمعية ووفق القوانين البيئية النافذة، دون أي نشاط تصديري أو تجاري.

وتعد الصقارة من أقدم الرياضات العربية، ويعود تاريخها إلى 4000 سنة، وامتدت هذه الممارسة إلى ما قبل الإسلام وفي القرآن الكريم، تم ذكر “الجوارح” كوسيلة للصيد.

وتعود جذورها في اليمن إلى قرون طويلة، وارتبطت بالقبائل البدوية التي جابت الصحاري والوديان، معتمدة عليها في الصيد وتأمين الغذاء، وتعتبر رمزا للقوة والمهارة والاعتزاز بالنفس في الثقافة اليمنية، وتناقل هذا الفن عبر الأجيال وبشكل فردي.

وتُستخدم الصقور في القصص الشعبية والأشعار التي تمجد المهارات والخصال الحميدة للصقار، وتنظم القبائل مسابقات وعروضا للصقور يبرز أهميتها كجزء من الهوية الثقافية، وارتبطت بكرم الضيافة، حيث كانت الطرائد التي يتم صيدها تقدم في والمناسبات الاجتماعية الكبرى.

في عام 2010، أدرجت منظمة اليونسكو الصقارة ضمن التراث الثقافي غير المادي للبشرية، وتُمارس هذه الرياضة في أكثر من 90 دولة حول العالم.

الفرق بين الأبقار الأوروبية والأبقار الهندية

0

تعد الأبقار من أوائل الحيوانات التي استأنسها الإنسان منذ آلاف السنين، وتختلف صفاتها وفقاً للظروف البيئية والجغرافية التي تربت فيها، وتنقسم إلى نوعين رئيسيين، يختلف كل منهما في الشكل والإنتاجية، ما يسهل التمييز بينهما واختيار الأنسب للتربية في ظروف مختلفة.

النوع الأول هي الأبقار الأوروبية (Bos taurus) وهي التي نشأت في المناطق المعتدلة وشبه المعتدلة، وتشتهر بإنتاجها المرتفع من الحليب واللحم، لكنها تحتاج إلى بيئة معتدلة لضمان أفضل أداء، وأما النوع الثاني فهي الأبقار الهندية (Bos indicus / الزيبو)، وهي التي نشأت في شبه القارة الهندية والمناطق الاستوائية، وتتميز بتحملها العالي للحرارة والجفاف والطفيليات.

وفي بلادنا، تنتشر أبقار الزيبو بشكل واسع بين المربين، بينما توجد الأبقار الأوروبية مثل الفريزيان بأعداد محدودة في المزارع النموذجية التي توفر لها ظروفًا مناسبة. في هذا التقرير الإرشادي نستعرض أبرز الفروقات للإجابة عن تساؤل أحد المتابعين الذي وصلنا إلى البريد حول كيفية التمييز بين الأبقار الأوروبية والهندية.

مواصفات الأبقار الأوروبية:

  • لا يوجد لديها سنام فوق الكتف.
  • الظهر مستقيم وبنية الجسم قوية.
  • كبر حجم الجسم ونمو سريع للعجول.
  • إنتاج عالٍ من الحليب واللحوم بفضل التحسين الوراثي.
  • تتحمل البرودة أكثر من الحرارة.
  • صحة أفضل في المزارع المنظمة مع تغذية ممتازة ورعاية متخصصة.
  • مناسبة للمزارع الحديثة التي توفر التهوية والتبريد ومياه وفيرة.
  • تحتجا الى كميات كبيرة من الأعلاف.
  • هادئة وأكثر اعتماداً على إدارة مكثفة.
  • أقل تحملاً للأمراض المدارية.
  • تحتاج إلى ظروف ملائمة لضمان خصوبة عالية ومعدلات ولادة جيدة.
أبقار الزيبو هي النوع المنتشر في اليمن، مع وجود أبقار أوروبية (فريزيان) بأعداد قليلة

    مواد ذات صلة:


مواصفات الأبقار الهندية:

  1. وجود سنام واضح عند منطقة الكتفين.
  2. لبّب (جلد مترهل) أسفل الرقبة يساعد في تبريد الجسم.
  3. أذان كبيرة وقرون غالباً أطول.
  4. حجم الجسم أصغر من الأوروبية
  5. تحمل عالٍ للحرارة والجفاف والطفيليات.
  6. أقل كلفة في التربية وملائمة لبيئتنا الريفية.
  7. نشاطها أكبر وقدرتها على الاستفادة من الأعلاف الضعيفة أفضل.
  8. أكثر يقظة وحذراً في التعامل مع البيئة المحيطة.
  9. تتحمل الأمرااض بشكل أفضل من الأوروبية.
  10. تتسلق الجبال والمراعي بشكل أسرع وأفضل من الأوروبية.
  11. تمتلك خصوبة جيدة وتحافظ على الأداء التناسلي حتى في الظروف القاسية.
  12. لونها غالباً فاتح، يساعد على عكس الحرارة، بينما ألوان الأوروبية متباينة.

لكلٍ من الأبقار الأوروبية والهندية مميزات تناسب البيئات التي تكيفت معها، لذلك فإن اختيار السلالة الأنسب يعتمد على المناخ وطرق التربية المتاحة لتحقيق أفضل إنتاج ممكن.


هذه النصائح لكم/ن
إذا كان لديكم/ن أي استفسار أو تحتاجون إرشاداً بشأن الزراعة أو الماشية، أو النحل، أو الصيد البحري، من المهندس الزراعي في منصة “ريف اليمن”، بإمكانكم التواصل معنا عبر البريد الالكتروني – info@reefyemen.net. أو التواصل معنا عبر الواتساب على الرقم: 777651011.
تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعي التالية: –
فيسبوك . تويتر . واتساب . تلغرام . إنستغرام

هل يُسرق ضريح الشبزي من اليمن؟

0
من هو الشبزي
تقع القبة والضريح في مدينة تعز ملاصقة لقلعة القاهرة

تتجدد محاولات سرقة قبة وضريح الشبزي الذي يقع في بالقرب من قلعة القاهرة في مدينة تعز جنوب غربي اليمن، استغلالاً لحالة عدم الاستقرار في البلاد، والإهمال المتراكم للمواقع التأريخية والتراث الثقافي الذي يشهد عملية نهب واسعة.

هذا المقال أعتبره نداءً عاجلاً لإنقاذ قبة وضريح الشبزي في تعز، والذي سبق أن حظي باهتمام منظمة الأمم المتحدة للثقافة والعلوم (يونسكو) قبل الحرب ثم تراجعت الجهود. اليوم تزيد المخاطر بالطمس والنهب ونقل الرفات، ونطالب بتحرك رسمي عاجل وشراكات فاعلة لإعادته إلى دائرة الرعاية الدولية وصونه للأجيال.

وسبق أن سُرقت آثار يمنية تتعلق بيهود اليمن بشكل معلن، ففي مارس/ آذار 2016، استعرض رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، مخطوطة يمنية من التوراة وصلت مع دفعة من اليهود اليمنيين الذي غادروا إلى “إسرائيل”.

وذكرت الوكالة اليهودية أن المجموعة التي قدمت من ريدة في عمران (شمال اليمن) تضم حاخام يهود اليمن يحيى يوسف، وأحضر مخطوطة من التوراة يعتقد أن عمرها ما بين 500 و600 عام”، ونشرت وسائل عبرية لقطات لنتنياهو وهو يتصفح مخطوطة التوراة القديمة.


تتجدد اليوم محاولات نقل رفات الشبزي، ومسخ تراث اليمن، وبيعه في المزادات الدولية، وقد أُفشلت مساعٍ سابقة قبل الحرب عبر وزارة الخارجية اليمنية


وخلال العقود الماضية جرت العديد من المحاولات الإسرائيلية لسرقة رفات الشاعر اليهودي اليمني “الشبزي” آخرها في العام 2010، حينها عبَّر أبناء الطائفة اليهودية عن رفضهم لتلك المحاولة، وقال حاخام الطائفة اليهودية في اليمن فائز الجرادي: “لا يحق للصهاينة نقل الشاعر اليمني سالم يوسف الشبزي من وطنه اليمن”.

ضريح الشبزي

تقع القبة والضريح في مدينة تعز ملاصقة لقلعة القاهرة من جهتها الجنوبية الغربية، وتُعدّ من أبرز المعالم التاريخية والدينية والسياحية عالميا لفرادتها ونُدرتها. ورغم عقود من صيانة القلعة بتمويل دولي، بقي هذا المعلم خارج مظلة الرعاية التي تستحق قيمته الاستثنائية.

يشهد الموقع على تاريخٍ طويل من التعايش والإبداع اليمني، ويملك قابلية عالية للتحول إلى مقصد سياحي وثقافي متكامل. إن إبراز سرديته وتعريف العالم بخصوصيته يعيد إدراجه في خارطة الاهتمام الدولي، ويوفّر موارد مستدامة لمدينة تعز إذا توفرت إدارة حُسنى وتخطيط واضح.

القبة البيضاء – بما تحمله من حمولة رمزية – تمثل اليوم مساحة لقاء بين الذاكرة الدينية والهوية الثقافية، كما أن العمل على استعادتها إلى وضعها اللائق سيبعث رسالة يمنية قوية قوامها احترام التنوع والاعتزاز بالتراث، ويجعل من الموقع منصة للتعليم والتسامح، ولحوارٍ ثقافي لا ينقطع.

ضريح “الشبزي” في مدينة تعز جنوب غربي اليمن (جمال القرشي)

من هو الشبزي؟

الشبزي هو سالم بن يوسف الشبزي، وُلد في قرية نجد الوليد بشرعب السلام عام ١٦١٩م وتوفي في تعز عام ١٧٢٠م، واسمه العبري “موري شالوم شبازي”، نشأ في أسرة يمنية يهودية عريقة، وتلقى علوم الدين والأدب والتاريخ بالعربية والعبرية، وتميز بالفطنة والصبر والحنكة.

ويشير المؤرخ اليمني محمد مصلح، إلى أن اسم الشبزي الحقيقي “سالم بن أبي الجاد”، وهو من مواليد منطقة نجد الجبل غرب محافظة تعز، وقد كان شاعراً وأديباً ويعمل في نسج الأقمشة وهو عالم وحبر من كبار أحبار اليهود.

عمل في بداياته خياطا بحي المغرّبة، حيّ السلاطين والملوك في تعز، في حقب الأيوبيين والرسوليين ثم الطاهريين فالعثمانيين، هناك بزغ نبوغه العلمي والأدبي سريعا، فصار شخصية مؤثرة في المشهد الاجتماعي والثقافي، ومرجعا يتجاوز حدود طائفته إلى الفضاء العام للمدينة.

ترك الشبزي إرثا أدبيا وعلميا لافتا؛ عده باحثون من مؤسسي مدرسة الشعر الحُمَيني، ومؤلفا وملحنا للأغاني، وصاحب أطروحات في الفلك والتنجيم. نُشر ديوانه الفريد عام ١٩٧٧م بمعهد بن زيفي وضم ٥٥٠ قصيدة، ثم طُبع لهاليفي عام ١٩٩٨م أكثر من ٢٠٠ قصيدة طقسية صوفية.

تعددت أدوار الشبزي الاجتماعية والدينية: إصلاح ذات البين، والفتيا والقضاء داخل الطائفة، وتوثيق عقود الزواج، وإجراء الختان لأطفال اليهود والمسلمين، وإجازة المناسبات، وجمع الجزية من اليهود وتسليمها للحكام. بهذه الوظائف تكرست مكانته واحترامه لدى اليهود والمسلمين معا.


على مسؤولي اليمن في اليونسكو والجهات المعنية التحرك فورا لحماية قبة وضريح الشبزي وصيانتهما وترميمهما، ورفض محاولات نقل الرفات أو مسخ التراث


حظي بتقدير الأئمة المتعاقبين الذين قبلوا وساطاته لحل الإشكالات بين الطائفة والحكام، واعتبروا وجاهته ضمانة لإنهاء النزاعات. كان مقصدا للناس في حياته لقضاء الحاجات وجبر الخواطر، واستمرت مكانته بعد وفاته عبر زيارة ضريحه والتبرك به سنويا من شتى أنحاء اليمن.

تحولت القبة والضريح إلى رمز للتسامح والتعايش والمشترك التاريخي. هذا الرمز قابل للتفعيل سياحيا وتنمويا متى أُحسن استثماره، إذ يمكن أن يخلق فرص عمل، ويحقق موارد محلية. غير أن ذلك يتطلب صيانة متخصصة، وإدارة مهنية، وبرامج تعريفية تراعي حساسية المكان وقدسيته.

التهديدات وواجب التحرك

تتجدد اليوم محاولات نقل رفات الشبزي ومسخ تراث اليمن وبيعه في المزادات الدولية. وقد أُفشلت مساعٍ سابقة قبل الحرب عبر وزارة الخارجية اليمنية، انطلاقا من كونه جزءا أصيلا من التراث الثقافي الوطني، وجسرا يصل اليمن بالتراث الإنساني العالمي في بعديه الرمزي والمعرفي.

هذا الخطر لا يقتصر على نقل الرفات فحسب، بل يمتد إلى طمس السردية اليمنية للموقع، ونزع سياقه التاريخي والثقافي من بيئته. إن السكوت يمنح محاولات التشويه أرضا خصبة للتمدد، فيما يستدعي الواقع موقفا رسميا واضحا يرفض النقل والتهريب والبيع والتزييف، ويضع حدا لأي عبث.

المطلوب تحرك سريع يدمج الحماية القانونية المانعة، ورقابة ميدانية فعّالة، وخطة صيانة عاجلة، كما يلزم إعداد ملف متكامل لإعادة إدراج الموقع ضمن أولويات اليونسكو، مع برنامج ترويج دولي يُعرّف بإرث الشبزي ويؤكد صلته العميقة بالنسيج الثقافي اليمني الراهن.

ختاما، وباسمي، أوجه نداء استغاثة إلى مسئولي اليمن في اليونسكو والجهات المعنية: تحركوا فورا لحماية قبة وضريح الشبزي وصيانتهما وترميمهما، ورفض محاولات نقل الرفات أو مسخ التراث. نرجو تقديم ما يلزم من إجراءات وتمويلات وشراكات لإنقاذ هذا الموقع وإعادته إلى مكانته المستحقة.


المراجع
– الإمام يحيى بن الحسين بن القاسم (تحقيق: د. سعيد عبد الفتاح عاشور)، غاية الأماني في أخبار القطر اليماني، القاهرة: دار الكاتب العربي للطباعة، 1968م.
– المجاهد محمد بن محمد، مدينة تعز: غصن نظير في دوحة التاريخ العربي، الطبعة الأولى، 1997م.
– الهيئة العامة للسياحة – صنعاء، نتائج المسح السياحي لمحافظة تعز، 1997م.
– السياغي، أحمد بن الحسين، معالم الآثار اليمنية، صنعاء: مركز الدراسات والبحوث اليمني، 1980م.

الصيادون اليمنيون بين جحيم الحرب وتطرف المناخ

0

في منطقة الخيسة الساحلية بمدينة عدن، جنوبي اليمن، ترسو قوارب قليلة لعدد من الصيادين الذين ينتظرون هدوء أمواج البحر ليتمكنوا من الصيد. فهم يواجهون تحديات جمة جراء تداعيات الحرب و التغيرات المناخية التي شهدتها البلاد مؤخراً

“عبدالله ناصر (23 عاماً)” واحد من بين الصيادين في منطقة الخيسة، يؤكد لـ “منصة ريف اليمن” أن الصيد البحري مصدر دخله الوحيد الذي يعتمد عليه في تأمين الغذاء لأفراد عائلته، على غرار مئات الآلاف من الصيادين في اليمن.

ألحقت الحرب، خلال السنوات الماضية، أضراراً بالغة بالقطاع السمكي في اليمن، حيث أدت إلى تراجع دور مؤسسات الدولة، إذ تُشير التقديرات الرسمية في اليمن إلى أن الإنتاج السمكي انخفض بعد الحرب من 200 ألف طن سنويًا إلى 70 ألف طن فقط.


        مواضيع مقترحة

بين الحرب والمناخ

اضطر ناصر إلى استئجار قارب للصيد، كونه لا يملك قارباً، فيضطر لدفع نحو 10 آلاف ريال يوميا، موضحاً أن الوضع تغير جذرياً بعد ارتفاع سعر الصرف، مما دفع غالبية الصيادين إلى بيع قواربهم الكبيرة، وشراء قوارب صغيرة.

يشكو ناصر وغيره من الصيادين من غياب رصيف بحري أو كاسر أمواج يحمي القوارب الراسية من تقلبات البحر؛ مما يؤدي غالباً إلى سحب الأمواج لها نحو عمق البحر، ويقول “نحن بحاجة إلى إنشاء لسان بحري بطول يتراوح بين 40 و 50 متراً”.

وعن تأثير التغيرات المناخية في السنوات الأخيرة، يقول ناصر: “أثرت فيضانات شرق آسيا بشكل مباشر على سواحل عدن؛ جلبت ما يُعرف محلياً بـ “الزرو” وهو عبارة عن آثار ومخلفات للأشجار، إلى جانب النفايات البلاستيكية التي تلحق الضرر بالثروة السمكية.

تماماً مثل ناصر، يشكو الصياد “عبدالله علي” -المنحدر من منطقة الخوخة الساحلية بالحديدة- من تدهور الأوضاع المعيشية فهو يقيم في الخيسة منذ ثلاثين سنة، يشكو أيضاً من عدم إنصافه؛ إذ إن قاربه معطل ويحتاج إلى محرك جديد، مضيفاً بأنه يُسقط من كشوفات المستحقين للدعم من قبل المنظمات الدولية كلما تم قبوله، وهو ما ينعكس سلباً على عائلته.

وأكد علي لـ “منصة ريف اليمن” أن التغيرات المناخية كانت سبباً في حادثة اختفاء ثلاثة صيادين من منطقة البريقة العام الماضي، مشيراً إلى أن الصيادين خرجوا فجراً في أجواء مستقرة، غير أن الطقس لم يلبث أن تغير فجأة، ففُقدوا على إثره، ولم يتم العثور على جثثهم أو قواربهم حتى وقتنا الحاضر.

الصيادون اليمنيون بين جحيم الحرب وتطرف المناخ

غياب التنظيم

يتفق الصيادان ناصر وعبدالله أن من أبرز أسباب تراجع القطاع السمكي في اليمن، هي حالة العشوائية التي تسيطر على العمل دون نظام، مؤكدَين أنه أصبح يعمل في البحر كل من هب ودب، وليس لديهم أي احترام لأعراف البحارة والصيادين.

وعن ارتفاع أسعار السمك، أكد عبدالله أن الصيادين يبيعون سمك التونة مثلاً بسعر لا يتجاوز 2000 ريال للكيلوغرام الواحد، بينما يرفعه المضاربون في سوق الحراج ليصل إلى 10 آلاف ريال، كي يبيعه التجّار للمواطن بسعر 15 ألف ريال. ويضيف: “يشتري البائعون سمك الحوت بمائة ألف من الحراج، ويبيعونه في سوق السمك بثلاثمائة ألف ريال، وهذا يشكل عبئاً وظلم على المواطن بدون أي معايير رقابة وتنظيم”.

يرى المرشد السياحي “صلاح عبدالواسع” أن هناك تأثيرات عدة طرأت على الصيد البحري منذ اندلاع الحرب عام 2015 منها: قلة الوعي لدى غالبية الصيادين بسبب استخدام الشباك المحرم، وكذلك استخدام الأضواء عند الاصطياد ليلا فالسمك يهرب منها إلى الأعماق؛ إذ يفتقر الصيادون الحديثون إلى دورات تأهيلية توضح حقوقه وواجباته وما يضر البيئة البحرية.


دينا سالم: النساء يشاركن فعليًا في جميع مراحل العمل، حيث يستقلن القوارب، ويُجهّزن الشباك، ويصطدنّ الأسماك، ثم يَبِعْنها لإعالة أسرهن


وأوضح عبدالواسع لـ “منصة ريف اليمن” أن العمل غير منظم، على العكس من حضرموت التي مازالت هناك تتفعل قوانين الاصطياد بشكل صارم، أما في عدن فيوجد ثلاث مدراء لسوق الحراج وهم: جمعية الخيسة، حراج عبادل، خليج عدن؛ مما يشكل عشوائية وعدم تنظيم في الأسعار. وأضاف: من بين المشاكل مشكلة الوكلاء المحليين لكبار شركات الاصطياد الأجنبية التي تستنزف السمك؛ مما يحرم المواطن من حقه في ثروة بلده السمكية.

المرأة حضور وتحديات

في حديثها لـ”ريف اليمن”، قالت “أم محمد”، إحدى الصيادات من منطقة خور عميرة الساحلية وعضوة في جمعية المرأة الساحلية، إن مهنة الصيد البحري تعد جزءا أصيلا من حياة النساء في منطقتها منذ أجيال.

وأضافت: “منذ زمن جداتنا والمرأة في منطقتنا تمتهن الصيد البحري، وليس فقط تمليح السمك أو تجفيفه كما في بعض المناطق الساحلية المجاورة بعدن، نحن ننزل البحر في ساعات الفجر الأولى، ونرمي الشباك معًا فوق القارب، حتى أن من تقود القارب تكون امرأة أحيانًا”.

وبيّنت أن النساء في خور عميرة يضطلعن بجميع مراحل الصيد من رمي الشباك وسحبها محملة بالأسماك والأحياء البحرية، إلى إنزالها وبيعها في السوق، فضلًا عن حياكة الشباك وأعمال الصيد الأخرى.

وقالت: “نضطر إلى هذا العمل الشاق لإعالة أسرنا ومساعدة أزواجنا؛ كي لا نحتاج لأحد أو نستسلم للظروف. النساء في مناطق الصبيحة عمومًا نساء قويات، لا يخفن، ويحملن المسؤولية بكل شجاعة”.

واختتمت أم محمد حديثها بالتعبير عن أملها في أن تتلقى الجمعية دعمًا عاجلًا من المنظمات العاملة في المجال التنموي، مؤكدة أن “النساء الصيادات بحاجة ماسة اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى الدعم لضمان استمرارهن في العمل والحفاظ على هذا الموروث البحري العريق”.

بدورها أكدت “دينا سالم”، مديرة فرع هيئة المصائد والجمعيات للمرأة الساحلية في منطقة رأس العارة وخور عميرة بمحافظة لحج، أن المرأة الساحلية تعد عاملة ومنتجة بامتياز في القطاع البحري. وأوضحت في حديث لـ “منصة ريف اليمن”، أن النساء يشاركن فعليًا في جميع مراحل العمل، حيث يستقلن القوارب، ويُجهّزن الشباك، ويصطدنّ الأسماك، ثم يَبِعْنها لإعالة أسرهن.

وأضافت: “عملهن لا يقتصر على صيد الأسماك، بل يصطدن أيضًا الحبار في موسمه، ويجمعن “الظُّفْر” وهو نوع من المحار أو الرخويات التي تستخدمها النسوة، بالإضافة إلى مهارتهن في صناعة الشباك وحياكتها”.

الحاجة للمساندة

وعلى الرغم من ذلك، أشارت سالم إلى أن هؤلاء النسوة بأمس الحاجة إلى دعم ومساعدة المنظمات الدولية العاملة في الشأن البحري، مؤكدة أن المساعدات لا تصل إليهن، على عكس مناطق أخرى مثل فقم وعمران في محافظة عدن التي تحظى باهتمام المنظمات.

وضمن حديثها لـ “منصة ريف اليمن”، طالبت دينا سالم بإنشاء معمل نسوي كبير مخصص للصيادات في منطقتي خور عميرة ورأس العارة؛ بهدف ضمان تسويق وإنتاج أكبر، بالإضافة إلى تأهيل وتدريب أكبر عدد ممكن من النساء والفتيات في المنطقة للعمل في الصيد البحري.

وشددت على أهمية التدريب، سواء كان في الصيد المباشر، أو حياكة الشباك، أو تمليح الأسماك، مؤكدة ضرورة رفع الظلم عن المرأة الساحلية التي تمارس هذا العمل منذ عقود طويلة جنبًا إلى جنب مع شريكها الرجل الصياد لإعالة أسرتها.


يمتلك اليمن شريطا ساحليا يبلغ طوله أكثر من 2000 كيلومتر على امتداد البحر الأحمر وبحر العرب وخليج عدن، غني بالأسماك والثروة البحرية، وفق بيانات رسمية


في السياق ذاته، أكدت “سلمى عبدان”، رئيسة جمعية الساحل التنموية في منطقة عمران بعدن، أن الجمعيات النسوية الساحلية في محافظات مثل المهرة، وحضرموت، وشبوة، وأبين، وعدن، ولحج عملت على تطوير منتجات الأسماك، لا سيما في التطوير مثل التخفيف، والتجفيف، والتدخين، والتغليف، والتسويق، والمشاركة في إدارة مشاريع صغيرة تعود بالنفع على الأسرة والمجتمع الساحلي.

وأوضحت أن قطاع الصيد البحري في اليمن شهد تدهوراً كبيراً عقب اندلاع الحرب؛ الأمر الذي يتطلب تدخلاً عاجلاً لإنعاش هذا القطاع وإعادة تنظيمه، كونه يمثل مصدر دخل أساسي لملايين اليمنيين.

ويمتلك اليمن شريطا ساحليا يبلغ طوله أكثر من 2000 كيلومتر على امتداد البحر الأحمر وبحر العرب وخليج عدن، غني بالأسماك والثروة البحرية، وفق بيانات رسمية، ويعمل قطاع الاصطياد الساحلي التقليدي من خلال 129 تعاونية وجمعية سمكية، بإجمالي 23 ألفاً و582 قارباً، و83 ألفاً و157 صياداً، حتى عام 2012، حسب المركز الوطني للمعلومات.

العلان.. موسم زراعي يبهج سكان الريف

0

يُعد العلان من أبرز المواسم الزراعية في اليمن، ويبدأ عادة في منتصف شهر سبتمبر ويستمر حتى منتصف أكتوبر حسب التقويم الحميري، أي من 15 سبتمبر إلى 15 أكتوبر تقريباً (مع اختلاف متفاوت من منطقة إلى أخرى)، ويشكل ختام السنة الزراعية الصيفية – تكون فيه الذرة بمرحلة الجهيش -. (تقول روايات أخرى أن العلان يستمر لنحو شهرين أي الى ما بعد الحصاد).

ويُعرف هذا الموسم بأنه وقت جز الحشائش وتجهيز الأعلاف من المساحات الخضراء (تسمى عرش- عروش- صلابي – صليبه -) للمواشي استعداداً لفصل الشتاء، كما يحمل دلالات البشارة بقرب الحصاد، إذ تنضج خلاله محاصيل مثل الذرة، القمح، العدس، الشعير، إضافة إلى البن وبعض الفواكهة مثل البرتقال.

خلال موسم العلان، تتضاعف الأعمال اليومية لسكان الريف، لا سيما للمرأة، التي تشارك بشكل أساسي في جميع الأنشطة الزراعية وتحضير الأعلاف، ويأخذ العاملون معهم مستلزماتهم من الطعام والشراب إلى مواقع العمل، وقد تمتد ساعات العمل من الصباح الباكر وحتى المساء، تعبيراً عن الجهد الكبير المطلوب خلال هذا الموسم الحيوي.

وتقوم النساء بجمع الحشائش وقطعها بأدوات تقليدية مثل “الشّريم”، ثم لفها وتخزينها على شكل حزم صغيرة لتغذية الأبقار والثيران، غالباً بالتعاون مع الجيران (وتبادل التعاون)، أو مقابل أجر يومي تحصل عليه العاملة “الشاقية”، نحو ثلاثة آلاف ريال (18 دولار).

ويمثل هذا الموسم تحدياً جسدياً واجتماعياً كبيراً، خصوصاً لمن لا يملكن دعماً أسرياً، لكن دوره الحيوي يضمن استدامة الإنتاج الزراعي ويجعل المرأة محوراً أساسياً في اقتصاد القرية المحلي.

ويراف موسم العلان، العمل اليومي للرجال والنساء أداء الأهازيج والمهاجل الشعبية التي ارتبطت بهذا الموسم في التراث اليمني. من أبرزها:

  • لعن أبوك يا الخريف.. علان صدّر بتعريف.. المسابل جهيش.. والجعدنة أصبحت ليف.. والمثمر يطوف.. يكتب وفي الكُم عنصيف.
  • ليتك تجي وقت علان.. تشوف كحيل الاعيان.. وبالة ومغرد وخلان..

توثّق هذه الأهازيج والمهاجل الفرح الشعبي والتواصل بين الإنسان والطبيعة والاعتماد على الأرض كمصدر للعيش، كما تعكس روح التعاون والاحتفال بالموسم في القرى اليمنية.

ويظل موسم العلان أحد الأعمدة الأساسية للزراعة اليمنية، جامعاً بين النشاط الزراعي الجسدي، والإيقاع الفلكي الطبيعي، والتراث الشعبي، مؤكداً على علاقة الإنسان بالأرض ودور المرأة الريفية في استدامة الإنتاج المحلي والحياة الاجتماعية للقرى. فيما يلي نشارككم مجموعة من الصور التي توثق جانبًا من هذا الموسم السنوي في الريف اليمني.

صور من صفحة المصور: يوسف الجبل

صور تم تجميها من منصة فيسبوك:

صراع المياه.. رابع عروض سينما الأربعاء بالشراكة مع منصة ريف اليمن

0

في إطار الشراكة مع منصة ريف اليمن، وضمن عروض شهر أفلام “الحياة الريفية”، الذي تُقيمه بيت الصحافة ومؤسسة أرنيادا للتنمية الثقافية، عرضت سينما الأربعاء، فيلم “جان دي فلوريت Jean de Florette “، الذي صدر عام 1986م، ويحكي قصة الصراع على الماء.

يحكي الفيلم المأخوذ من رواية مارسيل بانيول عن صراع المياه ملخصًا قصة رجل قرر مع زوجته وابنته العودة من المدينة إلى منزله القديم وحقوله الجبلية في ريف بروفانس، للعمل على الزراعة، لكنه وبعد نجاح موسم واحد يواجه شحة المياه ويسعى بدأب للبحث عن مصادر قريبة في ظل صراع مبطن مع جيرانه الذين يخفون عنه سراً كفيل بإنقاذه.


   مواضيع ذات صلة

ينتهي الفيلم بمأساة تحيل المشاهدين إلى تكملةٍ في جزء ثانٍ بعنوان  «مانون الربيع Manon des Sources» سيتم عرضه في الأربعاء الأخير من شهر أكتوبر ختاماً للأفلام التي استعرضت قضايا الريف من خلال فن السينما وتجارب الشعوب المختلفة.

وتواصل “سينما الأربعاء” بالشراكة مع منصة “ريف اليمن” من خلال هذا العرض تسليط الضوء على التجارب السينمائية التي تلامس واقع الريف وتعكس ملامحه الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، في محاولة لربطها ببيئة الأرياف اليمنية، تعزيزًا لدور الإعلام في تغطية قضايا الريف في اليمن.

والأسبوع الماضي نفذت ريف اليمن مع شركائها في مؤسسة أرنيادا للتنمية الثقافية وبيت الصحافة حملة صور  بمناسبة اليوم العالمي للمرأة الريفية، بالإضافة إلى عرض فيلم في بيت الصحافة.

وخصص شهر أكتوبر الحالي لأفلام الحياة الريفية تزامنا مع اليوم العالمي للمرأة الريفية بهدف إبراز قضايا الريف اليمني ومعاناة سكانه عبر الفن السابع، وربطه مع الإنتاج الصحفي بالشراكة مع منصة ريف اليمن.