خلال موسم الأمطار الغزيرة التي شهدها اليمن في الشهرين الماضيين، لم تكن السيول وحدها مصدر قلق لمزارعي وادي نخلة شمال محافظة تعز، بل الحواجز المائية المهجورة التي تحولت من مشاريع تنموية واعدة إلى خطر دائم يهدد الأرض والإنسان، فغياب الصيانة لسنوات طويلة جعلها تفقد وظيفتها الأساسية في حفظ المياه وتنظيم جريان السيول.
تراكمت كميات ضخمة من الرواسب في قاع تلك الحواجز، حتى انسدت ممراتها وتحولت إلى سدود عشوائية، تدفع السيول نحو المزارع بدلا من احتوائها، مسببة دمارا واسعا في الأراضي الزراعية.
يقول المزارع “محمد سعيد الصوفي”: “تعرضت مزارعي التي تحتوي على أشجار المانجو والموز إلى دمار واسع، خسرت معظم محاصيلي، وغطت الأتربة القادمة من الحواجز المائية التربة الخصبة بطبقات كثيفة”.
مصدر خطر
ويضيف لـ “منصة ريف اليمن”: “كنا نأمل أن يكون الحاجز المائي شريان حياة لمزارعنا، لكنه أصبح اليوم مُهدِّداً مباشراً لأراضينا ومزارعنا، رغم الحذر من الكارثة، لكن لم يكن باليد حيلة”.
وأشار إلى أن الأراضي الزراعية في الوادي تتميز بتربة خصبة، لكن السيول طمرتها بطبقات من الأتربة المتنوعة، وجرفت ما تبقى من محاصيل زراعية، وأصبح السكان بلا مصادر دخل، كون اعتمادهم الرئيسي على تلك المزارع.
من جهته يروي المزارع “عبد العزيز الشرعبي” المأساة المتكررة ويقول: “كل عام نعيش الكارثة ذاتها؛ السيول تجرف محاصيلنا وتغمر أراضينا بالأتربة، والسبب أن الحواجز لم يتم صيانتها منذ أكثر من عقد ونصف”.
ويضيف لـ “منصة ريف اليمن”: “أصبحت السيول أقوى، والحواجز أضعف، ونحن الخاسر الأكبر، نطالب الجهات المختصة بالتدخل العاجل لتنظيف الحواجز ورفع الرواسب المتراكمة فيها؛ حتى لا تتكرر المأساة في الموسم المقبل”.
غياب الصيانة
يصف المهندس “عبدالقادر السميطي” المشهد للحواجز قائلاً: “الحواجز المائية التي أنشئت في وادي نخلة قبل نحو سبعة عشر عاما، كانت مشروعا طموحا لاحتجاز مياه السيول وتغذية المزارع، لكنها تحولت بمرور الوقت إلى خطر قائم”.
صور تظهر الحاجز المائي ممتلئاً بالأتربة والرواسب ما يجعله مصدر تهديد للمزارعين وأراضيهم (ريف اليمن)
ويؤكد السميطي خلال حديثه لـ”منصة ريف اليمن”، أنه بسبب غياب الصيانة الدورية والرقابة الفنية، تراكمت الرسوبيات داخل الحواجز حتى فقدت سعتها التخزينية، مضيفا: “بعد 17 عاما دون صيانة دورية، أصبح الحاجز أقرب إلى منشأة منهارة وظيفياً منه إلى منشأة خزنية فعّالة، وتحول لمصدر تهديد للأراضي الزراعية”.
وعن الآثار المباشرة، قال السميطي: “على المدى القريب سيؤدي الوضع إلى فقدان جزء كبير من سعة الحاجز، وزيادة فيضان السيول أثناء الأمطار الغزيرة، وطمر مساحات زراعية كبيرة، وانخفاض انتظام إمدادات الري”، لافتا إلى أن العواقب بعيدة المدى ستشمل تحول الحوض إلى مستنقع رسوبي مغلق يقلل من نفاذية التربة، وفشل منشآت الري، وتقلص الرقعة الزراعية الصالحة، وهجرة بعض المزارعين.
وبيّن أن تراكم الرواسب رغم أنه قد يحمل مواداً عضوية مفيدة مؤقتاً، إلا أن الطمر العميق يدفن الطبقة السطحية الخصبة ويغير بنية التربة؛ مما يقلل التهوية والنفاذية، ويؤدي إلى مشاكل تصريف وزيادة الملوحة، والنتيجة النهائية هي انخفاض غلة المحصول وجودته.
وحذّر السميطي من أن غياب الصيانة قد يحول السدود من أدوات إدارة مياه قيمة إلى أعباء، مؤكداً أن الصيانة الدورية ضرورية لاستمرار فاعليتها، ويرى أن الإجراءات المقترحة يجب أن تكون مرتبة بالأولوية، بدءاً من التقييم الفني الميداني، وإزالة الرواسب، وإعادة تأهيل ممرات التصريف.
تراكم الرواسب
تواجه العديد من الحواجز والسدود في اليمن مشكلة تراكم الرواسب في قاعها، وهي ظاهرة عالمية، لكنها في اليمن تتضاعف بسبب تضاريسنا المتفاوتة، وارتفاع شدة الأمطار، فالجريان السطحي الناتج عن الأمطار الغزيرة يجرف الأتربة من أعالي المرتفعات إلى بطون الأودية والحواجز؛ ما يؤدي إلى تراكم الرواسب عامًا بعد آخر.
السميطي: بعد 17 عاما من عدم الصيانة الدورية، أصبح الحاجز أقرب إلى منشأة منهارة وظيفياً منه إلى منشأة خزنية فعّالة وتحول لمصدر تهديد للأراضي الزراعية.
ويوضح الخبير البيئي “د. أنور الشاذلي” المختص في قضايا البيئة والتغيرات المناخية أن الرواسب في قاع الحواجز المائية والسدود تمثل مشكلة عالمية، إلا أنها في اليمن تشكل معضلة مضاعفة لأسباب عدة، لافتًا إلى أن التضاريس اليمنية متباينة بين عالية المرتفعات ومتوسطة الارتفاع، إضافة إلى وجود المرتفعات القريبة من السهول الواسعة المعروفة بالأودية.
وأضاف الشاذلي لـ “منصة ريف اليمن” أن الشدة المطرية العالية في اليمن، خصوصًا أثناء الهطول الكثيف، تتفاعل مع هذه التضاريس المتفاوتة لتنتج جريانًا سطحيًا قويًا جدًا، حيث تتسارع السيول عبر الممرات الضيقة محدثة ضغطًا عاليًا على الحواجز والسدود.
ولفت إلى أن هذا الأمر يجعل تراب اليمن عرضة لعمليتي الهدم في أعالي المرتفعات والرواسب في بطون الأودية والحواجز، وهي العملية التي صنفت أكثر من 65% من تربته على أنها “تراب أنديزول”، أي ترب حديثة التطور وتراكمية، غير مستقرة، وحساسة لتراكم السيول والأمطار.
وأشار الشاذلي إلى أن الأمطار الغزيرة تجرف الأتربة من أعالي الجبال إلى أسفل، لتصطدم بالحواجز التي جفت منها المياه، ما يزيد من تراكم الرواسب عامًا بعد آخر، موضحًا أن هذا التراكم له آثار كبيرة، أولها حرمان الأراضي الزراعية من المواد الخصيبة التي تحملها هذه الأتربة، والتي تساعد على تحسين الخواص الفيزيائية للتربة وإغنائها بالعناصر الطبيعية والأكاسيد.
ويشير إلى أن استمرار تراكم الرواسب يؤدي إلى انخفاض السعة التخزينية للسدود والحواجز، ويشجع على تكوين الطحالب وانتشار المكونات غير المرغوبة؛ ما يضعف البنية الفنية لهذه المشاريع. كما أن انخفاض السعة التخزينية خلال الفيضانات يزيد من مخاطر تدمير السدود، وسحب الأشجار والمدرجات الزراعية.
تداعيات اقتصادية
وبحسب الشاذلي فإن استمرار الرواسب يحرم الأراضي الزراعية من المخصبات الطبيعية ويؤثر على خصوبة التربة؛ ما يجعلها ضحلة ويعرّي جذور الأشجار المثمرة، مؤكدًا أن ما تعانيه مناطق مثل وادي نخلة لا يختلف عن محافظات أخرى، مثل خولان بصنعاء وعمران والمناطق المنحدرة على السواحل الجنوبية، حيث تشهد تدهورًا مشابهًا في الأراضي الزراعية.
مطالبات للجهات المعنية بسرعة التحرك لإنقاذ ما تبقى من الأراضي الزراعية في المنطقة (ريف اليمن)
ولفت إلى أن هذه الظاهرة ساهمت في فقدان أكثر من 30% من الأراضي الزراعية في بعض المناطق، مؤكداً أن الحلول تتطلب تدخلا عاجلا لإزالة الرواسب المتراكمة، وتأهيل الحواجز والسدود، وتنفيذ برامج صيانة دورية ومراقبة مستمرة؛ لضمان حماية التربة الزراعية، وإعادة تأهيل السعة التخزينية للمياه واستدامة الإنتاج الزراعي.
يؤكد المزارعون أن خسائرهم الزراعية انعكست مباشرة على مستوى المعيشة، إذ تقول المواطنة “فاطمة سعيد العسالي” لـ “منصة ريف اليمن”: “لقد تأثرت جميع جوانب حياتنا، لا زراعة، لا دخل ثابت، والأطفال الآن معرضون للخطر. حتى مع المساعدات، لا يمكن تعويض الخسائر بالكامل”.
وتشير إلى أن هذه الأزمة تزيد من الهجرة الريفية إلى المدن والمناطق الأخرى بحثًا عن فرص عمل؛ ما يهدد النسيج الاجتماعي في وادي نخلة، داعية الجهات المعنية إلى التحرك بشكل عاجل لإنقاذ ما تبقى من الأراضي الزراعية في المنطقة.
تعرف محافظة إب في اليمن بأنها خضراء وصائدة للسحب، ووجهة للسياحة الريفية خلال موسم الأمطار؛ حيث تكون جبالها شديدة الخضرة وتتدفق الشلالات في كثير من المناطق، لكن الجانب الذي لا يعرف كثيراً هو المعالم التأريخية والأثرية العريقة فيها؛ حيث كان موطن مملكة “ذي ريدان” إحدى أبرز مراحل توحد الحِميريين.
جغرافياً نهلت من أعالي الهضبة نقاء الهواء، وتوسّطت بين السواحل والمرافئ والسهول الخصبة، وتأريخاً كانت عقدة مواصلات للتجارة والعبور، ومطمع نفوذ الممالك القديمة، ومركز ثقلٍ سياسي منذ تحوّل القرار إلى الملك ظفار في العصر الثاني من تاريخ اليمن القديم، حين تبدّلت مسارات التجارة وخرائط النفوذ.
وتقع إب جنوب صنعاء على بُعد حوالي 193 كيلومترًا، على الطريق الرئيسي المؤدي إلى تعز، وتشق وديانها العميقة طرق ضيقة ومنحدرة تصبّ في البحر الأحمر غرباً، وخليج عدن جنوباً، هذا الموقع الوسيط جعلها نقطة التقاء مهمة؛ حيث تتصل بموزع وعدن عبر الجند، ووادي بنا وصولًا إلى ظفار، كما ترتبط بالهضبة الشمالية عبر يريم وبعدان إلى طرق القوافل. ولهذا، ما تزال آثار السماسر (أماكن خدمة المسافرين)، والحصون والقلاع شاهدة على دور إب في حماية التجارة.
نركز في ثلاثة مقالات على محافظة إب اليمنية، وتأريخيها العريق والمؤثر في اليمن قديماً؛ حيث مازالت الآثار تكشف عن جزء من مسار الحقب التأريخية التي مرت وتركت إرثاً حضارياً مازال يحتاج الى دراسة واهتمام، بالإضافة إلى أهمية المحافظة كونها وجهة للسياحة الريفية بطبيعتها الخلابة.
يسلط هذا المقال الضوء على تأريخ إب وتطوّر الحكم في اليمن قديماً، بدءًا من مملكة سبأ، ثم سبأ وذي ريدان، ويشرح كيف انتقل مركز السلطة من سلحين/مأرب إلى ظفار/ذي ريدان، مرورًا بعصر التبابعة، ثم فترة النفوذ الخارجي قبل الإسلام، ويستعرض أبرز المواقع التاريخية، وسيُخصص جزءٌ ثانٍ -ينشر لاحقًا- لسرد تفصيلي عن جبلة وإب القديمة ومعالمهما.
تأريخ إب: من مأرب إلى ظفار
انتهى العصر الأول من تاريخ اليمن القديم قرابة عام 115 قبل الميلاد، وكانت سبأ عمود الكيان السياسي والاقتصادي، ومأرب عاصمة المراسيم في معبد الإله إلمقه، ومع تحوّل طريق اللبان من البرّ في المشرق إلى خطوط الملاحة البحرية، تراجعت أهمية مدن الأودية الشرقية، بينما ازدهرت مدن الموانئ والمناطق المرتفعة الواقعة على الطريق التجاري الجديد.
هنا ظهرت ظفار في إب باعتبارها مركزا سياسيا ينقل إليه “قصر ذي ريدان” الذي كان رمزا للسيادة والسلطة، وتغيّر اللقب الملكي من “ملك سبأ” إلى “ملك سبأ وذي ريدان”، في تعبير يعكس استمرار الدولة، وقدرتها على التكيّف مع التحولات الاقتصادية الجديدة.
بقايا حصن ظفار في يريم بمحافظة إب وسط اليمن
تتوافق هذه التحولات مع ما ورد في النقوش المسندية، حيث تُنسب السلالة الحاكمة إلى حمير، ويُعتمد لقب رسمي جديد هو “ملوك سبأ وذي ريدان”. في هذه المرحلة التأريخية تبرز مدينة ظفار كعاصمة فعلية للدولة، تتولى إدارة الموارد وربط المناطق الجغرافية، وتؤدي دورًا مهمًا في حماية الطريق التجاري الجديد الذي يربط بين الهضبة والساحل والداخل.
في القرن الثالث الميلادي، برز الملك شمر يهرعش (حوالي 275م) كمؤسس لفكرة “الدولة المركزية” في اليمن، حيث عمل على توحيد المناطق المختلفة، وإنهاء الصراعات الداخلية المدعومة بالتدخلات الخارجية. كما وسّع اللقب الملكي ليصبح “ملك سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنت”، في خطوة تعكس توسع الدولة سياسيًا وجغرافيًا. وبعده جاء الملك أبو كرب أسعد، المعروف بأسعد الكامل، ليعزز شبكة المصالح، ويؤمّن الطرق التجارية، ويوازن بين نفوذ الإمبراطوريتين الكبيرتين آنذاك: الروم والفرس.
وكان اليمن هدفًا استراتيجيًا تتنافس عليه القوى الكبرى، مما وضع التبابعة في قلب الصراعات، ومنح مدينة إب دورًا مركزيًا في إدارة شؤون الدولة بفضل موقعها في الهضبة على أطراف شبكة الأودية، إذ أصبحت مركزًا لتنظيم مياه الأمطار، والري، والتخزين، والطرق، وتحولت جغرافيتها إلى أداة سياسية فعالة.
عندما ضعفت الدولة، دخلت جيوش الحبشة اليمن عام 525م بدعم من الإمبراطورية البيزنطية، ثم جاء كسرى الثاني عام 598م وأطاح بالحكم الحبشي وعيّن واليًا فارسيًا، وبين هاتين القوتين عاش اليمنيون فترة من الألم والمعاناة استمرت حتى دخول الإسلام وبدأ تأريخ جديد، واستعادت مدينة إب مكانتها العلمية والدينية، من خلال شبكة من المساجد والمدارس والطرق التي نشرت العلم والفقه في مختلف المناطق.
المناطق التأريخية القديمة
إب ليست مجرد محافظة في التقسم الإداري الحديث، بل كتاب مفتوح لعصور متعاقبة، من ظفار التي مثّلت عنوان السيادة ومركز السلطة، إلى منكث حيث يقترن الماء بالحكمة، وتتكامل الطبيعة مع المعمار، وفي بيت الأشول، تتحول واجهات البيوت إلى نصوص مسندية تنطق بتاريخ العاصمة القديمة.
في يريم، تتجاور القلعة والسوق في مشهد يعكس توازن القوة والتجارة، بينما تكشف ذو رعين عن عبقرية هندسة الماء، وديناميات العيش في تضاريس الهضبة. وعلى طريق سمارة، تقف القلعة شامخة، شاهدة على تجاذب الإمبراطوريات وجغرافيا الدفاع. أما بعدان، فحصونها المنيعة تسرد قصة التبابعة. نورد موجزاً عن هذه المناطق كالتالي:
مدينة ظفار التأريخية
مدينة ظفار التاريخية كانت عاصمة الدولة الحميرية بين عامي 115 قبل الميلاد و527 بعد الميلاد، وأظهرت المصادر اليونانية والرومانية مخططًا لمدينة ظفار، وورد اسمها في تلك “زفار”. أما المؤرخ اليمني أبو محمد الحسن الهمداني، الذي عاش في القرن الرابع الهجري، فقد أفرد لها وصفًا مفصلًا في كتابه الإكليل، متغنيًا بأثرها، ومحدّدًا موقعها بدقة.
ذكر الهمداني أن لظفار حمير (يحصب) تسعة أبواب هي: باب ولا، باب الإسلاف، باب خرفة، باب صيد، باب مآوه، باب هدوان، باب خبان، باب حوره، وباب الحقل. ويُعد باب الحقل أبرز هذه الأبواب، إذ كان مزوّدًا بأجراس تُصدر رنينًا يُسمع من مكان بعيد عند فتحه أو إغلاقه، كما كان محصنًا بسور كبير يحيط بالمنطقة؛ ما يعكس أهمية المدينة في التنظيم والدفاع.
في مدينة ظفار، تتجلّى لغة المسند منقوشة على الصخور، تحمل ألقاب الملوك، وتوثّق طقوس الدولة، وتزيّن المعمار بذائقة فنية راقية. لقد شكّل انتقال مركز الحكم من سلحين في مأرب إلى ذي ريدان في ظفار نقطة تحول استراتيجية؛ فلم تعد الشرعية محصورة في معبد واحد، بل توسّعت لتعبّر عن دولة تنسق بين الرموز الدينية والمصالح السياسية.
اليوم، تحتاج ظفار إلى مشروع إنقاذ يليق بمكانتها التاريخية؛ يشمل حفريات علمية، وترميمًا دقيقًا للمداخل والأسوار، وتوثيقًا ثلاثي الأبعاد، ومسارات تعريف باللغتين، إلى جانب مركز زوار يعيد سرد تاريخها بروح معاصرة.
قرية منكث
على الطريق المؤدي إلى ظفار، تقع قرية منكث وسط مدرجات زراعية خضراء، تسقيها مياه غيل دروان الجاري على مدار العام. في هذا المشهد الطبيعي، تتجاور السدود المنحوتة في الصخور مع الحصون التاريخية، مثل حصن دروان وحصن منكث الذي أعاد العثمانيون استخدامه خلال حكمهم الأول.
وفي وسط القرية يوجد جامع بناه الشيخ الهادي بن حسين عام 583هجرية، يوجد فيه 22 عمودًا حجريًا، وأحجارٌ مصقولة جُلبت من ظفار وقصر ذي ريدان، وعليها نقوش ورسوم بخط المسند. هذا الجامع لا يقتصر على دوره الديني حاليا، بل يعد معرضاً مفتوحاً يكشف جزءاً من ذاكرة الدولة التأريخية التي مرت على ظفار.
حصن “علي ولد زايد” صاحب الحكمة الزراعية في التراث الشعبي بقرية منكث في يريم (محمد راجح)
ويوجد في القرية حصن “علي ولد زايد” الحكيم الشعبي وترجمان النجوم الزراعية الشهير في اليمن، حيث يرى مؤرخون أنه ولد في قرية “منكث”، ويرجح باحثون أنه عاش في القرن الثاني عشر هجري (الثامن ميلادي)، والذي يعرف بالحكم والأمثال الشعبية في اليمن.
ويصفه المؤرخ والشاعر اليمني عبدالله البردوني (1929 -1999)، بأنه كل الشعب اليمني، وأن زمانه هو كل الأزمان، كما أن قريته هي كل القرى، لأنه عبَّر بكل لهجات الكل، ولا يعبر بلهجات كل الشعب إلا كل الشعب، على أن الحكايات التي أنطقت (علي بن زايد) هي بعض يوميات الناس.
بيت الأشول
تقع قرية بيت الأشول جنوب شرق ظفار، حيث بنيت منازلهم باستخدام أحجار أثرية جُلبت من العاصمة القديمة. واجهات عالية منقوشة، وصور محفورة جعلت من القرية متحفًا مفتوحًا يعكس جزءًا من هيبة ظفار التاريخية.
مجرد تأمل واجهة واحدة يكشف كيف انتقلت الرموز من مركز الدولة إلى أطرافها، وكيف تحولت عناصر البناء إلى ذاكرة اجتماعية تحفظ ملامح الماضي وتروي حكاياته.
يَرِيم التأريخية (أكام المرايم)
تمتد يريم الأثرية بما تبقّى من معالمها التاريخية، مثل حصن المرايم وبقايا السور القديم، وأبوابها الشهيرة: باب المناخ، باب قرية اليهود، والباب الصغير. وقد وصفها الرحالة كارستن نيبور في القرن الثامن عشر بأنها محطة رئيسية على طريق القوافل المتجهة نحو الهضبة الشمالية في اليمن.
ووسط المدينة القديمة تتربع قلعة المناخ المحصنة، التي لا يُمكن الوصول إليها إلا عبر درج مموّه، وقد أعاد العثمانيون ترميمها خلال حكمهم الأول. وتحيط بها جبال أثرية بارزة مثل جبل أرياب وجبل بني الحَرَثي، مما يمنح المدينة طابعًا تاريخيًا فريدًا يحكي قصة التحصين في الجغرافيا اليمنية.
مدينة يريم التأريخية في إب وسط اليمن (عمار الدبيس)
ذي رعين وجبل الماس
بالقرب من مدينة يريم، تتجاور منطقة ذي رعين مع جبل الماس، حيث تنتشر آثار هندسية مدهشة من حضارة اليمن القديم. هناك سدود حجرية، وصهاريج لتخزين المياه، ونفقان منحوتان داخل الجبل، وأيضا يوجد بقايا منشآت معمارية تحتاج إلى دراسة وتنقيب وحماية جادة من العبث.
هذه المنشآت ليست مجرد بنى خدمية، بل تمثل شهادة حيّة على براعة اليمنيين في هندسة المياه، في حضارة جعلت من الري أساسًا للعمران. فقد أنشأوا منظومات دقيقة لتجميع المياه وتمريرها وتوزيعها، بما يتناسب مع تضاريس المنطقة الوعرة ويخدم احتياجاتها الزراعية والمعيشية.
طريق وقلعة سمارة التأريخية
يرتفع طريق سمارة إلى نحو 2500 متر فوق سطح البحر، وتكشف منعطفاته، خاصة عند منطقتي البخاري وحليل، مشاهد بانورامية خلابة للأودية الغربية. وعلى هذا الطريق تقع قلعة سمارة، المعروفة شعبيًا باسم “عنق الغزال”، وهي معلم دفاعي استراتيجي استخدمه العثمانيون كمركز رئيسي خلال حكمهم الأول للمنطقة.
تتميّز القلعة بموقعها الذي يتيح مراقبة الطرق والإشراف على المناطق المحيطة، مما منحها أهمية عسكرية وتاريخية. وفي العام 2023 انهار جزء من سور “قلعة سُمارة” التي تعاني من الإهمال رغم عراقتها حيث يعود تاريخها إلى القرن الرابع هجري.
قلعة سمارة تقع في يريم على الطريق الرابط بين صنعاء وإب (حمزة العبسي)
تحتاج القلعة إلى اهتمام وترميم حيث ممكن أن تكون إمكانات سياحية واعدة؛ إذ يمكن تأهيلها لتكون منصة لتصوير المناظر الطبيعية، وموقعًا مثاليًا لرياضات المشي والطيران الشراعي، تجمع بين عبق التاريخ وجمال الطبيعة.
مسار يريم ـ القَفْر
على بُعد نحو 18 كيلومترًا غرب يريم، تبرز قرية النزهة، وفيها جبل (جرف) الملك أسعد الكامل، وهو موقع أثري غامض يثير التساؤلات حول دور المواقع الصخرية في الطقوس الدينية والتحصين العسكري. وعلى امتداد الطريق نحو مديرية القفر، تمرّ بقرى جبلية خلابة مثل إِريان وقرى جبل بني مسلم، التي ترتفع حتى 3000 متر فوق سطح البحر.
في هذه المناطق، تتوزع حصون مثل حصن إِريان وحصن علّان، المشرفَين على الأودية الزراعية الخصبة، في مشهد يجمع بين عبقرية التحصين العسكري وفن التدرج الزراعي، ويعكس قدرة الإنسان اليمني على التكيّف مع تضاريسه، وبناء منظومات متكاملة للحماية والإنتاج.
جبال وحصون بعدان
إلى الشرق من مدينة إب، تمتد سلسلة جبال بعدان، أحد أشهر جبال اليمن وأكثرها خصوبة، ويُنسب سكانها إلى بعدان بن جشم بن الهميسع، فيما يتكرر ذكر الاسم القديم “ذات بعدان” في النقوش المسندية بمعنى “إلهة الشمس”، وعلى قمم الجبال وسفوحها تنتشر قرى عتيقة ومدرجات زراعية خلابة، تعكس تكيّف الإنسان مع الطبيعة.
ويعلو المنطقة حصن “حُب”، أحد أمنع حصون اليمن، إلى جانب حصن المنار، وكلاهما يقف شامخًا كحارسين على مر العصور. وتعاقبت على هذه القلاع دول منذ أكثر من 2700 عام، وما تزال بعض عناصرها المعمارية قائمة حتى اليوم، لتقدّم مادة حيّة لفهم كيف استُخدمت الهضبة في الدفاع، وكيف تحوّلت إلى رمز من رموز السلطة، ومسرحٍ للتعبئة السياسية والروحية.
حصون العود
جنوب شرق إب، مرورًا بمخلاف العود ووادي بنا، كانت تسلك القوافل طرقًا تؤدي إلى السواحل والمرافئ مثل عدن وموزع. وعلى امتداد هذه الطرق التأريخية أنشئت قلاع ورباطات لتأمين حركة التجارة وحماية الشحنات، بتصاميم معمارية بسيطة في زخرفتها، لكنها بالغة الأثر في ترسيخ الاستقرار الاقتصادي.
ورغم تهدّم كثير من هذه المنشآت، ما تزال آثارها قائمة، تشكّل علامات يستدل بها الباحثون على خطوط العبور القديمة، وتقدّم مادة مهمة لفهم البنية التحتية للتجارة في اليمن التاريخي، وتكشف هذه الإنشاءات حالة وعي تأريخي بالأمن، حيث لا تزدهر الزراعة ولا ينمو السوق دون أمن.
السماسر وفنّ الضيافة التجارية
كانت السماسر بمثابة فنادق للقوافل ومنصات خدمية متكاملة؛ تضم مخازن للبضائع، وإيواء للدواب، وغرفًا للتجار، وساحات للوساطة والبيع. ومن موزع وعدن إلى يريم وبعدان والعود، شكّلت هذه المنشآت شبكة مترابطة كانت بمثابة العمود الفقري للدورة الاقتصادية في اليمن قديماً.
ورغم اندثار كثير منها، ما تزال بقايا الأعتاب والأقواس والحجارة المنحوتة شاهدة تكفي لرسم طبوغرافيا العبور في العصر القديم؛ حيث كانت فيه ضريبة الطريق جزءًا من اقتصاد الدولة، وأمن المسالك شرطًا لازدهار التجارة والزراعة.
وبالإضافة إلى ذلك لتعزيز الأمن، كان نموذج مدينة إب القديمة المسوّرة ببوابات محدودة سائدًا في حواضر الهضبة اليمنية، حيث يتم بناء سور يحيط بالمكان؛ أبراج للمراقبة، وبوابات تنظم الدخول والخروج وتؤمّن الجباية والضبط، وتحمي السماسر التي توفر الضيافة للمسافرين التجار.
هذا النمط الدفاعي والاقتصادي انعكس بوضوح في يريم ومحيطها، كما في قرى العتبات الجبلية، حيث يتجاور السوق مع المسجد والسماسر (أماكن خدمة المسافرين)، لتشكّل معًا ثلاثية عمرانية تعبّر عن روح المدينة في الهضبة: الأمن، العبادة، والتبادل التجاري.
كيف يمكن إحياء المعالم التأريخية واستثمارها؟
لتحويل هذا الإرث إلى قيمة معاصرة، ثمة حزمة إجراءاتٍ عملية يمكن للسلطات أن تقوم بها للحفاظ على هذا الإرث التاريخي، وجعلها مناطق جذب سياحي يمكن أن تخلق تنمية:
حفريات علمية منهجية تشرف عليها فرق وطنية بالشراكة مع بعثاتٍ دولية؛ تُعيد بناء التسلسل الزمني، وتُخرج الطبقات بحساسية عالية.
ترميمٌ عاجل للبوابات والأسوار والزخارف مع اعتماد طرق إرواء حجرية تحمي النقوش من التآكل.
مسارات زيارة متدرجة وواضحة بعناوين ثنائية اللغة، تبدأ بـ ظفار ثم منكث وبيت الأشول فـ يريم وذي رعين، مع نقاط ظلّ واستراحات.
إنشاء مركز زائرين في مركز ظفار لما يخص التأريخ في إب مثلا، يوفّر خرائط ونماذج ومكتبة مصادر.
حماية قانونية ومراقبة تُجرّم النبش والتهريب، وتُفعِّل رقابة مجتمعية عبر تمكين الأهالي كحُرّاس للذاكرة.
تدريب مرشدين محليين على السرد التاريخي باحتراف، وعلى مهارات التفسير الموقعي وإدارة الزوار.
سياحة بحثية تستقطب طلاب الآثار والتاريخ المعماري، وتوفّر دخلا وخبرة، وتُخرج جيل حفّارين يمنيين.
هذه التدابير ليست ترفا ثقافيا، بل مشروع تنمية؛ حيث إن كل حجرٍ مُستعاد يعني فرصة عملٍ، وكل نقشٍ مُرمم يعني حرفة تعود، وكل مسار زيارة منظم يعني دخلا للمجتمع.
في الجزء الثاني، سنتناول جبلة وإب القديمة بتفصيل معماري وروحي يليق بمكانتهما في الوجدان اليمني. أما الجزء الثالث، فسيأخذنا إلى الجبال والمناظر الطبيعية ومسارات المشاهدة، بانسيابية تجمع بين سرد الجغرافيا وفنّ الرحلة.
المصادر:
– الصليحيون والحركة الفاطمية في اليمن، حسين بن فيض الله الهمداني – الطبعة الثالثة، 1986م.
– هذه هي اليمن.. الأرض والإنسان والتاريخ، عبد الله الثور – دار العودة، بيروت.
– الملكة سيدة بنت أحمد الصليحي، إيمان ناجي سعيد المقطري- مركز الدراسات والبحوث اليمني، صنعاء، 2004م.
– الهيئة العامة للتنمية السياحية صنعاء – نتائج المسح السياحي للفترة 1996–1999م.
– هيئة المساحة الجيولوجية والثروات المعدنية، صنعاء – الطبعة الأولى، 2003م.
– موسوعة أعلام اليمن – عبد الولي الشميري
– حمير بين الخبر والأثر، يوسف محمد عبد الله – مجلة دراسات يمنية، العدد 42، مركز الدراسات والبحوث اليمني، صنعاء، 1990م.
وثّق المصور المؤيد بن أحمد السامدي المدرجات الزراعية شديدة الانحدار في قرية الكبة سامد، عزلة اليمانية، مديرية الجعفرية بمحافظة ريمة، لتظهر براعة الإنسان اليمني في تحويل التضاريس الوعرة إلى مساحات زراعية مستدامة منذ القدم.
أظهرت إحدى الصور الملتقطة من الأعلى الانحدار الشديد للمدرجات المزروعة بأشجار البن ومحاصيل أخرى، إلى جانب الطريق الرئيسي، كما تبرز المنازل المعلقة فوق المدرجات والطرق المتعرجة والجدران الحجرية المتناغمة مع المنحدرات، في مشهد يجمع بين الطبيعة والبناء البشري بتناغم فريد. ولفت الناشط السياحي فهد إسماعيل الأنباري إلى أن الانحدار الفعلي للطريق أقل مما تبدو عليه الصورة، موضحاً تأثير زاوية الالتقاط على الانطباع البصري، وأرفق صوراً أخرى لتوضيح ذلك.
وتعد محافظة ريمة من أبرز محافظات غرب اليمن التي تحتضن المدرجات الزراعية التاريخية، والتي تنتشر في مختلف مديرياتها، وقد أقيمت هذه المدرجات منذ القدم للاستفادة من مياه الأمطار الموسمية، وحماية التربة من الانجراف، خصوصاً في المناطق شحيحة الموارد المائية، كما مكنت التصميمات الهندسية الدقيقة من استغلال الأراضي الصخرية والمنحدرات، ما ساهم في الحفاظ على الأراضي الزراعية لعدة قرون.
ويستفيد السكان المحليون من هذه المدرجات في زراعة الحبوب والخضروات والفواكه والقهوة، بما يدعم الأمن الغذائي والاقتصاد الريفي، ويسهم في حماية الموارد المائية وتحسين خصوبة التربة وتعزيز التنوع البيولوجي والحيواني في الجبال.
وتمتد المدرجات اليمنية التاريخية عبر محافظات جبلية عدة أبرزها إب، المحويت، صنعاء، حجة، ريمة وتعز، صنعاء، البيضاء، ذمار، لضالع، ويعود تاريخها إلى آلاف السنين منذ عهد سبأ وما قبل الميلاد. وتعرف محلياً بأسماء مثل المصاطب، الجرف أو الجلّ، العصاب، وتشكل إرثاً زراعياً حياً يعكس مهارة الإنسان اليمني وتاريخه الزراعي العريق، كما تمثل مصدر دخل رئيسياً للسكان الريفيين.
وحظيت هذه المدرجات بالاعتراف الدولي، إذ أدرجت 26 موقعاً تراثياً وثقافياً وطبيعياً على القائمة التمهيدية للتراث العالمي لليونسكو، من بينها هذه المدرجات، وفق ما ذكره سفير اليمن في منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة ( اليونسكو) محمد جميح في يونيو الماضي، مما يعكس قيمتها التاريخية والثقافية على المستوى العالمي.
تُعد اللفحة المتأخرة المعروفة علمياً بـ (Phytophthora infestans) من أخطر الأمراض التي تصيب محاصيل البطاطس لما تسببه من خسائر كبيرة في الإنتاجية وجودة الدرنات، وقد تؤدي في بعض الحالات إلى فقدان المحصول بالكامل إذا لم يتم السيطرة عليها.
تنتشر هذه الآفة بسرعة في الأجواء الرطبة والغائمة، ويمكن أن تنتقل من موسم لآخر عبر مخلفات النباتات المصابة أو بذور غير نظيفة، ومن الاسماء الشائعة لها: الحريق، الحطام، الفُحة.
يستعرض هذا التقرير الإرشادي على منصة ريف اليمن اللفحة المتأخرة في محصول البطاطس، موضحاً أسبابها وأعراضها وطرق الوقاية والمكافحة، بهدف الحد من الخسائر وتعزيز جودة المحصول.
المراقبة الحقلية للفحة المتأخرة
يُنصح بالمراقبة المستمرة للنباتات منذ مرحلة النمو الخضري وحتى تكوين الدرنات، مع الانتباه بشكل خاص للأيام الممطرة والغائمة، حيث تساعد المراقبة المبكرة في اتخاذ الإجراءات الوقائية قبل تفشي المرض بشكل واسع.
الظروف المناخية: هطول أمطار غزيرة وأجواء غائمة ودافئة لفترات متواصلة يهيئ الظروف المثالية لتطور المرض.
انتقال المرض من المخلفات: بقاء مخلفات نباتات بطاطس أو طماطم مصابة من الموسم السابق في الحقل يزيد من احتمالية الإصابة.
انتقال المرض من الحقول المجاورة: يمكن للمرض الانتشار عن طريق الرياح، المطر، أو مياه الري من حقول مجاورة مزروعة بالبطاطس أو الطماطم.
أعراض الإصابة
الأوراق: بقع شاحبة غير منتظمة تتحول تدريجياً إلى اللون البني، ثم إلى الأسود المائل للبنفسجي، مصحوبة بتعفن أحياناً.
السيقان والسويقات: تلون السيقان الرئيسية والفرعية باللون البني إلى الأسود.
الدرنات: ظهور بقع متعفنة بنية اللون تؤثر على جودة المحصول وقابليته للتخزين.
طرق الوقاية ومكافحة المرض
استخدام بذور نظيفة: اعتماد بذور خالية من الأمراض ومن مصادر موثوقة ومعتمدة.
التخلص من المخلفات: إزالة وحرق المجموع الخضري قبل الحصاد لتقليل احتمال انتشار المرض.
تطبيق الدورة الزراعية: زراعة البطاطس بعد فاصل زراعي مناسب لتقليل التراكم الفطري في التربة.
ممارسات الزراعة السليمة:
ضبط المسافات بين الخطوط والنباتات حسب التوصيات لضمان تهوية جيدة.
تنظيم الري والتسميد لتعزيز مقاومة النبات.
زراعة البذور بالعمق المناسب وتسوية التربة لتغطية الدرنة بشكل جيد.
التخزين الآمن: حفظ الدرنات في أماكن جافة وباردة بعد الحصاد لتقليل فرص تعفنها.
توصلنا من خلال ما سبق إلى أن اللفحة المتأخرة مرض سريع الانتشار وله آثار سلبية كبيرة على إنتاج البطاطس وجودتها، ولهذا تساهم المراقبة الحقلية الدقيقة، استخدام بذور صحية، الالتزام بالدورة الزراعية، وتطبيق الممارسات الزراعية السليمة في الوقاية وتقليل الخسائر.
هذه النصائح لكم/ن
إذا كان لديكم/ن أي استفسار أو تحتاجون إرشاداً بشأن الزراعة أو الماشية، أو النحل، أو الصيد البحري، من المهندس الزراعي في منصة “ريف اليمن”، بإمكانكم التواصل معنا عبر البريد الالكتروني – info@reefyemen.net. أو التواصل معنا عبر الواتساب على الرقم: 777651011.
تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعي التالية: – فيسبوك . تويتر . واتساب . تلغرام . إنستغرام
في لحظة خفت فيها أضواء المدن، عاد صناع الدراما في اليمن الى الريف، لا هربا من الحرب، بل بحثا عن النبض الأول للحياة، هناك بين الجبال والحقول الخضراء، وجدوا الصدق الذي غاب، والضوء الذي لا تصنعه المصابيح، فالريف لم يعد خلفية للأحداث، بل صار بطلا حقيقيا يعكس روح اليمن وذاكرته، ويمنح الدراما نكهتها الأصلية التي لا تشبه سوى هذه الأرض.
تصف الممثلة “عبير عبدالكريم” تجربة التصوير في المناطق الريفية بأنها “رحلة علاجية” تساهم في تحسين الحالة النفسية للفنانين، بعيدا عن ضغوط المدينة وضجيجها. وتقول لـ”منصة ريف اليمن”: “الريف يمنحنا شعورا مختلفا، فالطبيعة الخضراء والهواء النقي ينعكسان إيجابا على حالتنا النفسية، مما يعزز إبداعنا أمام الكاميرا”.
وأشادت عبير بحفاوة استقبال الأهالي في القرى، قائلة: “يحتفون بنا بمحبة صافية، يقدمون لنا كل ما نحتاجه من طعام وخدمة دون مقابل، وكأننا في منازلهم، لا في مواقع تصوير”، مؤكدة أن هذا الدعم الإنساني يخلق بيئة عمل مريحة ومُلهمة.
أبعاد جديدة
وترى أن الدراما اليمنية المستوحاة من البيئة الريفية منحت الممثلين أبعادا جديدة في أدائهم، مؤكدة أن الشخصيات الريفية تحظى بحب وتفاعل كبير من الجمهور. وقالت: “عندما نقدم شخصية من الريف، نجد تفاعلا لافتا من المشاهدين، لأن الإنسان الريفي بسيط، لطيف، وعفوي، وهذه الصفات تجعله قريبا من القلب، هناك ممثلون جسدوا أدوارا بطولية ريفية لا تزال عالقة في أذهان الناس، وكانوا الأكثر بروزا في أعمالهم بسبب قرب تلك الشخصيات من الواقع ومن وجدان المتلقي”.
الممثل “حسن الجماعي” من جانبه يؤكد ألَّا فرق جوهريا في طبيعة العمل الدرامي بين الريف والمدينة، إذ يظل التمثيل هو نفسه، لكن الفارق ينعكس على المشاهد أكثر من الفنانين. ويقول الجماعي لـ”منصة ريف اليمن”: “نحن كممثلين نواجه صعوبات إضافية عند التصوير في الريف، مثل ضعف الإنترنت أو محدودية بعض الخدمات، لكن ما يخفف هذه التحديات هو طيبة الناس هناك وحفاوتهم، فهم يجعلوننا نشعر وكأننا بين أهلنا، وليس في موقع عمل بعيد”.
وشدد على أن أداء الممثل هو ما يصنع الفارق بغض النظر عن موقع التصوير، مضيفا: “سواء كان الدور في الريف أو المدينة، الممثل هو من يغير نظرة المشاهد إليه باجتهاده وصدق أدائه”.
الممثلة عبير عبدالكريم: تجربة التصوير في المناطق الريفية بأنها “رحلة علاجية” تساهم في تحسين الحالة النفسية للفنانين، بعيدا عن ضغوط المدينة وضجيجها.
ويؤكد المخرج اليمني “هاشم هاشم” أن الحرب في اليمن فرضت واقعا جديدا على صناع الدراما، لكنها في الوقت نفسه فتحت أمامهم أفقا مختلفا لاكتشاف الجغرافيا اليمنية فنيا. ويقول لـ”منصة ريف اليمن”: “لم نتعامل مع الحرب كعائق، بل كفرصة لإعادة النظر في المشهد البصري لليمن، فالريف لم يكن خيارا اضطراريا، بل قرارا فنيا وإنسانيا نابعا من رغبتنا في تقديم صورة صادقة عن اليمن الحقيقي؛ اليمن الذي ما زال نابضا بالحياة. رغم كل شيء في القرى والوديان والجبال وجدنا الضوء الطبيعي والصدق والبساطة التي نفتقدها في المدن”.
ويرى هاشم أن التصوير في الريف جمع بين التحدي التقني والفرصة الفنية، موضحا: “من الناحية التقنية واجهنا صعوبات عديدة، من صعوبة الوصول إلى المواقع، إلى ضعف البنية التحتية ومحدودية المعدات، لكن هذه التحديات منحت الصورة اليمنية طراوتها. “الريف حرر الدراما من النمطية البصرية، وسمح لنا بتقديم مشاهد أكثر صدقا وعمقا، وأداءً أكثر تلقائية. يمكن القول إننا لم ننجز أعمالنا الريفية رغم الصعوبات، بل بفضلها” يضيف هاشم.
الريف روح اليمن
أما عن مستقبل الدراما اليمنية في الريف، فيؤمن المخرج أن هذه البيئات قادرة على أن تتحول إلى مركز دائم للإنتاج الفني، حتى بعد انتهاء الحرب، مؤكدا: “الريف يمتلك روح اليمن وهويته البصرية، المدن قد تمتلك البنية التحتية، لكن الريف يحمل الذاكرة والإنسان، وهو جوهر الدراما الحقيقية. إذا تم دعم البنية الإنتاجية وتطوير الخدمات الفنية في هذه المناطق، فبإمكان الريف أن يصبح مدرسة جمالية للدراما اليمنية، كما حدث في تجارب عالمية كثيرة. المستقبل لن يكون لمن يملك المعدات فقط، بل لمن يملك الرؤية، والريف يمنح هذه الرؤية صدقها وعمقها”.
ويرى “أسامة الصالحي”، مدير البرامج والدراما في قناة يمن شباب، أن الريف اليمني يملك ثراء حكائيا وبصريا يجعله بيئة مثالية لصناعة الدراما، لكنه يؤكد أن جوهر العمل لا يتوقف على المكان بقدر ما يعتمد على جودة القصة وإبداع الممثلين.
الصالحي: “القصص في العادة أكثر ثراء في القرى، فالتفاصيل هناك غزيرة، والصورة الجمالية طبيعية وعميقة، الريف يمنح المخرج والممثل مادة خاما غنية بالحياة والعاطفة”.
يقول الصالحي لـ”منصة ريف اليمن”: “القصص في العادة أكثر ثراء في القرى، فالتفاصيل هناك غزيرة، والصورة الجمالية طبيعية وعميقة، الريف يمنح المخرج والممثل مادة خاما غنية بالحياة والعاطفة”. ويضيف: “تفاعل الجمهور لا يتحدد بمكان التصوير، بل بالقصة نفسها وبأداء الممثلين، نلاحظ مثلاً أن المشاهدين يتابعون مسلسل يوميات مواطن الذي صُوّر في المدينة بنفس الحماس الذي أبدوه تجاه مسلسل الجمالية المصوّر في الريف، لأن كليهما يقدّم حكاية قريبة من الناس، وصادقة في طرحها”.
وحول علاقة المكان بظروف الإنتاج، يوضح الصالحي أن الاختيار الإبداعي هو الحاسم: “نحن لا نُجبر على التصوير في الريف أو المدينة بسبب ظروف الإنتاج، بل نترك للقصة حرية تقرير مكانها الطبيعي بفضل تعاون الجهات الرسمية وتوافر الإمكانيات، يمكننا التصوير سواء في مدينة تعز أو في المناطق الريفية بالسهولة نفسها”.
يصف الأديب والناقد “قائد غيلان” المجتمع اليمني بأنه مجتمع ريفي في جوهره، موضحا أن مظاهر المدنية التي ظهرت في العقود الأخيرة لم تغيّر كثيرا من طبيعته العميقة، ويقول لـ”منصة ريف اليمن”: “اليمن مجتمع ريفي بالأساس، والمدنية طارئة عليه حتى من يعيش في المدينة يبقى ريفيا في سلوكه وثقافته، فهو ريفي يسكن المدينة لا متمدن بالمعنى الحقيقي للتمدن، ولهذا فإن مشكلات المجتمع الريفي تمس الجميع، سواء في القرية أو في قلب المدينة”.
ويرى غيلان أن هذه الخصوصية تنعكس على الإنتاج الدرامي المحلي، الذي ما يزال أسير أنماط مكرّرة ويفتقر إلى روح التجريب، ويقول: “الدراما اليمنية ما زالت تجتر نجاحاتها القديمة عندما ينجح مسلسل تدور أحداثه في الريف، نجد أن بقية الأعمال اللاحقة تكرر نفس القالب دون محاولة للتجديد أو البحث عن صيغة فنية مختلفة، هناك خوف واضح من الفشل والخسارة، ولذلك تبقى الأعمال تسير في طرق مجرّبة سلفا، تناقش القضايا نفسها، وتستعين بالممثلين أنفسهم الذين حصدوا شهرة في الأعمال السابقة أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي”.
تجربة مختلفة
ويختتم غيلان رؤيته بدعوة إلى التحرر من الخوف والانفتاح على التجريب الفني، معتبرا أن “الدراما الحقيقية لا تولد في مناطق الأمان، بل في لحظات المخاطرة والبحث عن الجديد”.
يصف الفنان “فهد القرني” تجربة التصوير في الريف بأنها تجربة مختلفة تماما عن العمل داخل المدن، فبينما تحاصر المدينة المخرج والمصور بجدران الإسمنت وضوضاء الشوارع وضيق المساحات، يفتح الريف أمام العدسة آفاقا أوسع من الجمال الطبيعي والعمق البصري والتنوع في الخلفيات.
القرني: “تجربة التصوير في الريف تجربة مختلفة، فالريف يفتح أمام العدسة آفاقا أوسع من الجمال الطبيعي والعمق البصري والتنوع في الخلفيات”.
في المدن -كما يقول القرني لـ”منصة ريف اليمن”- يواجه فريق التصوير تحديات متعددة: الازدحام، الضجيج، صعوبة الحصول على مواقع مناسبة، إضافة إلى قلة التعاون من الناس بسبب طبيعة الحياة السريعة، أما في الريف، فالأمر مختلف تماما فبعد أيام قليلة من التصوير، يتحول السكان من مجرد متفرجين إلى شركاء فعليين في العمل، بروح فطرية من التعاون والحماس.
ويضيف: “تجربة تصوير الجزء الثاني من مسلسل يوميات مواطن، كانت أكثر سلاسة وتأثيرا مقارنة بالجزء الأول الذي صور في المدينة، حيث لمس الفريق تفاعلا أكبر من الأهالي الذين وفروا المواقع والمزارع والبيوت بسخاء”، ويرى القرني أن الدراما الريفية تمتاز بصدقها وجمالها وغزارتها الفكرية، إذ تحمل بيئتها بساطة الناس وعمق الحياة تلك التجربة كما في مسلسل الجمالية كما يقول، شجعتهم على العودة إلى القرى لتصوير أعمالهم القادمة، بعد النجاح الكبير الذي وجدوه في مناطق مثل الحجرية، حيث التقت الكاميرا بوجوه الناس ودفء المكان.
هكذا تبدو الدراما اليمنية اليوم، واقفة على تخوم التحول بين الريف والمدينة، بين الضرورة الفنية والهوية الثقافية. وفي زمن تتبدل فيه الملامح وتضيق المساحات، يظل الريف نافذة للإبداع ومأوى للجمال، ربما لا يمتلك صناع الدراما كل الإمكانيات لكنهم يملكون ما هو أثمن (إيمانهم بأن الضوء يمكن أن يولد من التراب وأن اليمن مهما أرهقها الخراب ما زالت قادرة أن تروي نفسها بصوتها الحقيقي).
* تم إنتاج هذه المادة من قبل منصة ريف اليمن ضمن مشروع سينما الأربعاء بالشراكة مع بيت الصحافة ومؤسسة أرنيادا للتنمية الثقافية.
في المرتفعات الشرقية لمحافظة صنعاء، ينتظر المزارعون حلولَ فصل الصيف ورياحه الموسمية المندفعة من صوب المحيط الهندي وبحر العرب، لكي يحملا المطر معهما، ولكن في يوم رمضاني من صيف سنة 2020، خيَّم وقعٌ ثقيلٌ على سكان مديرية بني حشيش الواقعة في تلك المرتفعات. ففوق الجائحة الوبائية وأخبار الموت، اجتاحت عاصفة غير مسبوقة قراهم وكروم العنب الذائعة. ظلّ المطر يصبّ على مدار ثلاثة أيام، وأحياناً بحبّات بَرَدٍ تشبه الحصى، لتفيض سيول تجرف شقاء موسمٍ زراعي بأكمله.
لم يبقَ شيء سوى غصونٍ مُتكسِّرة وعناقيد تالفة، وجدها المزارعون في الكروم حين زاروها بعد العاصفة. كان العلوّ عن سطح البحر بأكثر من ألفَي مترٍ يمنحهم نعمتَين. أولاً: منسوب أمطارٍ مرتفعٍ بفضل تكَدُّس السحب الموسمية فوق تضاريسهم الجبلية. وثانياً: عوامل طبيعية تسهم في نضوج حبّات العنب ببطء وتوازنٍ، على غرار الهواء الجاف، والرطوبة المنخفضة، وبالأخص الفارق الحراري الكبير بين النهار والليل. ولكنّ النعمتَين انقلبتا نقمةً، إذ أنذرَت العاصفة ببلوغ ظاهرة التغيُّر المناخي مرحلة متطرِّفة.
غريزة البقاء لا غير ما حرَّك المزارعين على الفور، دافِعةً بهم نحو البحث عمّا هو متوافر من وسائل وأدوات تحمي مصدر أرزاقهم شبه الوحيدة. ولأنّ النجاة ثمنها غالٍ على من لم يحظوا بدعمٍ حكوميٍّ وافٍ وسط الحرب، رضخ هؤلاء المزارعون بصورةٍ نهائية إلى فكرة «الشِّباك» رغم بدائيّتها. تُعرَف بـ «التَّل» أيضاً، وهي عبارة عن أغطية كانت تُمَدّ فوق دوالي الكروم لتجنيبها نقر الطيور، بينما يُراد منها في هذه المرة حماية كلّ حبّة عنبٍ من حبّات بَرَدٍ كأنّها بالفعل حصى لمن يراها.
التعلُّم بالتجربة
يمكن تقسيم أنواع العنب اليمني ضمن ثلاث فئات، وفق مقالة بعنوان: «عنب اليمن فيه العذارى وأطرافهن والعيون». وهي: «العسلي (الأبيض)، والأحمر، والأسود». «وتحت كل فئة»، تضيف المقالة، «تتفرَّع أصناف مختلفة يتم التمييز بينها بحسب معايير أبرزها حجم العنقود وشكله، وحجم حبة العنب وشكلها، وحالة اللحمة الداخلية، ووجود الحصرم من عدمه، ودرجة الحلاوة». كما أنّ التصنيف يشمل «مدى قابلية التجفيف إلى زبيب».
على هذا الصعيد، تُعدُّ مديرية بني حشيش من أشهر مناطق زراعة العنب، إلى جانب بني الحارث وخولان الطيال، وبني مطر. وتشير تقديرات إلى أنّ إنتاجها يبلغ «50 ألف طن سنوياً»، أي ما يناهز 34٪ إلى 40٪ من إجمالي إنتاج اليمن بشكل عام.
هذا كلّه مهدّد؛ فما عكسته عاصفة صيف 2020 هو تطرُّف «النمط المَطَري» الذي كان سائداً في المرتفعات الشرقية لصنعاء، وفق التفسير العلمي الذي قدَّمه عدد من المختصّين. فمع ارتفاع درجات الحرارة، تتكوَّن سحبٌ مُشبَّعة بقدر أكبر، لتهطل أمطار أشد غزارةً طوال مدَّة زمنيةٍ قصيرة نسبياً، وغير منقطعة.
تظهر الصورة مزراع العنب مغطاة بالشباك في بني حُشيش بريف صنعاء (ريف اليمن)
في الخلفية، ستتجاوز آثار التغيُّر المناخي الواقعَ الحالي، لتطال تاريخاً قديماً من زراعة العنب في مرتفعات صنعاء، وفي اليمن عامةً. فما قد يصير من الماضي بصورةٍ قاطِعةٍ لا رجعة فيها هي المقولة التاريخية الدّالة على مدى الجودة: «عنب اليمن وبلح الشام».
لا يتردَّد ابن بني حشيش، “علي جارالله”، بالتشديد على وجوب دعم مزارعي منطقته «من أجل الاستمرار». يوضح أنّهم «أناس على الفطرة، لا يدركون تماماً الأثر على الزراعة»، قبل أن يستدرك: «لكنَّهم يَتعلمون بالتجربة». ساقَت هذه الوضعية -وفقاً له- إلى تبنّي فكرة «الشِّباك» دوناً عن غيرها من الأدوات ذات الكُلَف الأعلى.
درعٌ واقٍ
كان علي جارالله مهندس طيران بالأصل، ولكنّه آثرَ عليها العنب وتجارته محلياً وخارجياً. له متجر شهير في صنعاء، اسمه «أصل العنب». بدوره، ابنُ عمّه وجاره، المهندس محمد، نذر نفسه للكروم. فلهذه الزراعة تقاليد عائلية ومواريث لا يطويها تبدُّل الزمان، ولكنْ صار تغيُّر المناخ عدوّها.
يعتبر كلاهما أنّ العنب «مصدر دخل وطني، وينبغي الحفاظ عليه»، خاصةً من خلال تعزيز حمايته بـ «الشِّباك». ويوضح المهندس محمد أنّ اللجوء إليها لم يزدَد سوى في السنوات الأخيرة مع ارتفاع حجم الخسائر، مشيراً في الوقت نفسه إلى أنّ تصميمها «صار يتطلّب دقةً أكبر، وغدَت أضيق نسبياً». فهي تُرفع حالياً «على علوٍ أكبر لكي تُعزِّز حماية العرائش والدوالي من البَرَد»، لافتاً إلى أنّها «تتطلب صيانة دائمة، لضمان الاستفادة منها لأطول مدّة ممكنة».
كذلك يشرح المهندس أنّ «الشِّباك» تُستخدم عادةً لمدة شهرين لا غير. فتُزال عند اقتراب مرحلة نضوج العنب؛ «حتى لا تعيق عملية جني المحصول». ولكنّ لا يغفل أن يُنبِّه إلى أنّ الفكرة «ليست جديدة تماماً، إذ ظهرت منذ التسعينيات»، إنّما «في المزارع الصغيرة أو حيث تقل كثافة الأشجار».
تعد «الشِّباك» بمثابة درعٍ يقي تقلُّبات النمط المطري وحبّات البَرَد ولم تكن استجابة المزارعين لاستخدامه أمرًا سهلاً، خاصةً أنّها تُثقِل على كواهلهم مادياً
في برهانٍ على نجاعة الفكرة ومواءمتها القدرات المالية الهشّة في تلك المجتمعات المحليّة، تتحوَّل «الشِّباك» إلى أداةٍ في مختلف أرجاء زراعة العنب في اليمن. فهي، وفقاً لعلي ومحمد، «أداة تكيُّف مبتكرة» استجاب لها المزارعون بقناعة أكبر كلما لمسوا نتائجها المباشرة في تقليل الخسائر وضمان صمود موسم العنب.
صارت «الشِّباك» بمثابة درعٍ يقي تقلُّبات النمط المطري وحبّات البَرَد. وقد لاحظ المزارعون النتائج الملموسة منذ البداية: فبعدما حمت عناقيدهم من الطيور، ها هي تردع عنهم هطولاتٍ لا تُبقي ثمَراً ولا شجَراً.
لكلِّ حلٍّ حدود
لم تكن استجابة المزارعين لاستخدام «الشِّباك» أمرًا سهلاً، خاصةً أنّها بدورها تُثقِل على كواهلهم مادياً. تُباع بالمتر الواحد، بعرضٍ يُقارب المترَين وطولٍ يصل إلى أربعة عشر متراً. وهذا ما يجعل تغطية مساحات واسعة من كروم العنب عبئاً مالياً يضاعف المصاريف، ويقلل هوامش الربح.
يضاف إلى ذلك أنّ نصب «الشِّباك» وإزالتها يتطلبان جهداً كبيراً. كما أنّ عمرها الافتراضي قصيرٌ، إذ قد تتمزق بسهولة في حال أسيء التعامل معها، أو تتلف تحت وطأة البَرَد القوي وأشعة الشمس الحارقة. ولن يعود الفضل في استمرارها سوى إلى حنكة المزارع وخبرته.
إلى جانب التكلفة والجهد، تُضاف عوامل أخرى تعيق الاكتفاء بـ «الشِّباك». ففي نهاية المطاف، هي لن تكون حلّاً أمام تشبُّع العنب بالماء وفقدانه الحلاوةِ، بسبب أمطار صارت تهطل في نهاية الموسم.
تعجز «الشِّباك» عن أن تتحوَّل إلى حلٍّ متكاملٍ ومستدامٍ يقي النظم الزراعية والغذائية آثار تغيّر المناخ. يأتي ذلك في وقتٍ يُنبِّه برنامج الأغذية العالمي في إصدارته إلى أنّ ما يُعين هذه النظم على أن تصمد في وجه التأثيرات الراهنة والمستقبلية، هي «الممارسات الجيّدة».
يمكن تقسيم أنواع العنب اليمني ضمن ثلاث فئات وهي الأبيض، والأحمر، والأسود (ريف اليمن)
وبينما يشدِّد البرنامج على أنّه لم يَسبق أن كانت الحاجة إلى التحرّك إزاء الآثار على هذه النظم «أكثر وضوحاً ممّا هي عليه اليوم»، تشير توصياته إلى أمرٍ يتعذَّر توفُّره كما يجب في بلد يعاني الحرب، وهو «دعم سياسات وخطط وإجراءات تكيّفية تحوّلية».
غير أنّ تلك العوامل والعوائق والسياقات كافة يُضاف إليها دليلٌ حاسمٌ من شأنه الإطاحة بإمكانية اعتماد «الشِّباك» حلاً على أي مدى زمنيٍّ كان. ففي دراسة صدرت هذا العام عن المجلة العلميّة المرموقة Physics and Chemistry of the Earth، بعنوان «استشراف التقلّبات المطرية فوق المرتفعات اليمنية عبر التنزيل الإحصائي للفترة 2026–2100»، يرِد أنّ «الهطول المطري في المرتفعات اليمنية يُتوقَّع أن يزداد على المقياس الزمني السنوي بنسبة قد تصل إلى 34٪ مقارنةً بفترة الأساس 1991–2020».
تلفت الدراسة إلى أنّ الآثار على المرتفعات الغربية لصنعاء ستكون أكبر، ولكنّها تشدد على أنّ المنطقة برمَّتها «شديدة الهشاشة أمام هذه التغيّرات والتقلبات». وفي الخلفية الأعم، ما هو على المحك، وفق الدراسة، هو «النظام الزراعي في مرتفعات اليمن، (والذي يعدّ واحداً) من أقدم الأنظمة الزراعية في العالم وأكثرها تطوُّراً».
*ُأنتجت هذه المادة في إطار برنامج تدريبي بالتعاون مع “أوان” ومنظمة “دعم الإعلام الدولي” International Media Support ( lMS)
تُعدّ مرحلة الإزهار في أشجار اللوز من أدقّ المراحل وأكثرها تأثيراً على الإنتاج، إذ تعتمد كمية الثمار وجودتها على قدرة الشجرة في تثبيت الأزهار وتحويلها إلى عُقَد ناجحة.
ولأن كثيراً من المزارعين يشتكون من تساقط أزهار اللوز في مواسم التزهير، تستعرض منصة ريف اليمن في هذا التقرير الارشادي أبرز الأسباب مع توصيات للوقاية والعلاج.
أسباب تساقط أزهار شجرة
العوامل المناخية والبيئية:
الصقيع وانخفاض الحرارة إلى الصفر أو ما دون: يسبب تلفاً مباشراً لحبوب اللقاح والمبايض، فتسقط الأزهار.
الرياح القوية أو الجافة أو الحارة: تُضعف البتلات وتهز الأفرع فتُسقط الأزهار، كما تُعيق التلقيح.
الأمطار الغزيرة أثناء الإزهار: تتسبب في تعفن الأزهار أو إسقاطها مبكراً.
نقص الرطوبة الجوية وارتفاع الحرارة المفاجئ: يؤديان إلى جفاف المياسم وعدم اكتمال التلقيح.
ضعف التلقيح ونشاط النحل: قِلة الملقِّحات نتيجة البرد أو الرياح تمنع عقد الأزهار.
عدم التوافق بين الأصناف أو العقم الذاتي: يمنع التحول من زهرة إلى ثمرة، خصوصاً مع زراعة صنف واحد فقط.
نقص العناصر الغذائية المهمة مثل:
– الفوسفور — ضروري لتكوين الأزهار.
– البورون والكالسيوم — يعزز زيادة العقد وتثبيتها.
– الزنك — مرتبط بتكوين هرمون الأوكسين المسؤول عن التثبيت. ملاحظة: نقص هذه العناصر يؤدي إلى ذبول الأزهار وتساقطها.
الحمل الزهري الزائد: فتتخلّص الشجرة من جزء من الأزهار حفاظاً على توازنها الغذائي. ملاحظة: أسباب فسيولوجية = أسباب داخلية في الشجرة.
رش الأشجار بالبورون والكالسيوم قبل انفتاح الأزهار بتركيز وتوجيهات معينة، مع الحرص على عدم الإفراط في الاستخدام واستخدامها مع نظام الري
الأمراض والآفات
لفحة الأزهار (العفن البني)
– يظهر على شكل تلون بني أو رمادي للأزهار ثم جفافها وسقوطها.
– ينتشر في الأجواء الباردة والرطبة وقد يؤدي لتلف فروع غضة.
حشرة المنّ وغيرها من الحشرات الماصة: تمتص العصارة الزهرية وتضعف الأزهار وتُسقطها مبكراً.
ممارسات زراعية خاطئة
الري غير المنتظم: العطش أو الإغراق يمنع الإخصاب ويُجهد النبات.
الإفراط في التسميد النيتروجيني: يزيد النمو الخضري على حساب الأزهار.
التقليم غير المناسب: يخلّ بتوزيع الحمل الزهري.
الرشّ بمبيدات أو أسمدة ورقية أثناء الإزهار دون ضرورة: يطرد النحل وقد يسبب حروقاً للأزهار.
تجنب رش الأشجار بأي مبيدات حشرية أو محاليل رش أو أسمدة ورقية أثناء مرحلة انفتاح الأزهار لتجنب تساقط الأزهار أو طرد الحشرات النافعة كالنحل، ما لم يكن هناك حاجة ملحة لهذا الإجراء.
نصائح لتثبيت أزهار اللوز
التسميد المتوازن
/ إضافة سماد غني بالفوسفور قبل بدء مرحلة التزهير.
/ الرش أو الإضافة بالبورون والكالسيوم قبل انفتاح الأزهار مع مراعاة الجرعات.
/ تجنب الإفراط في النيتروجين خلال هذه المرحلة.
تنظيم الريّ بدقة
/ عدم تبذير المياه أو ترك التربة تجف كثيراً.
/ تحسين الصرف لمنع ركود الماء حول الجذور. ملاحظة: قدر كمية المياه وفقاً لرطوبة التربة والأمطار.
حماية التلقيح
/ دعم وجود خلايا نحل في البساتين.
/ تجنب الرشّ في وقت نشاط النحل أو أثناء انفتاح الأزهار إلا للضرورة القصوى.
الوقاية من الأمراض
/ إزالة الأزهار المصابة وحرقها.
/ تنفيذ رشّ وقائي قبل الإزهار وعند بدايته بمبيدات فطرية معتمدة ضد العفن البني.
تهيئة المزرعة:
/ اختيار أصناف متوافقة في التلقيح.
/ تقليم متوازن يضمن الإضاءة والتهوية داخل الشجرة.
/ مراقبة التنبؤات الجوية واتخاذ إجراءات حماية عند توقع الصقيع.
إذا من خلال ما سبق توصلنا إلى أن تساقط أزهار اللوز ليس سبباً واحداً بل تفاعل لعوامل مناخية وتغذوية ومرضية وإدارية، وباتباع ممارسات زراعية صحيحة، يمكن للمزارع أن يقلل الخسائر ويحقق إنتاجاً أفضل وأكثر استقراراً مع كل موسم.
هذه النصائح لكم/ن
إذا كان لديكم/ن أي استفسار أو تحتاجون إرشاداً بشأن الزراعة أو الماشية، أو النحل، أو الصيد البحري، من المهندس الزراعي في منصة “ريف اليمن”، بإمكانكم التواصل معنا عبر البريد الالكتروني – info@reefyemen.net. أو التواصل معنا عبر الواتساب على الرقم: 777651011.
تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعي التالية: – فيسبوك . تويتر . واتساب . تلغرام . إنستغرام
مع بداية موسم اصطياد سمك الحَبَّار، تتحول سواحل تهامة والبحر الأحمر إلى مسرح حي لحركة الصيادين، حيث تبدأ رحلة البحث عن أحد أهم الثروات البحرية في اليمن، ومعها تتنوع الحكايات بين الرزق اليومي، والموروث المتوارث عبر الأجيال، وبين التحديات التي تواجه البحّارة ومجتمع الصيادين.
الحَبَّار حيوان بحري من الرَّخَويات الشائعة في المناطق الدافئة كالبحر الأحمر والبحر المتوسط، كما يوجد في المياه الضحلة والعميقة على حد سواء، ويستمد تسميته نظرا لوجود غدة بأحشائه تفرز سائلا أسود كالحبر يطلقه في سحابة يختفي وراءها عن نظر الأعداء.
يقول “باسل جابر”، وهو أحد الصيادين في تهامة: “من مطلع أغسطس يبدأ موسم اصطياد الحبار في تهامة وسواحل البحر الأحمر، أخرج من المنزل الصباح وأرجع بعد صلاة العصر، أ ستخدم (قارب) هواري للاصطياد، لديه شراع مصنوع من القماش، وأعود عادة بكمية من الحبار”.
أما الصياد “سليم أحمد”، فيرى أن الليل أكثر سخاء في منح الرزق، إذ يقول “أفضل صيد الحبار بعد صلاة المغرب، أحياناً أعود بلا صيد، وأحيانا أعود بصيد كثير، وهكذا”، لخص بكلماته حال البحّارة الذين يتأرجح رزقهم بين وفرة وغياب.
في سوق السمك بمدينة الحديدة، حيث يختلط صخب الباعة برائحة البحر، يقول التاجر “مروان حميدان”: “يدخل السوق يوميا من 3 إلى 4 أطنان من الحبار خلال الموسم، من أغسطس حتى أكتوبر، هذا الموسم ينعش السوق ويؤمن دخلا مهما لعشرات الأسر الساحلية”.
غذاء واقتصاد
يشرح الدكتور “يحيى فلوس”، أستاذ الأحياء البحرية والمصائد في كلية علوم البحار بجامعة الحديدة، أهمية هذه الثروة: “الحبار (المعروف محلياً باسم السمَع أو البنجيز) يُعد من الثروات البحرية المهمة في اليمن، حيث تلعب الصادرات دوراً حيوياً في الاقتصاد اليمني”.
كما أن الحبار، بحسب فلوس، من أهم الرخويات البحرية ذات القيمة الاقتصادية العالية في البحر الأحمر، فهو غني بالبروتين عالي الجودة، ويحتوي على فيتامين B12 المهم لصحة الأعصاب وتكوين خلايا الدم، إضافة إلى الحديد والبوتاسيوم، كما يحتوي على مواد طبيعية تعزز القدرات العقلية مثل الدوبامين.
ويضيف: “صادرات الحبار تسهم في دعم الاقتصاد اليمني، إذ يُصدَّر إلى عدة دول آسيوية وأوروبية، ويصل سعر الكيلوغرام الواحد إلى نحو 4 دولارات أمريكية، فيما ترتفع الأسعار أحيانًا بحسب الجودة ومناطق الاصطياد”.
أما “أحمد البهيشي”، الباحث في مجال المصائد السمكية، فيوضح أن الحبار يحتل مركزًا متقدمًا في قائمة الصادرات البحرية اليمنية، ويقول: “الحبار يأتي في المرتبة الأولى أو الثانية من حيث الأهمية التصديرية”.
ويضيف: “الكميات متوفرة بشكل جيد، والقيمة السعرية تصل إلى 20 دولاراً للكيلو، وهو ما يشكل مردوداً غير عادي، يمثل الحبار أهمية قصوى للشركات اليمنية التي تصدره بالأطنان إلى شرق آسيا وأوروبا، كما يشكل مورداً اقتصادياً مهماً للصياد نفسه”.
موروث ثقافي واجتماعي
يرى “عبدالله عايش”، معيد بكلية علوم البحار – جامعة الحديدة، أن اصطياد الحبار ليس مجرد مهنة تقليدية يقتات منها الصيادون، بل هو موروث ثقافي واجتماعي واقتصادي متكامل، ارتبط بذاكرة البحر ووجدان المجتمعات الساحلية عبر الأجيال.
ويشير عايش إلى أن البعد التراثي والثقافي للصيد جعله جزءاً من الهوية الساحلية وطقساً متوارثاً، فيما يحمل بعداً اجتماعياً يتمثل في التعاون العائلي؛ إذ يخرج الرجال للصيد بينما تنتظر الأسر حصيلة الرحلة وتستعد لاستقبالها.
أما من الناحية الاقتصادية، فيمثل الحبار مورداً أساسياً للرزق؛ إذ يُباع في الأسواق إما طازجاً أو محفوظاً بالثلج أو مملحاً أو مجففاً، وهو ما وفر على مدى سنوات مصدر دخل ثابتاً لكثير من الأسر الساحلية.
يؤكد عايش أن للصيد أيضاً بعداً مهنياً، حيث تنتقل الخبرة من الآباء إلى الأبناء، لتبقى هذه الحرفة حاضرة في وجدان المجتمع، بينما يتحول عند آخرين إلى هواية بحرية تضيف بعداً ترفيهياً للصيد، ولا يغيب البعد الغذائي للحبار، إذ يُعد جزءاً تقليدياً من النظام الغذائي في تهامة والمدن الساحلية، حيث تتنوع طرق إعداده بين الطهو المباشر أو الحفظ لوقت لاحق.
يضيف: “خبرات الصيادين لم تقتصر على معرفة مواسم الصيد وأوقاته، بل امتدت إلى طرق التصنيع التقليدية مثل التجفيف والتمليح والتثليج، وهو ما جعل من الحبار ركناً أساسياً في الموروث البحري وذاكرة المجتمعات الساحلية في اليمن”.
تحديات مناخية
يمتد قطاع صيد الأسماك في اليمن على مساحة 2,500 كيلومتر من الساحل، ويساهم بنحو 3% من الناتج المحلي الإجمالي، ويوظف ما يقرب من 2% من القوى العاملة، وعلى الرغم من إمكاناته، فإن الصراع المطول والصدمات المناخية والبنية الأساسية القديمة أعاقت نمو القطاع، بحسب برنامج الأمم المتحدة الإنمائي.
الباحث “هزاع كداف” قال إن الحبار يعدّ من أكثر الكائنات عرضة للتأثر نظرًا لقصر دورة حياته وحساسيته للتغيرات البيئية، وأوضح أن أبرز العوامل التي تحدد مستقبل هذا الكائن البحري تتمثل في ارتفاع درجة حرارة مياه البحر، وتوفر الغذاء، ومستويات حموضة المياه إضافة إلى توفر المأوى أو المسكن، وكذلك تغيّر معدلات الملوحة.
ويضيف كداف أن كل نقطة من هذه التحديات تحتاج إلى تفسير علمي مستقل، إلا أنها مترابطة بشكل وثيق، ويقف وراءها العامل الأساسي المتمثل في التغير المناخي العالمي.
من جهته يقول عايش إن التغير المناخي وارتفاع حرارة المياه يؤثران على تكاثر الحبار ومواسم هجرته، فيما يؤدي التلوث البحري إلى نفوق جماعي لليرقات.
ويضيف: “التغيرات في التيارات البحرية والرياح تغيّر من توقيت مواسم الاصطياد ونجاحه، فضلاً عن الصيد العشوائي والمفرط، والصراعات البحرية والعسكرية التي قد تهجر الصيادين من مناطقهم”.
يساهم القطاع السمكي بنحو 3% من الناتج المحلي الإجمالي ويوظف ما يقرب من 2% من القوى العاملة وعلى الرغم من إمكاناته فإن الصراع والصدمات المناخية أعاقت نموه.
رغم كل هذه التحديات، ما زال الصياد اليمني متمسكا بالبحر كمنفذ للأمل، يقول الباحث أحمد البهيشي: “رغم الظروف الصعبة، يظل الحبار بالنسبة للبحّارة مورد رزق رئيسي، ومصدرًا لتقليل البطالة والفقر وتنشيط الأسواق المحلية، كما يسهم في دعم الصناعات الغذائية، وتوفير النقد الأجنبي للبلاد”.
ويرى البهيشي أن تطوير هذا القطاع يحتاج إلى استراتيجيات مستدامة تشمل إنشاء مراكز بحثية متخصصة، وتدريب الصيادين على أساليب الصيد الحديثة، وتوسيع البنية التحتية لتصدير المنتجات البحرية اليمنية.
ويواجه الصيادون تحديات كبيرة منها التغيرات المناخية وتقلبات الطقس، التي أثرت على وفرة الأسماك في السنوات الأخيرة، مع نقص الأدوات والمعدات الحديثة للصيد، وارتفاع تكاليف الوقود والزيوت الخاصة بمراكب الصيد.
مع بزوغ كل فجر، تبدأ نساء القرى في جبل صبر المُطل على مدينة تعز رحلة التزوّد بالماء؛ يحملن أوانيهن البلاستيكية على رؤوسهن، يصحبهن أطفال في طرق جبلية وعرة، في مشهد يتكرر منذ سنوات وسط أزمة مياه خانقة تتفاقم عاماً بعد آخر، بينما تغيب المشاريع الحكومية، وتتعثر تدخلات المنظمات للتخفيف من معاناة السكان.
تقول “آمنة عبد الرقيب (23 عاماً)”، وهي شابة من أهالي مديرية مشرعة وحدنان: “نعيش معاناة يومية مع الماء، وغالباً ما نقطع مسافات طويلة في الجبال لنملأ جالونين أو ثلاثة، بالكاد تكفينا ليوم واحد”.
حياة على حافة الجفاف
توضح آمنة لـ “منصة ريف اليمن” أن النساء والفتيات يتحملن العبء الأكبر لتأمين المياه لأسرهن. وتضيف: “المديرية بشكل كامل تعتمد فقط على برك المياه، باستثناء قريتين أسفلها فيهما بعض العيون الجارية. نحمل الدباب (جوالين) على رؤوسنا، ننتظر ساعات لملئها، وأحياناً نعود ولم نحصل على شيء ومع كل موجة جفاف – كما حدث قبل شهرين – يزداد الوضع سوءاً، وللأسف لا توجد أي حلول من الجهات المختصة للمشكلة”.
الجهد اليومي الشاق للبحث عن الماء لا يترك أثره على الأجساد فحسب، بل يمتد إلى حياة الفتيات ومستقبلهن، تقول آمنة إن “الكثير من الفتيات يضطررن إلى التغيب عن المدرسة بسبب انشغالهن بجلب الماء، وبعضهن يعانين من أمراض المفاصل وآلام الظهر والرقبة نتيجة حمل الجوالين الثقيلة يومياً”.
جغرافيّة العطش والنزاع
يُعد المُناخ في اليمن شبه استوائي، ويختلف موسم الأمطار فيه عن المعتاد في كثير من الدول العربية، وفي النصف الشمالي من الكرة الأرضية عموماً، ففي حين تهطل الأمطار هناك عادة خلال فصلي الخريف والشتاء، يشهد اليمن أمطاره في فصلي الربيع والصيف، إذ يبدأ الموسم المطري في مارس أو أبريل ويستمر حتى أغسطس أو سبتمبر، وتكون ذروته خلال يوليو وأغسطس، خصوصاً في المناطق الجبلية.
قمة جبل صبر تعد من أعلى القمم الجبلية في اليمن، ويبلغ ارتفاعها نحو 3,070 متراً فوق سطح البحر، ونظراً لهذا الارتفاع، يتمتع الجبل بمناخ بارد نسبيا مقارنة بالمناطق المنخفضة المحيطة، وتشير التقديرات إلى أن درجات الحرارة عند قمة الجبل قد تنخفض ليلا إلى مستويات قريبة من الصفر، خاصة خلال أشهر الشتاء، فيما تصل إلى 31°C في أشد الأشهر حرارة.
يشمل الجبل ثلاث مديريات رئيسية: مشرعة وحدنان، صبر الموادم، المسراخ، ويقطنها 134 ألفاً و77 نسمة بحسب إحصاء العام 2004، وهو آخر إحصاء سكاني شهده اليمن. يتوزع السكان على نحو 55 قرية وعشرات المحلات (المحلة أصغر تقسيم إداري وتوازي تقسيم “الحارة” في المدن الحضرية).
تعتمد غالبية السكان على العائدات الزراعية، خاصة زراعة القات وتسويقه، بالإضافة إلى زراعة الخضروات والبقوليات والقمح بنسب متفاوتة، فيما يشكل النشاط التجاري، والنقل، والمواصلات مصادر دخل إضافية للبعض.
مواطنون أمام طوابير طويلة لجوالين الماء في انتظار الحصول على المياه في جبل صبر بمدينة تعز (فيسبوك)
تواجه معظم قرى جبل صبر شحّاً شديداً في المياه، وسبق أن شهد بعضها، مثل قراضة والمرزُح، نزاعات بين السكان على مصادر المياه استُخدم فيها السلاح، استمرت لسنوات وسقط فيها قتلى وجرحى، كما يروي محمد عبد السلام (36 عاماً) لـ “منصة ريف اليمن”.
وفقاً للمركز الدولي المعني بتأثير الصراعات على المدنيين (سيفيك)، يُقتل أربعة آلاف شخص في اليمن سنويّاً بسبب النزاع على الأراضي والمياه، هذا الرقم الصادم يعكس مدى تصاعد التوترات والصراعات داخل المجتمعات الريفية؛ للحصول على حصص كافية من المياه.
يشرح عبد السلام أن صهريج الماء الواحد (الوايت) بات يكلف أكثر من ضعف السعر المعتاد، بسبب وعورة الطرق الجبلية وارتفاع تكاليف النقل، والأسعار متفاوتة تبعاً للمسافة، تراوح بين 25 – 50 ألف ريال يمني، (15 -30 دولار) فيما تغيب الرقابة، ويستغل البعض حاجة الناس بغية الربح السريع.
يكشف المجلس النرويجي للاجئين عن ارتفاع حاد في تكاليف نقل المياه، إذ تصل كلفة ألف لتر في تعز إلى ما يعادل أجر يوم كامل لعامل بسيط، ما يدفع النساء والأطفال إلى المشي لمسافات طويلة لجلب الماء في ظروف قاسية. يؤكد عبد السلام أن “الدولة فشلت في توفير الماء، بل أصبحت أحياناً طرفاً في الصمت الذي يغذي النزاعات، بدل أن تحلها”.
على أعتاب الكارثة
يحذر الخبير البيئي “عبد الغني اليوسفي” في دراسة حديثة من تفاقم أزمة المياه في اليمن، ويؤكد أن البلاد تقف على أعتاب كارثة مائية تهدد الزراعة والاقتصاد والصحة العامة، موضحاً أن تراجع معدلات الأمطار والجفاف الطويل وتدهور مستوى المياه الجوفية، كلها عوامل فاقمت الأزمة، وجعلت مناطق مثل جبل صبر أكثر هشاشة ومعاناة.
الكثير من الفتيات يضطررن إلى التغيب عن المدرسة بسبب انشغالهن بجلب الماء، وبعضهن يعانين من أمراض المفاصل وآلام الظهر والرقبة نتيجة حمل الجوالين الثقيلة يومياً.
وفق المركز الوطني للمعلومات “تتباين كمية الأمطار الساقطة على اليمن تبايناً مكانياً واسعاً، فأعلى كمية تساقط سنوي تكون في المرتفعات الجنوبية الغربية كما في مناطق إب، وتعز، والضالع، ويريم، حيث تتراوح كمية الأمطار بين 600-1500 مم سنوياً”، لكن لا تتوافر بيانات تفصيلية توضح كميات الهطول في جبل صبر.
يُعد اليمن من أكثر الدول عرضة لتغير المناخ على مستوى العالم، كما تشير بيانات برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وأحد أكثر البلدان التي تعاني من ندرة المياه، وقد أسهم الجفاف ومحدودية موارده المائية وسوء إدارة المياه والاستغلال المفرط لها في انعدام الأمن المائي، فيما تتفاقم الأزمة مع تصاعد تأثيرات تغير المناخ.
ووفق دراسة علمية أعدها المهندس مساعد عقلان والباحثة هيلين لاكنر: هناك ثلاثة أسباب رئيسية لندرة المياه في اليمن، تتمثل في النمو السكاني السريع، الذي يبلغ متوسطه 3% سنويّاً، وإدخال المضخات التي تعمل بالديزل وتقنية حفر الآبار الأنبوبية للري، وتغيّر المناخ الذي أدى إلى تزايد هطول الأمطار الغزيرة جداً وغير المنتظمة، وظواهر مناخية أخرى تؤثر على توافر المياه.
تُظهر بيانات البنك الدولي أن 18 مليوناً من سكان اليمن يعانون من عدم القدرة على الحصول على المياه المأمونة أو الصرف الصحي (إجمالي عدد السكان نحو 42 مليوناً)، أما في محافظة تعز التي يقع فيها جبل صبر فالوضع أكثر صعوبة، بسبب الحرب وانقطاعات الكهرباء التي تشغل مضخات المياه، وفقا لمنظمة هيومن رايتس.
مبادرات ذاتية
تؤكد بيانات منظمة Data Friendly Space أن الوضع تدهور بشكل كبير عام 2025، إذ لا يحصل سوى 32% من السكان المستهدفين على مياه شرب آمنة من خلال أنظمة مستدامة، ولا يحصل سوى 11% منهم على دعم مستدام للصرف الصحي.
تجميع مياه الأمطار من أسطح المنازل إلى الخزانات يعمل على تحسين الحصول على المياه، ويخفف العبء الواقع على كاهل النساء والأطفال، بحسب البنك الدولي
في مواجهة هذا الواقع، لجأ السكان إلى بناء الخزانات الأرضية والسدود الصغيرة والحواجز المائية، في مبادرات ذاتية لتجميع مياه الأمطار واستخدامها في الشرب والزراعة. يقول الصحفي “ربيع صبري”، أحد أبناء عزلة الشقب جنوبي المحافظة: “يواجه السكان أزمة مياه تتطور إلى وضع معقد جداً، خاصة خلال فصل الشتاء”.
يوضح صبري لـ”منصة ريف اليمن” أن “بعض الآبار تعرضت للجفاف، فحُرم السكان من مصادرهم التقليدية للماء. حين تجف الآبار لا نجد إلا السماء، ولهذا لجأ الناس إلى بناء خزانات أرضية مختلفة الحجم -كل بحسب قدرته- لتجميع مياه الأمطار واستخدامها خلال الشتاء”.
يشرح صبري قائلاً: “قبل أربع سنوات، وصل سعر خزان الماء سعة 5 آلاف لتر إلى نحو 15 ألف ريال بالطبعة القديمة (نحو 30 دولاراً)، بسبب ندرة المياه وقلة مصادرها”. ويضيف: “من يمتلك خزاناً يحظى بشيء من الاستقرار المائي، أما من لا يملك فيقضي يومه باحثاً عن بئر أو عيون ماء”.
تجيز المادة (30) من قانون المياه اليمني للأهالي إقامة البرك والخزانات لتجميع مياه الأمطار، باعتبارها حق انتفاع مشروعاً ما لم تتعارض مع حقوق الغير، وتشجع على إقامة منشآت مائية صغيرة تحقق الاستفادة من مياه الأمطار للري والاستهلاك المنزلي.
حلول جزئية
الاستجابة الذاتية للسكان شكلت فارقاً في حياتهم، لكنها لا تغني عن الحاجة إلى دعم رسمي ومشاريع منظمة ومستدامة، وتظهر شهادات السكان أن هذه المبادرات ساهمت في تقليل الاعتماد على صهاريج المياه التجارية، وخففت من حدة النزاعات في بعض القرى، خاصة تلك التي أنشأت خزانات جماعية بتعاون الأهالي.
يلفت البنك الدولي إلى أن تجميع مياه الأمطار من أسطح المنازل إلى الخزانات يعمل على تحسين الحصول على المياه، ويخفف العبء الواقع على كاهل النساء والأطفال الذين يقومون بجلب المياه بالطرق التقليدية.
وسبق أن أشاد البنك الدولي بالمبادرات المحلية اليمنية التي تسعى لحصاد مياه الأمطار، في حين تدعمها جهات دولية أخرى، في إطار “المشروع الطارئ للاستجابة للأزمات” التابع للمؤسسة الدولية للتنمية، وينفذه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بالاشتراك مع الصندوق الاجتماعي للتنمية، ومشروع الأشغال العامة في اليمن، إذ دعم المشروع إنشاء 1279 خزاناً من الخزانات العامة لتجميع مياه الأمطار و30686 خزاناً من الخزانات المنزلية في عموم اليمن، ما وفر نحو 900 ألف متر مكعب من المياه النظيفة.
مواطنون في مديرية مشرعة وحدنان بجبل صبر أثناء محاولة الحصول على المياه (فيسبوك)
يؤكد المهندس الزراعي “عبد الإله خليل” أن هذه الأنظمة – من سدود وآبار وخزانات – تعد وسيلة مهمة لإعادة التوازن بين الاستخدام البشري للمياه وتغذية الخزان الجوفي، خاصة إذا كانت الخزانات على أرض مفككة تسمح بتسرب جزء من المياه نحو باطن الأرض.
ويوضح خليل خلال حديثه لـ”منصة ريف اليمن”، أن الخزانات الأرضية ساعدت المواطنين على مواجهة أزمة المياه نسبياً، كما ساعدت المزارعين على استمرار أنشطتهم خلال فترات الجفاف، وعملت على خلق توازن مائي نسبي في القرى التي تعتمد على الأمطار.
ويرى المهندسان عبد الإله خليل، وعبد الله الحسيني، أن تجميع مياه الأمطار تقليد قديم لكنه فعال، موضحَين أن تأثير الخزانات على تغذية الآبار الجوفية يعتمد على طبيعة تصميمها، فالخزانات المحكمة الإغلاق والمبطنة بالإسمنت أو البلاستيك تقلل من تسرب المياه إلى باطن الأرض، وبالتالي تحد من تغذية الطبقات الجوفية.
في المقابل، تسهم الخزانات شبه النفاذة، أو تلك المصممة بأحواض ترابية، في زيادة تغذية المياه الجوفية عبر السماح بتسرب جزء من المياه نحو الطبقات السفلى، وتحقق استدامة جزئية للموارد المائية.
فيما يتعلق بالجانب الزراعي، يؤكد خليل والحسيني أن تجميع مياه الأمطار يمكن أن يشكل مصدراً مائياً لري المحاصيل خلال فترات الجفاف، كما يخفف الضغط على الآبار ويقلل من استنزاف المياه الجوفية، ويساعد هذا النظام على دعم الزراعة المحلية، لكنهما يشيران إلى أن فعاليته تبقى محدودة.
بين مخاطر التلوث وتحديات التكلفة
رغم نجاح هذه الجهود الشعبية جزئياً، تظل المعوقات كبيرة، وتتمثل في تكاليف النقل الباهظة وارتفاع أسعار مواد البناء، إضافة إلى مخاطر التلوث. ووفق الصحفي ربيع صبري “يضيف السكان الكلور للحفاظ على الماء، لكن ما يرهقهم هو تكاليف بناء الخزانات، فمواد الحديد والإسمنت تنقل من أماكن بعيدة عبر طرق جبلية وعرة، ما يرفع كلفة الإنشاء. ومع غياب الدعم الحكومي يبقى توسع هذه المشاريع أمرا صعبا على السكان”.
أما الخبير البيئي “عبد الغني اليوسفي” فيؤكد أن “هذه الحلول الجزئية لا تعالج جذور الأزمة”، محذراً من أن استمرار الوضع الحالي قد يُفاقم الصراعات المحلية على مصادر المياه، خصوصاً في القرى التي تعتمد على الآبار المشتركة. ويشير إلى أن بعض الأسر اضطرت إلى النزوح من مناطقها الريفية بحثاً عن مياه للشرب أو للزراعة؛ ما يفاقم الأعباء الإنسانية ويزيد من معدلات الفقر والهجرة الداخلية.
تشير بيانات برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وأحد أكثر البلدان التي تعاني من ندرة المياه (فيسبوك)
يضيف اليوسفي في دراسة بيئية بعنوان ” تأثيـرات تغـير المنــاخ عــلى المجتمـــع اليمـــني تحليل الوضع البيئي في اليمن – أكتوبر 2024″، أن “تراجع الأمطار وانخفاض مستويات المياه الجوفية وتزايد الجفاف عوامل متشابكة تخلق ضغطاً هائلا على الموارد المائية، بينما الفيضانات غير المنتظمة تدمر البنية التحتية وتلوث المصادر”.
فيما يحذر المهندس خليل من احتمالات تلوث مياه الخزانات نتيجة تراكم الأتربة والمخلفات أثناء الجريان السطحي، أو بسبب نمو الطحالب والبكتيريا عند ترك المياه راكدة لفترات طويلة، ويشدد تحذيره من التلوث الكيميائي خصوصاً عند استخدام مواد بناء غير آمنة، أو في حال تسرب معلبات السموم الكيماوية إلى داخل الأحواض.
ولتفادي هذه المخاطر، ينصح بتنظيف الخزانات بانتظام، وتغطيتها بإحكام، وتركيب فلاتر أو أحواض ترسيب لتصفية المياه قبل دخولها، مع الحرص على استخدام المياه خلال فترة زمنية مناسبة وعدم تركها راكدة.
وفق الخبير البيئي عبد الغني اليوسفي فالحلول لا تكمن في الخزانات فقط، بل في استراتيجية وطنية لإدارة الموارد المائية تشمل ترشيد الاستهلاك وتحسين كفاءة الري الزراعي، والاستثمار في مشاريع البنية التحتية المائية مثل السدود والأنظمة الحديثة لجمع الأمطار، إلى جانب رفع الوعي المجتمعي حول أهمية الحفاظ على المياه ومعالجة السلوكيات السلبية.
تشير تقارير اللجنة الدولية للصليب الأحمر إلى أن استنزاف المياه الجوفية تفاقم بسبب زراعة القات، التي تستهلك أكثر من 40% من موارد المياه المتجددة في البلاد. ويؤكد اليوسفي أن “أزمة المياه في اليمن لم تعد قضية بيئية فحسب، بل قضية وجودية تمس الحياة اليومية للمواطنين، وتحتاج إلى تحرك وطني ودولي عاجل”.
في خضم هذه التحديات يبقى الأمل حاضراً في كلمات السكان، خاصة النساء اللواتي يتحملن العبء الأكبر، إذ تقول المواطنة آمنة عبد الرقيب: “تعبنا من أزمة الماء المستمرة، يأتي المطر في الصيف كمنقذ لنا، ويأتي الشتاء كضيف ثقيل، فعلى الرغم من شدة البرد في قرانا المرتفعة نخرج للبحث عن الماء ونحمله يومياً على رؤوسنا. نأمل أن يأتي يوم يغدو فيه الماء قريباً من بيوتنا، وتنتهي معركة الكفاح اليومية للحصول عليه”.
*ُأنتجت هذه المادة في إطار برنامج تدريبي بالتعاون مع “أوان” ومنظمة “دعم الإعلام الدولي” International Media Support ( lMS)
في أعالي جبال ماوية شرق محافظة تعز، تقبع عزلة حَوَامِرَة كأنها خارج خارطة الدولة والزمن، تعيش بين الوعورة والعزلة، وتواجه واقعا منسيا قاسيا جعل الحياة فيها شاقة بكل تفاصيلها، فهناك تتحول أبسط الاحتياجات اليومية إلى مغامرات شاقة محفوفة بالمشقة، وتصبح رحلة المريض إلى المستشفى معركة من أجل البقاء.
يقول “غالب سيف”، أحد سكان المنطقة، لـ”منصة ريف اليمن”: “حياتنا هنا صعبة للغاية، الطريق وعرة والمسافة بعيدة، نقطع أربع ساعات كي نصل إلى منطقة العند في محافظة لحج لنشتري حاجات البيت، لأننا لا نستطيع الذهاب إلى سوق مديريتنا بسبب اختلاف العملة المتداولة”.
ويضيف: “نحن نتعامل بالطبعة الجديدة للعملة، ومنطقتنا تُعد الوحيدة في المديرية التي تتداول بها، ولهذا لا يمكننا الذهاب إلى سوق “السويداء” التابعة لمديريتنا، لأن التعامل هناك محصور بالطبعة القديمة، ما يجعل التبادل التجاري شبه مستحيل بالنسبة لنا”.
هذا التباين النقدي جعل من حوامرة منطقة معزولة اقتصاديًا، فلا حركة تجارية فاعلة داخلها، ولا قدرة على التواصل مع الأسواق المجاورة، وحتى حين يحاول الأهالي التنقل، تصطدم خطواتهم بواقع مرير من الطرق الجبلية المتهالكة، وغياب أي خدمات نقل منظمة.
صعوبات مضاعفة
وبحسب برنامج الأمم المتحدة الانمائي، أصبحت الحياة أكثر صعوبة في المجتمعات الريفية في اليمن بسبب تقييد الطرق الوعرة الوصول إلى الخدمات الحيوية والموارد والتعليم وفرص العمل والإمدادات الغذائية.
يوضح غالب أن الأهالي يواجهون صعوبات مضاعفة في التنقل، خاصة عند الحالات المرضية الطارئة، حيث إن أجرة النقل إلى منطقة العند للراكب الواحد 5000 ريال في الحالات العادية، وترتفع بمقدار مماثل عند حمل كيس دقيق أو أي حمولة إضافية.
وقال: “كلما زادت الحمولة، زادت الأجرة”، مؤكدًا أن بعض الحالات المرضية الطارئة قد تكلفهم ما لا يقل عن 200 ألف ريال أجرة السيارة فقط، (أكثر من 120 دولارًا) ناهيك على الغرامات التي تُدفع للمستشفى والصيدليات مقابل أدوية والصرفيات الشخصية وغير ذلك.
وأضاف: “أسعفت زوجتي مؤخرًا، ولأن السائق أحد أقارب زوجتي، خفّض لي الأجرة بـ30 ألف ريال فقط، لكن كانت كل مصاريفه على نفقتي من أكل وشرب وقات وغير ذلك”.
بعض القرى لا تصل إليها السيارات ويتم نقل المرضى على النعش أو البطانيات لمسافة ساعة ونصف من رأس جبل حوامرة حتى منطقة الجراجر وهي آخر نقطة تصل إليها السيارة.
يوضح غالب، أنهم لا يقومون بإسعاف أي مريض إلا عندما يرون أن حالته الصحية حرجة جدًا، مشيرًا إلى أن الكثير من الأهالي يضطرون لإعطاء أبنائهم المهدئات ليوم أو يومين، تهربًا من تكاليف الإسعاف والمواصلات، وإن لم تتحسن الحالة يضطرون للذهاب مجبرين.
لا تتوقف المعاناة عند المال، بل تتجسد في كل خطوة من الطريق، ويقول “عبدالوهاب علي”، أحد أبناء المنطقة، لـ”منصة ريف اليمن”: “بعض القرى لا تصل إليها السيارات مطلقًا، لذلك ننقل المرضى على النعش أو البطانيات لمسافة ساعة ونصف من رأس جبل حوامرة حتى منطقة الجراجر، وهي آخر نقطة تصل إليها السيارة”.
ويتابع: “النساء يحملن المواد الغذائية على رؤوسهن من القرى البعيدة، والرجال يستخدمون الحمير أو أكتافهم لنقل أكياس القمح والسكر، نحن نعيش كما لو أننا في زمنٍ لا يعرف الطرق ولا الدولة”.
تهميش وتعثر
تبدو حوامرة اليوم نموذجا صارخا لما تعيشه المناطق الجبلية في تعز من تهميشٍ مزمن؛ لا كهرباء، لا مياه، لا شبكة اتصالات مستقرة، ولا وجود فعليا لأي مؤسسة خدمية حكومية، فالمنطقة باتت خارج تغطية الخدمات العامة منذ سنوات طويلة، رغم الكثافة السكانية التي تقدر بآلاف الأسر الموزعة على القرى المتناثرة في المرتفعات.
ويشكل افتقار سكان الريف لشبكة الطرق تحديا كبيرا لتنمية المجتمعات هناك وتحسين ظروف الحياة. وحتى الوقت الحالي، لم تُعبّد إلا ٣٧٤٤ كم من الطرق الريفية وهذا لا يمثل سوى ٦.٤ في المائة من إجمالي شبكة الطرق و ٢١.٦ في المائة من إجمالي الطرق المُعبّدة بحسب دراسة نشرتها مبادرة إعادة تصور اقتصاد اليمن.
“عبدالجبار الصراري”، مدير عام مديرية ماوية، قال في حديث مع “منصة ريف اليمن” إن “السلطة المحلية لا تمتلك أي إيرادات حقيقة يمكن الاعتماد عليها لتنفيذ مشاريع استراتيجية، رغم إدراكنا لحجم المعاناة التي يعيشها الأهالي بسبب وعورة الطرقات وغياب الخدمات الأساسية”.
في ظل استمرار هذه المعاناة تتكرر الدعوات من أبناء حوامرة للسلطات المحلية والمنظمات الإنسانية لفتح طرق جديدة، واستكمال المركز الصحي، وتوفير أبسط مقومات الحياة.
وأشار الصراري، إلى أنه تم في وقت سابق البدء في بناء مركز صحي ببعض من إيرادات رُصدت من السلطة المحلية للمديرية على مدى ثلاث سنوات تقريبًا، والذي كان يمكن أن يقدم خدمة لأكثر من “5000” نسمة، حيث تم عمل القواعد والتجهيزات الأولية لبناء المركز، لكن المشروع توقف بسبب عدم وجود التمويل الكافي.
وأضاف أن السلطة المحلية تسعى لتوفير ما تبقى من المبلغ لضمان استكمال المشروع، مؤكدًا أنه قد تم إنجاز ما نسبته60% من عملية البناء.
ودعا الصراري الجهات المعنية والمنظمات الإنسانية إلى سرعة التدخل لفك العزلة المفروضة على أبناء منطقة حَوَامِرَة، وإنقاذ سكانها من معاناة يومية تتفاقم في ظل انعدام الطرق والخدمات الصحية، وغياب الحد الأدنى من مقومات الحياة.
في ظل استمرار هذه المعاناة، تتكرر الدعوات من أبناء حوامرة للسلطات المحلية والمنظمات الإنسانية لفتح طرق جديدة، واستكمال المركز الصحي، وتوفير أبسط مقومات الحياة، يقول عبدالوهاب علي في ختام حديثه: “لا نطلب رفاهية، فقط طريقًا تمشي فيه سيارة، ومركزًا صحيًا يعالج مرضانا، تعبنا من حمل مرضانا على أكتافنا، ومن انتظار الدولة التي لا تصل”.