شهدت مدينة عتق في محافظة شبوة جنوب اليمن، اليوم الاثنين تدشين فعاليات مهرجان العسل، بمشاركة واسعة من المنتجين المحليين، وسط حضور رسمي وشعبي تشجيعاً للمنتج الذي يعد أبرز موارد المحافظة الاقتصادية.
ويعد أول مهرجان للعسل اليمني الشهير في المحافظة ويستمر ثلاثة أيام ويقام في صالة الفقيد الجبيلي بنادي التضامن، ويهدف إلى التعريف بجودة العسل اليمني، خصوصاً عسل السدر الذي يحظى بسمعة عالمية ويُعتبر من أغلى أنواع العسل.
ويشارك في الفعالية عشرات من مربي النحل والمنتجين المحليين الذين عرضوا أصنافاً متنوعة من العسل ومنتجات النحل، ويتخلل المهرجان فعاليات وندوات توعوية ومعارض تسويقية، تهدف إلى رفع وعي المستهلكين وتشجيع الاستثمار في قطاع تربية النحل.
تسويق العسل الشبواني
ويهدف المهرجان إلى رفع جودة إنتاج العسل المحلي وتطويره وفق معايير التنمية الزراعية المستدامة، وإبراز محافظة شبوة كمركز رئيسي لإنتاج العسل في اليمن والمنطقة، بحسب ما أفاد إعلام السلطة المحلية.
محافظ شبوه عوض ابن الوزير ومدير مكتب الزراعة فهد مبروك أثناء افتتاح مهرجان شبوة للعسل (محمود الخليفي)
وقال محافظ شبوة عوض بن الوزير العولقي “أن المهرجان يمثل خطوة مهمة لتعزيز مكانة العسل الشبواني ورفع جودة إنتاجه وتسويقه محليًا وخارجيًا، داعيًا إلى اعتماد تنظيم مهرجان سنوي للعسل في المحافظة”.
وأعلن محافظ شبوة عن مبادرات لتطوير قطاع العسل، تشمل إنشاء محمية لأشجار السدر في مديرية جردان، وإكمال إنجاز مختبر فحص جودة العسل لمنح علامة تجارية خاصة تحمي جودة المنتج المحلي لتعزيز الثقة بين المستهلكين.
ويأتي إنشاء محمية لأشجار السدر ضمن الحفاظ على البيئة الزراعية ودعم استدامة الإنتاج، انسجامًا مع التوجهات الوطنية ومخرجات المؤتمر الدولي للمناخ (دبي 2024). وقال محافظة شبوة “أن المهرجان يعكس مكانة شبوة الزراعية ويعزز حضورها كمنتج متميز على المستويين المحلي والدولي”.
المهرجان يُعد منصة للتواصل بين المنتجين والمستهلكين، وفرصة لتوسيع الأسواق المحلية والدولية أمام العسل اليمني، وفرصة لتبادل الخبرات بين المنتجين المحليين والخبراء الزراعيين، بما يساهم في تحسين جودة الإنتاج وزيادة القدرة التنافسية.
تعزيز الاقتصاد الريفي
مهرجان العسل الأول في شبوة يأتي لإحياء القطاعات الريفية ودعم الأسر المنتجة ودعم الاقتصاد الريفي من خلال تشجيع الأسر على الاستمرار في إنتاج العسل وتطوير أساليب التسويق.
وقال مدير مكتب الزراعة والري في شبوة فهد مبروك “أن المهرجان يأتي في إطار اهتمام المحافظة بتنشيط قطاعها الزراعي والاقتصاد الريفي، وإبراز جودة العسل الشبواني الذي يُعد من أجود أنواع العسل في اليمن والمنطقة”.
وأضاف”سيتضمن المهرجان معارض لمنتجي العسل والنحالين المحليين، إلى جانب التعريف بأساليب تربية النحل الحديثة وسبل تطوير الإنتاج وتحسين الجودة، فضلاً عن جلسات التوعية بالتسويق والتعبئة والتغليف”، وفق تصريح نقلته وكالة “سبأ” الحكومية.
نحالون يبيعون العسل في مهرجان شبوة الأول الاثنين 10 نوفمبر 2025 (احمد عليوه)
يُعد مهرجان العسل في شبوة أكثر من مجرد فعالية تسويقية؛ فهو رسالة اقتصادية وثقافية تؤكد قدرة المجتمعات الريفية على الإسهام في تعزيز الاقتصاد الوطني، وترسيخ مكانة العسل اليمني كمنتج عالمي يفتخر به اليمنيون.
وتشتهر محافظة شبوة بإنتاج العسل الطبيعي، حيث تُعتبر بيئتها الجغرافية والمناخية ملائمة لتربية النحل وإنتاج عسل عالي الجودة، وخاصة عسل السدر، يُصدَّر إلى أسواق خارجية ويُعتبر من المنتجات التي تعزز سمعة اليمن الزراعية عالمياً.
وفي إبريل/ نيسان الماضي حصدت أربعة أنواع من العسل اليمني جوائز دولية من مسابقة باريس الدولية لجودة العسل 2025، من بينها عسل السدر الجرداني الذي حصل على جائزة ذهبية في المهرجان الذي أقيم في الرياض بالإضافة إلى ثلاثة أنواع أخرى هي السدر الحضرمي والعصيمي.
ويُنتج عسل السدر الجرداني في وادي جردان بمحافظة شبوة، على أطراف الصحراء اليمنية (جنوب شرق)، يتميز بنكهات الكراميل، والتوفي، وقشر الجوز، ويزدان برائحة الكستناء المحمصة والأوراق الجافة، ما يمنحه طابعاً عطرياً غنياً ومعقّداً، وهو عسل كثيف ويتميز بلون كهرماني أحمر.
في الريف اليمني، حيث تشكل الزراعة العمود الفقري للحياة الاقتصادية والاجتماعية، تتجلى أسمى صور التعاون الإنساني بين المزارعين الذين يوحدهم العمل في الأرض لمواجهة واقع اقتصادي صعب، وتحديات مناخية متزايدة تهدد مصدر رزقهم الأول، فيتبادلون الخبرات والأدوات، ويشد بعضهم أزر بعض في موسم الزراعة والحصاد.
يقول المزارع “سليمان علي (49 عاما)” إن “التكاتف بين المزارعين في الريف قيمة اجتماعية أصيلة تظهر روح التعاون والمساعدة المتبادلة، فالزراعة عمل يحتاج إلى جهد جماعي وخبرة متبادلة، ولا يستطيع المزارع بمفرده مواجهة ما يعترضه من صعوبات طبيعية أو اقتصادية، لذلك أصبح التعاون ضرورة لضمان استمرار الإنتاج، وتحسين المعيشة في الأرياف”.
قيمة أصيلة
ويضيف سليمان لـ “منصة ريف اليمن”: “يظهر هذا التكاتف في صور كثيرة من تبادل الخبرات الزراعية ومساعدة بعضهم في أعمال الزراعة والري والحصاد، خصوصا في مواسم الذرة التي تتطلب أيادي عاملة كثيرة، فضلا عن تبادل الخبرات الزراعية، ومشاركة المعدات”.
ويشير المزارع “فاروق أحمد (30 عاما)” إلى أن التعاون بين المزارعين يسهم في تخفيف التكاليف الزراعية، حيث يتبادلون المعدات؛ مثل المحاريث والمضخات والبذور الجيدة، كما يتعاونون بالأيدي العاملة في الحراثة والحصاد، ويقدمون الدعم المعنوي والمادي لبعضهم عند الحاجة، مؤكدا أن هذا التكاتف يساعد على استقرار الزراعة واستمرارها رغم الظروف الاقتصادية وارتفاع تكاليف الإنتاج.
في الأرياف، لا تقتصر الزراعة على كونها مصدر رزق فقط للسكان، بل هي أساس الأمن الغذائي، ومحرك التنمية في القرى، فهي تحارب الفقر والبطالة عبر توفير فرص عمل متعددة كالحفر والري والحراسة، كما أنها تقلل من نفقات شراء المواد الغذائية؛ إذ توفر لهم الأرض ما يحتاجونه من الحبوب والخضروات والفواكه.
في موسم الذَرْي – كما يوضح المزارعون – يتعاون الأهالي في وضع الذرة في باطن الأرض، حيث يشارك كل فرد من العائلة في خدمة الآخرين، ثم يرد لهم الجميل خلال موسم الحصاد، في مشهد يعكس روح الجماعة وتبادل العون، كما يعمل الجميع يدا بيد في جمع المحاصيل وترتيبها وفرزها بأقل التكاليف الممكنة؛ ما يعزز الترابط الاجتماعي، ويقلل الأعباء الاقتصادية.
الحل الأمثل
لا يقتصر هذا التكاتف على الرجال فحسب، بل تشارك فيه النساء أيضا كما تؤكد المزارعة “هدى محمد (35 عاما) بأن التعاون والتكاتف بين المزارعين يمثلان ركيزة أساسية لا يمكن الاستغناء عنها، خصوصا في ظل الظروف الراهنة التي يمر بها الريف، حيث أصبح كثير من المزارعين غير قادرين على توفير أجور العمال الزراعيين.
وتضيف هدى لـ”منصة ريف اليمن”، أن العمل الجماعي، والتعاون المتبادل بين المزارعين في حراثة الأراضي وزراعتها وحصادها أصبح الحل الأمثل لتجاوز الصعوبات المعيشية؛ إذ يوفر هذا التكاتف الجهد المالي، ويعوض النقص في الأيدي العاملة، ويعزز روح التضامن داخل المجتمع الريفي.
وأشارت إلى أن هذه الروح التي كانت فيما مضى سمة بارزة في الأرياف، شهدت تراجعا خلال السنوات الأخيرة بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية، وهجرة الكثيرين إلى المدن بحثا عن فرص عمل، موضحة أن الزراعة لم تعد بالنسبة للبعض مصدرا رئيسياً للدخل كما كانت في الماضي، إلا أن روح التكاتف ما زالت حاضرة بين المزارعين
أستاذ علم الاجتماع في جامعة تعز الدكتور “ياسر الصلوي” يرى أن التكاتف والتعاون بين المزارعين يمثلان أحد أهم مظاهر التماسك الاجتماعي في الريف اليمني، وهو جزء أصيل من تاريخ البلاد وحضارتها، خاصة في المجتمعات الزراعية التي استطاعت بفضل تعاونها مواجهة الطبيعة القاسية، وتجاوز الظروف الصعبة عبر العصور.
ويضيف الدكتور الصلوي خلال حديثه لـ”منصة ريف اليمن”، أن الظروف الاقتصادية الحالية زادت من أهمية التعاون بين المزارعين؛ إذ لم يعد أمام المواطنين خيارات كثيرة سوى العمل الجماعي، والتكافل لتلبية احتياجاتهم اليومية.
ياسر الصلوي: التكاتف والتعاون بين المزارعين يمثلان أحد أهم مظاهر التماسك الاجتماعي في الريف اليمني
ويؤكد أنه كلما ساد التعاون زاد التماسك الاجتماعي، وارتفعت روح الانتماء والشعور بأن المصلحة العامة مشتركة، فالخدمة المقدمة لفرد من المجتمع تُعد خدمة للجميع، وهذا يعزز روح التضامن والتلاحم داخل القرى والمناطق الريفية.
تحديات وصعوبات
وأشار الصلوي إلى أن هذه القيم ليست جديدة على المجتمع اليمني، بل متجذرة في تعاليم الدين الإسلامي الذي دعا إلى التكافل والتعاون والتضامن، مؤكدا أن استمرار هذه القيم في الحياة الريفية يعكس عمق الارتباط بين الموروث الديني والثقافة الاجتماعية.
ولفت الدكتور الصلوي إلى أن ثقافة المجتمع اليمني بطبيعتها قائمة على مبادئ التعاون والتعاضد، وأن كثيرا من الأفراد يجدون الدافع والحافز لممارسة هذه القيم من منطلق ديني واجتماعي معا، داعيا إلى تطوير هذه الروح عبر إنشاء مؤسسات وجمعيات خيرية تعاونية تدعم الفلاحين والمزارعين، بما يسهم في توجيه جهود الأفراد نحو عمل منظم ومنتج يعزز التنمية المحلية، ويقدّم نموذجاً يحتذى به في الريف اليمني.
ورغم هذا التكاتف، يواجه المزارعون تحديات كبيرة أبرزها الآفات الزراعية التي تُلحق خسائر واسعة بالمحاصيل، مثل الحريق الذي يصيب الثمار عند نضوجها فيحرقها كليا، و”الدود” الذي ينخر الطماطم والذرة والخيار، إلى جانب ذلك، يعاني المزارعون من نقص البذور الجيدة والمعدات الزراعية ومواد المكافحة؛ مما يقلل من إنتاجية الحقول ويزيد من معاناتهم.
ويؤكد المزارعون أن الزراعة ركيزة أساسية في الاقتصاد الوطني يجب الحفاظ عليها وتنميتها، داعين السلطات إلى الاهتمام بهم، وتوفير الدعم اللازم عبر الجمعيات الزراعية ومراكز التدريب، وتزويدهم بالأدوات الحديثة مثل مضخات الري، وبذور محسنة، ومواد مكافحة فعالة للآفات.
وردنا سؤال من أحد متابعي منصة ريف اليمن، جاء فيه: متى يكون الوقت المناسب لغرس شجرة البن وهي في مرحلة البذرة؟
يُعد بداية فصل الربيع الوقت الأنسب لزراعة بذور البن، وتحديداً من منتصف شهر يناير وحتى نهاية الربيع، حيث تتوفر الظروف الجوية المثالية من اعتدال في درجات الحرارة ورطوبة مناسبة تساعد على نجاح عملية الإنبات.
ويمكن تمديد فترة الزراعة إلى مطلع فصل الصيف في حال توفرت الظروف المناخية الملائمة، إلا أن الزراعة في الربيع تبقى الخيار الأمثل لضمان أفضل معدلات الإنبات ونمو الشتلات بصورة صحية ومستقرة.
وبعد أن أجبنا عن تساؤل المتابع حول الوقت المناسب لزراعة بذور البن، نستعرض فيما يلي الخطوات الأساسية لعملية الزراعة، بدءاً من مرحلة التحضير قبل الزراعة، مروراً بطرق الإنبات في المراقد والأكياس البلاستيكية، وانتهاءً بأهم التوصيات لضمان نمو الشتلات بشكل صحي وسليم.
التحضير قبل الزراعة
قبل البدء في زراعة بذور البن، يُنصح باتباع خطوات أساسية لضمان نجاح عملية الإنبات:
نقع البذور: يُنقع البن في الماء العادي لمدة 24 ساعة قبل الزراعة؛ لتسريع الإنبات وكسر سكون البذرة.
اختيار موقع المشتل:
يُفضّل أن يكون الموقع:
– جيد التهوية.
– معتدل الإضاءة.
– محميّاً من الرياح القوية.
زراعة البذور في مراقد الإنبات
تُعد هذه الطريقة من أكثر الطرق شيوعاً لبدء زراعة البن.
إعداد المراقد الزراعية:
تقسَّم المساحة إلى سطور متوازية.
في المشاتل الكبيرة: تكون المسافة بين السطور 2.5 سم وبين البذور 2.5 سم.
في مشاتل المزارعين الصغار: المسافة بين السطور 15 سم وبين البذور 5 سم.
طريقة الزراعة:
توضع البذور على عمق 1.25 سم داخل (بطن) السطور.
يجب أن يكون الجانب المسطح للبذرة إلى الأسفل لضمان الإنبات الصحيح.
بعد الزراعة، تُغطى البذور بطبقة خفيفة من الرمل بسماكة 1.5 سم، مع تجنب زراعة البذور بطريقة عشوائية.
تغطية المراقد والعناية اللاحقة:
تُغطى المراقد بطبقة رقيقة من الحشائش الجافة أو أوراق البن؛ للحفاظ على الرطوبة وتخفيف أثر التغيرات في درجة الحرارة.
بعد ظهور البادرات (النبتات الصغيرة)، تُزال طبقة الحشائش أو الأوراق التي استُخدمت للحماية.
الزراعة في الأكياس البلاستيكية
تُستخدم هذه الطريقة في المشاتل الحديثة وتُعد من أنجح طرق الزراعة، لما توفره من تحكمٍ أفضل في الرطوبة والحرارة وسهولة نقل الشتلات لاحقاً.
خطواتها:
تُرتب الأكياس في أحواض المشتل بشكل منتظم.
توضع بذرة واحدة في كل كيس على عمق بسيط.
تُغطى البذرة بطبقة خفيفة من الرمل، ثم بطبقة من الحشائش أو أوراق البن الجافة للحماية.
توصيات
استخدم بذوراً ناضجة مأخوذة من أشجار قوية وسليمة لإنتاج شتلات عالية الجودة.
احرص على الري المنتظم دون إغراق التربة، خصوصاً في الأسابيع الأولى بعد الزراعة.
حافظ على نظافة المشتل وخلوّه من الأعشاب الضارة التي قد تعيق نمو الشتلات.
من التقرير الإرشادي في الأعلى وجدنا أن فصل الربيع يُعد الوقت الأمثل لزراعة بذور البن، لما يوفره من ظروف مناسبة للإنبات.
وتوصلنا إلى أن نجاح العملية يعتمد على نقع البذور جيداً، واختيار موقع مشتل مناسب، واتباع خطوات الزراعة المنظمة مع ريٍّ معتدل ومنتظم، كما يُسهم استخدام بذور ناضجة والحفاظ على نظافة المشتل في إنتاج شتلات قوية قادرة على النمو والإثمار بجودة عالية.
هذه النصائح لكم/ن
إذا كان لديكم/ن أي استفسار أو تحتاجون إرشاداً بشأن الزراعة أو الماشية، أو النحل، أو الصيد البحري، من المهندس الزراعي في منصة “ريف اليمن”، بإمكانكم التواصل معنا عبر البريد الالكتروني – info@reefyemen.net. أو التواصل معنا عبر الواتساب على الرقم: 777651011.
تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعي التالية: – فيسبوك . تويتر . واتساب . تلغرام . إنستغرام
يُعد موسم “العلان” الزراعي نموذجاً تقليدياً في ريف اليمن، حيث ارتبط هذا الموسم منذ مئات السنين ببداية نضوج المحاصيل الزراعية المتنوعة التي تتطلب جهوداً مضاعفة من المزارعين من بداية الموسم حتى ينتهي الحصاد لمحاصيل الذرة والشام والدجر بأنواعها.
يمتاز هذا الموسم ببساطته وروحه التعاونية التي يتسم بها الناس، وترافقه الأهازيج النسائية التي تطرب آذان السامعين في حين يعمل الرجال والنساء جنباً إلى جنب في مشهد يعكس عمق الارتباط بين الأرض والإنسان.
خلال العقود الخمسة الأخيرة شكّل انتشار زراعة شجرة القات تحولًا جذريًا في المشهد الزراعي؛ إذ كادت هذه الشجرة أن تطمس هوية موسم “العلان” التقليدي بعد أن سيطرت على معظم الأراضي الزراعية في محافظة الضالع، وخاصة في مديريتي دمت وقعطبة.
رغم هذا التغير، ما تزال بعض القرى الجبلية صامدة، محافظةً على إرثها الزراعي، مستفيدةً من عواملها الجغرافية والمناخية، لتظل محاصيل مثل الذرة والشام والدجر جزءاً من هويتها الزراعية، على عكس القرى التي اجتاحها القات وما رافقه من تغيرات اجتماعية واقتصادية وغيرها.
روح موسم العلان
يقول “أحمد الشامي (40 عامًا)”، مزارع من قرية جبل الشامي، واصفًا أجواء الموسم: “بدأ الناس العمل كما في كل مرة؛ قص الحشيش من حواف المدرجات وربطه بحزم متفرقة ليجف تحت الشمس، ثم يُخزَّن لتغذية الأبقار والأغنام بقية العام. والحال ذاته مع علف الذرة والوجيم (الزرع غير المثمر)، وقد كانت غلة هذا العام أفضل من السنوات السابقة بفضل هطول الأمطار في أوقاتها”.
ويضيف الشامي لـ”منصة ريف اليمن”: “قريتنا مع قرى حيد كنة، المعصر، وعدنة الشامي، هي الوحيدة التي لا تزال تحافظ على زراعة المحاصيل الزراعية وأجواء العلان المميزة. ومن منتجات الموسم نرسل هدايا من الدجر والعسل والشام والذرة إلى أقاربنا الذين هاجروا أو يعيشون في القرى التي طغى عليها القات”.
أراضٍ زراعية تأثرت بالجفاف في الموسم الزراعي ولم يحصد المزارعون منها شيئاً (ريف اليمن)
يؤكد أن موسم العلان في قريتهم يجسد روح التعاون والتكافل داخل الأسرة والمجتمع، مشيرًا إلى أن أصوات النساء وهن يرددن الأهازيج من وسط الحقول تضفي على المكان جمالًا فريدًا يعكس تراثًا زراعيًا أصيلًا، ويعزز انتماء الإنسان لأرضه رغم المشقة.
في المقابل، اندثرت المحاصيل الزراعية وغابت هوية “العلان” في معظم القرى التابعة لمديريتي قعطبة ودمت، خصوصًا في مناطق مريس وحجر، حيث بدأت زراعة القات في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي؛ ما أدى إلى تقلص المساحات المزروعة بالمحاصيل التقليدية؛ حتى أصبحت شجرة القات تهيمن على الوديان التي كانت يومًا تكتسي بالذرة والشام والبن والجزر الأبيض (البطاطا الحلوة).
علوي سلمان أحد سكان منطقة حجر يقول لـ”منصة ريف اليمن”: “شهدت منطقتنا توسعًا كبيرًا في زراعة القات تدريجيًا حتى اجتث المحاصيل التي كانت تميز الوديان بجمالها، في الثمانينيات كان وادي الغيل ووادي المقار من أشهر الأودية في زراعة الذرة والشام والدخن، إضافة إلى زراعة البن والجزر الأبيض وغيرها، أما اليوم فهما مغطّيان بالكامل بشجرة القات”.
زحف القات
هذا التحول الزراعي ناتج عن العائد المالي السريع الذي توفره زراعة القات والإنتاج المستمر على مدار العام، مقارنة بالمحاصيل الموسمية التي تتطلب وقتًا وجهدًا كبيرين، كما أن الأراضي المزروعة بالقات كانت في بدايتها تحقق أرباحًا مضاعفة مقارنة بالمحاصيل الأخرى؛ مما شجع المزارعين على استئصال المحاصيل التقليدية والتحول نحو القات الذي مكنهم من شراء احتياجاتهم الغذائية بسهولة.
ويتابع سلمان: “المجتمع الريفي قبل نهضة القات كان متماسكًا ومتعاونًا، يتشارك في الأفراح والأتراح والعمل الجماعي، ناهيك عن تشاركهم في العمل وغيره، لكن مع ازدهار زراعة القات وتدفق الأموال، تغيرت الحياة، وظهرت خلافات بسبب التنافس والطمع”.
ويلفت إلى أن هذا التحول أدى إلى طفرة اقتصادية دفعت الناس إلى بناء المنازل وشراء السيارات، وهذا بدوره قلل من الروابط الاجتماعية والتعاون، وبرزت خلافات جديدة بين الناس نتيجة للتنافس والطمع على توسيع زراعة شجرة القات وجني المزيد من المال؛ مما أثر سلبًا على تكافل المجتمع وروابطه.
في القرى التي اجتاحها القات وانقرضت منها المحاصيل الزراعية، يشعر السكان بالحنين إلى رؤية الوديان وهي مكتسية بالمحاصيل الزراعية وحياة وبساطة موسم العلان الزراعي ونكهته الفريدة التي تجسد إرثاً زراعياً قديماً عاش عليه الأجداد، وخلفوا وراءهم من الأقوال والحكم الكثيرة المرتبطة بهذا الموسم.
يعبر الخبير الزراعي “يحيى الفقيه” عن أسفه العميق من التحولات الزراعية في محافظة الضالع، مؤكدا أنها “تهدد بزوال الهوية الزراعية، وتزيد من خطر الجفاف بسبب الاستهلاك المفرط للمياه، إذ نسي الناس تفاصيل المواسم الزراعية ومعالمها التي كان الأجداد يحفظونها عن ظهر قلب.
ويضيف الفقيه لـ “منصة ريف اليمن”: “هذه التحولات الزراعية أدت إلى نسيان ما يتعلق بالهوية الزراعية، وما كان الأجداد يحافظون عليه بعناية حيث كانوا يتمتعون بمعرفة دقيقة بالمعالم الزراعية ومسمياتها وأنواع الحبوب بأشكالها وأنواعها، ومواعيد الزراعة والحصاد، وغيرها”.
ويتابع: “الجيل الحالي أصبح يجهل تماماً مبادئ الزراعة التقليدية، واتجه إلى الاهتمام بزراعة القات ومضغه وبيعه، باستثناء بعض كبار السن الذين عاشوا قبل انتشار زراعة القات، وأهالي القرى الجبلية التي لا تزال تحافظ على زراعة المحاصيل التقليدية”.
انتشار الآفات
تعد القرى الريفية ملاذًا طبيعيا ومتنفسا للزوار؛ لما تتمتع به من جمال أصيل مرتبط بزراعة المحاصيل التقليدية التي تبرز طابعها الأصيل، الإعلامي “صلاح الحقب” يصف زيارته لقرية “حيد كنة”، بأنها “فسحة استكنان ونقاهة للروح”، مشيرًا إلى أن سحر الطبيعة هناك تجرد الإنسان من شوائب الحياة وضغوطاتها.
ويضيف الحقب لـ”منصة ريف اليمن”: “القرية التي تقع على قمم مرتفعة وتضم أراضٍ خصبة تعرضت خلال العقد الأخير لشح في المياه؛ ما دفع الأهالي للهجرة، لكن موسم الأمطار الغزير هذا العام أعاد الحياة إليها، وتفجرت ينابيعها من جديد، ما دفع الأهالي إلى استعادة نشاطهم الزراعي لتصبح القرية وجهة طبيعية ساحرة”.
يحذر المهندس “خليل الصيادي” من أن الحيازات الزراعية الصغيرة وزحف القات يشكلان خطرا كبيرًا على الزراعة في الضالع، مؤكدًا أن 70% من أراضي المحافظة اكتسحها القات، بينما لا تتجاوز مساحة المحاصيل المتنوعة 30%، مع الإشارة إلى أن بعض القرى التي غلب عليها زراعة القات ما زالت تزرع الشام قليلا، والقمح والطماطم وغيرها من المحاصيل.
ويقول الصيادي إن “انتشار القات لم يدمر المحاصيل فقط، بل ساهم في انتشار الآفات والأمراض الفطرية نتيجة الاستخدام المفرط للمبيدات والأسمدة الكيميائية؛ مما أدى إلى تلوث التربة وفقدان التوازن البيئي”، لافتا إلى أن تراجع المحاصيل المتنوعة أثر سلباً على الأمن الغذائي في المنطقة، ورفع معدلات البطالة بين الشباب والنساء، وقطع الصلة بين الإنسان وأرضه.
ويشير إلى أن القرى الجبلية لا تزال تنتج العسل والسمن البلدي بجودة عالية بفضل تغذية المواشي على الأعلاف الطبيعية، وخاصة عسل موسم العلان، في حين فقدت منتجات القرى التي تهيمن عليها زراعة القات نكهتها الأصلية بسبب تلوث المياه والتربة.
ووفقاً لمنظمة الأغذية والزراعة (FAO) والبنك الدولي، يُصنَّف اليمن من بين الدول الأكثر عرضة لنقص موارد المياه، ويأتي في ذيل قائمة الدول من حيث توافر الموارد المائية، وتشكل زراعة القات ضغطاً كبيراً على موارد المياه؛ حيث تستحوذ على حوالي 40% من إجمالي استهلاك المياه في البلاد، وتتطلب هذه الزراعة كميات ضخمة من المياه بشكل دائم؛ مما يسرع استنزاف المياه الجوفية خاصة في المناطق المرتفعة.
هوية مهددة
خلال السنوات الأخيرة ارتفعت كلفة إنتاج القات بشكل كبير بسبب الزيادة في أسعار المبيدات والأسمدة، بالإضافة إلى تأثير الحرب التي قسمت المحافظة إلى نصفين، وانقطاع الطرق، هذا الوضع أدى الى انخفاض كبير في العائد المالي للقات؛ حيث أصبحت الأسواق تعاني من الكساد في معظم الأيام، ولم يعد القات مربحاً كما كان في السابق.
ويؤكد “علوي سلمان” أن إنتاج القات شهد انخفاضاً ملحوظاً، مشيراً إلى أن مزارعي القات يواجهون اليوم أعباء مالية كبيرة تشمل تكاليف شراء المبيدات والأسمدة، ومحروقات تشغيل مضخات المياه، كل هذا يأتي في ظل ضعف العائد المالي من زراعة القات، وهو ما زاد سوءاً بسبب تداعيات الحرب.
يحذر الصيادي من أن القرى التي ما تزال متمسكة بزراعتها الأصيلة تواجه خطرًا داهمًا، إذ إن توفر المياه الكافية فيها قد يشجع على انتشار القات من جديد؛ مما يعني اندثار ما تبقى من هوية الزراعة التقليدية في المحافظة.
وأكد الصيادي في ختام حديثه أن مستقبل الزراعة في اليمن بات مهددًا ما لم تُعتمد استراتيجيات حكومية واضحة تعيد بناء العلاقة بين الإنسان وأرضه، وشدد على ضرورة تبني خطط تعزز الأمن الغذائي وتحافظ على الموارد الطبيعية، محذرًا من أن استمرار الوضع الحالي سيؤدي إلى تدهور متواصل في الإنتاج الزراعي والثروة الحيوانية والموارد الطبيعية.
ويشدد على أهمية إصلاح البنية التحتية المائية، وصيانة السدود وقنوات الري، وتقديم قروض ميسّرة وبرامج تدريبية للمزارعين حول أساليب الري الحديثة، وترشيد استخدام المياه، إلى جانب تشجيع الزراعة البديلة للقات بمحاصيل أقل استهلاكًا للمياه وأكثر فائدة للاقتصاد الوطني؛ بهدف تخفيف الضغط على الموارد المائية وتعزيز الأمن الغذائي.
حذّرت مراسلة وكالة الأسوشيتد برس لشؤون المحيطات والمناخ، أنيكا هامرشلاج، من أن تغير المناخ يدفع شجرة دم الأخوين القديمة في جزيرة سقطرى اليمنية إلى حافة الانقراض. وأشارت إلى أن هذا الانقراض سيكون مدمّرًا، ليس رمزيًا فحسب، بل للنظام البيئي بأكمله.
وفي مقابلة مع شبكة PBS الأمريكية، وصفت هامرشلاج أشجار التنين بأنها “جوهر هوية” الجزيرة واقتصادها. وبالتالي فإذا اختفت، قد تختفي السياحة التي يعتمد عليها العديد من السكان المحليين.
تقع جزيرة سقطرى اليمنية في المحيط الهندي بين شبه الجزيرة العربية والقرن الأفريقي. وهي من أكثر البقاع تنوعًا بيولوجيًا على وجه الأرض، وتُسمى أحيانًا جزر غالاباغوس المحيط الهندي.
أكثر من ثلث أنواع النباتات في الجزيرة لا وجود لها في أي مكان آخر على وجه الأرض. وهذا يشمل نوعًا من أشجار دم التنين. بعضها يعود إلى قرون مضت، لكنها الآن تكافح من أجل البقاء في مواجهة التهديدات المتزايدة لتغير المناخ.
في زيارتها الأخيرة إلى جزيرة سقطرى تقول مراسلة أسوشيتد برس لشؤون المحيطات والمناخ، أنيكا هامرشلاج، يبدو المكان مختلفًا تمامًا عن أي مكان آخر زرته. البنية التحتية في الجزيرة محدودة للغاية، ويخيم الزوار في أرجاءها وهو ما أعجبني حقًا.
وتبدو العديد من النباتات سريالية تمامًا، مثل أشجار الزجاجة التي تبرز من جوانب المنحدرات، وأشجار اللبان ذات الأغصان البرية المتشابكة. وبالطبع، هناك أشجار دم التنين.”
وأضافت: “علاوة على كل ذلك، ستستمتع بمناظر طبيعية خلابة ومتنوعة. هناك شبكة من الكهوف تمتد عبر الجزيرة لعدة أميال. وهناك كثبان رملية ضخمة تنحدر مباشرة إلى المحيط. وكان مكاني المفضل هو الوديان، التي تضم بركًا طبيعية من المياه العذبة. سبحت في واحدة منها، أطول من بركة سباحة أولمبية، ويمر تحتها وادٍ شديد الانحدار. كانت هذه أبرز ما في الرحلة.”
وعن المظهر المميز لشجرة دم التنين تقول أنيكا هامرشلاج “إنها في الواقع رمز سقطرى. إنها على العملة. إنها ما يجذب السياح إلى الجزيرة. تبدو وكأنها من كتاب للدكتور سوس. لها غطاء على شكل مظلة، وعند قطع لحاءها، تفرز عصارة حمراء، ومن هنا جاء اسمها.”
وقد استُخدم هذا الراتنج( أو المادة الصمغية )لقرون في صناعات مثل مستحضرات التجميل والأدوية والأصباغ. كما تلعب الأشجار دورًا محوريًا في النظام البيئي. إذ يمتص الغطاء النباتي الرطوبة من الضباب وينقلها إلى التربة، مما يساعد النباتات الأخرى على البقاء. ويزداد هذا الأمر أهميةً مع تناقص هطول الأمطار هناك نتيجةً لتغير المناخ.
جزيرة سقطرى والتهديدات
تشير هامرشلاج إلى زيادة شدة الأعاصير في بحر العرب وتواترها، وتعرض سقطرى مرارًا وتكرارًا خلال العقد الماضي لأعنف الأعاصير المسجلة. وقد أدى ذلك إلى اقتلاع آلاف أشجار التنين، التي تجاوز عمرها 500 عام”.
تتوقع نماذج المناخ في جميع أنحاء العالم استمرار هذا الاتجاه، لا سيما مع ارتفاع انبعاثات غازات الاحتباس الحراري. ومما يزيد الطين بلة، أن الأشجار تنمو ببطء شديد، بمعدل بوصة واحدة فقط سنويًا. وتنتشر الماعز الغازية في جميع أنحاء الجزيرة، وتتغذى على شتلات دم التنين قبل أن تتاح لها فرصة النمو مجددًا.
وأشارت انيكا إلى دور عدم الاستقرار السياسي. فاليمن من أفقر دول العالم. غارق في الصراعات منذ سنوات، سواءً في الحرب الأهلية أو في التوترات الإقليمية. لذا، فإن قدرته على دعم جهود الحفاظ على البيئة محدودة للغاية.”
وقد وصف أحد المحللين الأمنيين الذين تحدثت انيكا معهم الوضع بدقة، قائلاً: “يواجه اليمن 99 مشكلة حاليًا، ومعالجة قضايا المناخ ستكون ترفًا”.
وحول ما الذي يتم فعله أو يمكن فعله لمحاولة إنقاذ هذه الشجرة ،عبرت أنيكا هامرشلاج عن إعجابها الشديد برؤية إصرار السكان المحليين على حماية ما يملكونه، حتى مع قلة مواردهم.
وقالت “قضيت بعض الوقت مع عائلة تدير مشتلها الخاص لأشجار دم التنين. بنوا أسوارًا بسيطة من الخشب والأسلاك لإبعاد الماعز، لكن الرياح والأمطار غالبًا ما تُهدمها، لذا يضطرون لإعادة بنائها باستمرار.”
وتابعت قائلة” بالنسبة لهم، العمل ذو طابع شخصي عميق. يرون الأشجار جزءًا من عائلتهم” وذكرت أن إحدى أفراد العائلة أخبرتها أن رؤيتها تموت أشبه بفقدان أحد أبنائك.
شجرة دم الأخوين والتنوع البيولوجي
وفق أنيكا هامرشلاج ،تُساعد شجرة دم التنين في الحفاظ على حياة العديد من الأنواع الأخرى. فبدونها، ستصبح الجزيرة أكثر جفافًا، وقد تفقد الكثير من تنوعها البيولوجي الفريد.
في مقابلة مع شبكة PBS الأمريكية، وصفت هامرشلاج أشجار التنين بأنها “جوهر هوية” الجزيرة واقتصادها (سبكة PBS الأمريكية)
بالإضافة إلى ذلك، تُعدّ هذه الأشجار جوهر هوية الجزيرة واقتصادها. فإذا اختفت، قد تختفي السياحة التي يعتمد عليها العديد من السكان المحليين. سيكون ذلك مُدمرًا، ليس رمزيًا فحسب، بل للنظام البيئي بأكمله.”
تعتبر جزيرة سقطرى من أكثر بقاع العالم تنوعًا بيولوجيًا. أكثر من ثلث أنواع النباتات في الجزيرة لا وجود لها في أي مكان آخر على وجه الأرض. ويشمل ذلك نوعًا من أشجار دم التنين التي تُكافح الآن للبقاء في مواجهة تغير المناخ.
كما تعد شجرة دم التنين أو ما تسمى شجرة دم الأخوين هي إحدى أغرب وأندر أشجار العالم، لا بأي مكان في العالم سوى في أرخبيل سقطرى باليمن، ويمكن أن تعيش حتى 650 عاما.
يواجه سكان القرى الريفية بمحافظة الضالع مخاطر صحية وبيئية، تهدد حياتهم اليومية عبر مصادر مياه الشرب والتربة والهواء؛ بسبب غياب شبكات الصرف الصحي؛ إذ يضطر الأهالي إلى الاعتماد على الحفر أو تصريف المياه في مجاري السيول والأودية.
خلال السنوات الماضية تحولت القرى الريفية إلى بيئة خصبة لتلوث المياه الجوفية وانتشار الأمراض الجلدية والمعوية؛ إذ تتفاقم معاناة الأسر بفعل الروائح الكريهة وتكاثر الحشرات الناقلة للأوبئة، في حين تتضاعف الأعباء المالية المترتبة على تكاليف العلاج لا سيما في ظل أوضاعاً معيشية متدنية.
تُعبر السيدة “أمينة علي”، إحدى سكان قعطبة، عن معاناة السكان فتقول: “يعيش الأهالي معاناة يومية بسبب انعدام شبكات الصرف الصحي، إذ يُجبرون على حفر صغيرة بجوار المنازل، بينما تلجأ بعض الأسر إلى تصريف المجاري في مجاري السيول لعدم قدرتها على الحفر بسبب وضعهم المادي”.
في ظل غياب مشاريع الصرف الصحي في أرياف محافظة الضالع، تجد الأسر الريفية نفسها مضطرة للاعتماد على وسائل بدائية كالحُفر الامتصاصية أو التصريف العشوائي. هذا الواقع يضاعف المخاطر الصحية والبيئية يوماً بعد آخر.
تؤكد أمينة علي أن هذا الوضع يتسبب بتفاقم تلوث المياه وانتشار الروائح الكريهة. وقد انعكس هذا الواقع بشكل مباشر على صحة الأطفال الذين يعانون من التهابات معوية وإسهالات متكررة، كما أُصيبت الكثير من النساء بأمراض جلدية وحكة نتيجة استخدام مياه غير نظيفة.
وتضيف: “باتت حياتنا اليومية مُثقلة بالمخاطر؛ مياه الشرب من الآبار لم تعد آمنة، والزراعة تضررت بفعل التلوث، كما تكاثرت الحشرات والبعوض بشكل مخيف، حاول الأهالي إيجاد حلول بسيطة، مثل حفر خزانات إسمنتية أو تنظيم حملات تنظيف، لكنها تبقى جهوداً محدودة لا تعالج المشكلة.
صورة تظهر مواسير الصرف الصحي خلف منازل المواطنين في محافظة الضالع (ريف اليمن)
يقول الناشط الاجتماعي “صالح عمر”، الذي ينحدر من مديرية جُبن بمحافظة الضالع: “في قرى مديريتي دمت وجُبن، ما زال الأهالي يعتمدون على حُفر مكشوفة لتصريف مياه الصرف الصحي، أو يفرغونها في جنبات القرى ومجاري السيول”. ويؤكد عمر لـ “منصة ريف اليمن” أن هذا التصرّف يفاقم تلوث البيئة ويهدد صحة السكان، خصوصاً في ظل غياب أي مشاريع حكومية لتنظيم هذا القطاع الحيوي.
يتسبب غياب شبكات الصرف الصحي في أرياف محافظة الضالع بمضاعفة المخاطر الصحية والبيئية؛ إذ يتم تصريف المياه العادمة بشكل عشوائي في الطرقات والمزارع. هذا الوضع يتسبب في تلوث مصادر المياه، وانتشار الروائح الكريهة، وتكاثر الحشرات الناقلة للأمراض.
يقول مدير الطوارئ في مستشفى السلام بمحافظة الضالع “عبده السلامي” إن “المحافظة تشهد تزايداً مقلقاً في الحالات الصحية الناتجة عن تلوث المياه وسوء الصرف الصحي”، مشيراً إلى أن أبرز الأمراض المسجلة تشمل الإسهالات الحادة، والكوليرا، والتيفوئيد، إضافة إلى أمراض جلدية كالجرب والفطريات، خاصة في المناطق التي تعاني من تجمعات المياه الراكدة وتسربات المجاري.
تلوث مصادر المياه
وأوضح السلامي لـ” منصة ريف اليمن” الحالات تتزايد بشكل ملحوظ خلال موسم الأمطار؛ مما يرفع من احتمالية تفشي الأوبئة، ويؤثر بشكل خاص على الفئات الأكثر ضعفاً، مثل الأطفال دون سن الخامسة، والنساء الحوامل، وكبار السن، والنازحين في المخيمات الذين يفتقرون للخدمات الأساسية.
وأشار إلى أن المراكز الصحية في الضالع تواجه تحديات كبيرة في التعامل مع هذه الحالات، أبرزها نقص الأدوية والمستلزمات الطبية، وقلة الكوادر المتخصصة، وضعف البنية التحتية، فضلاً عن غياب الدعم الكافي.
بيئيًا تؤكد خبيرة البيئة “دنيا كوكا” أن اعتماد سكان أرياف الضالع على الحفر الامتصاصية والتصريف العشوائي للمياه العادمة يشكّل خطراً مباشراً على مصادر المياه الجوفية، حيث تتسرب الملوثات البكتيرية والكيماوية إلى الآبار، مما يؤدي إلى تلوث مياه الشرب.
وفي حديثها لـ “منصة ريف اليمن” أشارت كوكا إلى أن التربة والزراعة ليستا بمنأى عن هذه الآثار السلبية؛ إذ تُسهم المياه الملوثة في تملّح الأراضي الزراعية وتراجع خصوبتها، كما تنتقل الملوثات إلى المحاصيل، الأمر الذي يهدد سلامة الغذاء وصحة المستهلكين.
وعلى الرغم من غياب دراسات ميدانية شاملة في الضالع، إلا أن تقارير أممية سابقة صنّفت بعض مديرياتها كـ “بُؤَر لتفشّي الكوليرا”، مؤكدة أن معظم الآبار مهددة بالتلوث الجرثومي نتيجة القرب من مصادر الصرف البدائي.
تشير تقارير أممية إلى أن أكثر من 14 مليون شخص يحرمون من إمدادات المياه الصالحة للشرب وخدمات الصرف الصحي (ريف اليمن)
وحذرت كوكا من أن استمرار هذا الوضع سيقود إلى أزمة بيئية وصحية مركّبة تشمل: تدهور نوعية المياه الجوفية، تفاقم الأمراض، تراجع الإنتاج الزراعي، وانتشار الأوبئة، إضافة إلى أعباء اقتصادية واجتماعية متزايدة على الأسر، مُشيرةً إلى أن هذا الواقع يستدعي تدخلاً عاجلاً لإيجاد حلول مستدامة تحمي صحة السكان وبيئتهم.
حلول مستدامة وغياب التنفيذ
أوضح المسؤولون في محافظة الضالع أن ملف الصرف الصحي ما يزال يواجه إشكالات كبيرة في ظل غياب المشاريع الحكومية منذ سنوات، وتبادل الاختصاصات بين الأشغال العامة ومؤسستي المياه ومياه الريف، حيث أكد كل طرف أن مسؤولية هذا الملف تقع خارج نطاق صلاحياته المباشرة.
على سبيل المثال أجاب مدير الأشغال بالمحافظة، “عبدالرحمن علي حمود”، بأن موضوع الصرف الصحي لا يتبعنا، فهو من اختصاص مؤسسة المياه، لكننا نقوم في المدينة بتنفيذ مشاريع الرصف والأسفلت بجهود ذاتية، ونشرف أحياناً على خطوط فرعية تنفذها بعض المنظمات.
وأضاف: عملنا هذا يأتي في إطار خدمة المحافظة، خاصة وأن مؤسسة المياه والصرف الصحي لم تنفذ أي مشاريع منذ انتقال تبعية الصرف الصحي إلى وزارة المياه عام 2005م.
من جانبه أكد مدير مياه الريف في محافظة الضالع “غازي سيف” بأنه لا توجد أنظمة صرف صحي في المناطق الريفية إطلاقاً، وإذا ما تدخلت المنظمات، فإن تدخلها يقتصر على إنشاء بيارات فردية على مستوى المنازل.
وأوضح سيف لـ “منصة ريف اليمن” توصلنا مع بعض الجهات المانحة إلى حلول جزئية، إلا أن التحديات ما تزال قائمة، أبرزها التباعد بين المنازل في القرى، وارتفاع تكاليف التنفيذ، إلى جانب عزوف المانحين عن التدخل في هذا المجال.
تشير تقارير أممية إلى أن أكثر من 14 مليون شخص يحرمون من إمدادات المياه الصالحة للشرب وخدمات الصرف الصحي في اليمن.
تُعد الزراعة من أهم مصادر الدخل في المجتمع، وعنصراً أساسياً لتحقيق الأمن الغذائي. وتتنوّع المزروعات التي وهبنا الله إياها، وتختلف من منطقة إلى أخرى حسب المناخ ونوعية التربة ومصادر المياه وغيرها من العوامل التي تحدّد المحصول الأنسب للزراعة.
ويقوم نجاح الزراعة على اختيار المحصول الملائم لطبيعة الأرض والظروف المناخية، مع الالتزام بأساليب الزراعة الصحيحة والعناية الجيدة بالنبات لضمان إنتاج وفير وجودة عالية.
في هذا التقرير الإرشادي، تستعرض منصة ريف اليمن أهم العوامل التي تُسهم في تحديد نوع المحصول المناسب، وذلك بهدف تجنّب الخسارة وتحقيق أفضل النتائج الزراعية.
عدم وضع الاعتبار لنوع التربة
يُعد تجاهل نوع التربة من أبرز الأخطاء التي تؤدي إلى ضعف الإنتاج أو فشل الزراعة، إذ لكل تربة محاصيل تناسبها:
التربة الطينية: غير مناسبة لزراعة الخضروات التي تحتاج إلى تهوية جيدة مثل الكوسة والخيار، لكنها ملائمة لزراعة الطماطم والبسباس.
التربة المتوسطة: لا تصلح لزراعة الكوسة والباذنجان والخيار، بينما تُعد مناسبة لزراعة البصل والبطاطس والجزر.
التربة الخفيفة: مثالية لزراعة البصل والجزر والبطاطس، لكنها غير مناسبة للطماطم والبسباس.
يجب الحرص على شراء البذور من مصادر موثوقة، واختيار الأنواع التي تتناسب مع طبيعة التربة والظروف المناخية في المنطقة لضمان نمو سليم ومحصول جيد.
المسافة الخاطئة بين النباتات
عند الزراعة يجب الالتزام بالمسافات المناسبة بين النباتات لضمان حصولها على الضوء والهواء والماء والمواد الغذائية بشكل كافٍ، مما يعزز نموها الصحي ويحدّ من انتشار الأمراض.
الموضع الخاطئ للنبات
تُعد معرفة درجة تعرض النبات للشمس عاملاً مهماً في نجاح الزراعة، حيث تختلف النباتات في حاجتها للضوء:
نباتات تحتاج إلى شمس ساطعة: مثل الطماطم، والبيبار، والبطاطس. بينما تُعد الشمس القوية مضرة للخس والخيار.
نباتات تحتاج إلى نصف ظل: مثل الكوسة والخيار، لكن هذا غير مناسب للطماطم أو البطاطس أو البسباس.
نباتات تحتاج إلى ظل مناسب: مثل الفراولة والخس، وهذا لايتناسب مع زراعة الطماطم والبطاطس.
دورة حياة النبات
تُعد معرفة درجة الحرارة المناسبة لنمو النبات من أهم عوامل نجاح الزراعة. فعلى سبيل المثال، تنمو الطماطم بشكلٍ مثالي عند درجة حرارة تتراوح بين 15 و35 درجة مئوية؛ فإذا انخفضت الحرارة عن 15 درجة يتوقف نموها، وإذا تجاوزت 35 درجة يفشل الإخصاب، مما يؤدي إلى ضعف أو انخفاض الإنتاجية.
ري النبات
يجب معرفة الاحتياجات المائية لكل محصول بدقة، لتجنّب زيادة الريّ أو نقصانه، لأن كليهما يؤثر سلباً على نمو النبات وإنتاجه.
انفوجراف إرشادي يوضح أهم 8 أخطاء شائعة في الزراعة يجب تجنّبها لتحقيق إنتاج أفضل وجودة أعلى (ريف اليمن)
التسميد
على المزارع أن يحرص على معرفة احتياجات المحصول من الأسمدة المناسبة، واستخدامها بالكميات والأوقات الصحيحة للحصول على إنتاج وفير وجودة عالية.
إهمال أمراض النبات
يجب متابعة النباتات بشكل مستمر، وتنفيذ برنامج وقاية منتظم للمحصول، لتجنّب أو الحدّ من أضرار الأمراض والآفات التي تؤثر في نمو النبات وإنتاجه.
مما سبق توصلنا إلى أن نجاح الزراعة يعتمد على التخطيط الدقيق والالتزام بالتوصيات الفنية، فمراعاة نوع التربة وطرق الريّ والتسميد والوقاية من الأمراض ليست تفاصيل ثانوية، بل هي عوامل حاسمة تفصل بين زراعةٍ ناجحةٍ وإنتاجٍ وفيرٍ، وزراعةٍ متعثّرةٍ تُهدر الجهد والمال.
هذه النصائح لكم/ن
إذا كان لديكم/ن أي استفسار أو تحتاجون إرشاداً بشأن الزراعة أو الماشية، أو النحل، أو الصيد البحري، من المهندس الزراعي في منصة “ريف اليمن”، بإمكانكم التواصل معنا عبر البريد الالكتروني – info@reefyemen.net. أو التواصل معنا عبر الواتساب على الرقم: 777651011.
تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعي التالية: – فيسبوك . تويتر . واتساب . تلغرام . إنستغرام
منذ طفولتها المبكرة تمارس السيدة “مريم محمود (47 عامًا)”، أعمالًا شاقة مثل الفلاحة ورعي الأغنام والأبقار، وتتحمل مشقة جلب المياه من مناطق بعيدة في قريتها الواقعة في عزلة بني منصور بمديرية كسمة التابعة لمحافظة ريمة.
تقول مريم: “لم أتعلم ولم أقرأ ولم أعش طفولتي كبقية الأطفال والبنات في الدراسة أو اللعب، لكن بحمد الله، ورثنا عن أجدادنا حب مهنة الزراعة، فهي ليست مجرد مهنة، بل مصدر عيش أساسي”.
مريم واحدة من بين مئات الآلاف من النساء الريفيات في اليمن اللواتي يتكبدنّ معاناة مضاعفة في العمل وتحمل أعباء الحياة اليومية في بلدٍ أنهكته الحرب منذ أكثر من عشر سنوات.
تؤكد مريم محمودلـ “منصة ريف اليمن” أن أبرز المحاصيل النقدية التي يزرعنها هو محصول البن، الذي يلقى رواجًا كبيرًا ونسبة شرائية مرتفعة مقارنةً بالمحاصيل الأخرى.
وأوضحت مريم: “كنا نجمع البن، ويأتي العديد من سكان القرية لشرائه منا مباشرةً، وما هي إلا فترة قصيرة حتى بدأنا نوزعه على التجار في عدد من الأسواق القريبة. الكل أعجب بجودة المحصول وزاد الطلب علينا، ولكن بسبب محدودية الإنتاج وقلة القوى العاملة؛ لم نتمكن من تلبية جميع الطلبيات”.
و تابعت: “لذلك، قررنا زيادة نسبة القوى العاملة بالاستعانة بالأهل والأقارب، وتوفير المياه، والتوسع في تهيئة الأراضي الزراعية، فكان فريق منا يهتم برعي الأغنام والأبقار وحلبها وتصنيع اللبن والسمن البلدي بطريقة نظيفة وصحية، وفريق يُعنى بالاهتمام بزراعة البن وتوسعتها”.
“خلال العامين الماضيين بدأت الاتصالات تأتينا من تجار في محافظات الحديدة وذمار وصنعاء لطلب محصول البن على وجه الخصوص، إضافةً إلى السمن البلدي، نظرًا لجودتهما وتزايد الطلب عليهما من قبل المواطنين”، تقول مريم.
تواجه مريم وفريقها صعوبات وتحديات أبرزها ارتفاع تكاليف النقل والمواصلات بالإضافة الى وعروة الطريق بمحافظة ريمة، لكونها منطقة جبلية مرتفعة وذات انحدارات خطيرة الأمر الذي يجعل سائقي المركبات يضاعفون أجور نقل البضائع.
حلويات من حبات الذرة
من منطقة عينة بمحافظة ريمة، كانت الانطلاقة الأولى لحلم “آمنة يعقوب (38 عامًا)”، الذي بدأ بحلم بسيط يتمثل في حصاد محصول الذرة بما يكفل لهم قوتهم المعيشي، وبيع ما يتبقى منه.
تقول آمنة: “قبل عشرة أعوام، سافرت إلى صنعاء لزيارة ابنة عمي وحملتُ معي بعض أصناف الذرة الحمراء والبيضاء والدُّخن، وكان بجانب ابنة عمي عدد من الزائرات، فأعطيتهن القليل من تلك الهدايا. وما إن عُدتُ إلى القرية، حتى تواصلن بي لطلب تلك الأصناف من الذرة مقابل مبلغ رمزي. بدأنا حينها بجمع محصول الذرة من مزرعتنا ومزارع عدد من أقاربنا، ونرسله مع أقرب مسافر إلى صنعاء لتوزيعه على الزبائن”.
وأردفت: “كان الربح رمزيًا وموسميًا، حتى جاءنا اتصال من زوج ابنة عمي يُخبرنا بقراره فتح معمل لصناعة الحلويات بأنواعها، وحاجته إلى دعم لكافة أصناف الحبوب التي ننتجها، سواء منا أو من مختلف المعارف. وقد أشار إلى أن هناك إقبالًا كبيرًا على الحلوى البلدية المصنوعة من الشعير والذرة والدخن، خاصة من قِبل ذوي الأمراض المزمنة أو ممن يتبعون نظامًا غذائيًا صحيًا”.
وأضافت قائلةً: “الحمد لله، قدمنا ما بوسعنا، وفتح الله علينا وبارك لنا في منتجاتنا ومحصولنا، حتى تمكَّنا من فتح معمل خاص بنا، واليوم نُقدم الدعم للمعامل الأخرى”.
ازدهار المشاريع النسائية
تشهد اليمن تزايدًا ملحوظًا في عدد المشاريع التي تنفذها النساء، لا سيما في القطاعات التجارية والزراعية والصناعية. ويأتي هذا التوسع على الرغم من التحديات الكبيرة التي تواجهها النساء بسبب العادات والتقاليد، والنقص في التعليم والتدريب، بالإضافة إلى الأعباء المنزلية.
في حديث خاص لـ “منصة ريف اليمن”، أوضحت الدكتورة “فدوى نعمان”، مدير عام المرأة بوزارة الاقتصاد، أن نسبة انخراط النساء في سوق العمل وصلت إلى 80% مشيرةً إلى أن هذا يُعد إنجازًا نوعيًا يعكس وعيًا مجتمعيًا متقدمًا، ويُمثل خطوة حقيقية نحو تحقيق التنمية المستدامة.
وبينت نعمان أن العمل والريادة بالنسبة للنساء لا يقتصران على زيادة الدخل وتحسين مستوى المعيشة للمرأة بشكل عام، أو الريفية على وجه الخصوص، بل يسهمان أيضًا في تنويع مصادر الاقتصاد، وخلق فرص عمل جديدة، وإثراء بيئة الابتكار.
وأكدت على أهمية دعم ريادة الأعمال النسائية في مختلف المجالات، وخاصة المجال الزراعي. ووصفت ذلك بقولها: “هذا يعني استثمارًا في نصف المجتمع، وتعزيزًا لدور المرأة كشريك فاعل في صياغة مستقبل أكثر ازدهارًا وتقدمًا”.
وأشارت إلى أن “المرأة الريفية انطلقت من أرضها الطيبة، من الزراعة والفلاحة، لتصل اليوم إلى عالم الاستثمار والترويج. هي بالفعل مثال حيّ على أن الإرادة تُحوِّل التحديات إلى فرص، وأن الجذور العميقة قادرة على إنبات مستقبل مُشرق. لتثبت بذلك أن المرأة ليست فقط عماد البيت، بل هي أيضًا عماد الاقتصاد والتنمية”.
دور مجتمعي ومؤسسي
تُمثل الفلاحة اليمنية أداة بناء وإنتاج تحمل العديد من الطموحات والآمال، غير أنها قد تنهار إذا فقدت الدعم والتمويل، وبالتالي يبرز الدور المجتمعي والمؤسسي لتنمية تلك المشاريع والترويج والتسويق لها، لما يعود بالخير الوفير على المجتمع والدولة معًا.
يقول المدير التنفيذي للمؤسسة العامة لتنمية وإنتاج الحبوب صلاح المشرقي: “لا يمكن أن نغفل الدور الكبير الذي تقوم به المرأة الريفية كونها -كما هو معروف- تقوم بغالبية الأعمال الزراعية، وكل الأعمال المنزلية وهذه من عادات وتقاليد اليمنيين منذ القدم، فالمرأة تقوم بأعمال التعشيب وأعمال الحصاد وغيرها من الأعمال الزراعية”.
وأوضح المشرقي لـ “منصة ريف اليمن” أنه بناءً على ذلك، لم تُغفل المؤسسة هذا الجانب، وهي تقوم بتنفيذ برامج توعوية وإرشادية للمرأة الريفية، سواء في مجالات العمليات الزراعية الصحيحة لمحاصيل الحبوب، أو إلى جانب تقنيات الطحين المركب الذي لاقى تفاعلًا كبيرًا من قبل المجتمعات.
ويختم حديثه بالقول إنه تم مؤخراً البدء بتنفيذ برنامج تقنيات الطحين المركب في عدد من المناطق، وآخرها كان في مديرية همدان بمحافظة صنعاء، حيث شارك في البرنامج حوالي 100 امرأة، وسيتم تنفيذ برامج مشابهة في مديريات أخرى حسب الإمكانات المتاحة للمؤسسة.
يقول علي ولد زايد: “ما يجبر الفقر جابر، إلا البقر والزراعة”. لا زلت أتذكر تلك الكلمات التي كانت جدتي دائمًا ترددها وتنصح بها والدي وهي تحفزه نحو العمل لإحياء الأراضي الزراعية. كنت حينها لا أعلم شيئًا عن صاحب المقولة، لكنني اليوم أدركت أنها من أقوال حكيم اليمن علي ولد زايد، ترجمان النجوم والمعالم الزراعية.
اليوم وبعد مرور السنين، لا تزال أقوال علي ولد زايد حاضرة في كل بيت من بيوت اليمنيين. فهي في بيتنا حاضرة، تتحدث بها أمي بعد وفاة جدتي وأبي -رحمهما الله-. وهذا حالها في الحقول، وفي السهول والجبال، وفي المدرجات الزراعية. لقد كان يُنشد أحلام وآمال اليمنيين، ويعلمهم مواقيت ونجوم زراعتهم وحصادهم.
وصفه شاعر اليمن الكبير عبدالله البردوني بالقول: إذا عرفنا أنَّ علي بن زايد هو كل الشعب اليمني، وأن زمانه هو كل الأزمان، كما أن قريته هي كل القرى، لأنه عبَّر بكل لهجات الكل، ولا يعبر بلهجات كل الشعب إلا كل الشعب، على أن الحكايات التي أنطقت علي بن زايد هي بعض يوميات الناس.
منذ قرون طويلة كان الفقر والجوع مشكلة اليمنيين الذين يعانون منها حتى وقتنا الحاضر، لذلك شرَّع علي ولد زايد فلسفةً قديمة جديدة تحارب وتصارع الفقر والجوع وتدعو إلى الفلاحة والتعليم، على سبيل المثال يقول علي وِلْد زايد: “لا رزق يأتي لجالس، إلا لأهل المغارس، ومن قرأ في المدارس”.
وتارة أخرى شبه علي ولد زايد الجوع بالموت الذي لا نجاة منه، فكان ينصح الناس بالنزول إلى منطقة السحول بمحافظة إب ذات الخضرة الوافرة والرزق الكثير إذ يقول: “إن كنت هارب من الموت، ما أحد من الموت ناجي، وإن كنت هارب من الجوع، أهرب سحول إبن ناجي”.
حصن “علي ولد زايد” صاحب الحكمة الزراعية في التراث الشعبي بقرية منكث في يريم (محمد راجح)
أقواله في الزراعة
في اليمن بمختلف المحافظات لا يزال المزارعين يترنمون بأقواله وإرشاداته الزراعية، وخصص لها النصيب الأكبر من أقواله وحِكمه، فكان يطلق أجمل الأوصاف على الأرض والزراعة، حيث كان يدعوا في أقواله عامة الناس إلى ضرورة التمسك بالزراعة كونها الكنز العظيم والخير الوفير.
وفي النجوم الزراعية التي من أشهرها نجم سهيل، يقول علي وِلْد زايد: “ما في النجوم إلا سهيل، أوصيك يا جمَّال لا تسافر، عـند مطلع سهيل، أو في مغيب الظوافر”، وعن سهيل يقول علي وِلْد زايد: “أنا سهـيـل، في ليلتي ســـبـعـين سـيل”.
كما ينسب لعلي ولد زايد كثير من الحكم والأمثال في الزراعة وتفاصيل مواسمها، وموعد بذر الأرض وتجهيزها وحرثها وإزالة الشوائب والأشجار الضارة بها، وحث المزارعين على وجوب المواظبة على الحرث والغرس في الأوقات الزراعية المناسبة. نورد نماذج كالتالي:
– ماريت مثل الزراعة، ماريت أنا مثلها شي، الـوقـت كـله متالم، من لم على البيــض يـبتـِّل،ومن لم يُغلس ويُبْكر، لا بَخْتَ له في الزراعة.
– ذي ما يَشتِّي ويخرف، لا بَخْتَ له في الزراعة، يا ذيب إذا كنــت حاذق بتـِّل في وسط مالك,
– يالله لا أحْنا نسافر، ولا معانا تجـاره، تجارتي عَــوجْ الأعرام، والغرس بعد العماره.
– أعــرام مـالي حصـونه، إذا نزل سيـل بالليل أمسيت سالي شجونه.
– جَحْر العِلْب يا مُحُمَّد، قطِّـع سبول العـناقـيد، يا مقبلة من يعودك، يعـودك البِـر الأحمـروالرازقي ي ردودك.
أقواله في الحياة الاجتماعية
لم تقتصر أقول علي ولد زايد على الزراعة فحسب، حيث تحدث عن الحياة الاجتماعية للناس في أفراحهم وأتراحهم، مواقفهم ومشاكلهم، على سبيل المثال يقول علي بن زايد:” الجـيد من صان نفسه،من الحجـج والمناقيد، قتلت خالي بعـمي، خوف العـير والمناقيد”. وقال أيضاً: “الشوم على أهله حموله
والجيد حمَّال الأثقال”.
أما عن الجيران فيقول علي بن زايد:” مـن كان له جار مؤذي الصــبر والله يدزيله، من لا يؤمِّن جاره، لا يأمن علــــــــــى داره، ذي ما يقع مثل ابن عمه، يقـع له جار”، وفي الصداقة قال علي ولد زايد:” إن صاحبك مثل روحك، وإلا فلا كان صاحب”.
تغني حكيم اليمن علي ولد زايد بالقرى اليمنية وفي المدن اذ لا توجد قريةً ولا بيت ولا مدينة إلا وتغنَّى بها ووثَّق معظم أسمائها، وخصائصها الزراعية وأهم المحاصيل فيها.نذكر أبرز ما قاله علي ولد زايد:
– ما في المدن غير صنعاء، وفي البوادي رصابة، قُراشها ذي تروِّح، تراها مثل السـحابة
– ما في القُرى مثل حده، في شرقها والمغـارب، وقضبها للمهارة، والبقرات الحوالب
– ماريت شي مثل حَيكان، أو مثل ضـــيعة عــوايش، المِسبلي يشبـع إنسان، والتِــلــم يـــدِّي غـراره
– الجاملي في عذيقه، والبُن فــــي وادي أخـرف، أما الشعـير في المداره، وإلـى تفاضل وإلى ضاف
– والبِر في وادي أحور، ما مثل قروا ومسور، والسِّـر لو كان يمطر، وذاك سعـوان الأغـبر
– والظهر لـو يسلم الثور، يا نازلي الجمعة ومنزل، ما معك فوق الجمل، حمَّلت رمَّان أو سفـرجل
– من غـروس ابن البجل، هيَّا معي شاننـزل ألهان، يا صعـيف الجلجلان، خيَّلت أنا بارق على ألهان
– ظلت أتلامه ملان، الله يسقي قضب عكام، من دخل بيته يلام، وأنت يا قضب الرباص
– ظلَّت أتلامك ملان، يسقيك يا هيمان الأخضر، لأبرك منك مطر، أنا من الدهر ما خاف
– معي ميه غــرس حبله، أطــرف فـي زيـل يَـكلا، الـرازقي إذبله الماء، والحاضنة ذبل الأطراف
– والـمسـقوي لا ترده، إلا على ذب واخراف، يا أهل العُبر يا أهل مسور، يا أهـل الغــروس الرواجي
– يا أهـل الضمـيد السـوارح، اهجاجها صرصريه، يا أهل الجِرب عوج الأعرام، تِشرب من أول نهيِّه
– ما هالني مثل حيكان، أو مثل رقَّة عـوايش، وإلا العميس تحـت عِزان
– والحلحلة تحت نيـسان، ووادي ذي قاسـم أحيان
أخيراً، يعتبر علي ولد زايد هو الحكـيم والفيلـسوف، والـعـالـم الفلكي والنفسي، الخبير والمُعلِّم الزراعي، فهو أحد أشهر الحكماء اليمنيين، الذين يتداول الناس أقواله على مر العصور والأزمان.
رصد القمر العملاق في جبل بعدان بمحافظة إب وسط اليمن مساء اليوم الثلاثاء 4 نوفمبر/ تشرين ثاني، في ظاهر فلكية نادرة حيث التقط المصور طاهر الفضلي لقطات بديعة للقمر الذي يُعد أقرب بدر مكتمل لعام 2025.
ويظهر القمر في هذا الحالة أكبر وأكثر سطوعاً بنسبة ملحوظة تصل إلى 14% في الحجم و30% في السطوع، نتيجة اقترابه من نقطة الحضيض في مداره حول الأرض، وتتيح هذه الظاهرة مشاهدة القمر بالعين المجردة دون الحاجة إلى معدات فلكية.
وتشهد اليمن والعالم العربي مساء اليوم أول قمر عملاق لهذا العام، حيث سيبدو القمر أكبر وأكثر إشراقًا من المعتاد نتيجة اقترابه من الأرض، بنسبة إضاءة تبلغ نحو 99.7٪، بالتزامن مع اكتمال القمر لشهر ربيع الآخر.
القمر العملاق يظهر في جبال بعدان بمحافظة إب وسط اليمن (طاهر الفضلي)
سيصل القمر إلى اكتماله الكامل في 6 نوفمبر الجاري ويمكن رصده ومشاهدته بعد غروب الشمس مباشرةً، حيث يرتفع القمر العملاق فوق الأفق، ليقدم مشهداً بديعاً مثير لعشاق السماء والفضاء.
ماذا يعني ظهور القمر العملاق؟
وعن ما يشاع حول تأثير هذه الظاهرة على الأرض أو سوء التغيرات المناخية. قال أستاذ الجيولوجيا بجامعة إقليم سبأ عبده الصمدي “لا يوجد دراسات فلكية وجيولوجيا تربط القمر بأي كوارث طبيعية”، لافتا “أن التأثير الوحيد للقمر على الأرض علميا هو ظاهرة المد والجزر”.
وأضاف في حديث لمنصة “ريف اليمن”، “ما يتم تداوله مجرد خرافات في التحذيرات المتعلقة بظواهر فلكية مثل القمر العملاق وكسوف الشمس، ويؤكد العلماء عدم وجود علاقة سببية مثبتة علمياً بين هذه الظاهرة وحدوث النشاط الجيولوجي كالزلازل والبراكين”.
كما تُثير هذه الظواهر اهتمام الجمهور بعلوم الفضاء والفلك (فائدة ثقافية)، وتزيد من (الوعي) بدقة النظام المداري الذي يحكم حركة الأجرام السماوية، كما أن السطوع الزائد للقمر العملاق يمكن يوفر إضاءة ليلية إضافية، وهو ما كان ذا أهمية تاريخية في الماضي للحصاد أو الصيد الليلي والسياحة القمرية الصحراوية.
والتقط المصور طاهر الفضلي عدد من الصور للقمر العملاق في جبل بعدان الساعة 05:45 دقيقة مساء الثلاثاء: