الأحد, ديسمبر 7, 2025
.
منصة صحافية متخصصة بالريف في اليمن
الرئيسية بلوق الصفحة 7

حضرموت.. ريف حَجَرْ يختنق تحت وطأة التغير المناخي

0

تقف أم محمد (38 عاما)، وهي أم لخمسة أطفال، بجانب جالون فارغ في ساحة منزلها الطيني، في مديرية حجر بساحل حضرموت شرقي اليمن، تنتظر عودة ابنتها الصغيرة ذات الـ 12 عاما من رحلة طويلة إلى البئر لجلب المياه.

تقول أم محمد بحسرة: “أحيانًا ننتظر ساعات للحصول على قليل من الماء، وبناتي يتركن الدراسة للبحث عن الماء، بينما زوجي اضطر لترك الزراعة والبحث عن عمل مؤقت في المدينة، لكنه بالكاد يوفر لنا ما نعيش به”.

قصة أم محمد ليست استثناء، بل تعكس صورة متكررة في حجر؛ حيث أصبحت النساء والأطفال يتحملون العبء الأكبر من أزمة المياه، بينما تفقد الأسر مصدر رزقها الأساسي بسبب تقلبات المناخ؛ حيث تتشابك الأزمات بين المياه والزراعة والتعليم والصحة في ظل غياب الحلول المستدامة.


    مواضيع مقترحة


لم يعد التغير المناخي في حضرموت مجرد قضية بيئية عابرة، بل تحول إلى كابوس يومي يثقل كاهل السكان في مديرية حجر بساحل المحافظة، حيث تتقاطع معاناة الأسر الريفية بين ندرة المياه وتراجع الزراعة وغياب الاستجابات الرسمية.

أزمات متشابكة

لا تقف معاناة سكان ريف حجر عند أزمة واحدة، بل تتشابك أزماتهم اليومية في دائرة مغلقة يصعب كسرها، فموجات الجفاف المتكررة تعني فقدان المحاصيل الزراعية وهو ما يدفع الرجال للهجرة بحثا عن عمل بديل، فيما تتحمل النساء والأطفال عبء جلب المياه وتوفير الغذاء.

مع تراجع الدخل وغياب فرص الاستقرار تتفاقم الأوضاع الصحية والتعليمية، لتتحول حياة الأسر الريفية إلى سلسلة من الأزمات المتداخلة، يفاقمها غياب الخطط الحكومية وضعف الدعم الموجه للمناطق النائية، فيما يقول أحد المزارعين: “إذا لم نخسر محاصيلنا بسبب الجفاف، نخسرها بسبب السيول وفي الحالتين، نخسر مصدر رزقنا ونعود لنبدأ من الصفر”.


مع تراجع الدخل وغياب فرص الاستقرار تتفاقم الأوضاع الصحية والتعليمية، لتتحول حياة الأسر الريفية إلى سلسلة من الأزمات المتداخلة يفاقمها غياب الخطط الحكومية.


يشير الدكتور “عبدالقادر الخراز”، استشاري التغيرات المناخية وأستاذ تقييم الأثر البيئي بجامعة الحديدة، إلى أن حضرموت تشهد مظاهر متزايدة للتغير المناخي، من فيضانات وحالات مدارية تتحول إلى عواصف وأعاصير، ما ينعكس على مختلف القطاعات الحيوية.

ويضيف الخراز لـ”منصة ريف اليمن” أن “النساء والأطفال يتأثرون بشكل خاص في مجالات الأمن الغذائي والصحة والتعليم، حيث تؤدي تقلبات المناخ إلى موجات جفاف وفيضانات تُضعف الزراعة، وتزيد ندرة الموارد الغذائية؛ ما يضاعف الأعباء على النساء الريفيات اللواتي يقمن بدور أساسي في العمليات الزراعية.

لم تتوقف انعكاسات التغير المناخي في ريف حجر عند الزراعة والمياه فحسب، بل طالت التعليم والصحة، لتثقل كاهل الأسر بأزمات متلاحقة، وفي ظل هذا الوضع تُجبر الكثير من الفتيات على ترك الدراسة للمساعدة في جلب المياه، أو أعمال منزلية إضافية. تقول فاطمة (15 عامًا):”كنت أحب مدرستي كثيرًا، لكني لم أعد أستطيع الذهاب يوميًا، أمي تحتاجني لأساعدها في جلب الماء”.

انعكاسات قاسية

أما في الجانب الصحي، فتؤدي الفيضانات المتكررة إلى تكوين مستنقعات راكدة تنشر الأوبئة والحميات، إضافة إلى تلوث مصادر المياه وندرتها. ويواجه الأطفال والنساء مخاطر صحية مضاعفة في ظل غياب الخدمات الطبية وضعف إمكانيات المراكز الصحية في المناطق الريفية. يقول أحد الأهالي: “حين يمرض أطفالنا نضطر لنقلهم مسافة طويلة إلى المدينة، وأحيانًا لا نصل في الوقت المناسب”.

لم يعد التغير المناخي مجرد قضية بيئية عابرة، بل تحول إلى كابوس يومي يثقل كاهل السكان (ريف اليمن)

ويشير الخراز إلى أن الأزمات المناخية المفاجئة تدفع العديد من الأسر إلى إخراج أطفالها من المدارس أو إرسالهم إلى سوق العمل؛ ما يعمق من دائرة الفقر ويحد من فرص تمكين المرأة اجتماعيًا ومشاركتها في اتخاذ قرارات التكيف والمقاومة.

رغم إدراك المجتمع المحلي في ريف حجر لحجم المخاطر التي يفرضها التغير المناخي، فإن الاستجابات الرسمية ما تزال محدودة ولا ترقى إلى مستوى الأزمة، فالمشاريع الحكومية -إن وجدت- غالبًا ما تكون قصيرة المدى أو غير مكتملة، بينما تبقى المبادرات المجتمعية بسيطة ولا تتناسب مع سرعة التغيرات المناخية وتعقيدها.

ويؤكد الأهالي أن غياب حلول مستدامة في مجالات المياه والزراعة والصحة يجعلهم عالقين في دوامة متكررة من المعاناة، حيث يتجدد النزيف الاقتصادي والاجتماعي مع كل موجة جفاف أو فيضان جديد.

وينوّه الخراز إلى أن المخاطر ستتفاقم عاما بعد عام في ظل ضعف التدخل الحكومي وغياب الخطط طويلة الأمد، ما يستدعي الاستثمار في حلول جذرية ومستدامة بدل الاعتماد على ردود أفعال مؤقتة.

غياب الحلول 

لمواجهة آثار التغير المناخي المتزايدة في ريف حجر، يؤكد الخبراء على ضرورة تبني حلول عملية ومستدامة تضمن تلبية احتياجات الأسر الأساسية، وتخفف من حدة الأزمات المتفاقمة في الزراعة والمياه والمعيشة.

في مقدمة هذه الحلول يأتي اعتماد التقنيات الزراعية الحديثة، مثل الزراعة العضوية ونظام الري بالتنقيط، لما لها من دور في ترشيد استهلاك المياه وزيادة كفاءة الإنتاج الزراعي، وتحسين عملية جمع المياه ومعالجتها لضمان توفير مصادر آمنة للاستخدام المنزلي والزراعي، إلى جانب تنويع المحاصيل الزراعية لتقليل حجم الخسائر الناجمة عن موجات الجفاف أو الفيضانات.


يؤكد الأهالي أن غياب حلول مستدامة في مجالات المياه والزراعة والصحة يجعلهم عالقين في دوامة متكررة من المعاناة، مطالبين بتبني حلول مستدامة


يرى الخبراء أن من المهم تقديم برامج تدريبية للأسر الريفية لتمكينها من التكيف مع تغير المناخ، واستخدام مواردها المحدودة بطرق أكثر استدامة، أما على الصعيد الاجتماعي، فيشكل دعم تعليم الفتيات وضمان استمراره خطوة محورية في تعزيز قدرة المجتمع على مواجهة الأزمات المناخية؛ إذ ينعكس التعليم إيجابًا على وعي الأسرة وإدارتها للموارد.

وفي مجال الطاقة، تبرز الحاجة إلى الاستثمار في الطاقة المتجددة كحل عملي لتوفير الكهرباء في المناطق النائية وتقليل الاعتماد على مصادر الطاقة الملوِّثة والمكلفة، مشددين على أهمية تعزيز التعاون مع المنظمات المحلية والدولية لتبادل الخبرات، وتنفيذ مشاريع تنموية تراعي البعد البيئي والاجتماعي، وتعمل على بناء مجتمعات أكثر مرونة وقدرة على الصمود أمام التغيرات المناخية.

مع استمرار التغير المناخي بوتيرته المتسارعة، يظل مستقبل الأسر الريفية في حجر رهينا بمدى جدية السلطات والمنظمات في تبني حلول جذرية ومستدامة تحفظ ما تبقى من استقرار حياة الناس وكرامتهم، قبل أن تتسع فجوة المعاناة أكثر.

*صورة الغلاف من (فرانس برس)

استنزاف مياه الآبار الجوفية يزيد الحفر الأرضية

0
المناخ واستنزاف المياه يفاقمان الحفر الأرضية
المناخ واستنزاف المياه يفاقمان الحفر الأرضية

حذرت تقارير دولية حديثة من أن استنزاف المياه الجوفية -الناجم عن تغير المناخ وزيادة الاعتماد عليها في الري- يسرّع من ظهور الحفر الأرضية في منطقة الشرق الأوسط.

ووفقاً لما نقلته وكالة الأناضول ، يُعزى هذا التسارع إلى لجوء المجتمعات المتزايد إلى الموارد الجوفية لتلبية احتياجاتها المائية، مما يؤدي، بالاشتراك مع هشاشة البنية التربوية في المنطقة، إلى تكوين حفر ضخمة.

تُشير المعلومات التي جُمعت من مصادر متعددة لوكالة الأناضول بالتعاون مع منظمة السلام الأزرق في الشرق الأوسط (BPME)، وهي منظمة تركز على القضايا البيئية، إلى أن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تُعد من بين الأكثر تضرراً من تداعيات تغير المناخ.


      مواضيع مقترحة

الإجهاد المائي

تواجه لبنان إجهادًا مائيًا مرتفعًا للغاية، حيث ارتفع متوسط ​​درجة الحرارة السنوية بمقدار 0.11 درجة مئوية كل عقد، بينما انخفض متوسط ​​هطول الأمطار الشهري بمقدار 11 مليمترًا منذ عام 1950.

كما تواجه دولة أخرى في الشرق الأوسط ضغط مائي مرتفع مثل إيران، التي تأثرت بشدة بآثار تغير المناخ. فمنذ الستينيات، ارتفع متوسط ​​درجة حرارة البلاد بمقدار درجتين مئويتين، وانخفض هطول الأمطار بنسبة 20٪ على مدى السنوات العشرين الماضية، وتغيرت أنماط هطول الأمطار .

كذلك تواجه الأردن ضغطًا مائيًا مرتفعًا للغاية. ومن المتوقع أن تنخفض معدلات هطول الأمطار في الأردن بنسبة 17% بحلول منتصف القرن، وبنسبة 21% بحلول نهايته. وفي العراق سجِّل موسم الأمطار 2020-2021 كثاني أكثر الفترات جفافًا خلال الأربعين عامًا الماضية. وقد أدى ذلك إلى انخفاض تدفق المياه في نهري دجلة والفرات بنسبة 29% و73% على التوالي.


يؤدي الجفاف وملوحة التربة الناجمان عن ندرة المياه إلى فقدان 25,000 هكتار من الأراضي الزراعية سنويًا


أما في سوريا، فإذا ارتفعت درجة الحرارة بمقدار 1.2 درجة مئوية، فمن المتوقع أن تصبح موجات الجفاف التي كانت تحدث كل 250 عامًا حدثًا نادرًا كل عشر سنوات. وإذا استمرت درجات الحرارة في الارتفاع بما يصل إلى درجتين مئويتين، فمن المتوقع أن تحدث موجات جفاف شديدة كل خمس سنوات تقريبا.

استنزاف المياه في الزراعة

يؤدي انخفاض موارد المياه بسبب تغير المناخ إلى زيادة استخدام المياه الجوفية في الشرق الأوسط لا سيما في الزراعة، وذلك يؤدي إلى استنزاف المياه الجوفية واختلال التوازن الطبيعي.

في المناطق ذات المحتوى العالي من الحجر الجيري، يؤدي ذلك إلى انهيار التجاويف الجوفية، مما يؤدي إلى تكوّن الحفر البالوعية. وتُعدّ تركيا وإيران والأردن والمنطقة المحيطة بالبحر الميت من بين الأماكن التي تُلاحظ فيها الحفر البالوعية بشكل متكرر.

تُلاحظ الحفر البالوعية في تركيا بشكل رئيسي في حوض قونية، حيث جفت بحيرات مثل أكغول، وبحيرة مكّة، وبحيرة هورتاميس، وبحيرة بيشهير. كما يُسبب انكماش البحر الميت مشاكل مماثلة في العديد من دول المنطقة.

في إيران، تظهر الحفر الجيولوجية في مناطق مختلفة من البلاد، مع تركيزها في الشمال الغربي. العديد من مصادر المياه العذبة في هذه المنطقة معرضة لخطر الجفاف، وتُعد بحيرة أرومية من أبرز الأمثلة على ذلك.

يقول فتح الله أريك، مدير مركز تطبيقات وأبحاث الحفر البالوعية بجامعة قونية التقنية: “للأسف، هناك نقص حاد في المياه في منطقة شاسعة تمتد من أفغانستان وإيران وتركيا وسوريا والعراق – الواقعة شمال نظام جبال الألب-الهيمالايا الناشئ – إلى منطقة البحر الأحمر وشمال إفريقيا”.

يضيف أريك: “في أفغانستان، الواقعة في أقصى شرق هذا الحزام، المياه الجوفية شبه مستنفدة، وهناك مشاكل خطيرة في مياه الشرب مشيراً إلى الاستخدام المكثف للمياه الجوفية في المنطقة للإنتاج الزراعي، مؤكداً أن الحفر البالوعية هي نتيجة الوضع الناجم عن أزمة المناخ.

الحفر الأرضية

يشرح أريك كيفية تطور هذه التكوينات، موضحًا أن بنية التربة القابلة للذوبان عند ملامستها للماء ضرورية لتكوين الحفر البالوعية. وأضاف: “مع مرور الوقت، تتفاعل هذه الصخور مع الماء، مكونةً تجاويف صغيرة. تنمو هذه التجاويف وتتحول إلى كهوف. في النهاية، لا تستطيع الطبقة التي تغطيها تحمل وزنها فتنهار فجأة”.

المناخ واستنزاف المياه يفاقمان الحفر الأرضية
لجوء المجتمعات المتزايد إلى الموارد الجوفية لتلبية احتياجاتها المائية يؤدب إلى تكوين حفر ضخمة (الاناضول)

يقدم أريك معلومات عن المناطق التي تشهد هذه الظروف، مشيرًا إلى أنه في جميع أنحاء العالم، وخاصة في نصف الكرة الشمالي وخطوط العرض الوسطى، توجد هذه التكوينات، المعروفة باسم الكارست، بشكل شائع على طول حزام يمتد من أمريكا عبر أوروبا وإسبانيا وإيطاليا وتركيا وإيران وأفغانستان.

كما أشار إلى أن هذه الأنواع من التكوينات تُلاحظ في المناطق الجنوبية من تركيا، وكذلك في العراق وسوريا وإيران ودول الشرق الأوسط وفلسطين وأجزاء من شمال إفريقيا. وفي حديثه عن الوضع في الشرق الأوسط، قال أريك: “قبل نحو عامين، وفي منطقة قريبة من البحر الميت، جُرف عدة أشخاص إلى المياه بعد انهيار حفرة أسفل بركة. ورغم إنقاذ البعض، إلا أن الحادث أسفر عن خسائر في الأرواح”.

النمو السكاني و الموارد المائية

يؤكد عضو هيئة التدريس في قسم الجيولوجيا بالجامعة الألمانية الأردنية نزار أبو جابر، أن تغير المناخ والنمو السكاني في المنطقة يشكلان ضغوطا على الموارد المائية. وأضاف: هناك ضغط هائل على الموارد اللازمة لدعم هؤلاء الأشخاص. وكما تعلمون، ينخفض ​​منسوب مياه البحر الميت بمعدل يتراوح بين 80 سنتيمترًا ومترًا واحدًا سنويًا. والسبب الرئيسي لذلك هو التحويل الكبير لمياه الأحواض العليا لنهر الأردن.

في حديثه عن الوضع في الأردن قال جابر: “تستهلك الزراعة كميات كبيرة من المياه. كما أن هناك اعتماداً مفرطاً على المياه الجوفية. فمعظم المياه التي نستخدمها تأتي من الآبار، أي احتياطيات المياه الجوفية. ومع ذلك، هناك مشكلة خطيرة تتعلق بهذه الطبقات المائية الجوفية. فمستويات المياه آخذة في الانخفاض، ونوعية المياه آخذة في التدهور.


 نزار أبو جابر: نواجه تحدياً كبيراً في إدارة مواردنا من المياه الجوفية فنحن بحاجة إلى المياه لكننا في الوقت نفسه نستخدمها بشكل غير مستدام


في السابق، كانت المياه الجوفية بالقرب من الشاطئ مالحة لأن مياه البحيرة كانت مالحة أيضًا. ولكن عندما ينخفض ​​منسوب المياه، تُسحب المياه المالحة وتُستبدل بمياه عذبة. وعندما تصل المياه العذبة، تُذيب الملح الجوفي. ومع ذوبان الملح، تُصبح الأرض جوفاء وتبدأ بالانهيار.

يصف جابر كيف تؤثر الحفر الأرضية والانهيارات الأرضية على السكان المحليين، قائلاً: “هذه أرض زراعية، وتشكل خطرًا جسيمًا على الأشخاص الذين يعيشون هنا”. “يمكن أن تظهر هذه الحفر فجأة. هناك العديد من القصص عن سقوط أشخاص فيها، ولا يوجد نظام إنذار مبكر مطبق”.

يختم جابر حديثه بالقول “أعتقد أننا بحاجة إلى التعاون لأنه يجب علينا تحسين مواردنا واستخدامها بأفضل طريقة ممكنة”.

“الصّبِر المُر” ملجأ أسرة يمنية للعيش

0

رحلة مضنية يخوضها الستيني “حسان صُرح” في استخراج مادة صَبّار الأولوفيرا أو ما يعرف محليا بـ”الصبر” من الجبال برفقة زوجته خميسة ذات الخمسين عامًا. يستيقظ الزوجان كل صباح مع بزوغ الشمس للبحث عن صَبّار الأولوفيرا في جبال العود الواقعة شمال محافظة الضالع جنوبي اليمن.

 بعزيمة ممزوجة بالصبر والكفاح، يسعى “صُرح” المنحدر من محافظة تعز، لتأمين قوت أسرته المكونة من ثمانية أفراد، متجاهلا وعورة الطرق والمنحدرات الجبلية، حيث يعمل مع زوجته تحت ظروف قاسية تمتد لأكثر من عشر ساعات يوميًا، متحملَين الجوع والعطش ومشقة السفر.

صبار الألوفيرا نبات عصاري معروف بفوائده الطبية والجمالية، ينتشر في المناطق الجبلية اليمنية، ويستخدم بشكل شائع لعلاج الحروق والجروح، ترطيب البشرة، وتجديد خلايا الشعر. وعلى الرغم من فوائده، يُفضل استشارة الطبيب قبل استخدامه.


        مواضيع مقترحة

يعتمد صرح وزوجته على أدوات بسيطة لجمع مادة الصبر، والتي تُعد من الموارد الحيوية التي توفر لهما مصدر دخل قليل يبقيهم على قيد الحياة، تتكرر هذه الرحلات يوميًا، حيث يعانيا من نقص الموارد، وصعوبة التنقل، وغياب الدعم الحكومي؛ مما يزيد من معاناة الأسرة ويضعها على حافة اليأس.

الملجأ الأخير

بصوت مثقل بالهموم يروي صرح تجربته الشاقة في جمع نبتة الصبر (الألوفيرا)، فيقول: “منذ بداية الحرب وأنا أعمل مع زوجتي وشريكة عمري في هذه المهنة الشاقة التي استقينا منها الصبر ومرارته، نعمل بمصروفنا اليومي، وبالكاد نستطيع أن نجمع احتياجاتنا الأساسية من دقيق وسكر، وغالبًا لا يغطي ثمنها سوى القليل من تلك الاحتياجات الأساسية”.

"الصّبِر المُر" ملجأ أسرة يمنية للعيش
نبات “الصبّر” قبل استخراج العصارة منه والتي تستخدم للتجميل أيضاً (ريف اليمن)

ويضيف: “نجمع كل يوم ما يقارب خمسة لترات، فنبيعها بثلاثة آلاف ريال، حيث نضطر للعمل متحملين الجوع، والعطش، وحرارة الشمس، وفي ظل هذه الظروف، لا يخلو الأمر من مخاطر وصعوبات نتعرض لها كل يوم”.

“نتعرض للكثير من المخاطر ونواجه العديد من المشاكل، فقد تعرضت للدغة ثعبان، كادت أن تودي بحياتي، وتعرضت زوجتي مرات عديدة للسقوط من أماكن مرتفعة، مما أدى إلى كسر ذراعها”، يقول صرح.

وأردف بحزن: “نحن نعيش ظروفا مأساوية، يظن الجميع أننا نتقاضى الكثير من المال مقابل هذا العمل الشاق، لكن في الحقيقة نحن نموت ببطء، خرجنا من البيت وأولادي يتضورون جوعا على أمل أن نشتري لهم الدقيق، لكن أملنا بالله لن يخيب”.

اجتثاث النبتة

وعن خطورة قطع شجرة الصبر على الطبيعة، قال الخبير الزراعي “عبدالله أحمد” إن نبات الصبر تعرض للاجتثاث في العام 2017 من قبل بعض التجار الذين كانوا يأتون إلى المنطقة لاستخراج الصبر، وهذا الأمر عرض النبتة للندرة؛ حيث كانت المنطقة مليئة بنبات الصبر.

وشدد أحمد لـ “منصة ريف اليمن”، على “ضرورة الرقابة المجتمعية لهذه النبتة المليئة بالفوائد، موضحًا أن الطريقة التي يقوم بها حسان في استخراج الصبر هي الطريقة الصحيحة، ونحن لا نمانع أن تكون مصدر دخل لأسرته، مع ضرورة الحفاظ عليها من الاجتثاث”.

"الصّبِر المُر" ملجأ أسرة يمنية للعيش
يتم استخراج “الصبّار” في علب بلاستكية للبيع والحصول على عائد مادي للعيش (ريف اليمن)

تسببت الحرب بنزوح العديد من الأسر، ومن بينها أسرة حسان التي اضطرت إلى ترك منزلها في مفرق المخا، والانتقال إلى مديرية العدين بمحافظة إب، بعدما دُمرت ممارساتهم الاقتصادية والتجارية، وأصبحوا يعيشون في ظروف أقسى، بدون موارد ثابتة.

تعتمد أسرة حسان بشكل رئيسي على منتجات الطبيعة وموارد الدعم المحدودة، هذه التحديات أدت إلى تفاقم الأوضاع الصحية والنفسية، خاصة مع ضعف الخدمات الصحية والتعليمية.

ويقول الخبير الاقتصادي فارس النجار لـ”منصة ريف اليمن”، إن الأوضاع الاقتصادية في اليمن، خاصة في المناطق المتأثرة بالحرب، تتطلب تدخلات عاجلة ومستدامة لتعزيز قدرات المجتمعات المحلية على الصمود.

تأثيرات الحرب

ويضيف: “طرق جمع الموارد التقليدية مثل الصبر تعتبر جزءًا من الاقتصاد غير الرسمي، لكنها ليست كافية لضمان استقرار الأسرة أو دعم التنمية الشاملة، وعلى الحكومة والمنظمات الدولية توفير برامج دعم مستدامة لتمكين السكان من تطوير قدراتهم الاقتصادية، وتحسين سبل العيش المستدامة؛ مما يضمن لهم الاستقرار المعيشي”.

ويؤكد أن رحلة حسان وزوجته معاناة إنسانية تسلط الضوء على تداعيات الحرب في اليمن، خاصة على الفئات الضعيفة والأسر النازحة، وتتطلب هذه الظروف تضافر جهود المجتمع الدولي، والمنظمات الإنسانية، والحكومة لدعم الأسر وإعادة بناء قدراتها الاقتصادية والصحية؛ لتمكينهم من تجاوز الأزمة وتحقيق حياة كريمة ومستقرة.

"الصّبِر المُر" ملجأ أسرة يمنية للعيش
“حسان” يقطف نبته “الصبر” في إحدى جبال الضالع جنوب اليمن (ريف اليمن)

وبحسب لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الإسكوا) فإن اليمن لا يزال يعاني من مستويات مرتفعة من الفقر متعدد الأبعاد، مشيرة إلى عدم إحراز أي تقدم يُذكر في الحد من هذه الظاهرة خلال العقد الماضي، نتيجة للصراع المستمر وتأثيراته الكارثية.

ووفقا للتقرير فإن اليمن ينتمي إلى قائمة البلدان العربية الثلاث الأقل نمواً إلى جانب موريتانيا وجزر القمر، حيث تستمر معدلات الفقر متعدد الأبعاد مرتفعة رغم بعض التقدم الملحوظ في دول أخرى خلال الفترة بين 2013 و2023.

وأشارت الإسكوا إلى أن الصراع المستمر منذ عام 2015 تسبب في إعاقة التنمية وأدى إلى حالة طوارئ إنسانية مدمرة، وتسبب في نزوح أعداد كبيرة من الأسر، وتعطيل سلاسل الغذاء، بالإضافة إلى تدمير البنية التحتية الحيوية.

أبين.. صالح الجعدني وتربية الغزلان الجبلية

0
أبين.. صالح الجعدني وتربية الغزلان الجبلية

في مشهد يعكس عمق العلاقة بين الإنسان والطبيعة، نجح المواطن صالح علي الجعدني من محافظة أبين في تحقيق إنجاز فريد، تمثل في تربية الغزلان الجبلية (البرية) في بيئتها المحلية، ليقدم نموذجاً نادراً من الوفاء للطبيعة وحماية التنوع البيئي في اليمن.

بجهود فردية خالصة وحب كبير للحياة البرية، استطاع الجعدني أن يوفّر بيئة آمنة ومناسبة للغزلان، من خلال الاهتمام بتغذيتها، ورعايتها الصحية، وفهم طبيعة حياتها وتكاثرها.

هذه التجربة التي بدأت بشغف شخصي تحوّلت إلى قصة نجاح ملهمة نالت إعجاب الأهالي والمهتمين بالبيئة في أبين وخارجها.

وتُظهر الصور المرفقة في الأدنى التي وثقها المصور حيدرة واقس روح الألفة بين الإنسان والغزال في مشاهد مفعمة بالحنان، حيث يتعامل الأهالي والأطفال مع هذه الكائنات بلطف ومحبة، في صورة تجسد أصالة الإنسان الأبيني وارتباطه العميق بالأرض والحياة البرية.

تجربة الجعدني ليست مجرد هواية، بل هي رسالة بيئية وإنسانية تفتح الباب أمام مبادرات مشابهة لحماية الحيوانات البرية المهددة بالانقراض، وتؤكد أن الطبيعة تمنحنا الجمال متى منحناها الأمان.

أبين.. صالح الجعدني وتربية الغزلان الجبلية

المافي.. تنور الريف الأول رغم الحداثة

0

منذ القدم، ورغم تعاقب السنين وتغير مظاهر الحياة، ما يزال تنور الأرياف -أو كما يعرف محليا بـ”المافي”- حاضرا في البيوت الريفية اليمنية كأحد رموز الأصالة المتجذرة في الذاكرة الشعبية، إذ لا يمكن أن توجد بيت ريفي تخلو منه، ويعتبر من أساسيات المنازل الريفية اليمنية.

والمافي تنور طيني توقد ناره بالحطب، تتصاعد منه رائحة الخبز الطازج التي تعبق المكان وتوقظ الحنين، حاملة معها مذاقا أصيلا يختزل تاريخ الريف اليمني وعاداته اليومية البسيطة.

خلال العقدين الماضيين، انتشرت التناوير المعدنية بشكل واسع في الأرياف اليمنية لاعتمادها على الغاز وسرعتها في إنضاج المخبوزات، بالإضافة الى ارتفاع أسعار الحطب، الأمر الذي أدى إلى تراجع اعتماد بعض البيوت في الأرياف على المأفي، غير أنه لايزال حاضرا ولم يتم الاستغناء عنه، ويستخدم لصناعة العديد من المخبوزات ذات المذاق الاستثنائي، في إصرار ريفي على حفظ شيء من هوية الأرض، وتذكير للأجيال الجديدة بأن خبز المافي الطيني لا يجاريه فرن حديث.


      مواضيع مقترحة

تنور من الطين والحطب

يُصنع المافي من الطين، بأحجام متعددة، على أيدي مدّارين محترفين، وحين تشتريه الأُسر يضعونه بعناية في إحدى زوايا مطبخ البيت، أو ما يسمى في بعض أرياف تعز “المِنداد”، وهي غرفة جانبية أو على سطح البيت تحوي فتحة مستديرة أو فتحتين، يخرج منها الدخان المتصاعد، يوضع الحطب داخل المأفي، وحين تشتعل النار يبدأ الجدار الطيني في بث حرارة متوازنة تستمر طويلا، تجعل الخبز ينضج برائحة مميزة.

تعليقا على ذلك، تقول سالي النبهاني:”ما فيش (لايوجد)مثل خبز وفطير المأفي، طعمه هو الأجمل، حتى لو كثرت التناوير وتعددت أنواع الأفران، يبقى المأفي الريفي هو الأول وأكلاته هي الأفضل”.

وأوضحت النبهاني وهي إعلامية من مديرية المعافر خلال حديثها لـ”منصة ريف اليمن”، أن المافي في المناطق الريفية بشكل عام موجود في كل بيت، لأنهم يعتمدون عليه بشكل أساسي أكثر من التنورات الغازية، وغالبا ما يستخدمونه، وذلك لأنه قد تأتي أوقات ينعدم فيها الغاز أو ترتفع أسعاره، وأحيانا ينفد فجأة، وأيضا لأن المأفي متوفر دائما، وبالمقابل فإن أي شيء يطبخ داخله يكون حلو.

طعم مختلف ونكهة مميزة

وأضافت “:معظم أهالي الريف لا يستطيعون التخلّي عن المافي، وإن انكسر وانتهى، يحرصون على توفيره بصورة عاجلة، وأي طعام مطبوخ في المافي يكون له طعم مختلف ونكهة مميزة، ومذاقه يذكرك بالانتماء للبلاد، ومهما اغترب الشخص أو ابتعد، تظل نكهة طبخات المافي راسخة لأنه تربى عليها.

وذكرت النبهاني أن هناك وجبات كثيرة تقوم بتحضيرها عن طريق المافي: مثل الملوج، والخبز، والفطير بأنواعه المتعددة، وأيضا القُرم، وعند الانتهاء من خبز هذه الأشياء، يمكننا استغلال الفحم المتبقي بوضع أي شيء داخل المافي، مثل العدس أو الفاصوليا أو الحنيد على الجمر، وهذا يمنحها نكهة مميزة وطعمًا مختلفًا ولذيذًا.

يُجمع أهالي الأرياف على أن ما يخبز في المافي ألذ بكثير من الخبز المصنوع في التنور المعدني، فالعجين حين يلتصق بجدار الطين، يكتسب طعمًا مختلفًا، كما أن دخان الحطب يمنحه نكهة لا يمكن تكرارها في أفران الغاز أو التنور الحديدي.

الناشط الشبابي ماجد الشميري، قال إن أسرته في القرية اعتادت على إعداد المخبوزات في المافي بشكل أسبوعي، حتى أصبح جزءًا من العادات الغذائية الراسخة. مشيرًا إلى أن “موائد الأسر في الجمعة والمناسبات كالأعياد لا تكتمل أبدًا من دون وجود نوع من خبز المافي الذي يضفي على الأجواء نكهة خاصة لا يضاهيها شيء”.

ويضيف الشميري خلال حديثه لـ”منصة ريف اليمن”، أن مخبوزات المافي ليست مجرد طعام عادي، بل هي موروث اجتماعي وثقافي له مكانته في أريافنا، لما تحمله من دلالات على البساطة والدفء العائلي، وارتباط الناس بذاكرتهم القروية ومذاق الأرض الذي يظل حاضرًا في كل لقمة.

المافي في ذاكرة المغتربين

رغم أن المافي ما يزال حاضرًا في كثير من بيوت الريف، إلا أن ذكراه تمتد أبعد من حدود القرية، إذ يظل حاضرًا في وجدان المغتربين الذين تركوا قراهم وراءهم، فالمافي بالنسبة لهم، ليس مجرد تنور طيني، بل هو رائحة البيت الأول، وذاكرة الجدّات، ومذاق الطفولة الذي لا يغيب مهما ابتعدت المسافات.

يقول الباحث والكاتب نبيل البكيري، إنه لم يأكل فطير وخبز وكدِر المافي الطيني منذ عشر سنوات بسبب إقامته خارج اليمن، ويضيف:”نحاول تقليد كل ذلك في الأفران الكهربائية الحديثة، ولكنها تبقى صورة ونسخة مقلدة وغير حقيقية من خبز المافي الطيني الذي تربّينا عليه”.

ويصف البكري خلال حديثه لـ”منصة ريف اليمن”، خبز المافي بأنه “خبز صحي مخلوط بشيء من الذات والهوية والتراث الذي يشكل هوينتنا الثقافية”.

أما المواطن أنور مقبل، فيصف خبر المأفي بأنه الألذ على الإطلاق، ويقول:” أجمل الهدايا التي تصل من الريف هي المخبوزات التي يتم صناعتها بالمأفي الطيني، فنكهتها وطعمها لا يمكن أن توفره التناوير الغازية الحديثة”.

ويضيف خلال حديثه لـ “منصة ريف اليمن”، أن أسرته لاتزال تحافظ على الموروث القديم بإشعال المأفي كل صباح جمعة، ويتم صناعة الخبز الملوح كوجبة فطور، وعمل فطير من حبوب الذرة أو الغرب كوجبة للغذاء، لافتا أن أسرته تقدم له الهدايا الريفية المختلفة على رأسها الفطير والملوح”.

ورغم التطور يبقى المافي أكثر من مجرد تنور طيني يُخبز فيه العجين؛ بل هو ذاكرة حيّة تتوارثها الأجيال، وجمرٌ يشعل الحنين في القلب، ورمزٌ من رموز الريف الذي يعرف كيف يحفظ أصالته رغم تغيّر الأزمنة، وبظل شاهدًا على ارتباط الناس بجذورهم.

نفايات الطاقة الشمسية تهدد البيئة والمجتمعات الريفية

0

رغم مساهمة الانتشار الواسع لأنظمة الطاقة الشمسية في اليمن في تخفيف أزمة الكهرباء، يفاقم أزمة النفايات ويشكل تهديدا بيئيا مباشرا على المجتمعات الريفية والحضرية على حد سواء، وفق المعهد الدنماركي للدراسات الدولية (DIIS).

وأشار المعهد في تقريره بعنوان “العنف البطيء للنفايات في اليمن..معالجة العواقب طويلة الأمد للتحول نحو الطاقة الشمسية”، أشار إلى أن الطاقة الشمسية أصبحت أحد المصادر الرئيسية للكهرباء في اليمن، حيث أفاد 73% من المشاركين في استطلاع رأي شمل ألف شخص بأن منازلهم بدأت باستخدام هذه الأنظمة بعد عام 2015، مما يعكس تحولا واسع النطاق نحو حلول الطاقة المتجددة في كل من المناطق اليمنية.


     مواضيع مقترحة

وأكد التقرير أن الجهات المانحة والوكالات الدولية عززت الطاقة المتجددة كحل فعال ومستدام لأزمة الطاقة، خاصة في المجتمعات النائية والمحرومة، لما توفره من تكاليف تشغيلية منخفضة وتأثير بيئي محدود، مع إمكانية تمكين السكان المحليين ودعم جهود التعافي والتنمية طويلة الأمد.

لكن التوسع السريع في تركيبات الطاقة الشمسية يعود بشكل رئيسي إلى التمويل المجزأ القائم على المشاريع، ومحدودية التنسيق مع السلطات المحلية، ما يرفع من احتمالات تراكم النفايات الناتجة عن هذه الأنظمة ويجعل دمج أفضل الممارسات في دورة المشروع أمرًا ضروريا لتجنب التلوث البيئي.

التخلص غير المنظم

وأشار المعهد إلى أن النزاع المستمر أعاق جمع بيانات دقيقة حول إدارة النفايات في اليمن، لكن تقييما أُجري عام 2014 كشف أن نحو 70% من النفايات تلقى في العراء، و26% تذهب إلى مكبات النفايات، فيما لم يتم إعادة تدوير سوى أقل من 7%.

منذ ذلك الحين، أدى النزاع إلى تدمير البنية التحتية وتوقف دفع الرواتب وغياب المعدات اللازمة مثل شاحنات القمامة، حيث تم تقييم 45% من المركبات في يوليو 2015 على أنها غير قابلة للوصول أو مكسورة أو مسروقة. كما تضاعف عدد مكبات النفايات منذ 2014، مع تفاوت كبير بين المحافظات، وسجلت حضرموت أعلى كمية من النفايات الصلبة.



وحذر المعهد من أن التلوث والنفايات يمكن أن يصبحا محركين للصراع المحلي ويقوضا التماسك الاجتماعي، خاصة مع ضعف قطاع إعادة التدوير وغياب أي إطار قانوني للتعامل مع البطاريات.

وأشار إلى أن العديد من مكبات النفايات غير محددة ومحمية، مما يسمح بتسرب العصارة – السائل الملوث الناتج عن تحلل النفايات – إلى التربة والمياه الجوفية، في وقت يعاني اليمن بالفعل من ندرة حادة في المياه وانخفاض مستويات المياه الجوفية بمعدل 3-8 أمتار سنويًا، وتقليص الأراضي الزراعية بنسبة 3-5% سنويا.

وعند التخلص من الألواح الشمسية والبطاريات المهملة، يمكن لمياه الأمطار أن تجرف المعادن السامة إلى مصادر المياه والنفط المحيطة، ما يزيد من تآكل سبل العيش الريفية ويعرض المجتمعات لمخاطر التلوث الغذائي والمائي، بحسب المعهد.

الفقراء كحماة للبيئة

وكشف التقرير أن أكثر من نصف المشاركين يأخذون الألواح الشمسية المعطلة إلى ورش البطاريات أو الصيانة، بسبب ارتفاع أسعار البطاريات والألواح، حيث وصف أكثر من 75% منها بأنها مرتفعة جدا أو مرتفعة نسبيا، ويعد الاستخدام الأكثر شيوعا للطاقة الشمسية الإضاءة بنسبة 73.9%، يليه شحن الهواتف بنسبة 50.6%.

وأوضح المعهد أن التكلفة الأولية المرتفعة للمعدات تدفع الأسر لاستخدام أنظمة أقل جودة وأكثر عرضة للفشل بعد فترة قصيرة، ما يسرع من تدفق نفايات الطاقة الشمسية. كما يفتقد السوق لأي معايير أو شهادات جودة للمنتجات المستوردة، ويعتمد التعامل مع النفايات على القيمة الاقتصادية للمواد وليس على الاعتبارات البيئية.

وبمجرد توقف الأنظمة عن العمل، تبيع الأسر هذه المعدات أو تهديها لجامعي الخردة (19.2%)، أو لمحلات الخردة (28.4%)، أو لتجار صغار يعيدون بيعها أو تفكيكها لاستعادة مكوناتها. وتعتمد المناطق الريفية بشكل أكبر على مشتري الخردة المتنقلين، مما يزيد من احتمال التخلص غير الآمن من المعدات.


نحو 70% من النفايات تلقى في العراء، و26% تذهب إلى مكبات النفايات، فيما لم يتم إعادة تدوير سوى أقل من 7%.


وأفاد 22% من المشاركين أن الألواح الشمسية ترمى مع النفايات المنزلية أو تترك على الأسطح والساحات عند تلفها، رغم إمكانية إعادة تدوير الأجزاء القابلة للبيع.

وأشار المعهد إلى أن جامعي النفايات غالبا من الفئات المهمشة ويعملون دون معدات سلامة، معرضين لمخاطر صحية، وغالبًا لا يستفيدون من برامج إدارة النفايات المدعومة من الجهات المانحة التي تعطي الأولوية للنازحين داخليًا.

كما أن التصدير يمثل المحرك الأساسي لاستعادة المواد القابلة لإعادة التدوير، لكن النزاع أثر على قدرة القطاع الخاص بسبب محدودية الكهرباء وقيود التصدير، مما جعل التعامل مع النفايات يعتمد على القيمة الاقتصادية لا على البيئة.

جعل النفايات الشمسية مهمة

رغم بعض الدعم من المجتمع الدولي قبل النزاع، لم تعد إدارة النفايات قضية مركزية في العمل الإنساني، لكن المخاوف البيئية معترف بها على نطاق واسع بين اليمنيين، خاصة في المناطق الريفية، حيث يعانون من آثار تغير المناخ والتلوث مباشرة مثل الفيضانات المفاجئة، وتراجع الأمطار الموسمية، والجفاف، وتآكل التربة، واستنزاف المياه الجوفية.

وأكد التقرير أن الانتشار الواسع للطاقة الشمسية مدفوع بأزمة الطاقة وليس بالوعي البيئي، وأن الأسر الفقيرة تعطي الأولوية للشواغل المعيشية العاجلة. ومع ذلك، يمكن أن يصبح التلوث والنفايات دافعين للصراع المحلي ويقوضا التماسك الاجتماعي.

في استطلاع حديث، وصف أكثر من نصف المشاركين مواجهتهم أو سماعهم عن صراعات أو توترات في منطقتهم بسبب عوامل بيئية، وكان التلوث السبب الرئيسي للصراع، يليه ندرة المياه. وبينما تُمثّل نفايات الطاقة الشمسية جزءًا صغيرًا فقط من مشكلة أكبر، إلا أنها تتقاطع مع نزاعات بيئية ونزاعات أوسع نطاقًا حول استخدام الأراضي.

أهمية ومتطلبات وزن مواليد الحيوانات الرضّع

0

يُعدّ وزن المواليد إجراءً أساسياً في إدارة القطيع الحديثة، فهو يوفّر بيانات دقيقة عن صحة الأم وجودة الرعاية قبل الولادة وبعدها، ويساعد في تقييم حالة المواليد ونموها وتقسيمها، كما يُستخدم  كأداة لمتابعة معدلات النمو وكفاءة التغذية والرعاية الصحية، مما يمكّن المربي من اتخاذ قرارات دقيقة لتحسين الأداء والإنتاج.

تتناول منصة ريف اليمن في هذا التقرير الإرشادي أهمية وزن المواليد في متابعة النمو وتحسين الإنتاج، ويعرض الفترات والطرق المناسبة للوزن، وكيفية الاستفادة من النتائج في تطوير القطيع ورفع كفاءته.

أهمية وزن مواليد الحيوانات الرضّع:

  • متابعة النمو: يُساعد التسجيل المنتظم للأوزان في معرفة مدى تطور الحيوان، ومقارنة معدل نموه بالمعدلات القياسية للسلالة.
  • تصنيف المواليد حسب الأداء: يُمكن تقسيم المواليد إلى مجموعات حسب سرعة النمو، مما يساعد في توجيه الرعاية والتغذية بشكل مناسب لكل فئة.
  • تحسين برامج الانتخاب الوراثي: الوزن المبكر مؤشر قوي على الصفات الوراثية المرتبطة بالنمو والتحويل الغذائي، وبالتالي يمكن الاعتماد عليه في اختيار الذكور والإناث الأفضل كآباء وأمهات مستقبلية.
  • تقييم الذكور الطلوقة (الفحول): عند مقارنة أوزان مواليد فحل معين مع غيره من الفحول، يمكن تحديد مدى تفوقه الوراثي في نقل صفات النمو.
  • تقييم الأمهات من حيث كفاءة الرضاعة والرعاية: الأمهات التي تُنتج مواليد أعلى وزناً وأسرع نمواً غالباً ما تكون أكثر إنتاجية وجدوى اقتصادية.

    مواد ذات صلة:


فترة وزن مواليد الحوانات المناسبة

  1. الوزن عند الولادة: لتسجيل الوزن الأساسي للحيوان، ومعرفة الحالة الصحية للمولود.
  2. الوزن عند الفطام: لقياس كفاءة الرضاعة الطبيعية أو الصناعية.
  3. الوزن الشهري أو الدوري: لمتابعة النمو المستمر، وتقييم كفاءة التغذية أو الكشف عن أي تأخر في النمو مبكراً.

كيف نزن مواليد الحيوانات بطريقة صحيحة؟

  • الوقت المناسب: أفضل وقت هو الصباح قبل الأكل أو الشرب، لأن الامتلاء يؤثر على الوزن.
  • مكان الوزن: يكون الميزان على أرض مستقيمة وثابتة، ويفضل في مكان مظلل ومريح للحيوان.
  • نظافة الميزان: ننظف الميزان دائماً من الأوساخ، وكذلك نزيل الروث أو الطين من جسم الحيوان قبل الوزن.
  • المعايرة (الضبط): نتاكد كل فترة أن الميزان مضبوط ويعطي وزناً صحيحاً.
  • سلامة المولود: نعامل المولود بلطف، ويكون الشخص الذي يزن حيواناً هادئاً ومتعوداً على التعامل معه.
  • تسجيل الوزن: نكتب التاريخ، رقم الحيوان، جنسه (ذكر أو أنثى)، والوزن في سجل خاص أو في دفتر.

تقييم نتائج وزن الحيوانات الرضيعة

  1. إذا كان الوزن ضعيفاً جداً: نراجع التغذية أو نعرض الحيوان على البيطري المختص في المنطقة إن وجد.
  2. إذا كان الوزن جيداً أو عالياً: نعتبر هذا الحيوان مميزاً ونحافظ عليه للتربية.
  3. من خلال المقارنة بين المواليد نعرف أي الأمهات والفحول أفضل إنتاجاً.

الفوائد الاقتصادية

  • المواليد التي تنمو جيداً تستهلك علفاً أقل وتربح أكثر.
  • نقلل الخسائر الناتجة عن ضعف النمو أو المرض.
  • نحسن السلالة ونزيد الإنتاج من الحليب واللحم.
  • نحصل على قطيع قوي ومربح.

توصيات فنية

  1. استخدام موازين رقمية دقيقة مخصصة للحيوانات الصغيرة مثل العجول أو الجِداء.
  2. اعتماد نظام ترقيم للحيوانات لتسهيل المتابعة.
  3. حفظ السجلات بشكل منتظم.
  4. تدريب العمال والفنيين على طرق الوزن السليمة.
  5. حلل البيانات التي يتم جمعها عند التسجيل لتقييم الأداء.

توصلنا مما سبق إلى أن وزن المواليد ليس إجراءً روتينياً فحسب، بل هو أداة علمية أساسية لإدارة القطيع وفق أسس اقتصادية وإنتاجية صحيحة، حيث يسهم الالتزام بممارسات الوزن الدقيقة والمتابعة الدورية في بناء قطيع صحي، عالي الكفاءة، وقادر على تحقيق عائد مستدام.

*صورة الغلاف مولدة بالذكاء الاصطناعي


هذه النصائح لكم/ن
إذا كان لديكم/ن أي استفسار أو تحتاجون إرشاداً بشأن الزراعة أو الماشية، أو النحل، أو الصيد البحري، من المهندس الزراعي في منصة “ريف اليمن”، بإمكانكم التواصل معنا عبر البريد الالكتروني – info@reefyemen.net. أو التواصل معنا عبر الواتساب على الرقم: 777651011.
تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعي التالية: –
فيسبوك . تويتر . واتساب . تلغرام . إنستغرام

اليونسكو تصادق على دعم اليمن لحماية التراث الثقافي

0
أمانة العاصمة صنعاء.. عاصمة اليمن ومعلمها الحضاري
أمانة العاصمة صنعاء.. عاصمة اليمن ومعلمها الحضاري

صادق المؤتمر العام لليونسكو في دورته الثالثة والأربعين المنعقدة حالياً، في مدينة سمرقند بجمهورية أوزبكستان، على قرار المجلس التنفيذي للمنظمة لدعم اليمن في مجالات صون التراث الثقافي والتعليم والتعليم العالي والإعلام في ظل أوضاع الصراع الراهنة.

يأتي هذا القرار بعد أن تقدمت به البعثة الدائمة للجمهورية اليمنية بهدف حماية التراث الثقافي والتعليم والصحافة في اليمن، وتتويجاً لمشروع قرار اعتمدته اليونسكو في 15 أكتوبر الماضي، إلى مكافحة تهريب الآثار وحماية التراث الثقافي اليمني، بما يتوافق مع الاتفاقيات الدولية الخاصة بحماية التراث في أوقات النزاعات المسلحة.


     مواضيع ذات صلة

وأكد القرار على دعم اليمن في الحفاظ على تراثه الثقافي وتعزيز قطاع التعليم والإعلام في ظل الأوضاع الراهنة

وكانت قد أعلنت منظمة اليونسكو الأسبوع الماضي عن وقف مشاريعها التطويرية في مدينة صنعاء القديمة، والمدرجة على قائمة التراث العالمية منذ عام 1986 ، إضافة إلى مدينة شبام التاريخية في حضرموت

وتمتلك اليمن إرثاً أثرياً غنياً يعكس تاريخها العريق وحضارتها القديمة مثل سبأ ومعين وقتبان، ويشمل هذا الإرث المعابد والتماثيل، والمدن التاريخية مثل شبام وزبيد، التي تحتوي على مساجد ومعالم أثرية فريدة تشهد على عراقة الثقافة اليمنية.

لكن هذا التراث يواجه تهديدات كبيرة، أبرزها عمليات التهريب ونقص الحماية الفعالة حيث تهرب العديد من القطع الأثرية إلى خارج البلاد وتظل المواقع معرضة للنهب والتدمير في ظل الأوضاع السياسية المتدهورة، مما يستدعي تكثيف الجهود للحفاظ على هذه الكنوز وحمايتها من الضياع.

تعز.. خزانات المياه تودي بحياة الأطفال

0

لا يزال الحزن يخيم على قرية البرحة الواقعة بعزلة الشراجة في مديرية جبل حبشي غرب تعز، منذ الأربعاء الماضي، هناك حيث انطفأت ضحكات ثلاث فتيات شقيقات، بعدما غمرهن الماء أثناء محاولتهن جلبه من خزان مكشوف لم تعرف أسرتهن أنه سيخطفهن إلى الأبد.

لم تكن الفتيات الثلاث سوى أطفال في ربيع العمر، يحملن أوعية الماء الصغيرة كما اعتدن كل صباح، غير أن تلك الرحلة القصيرة تحولت إلى مأساة غيرت ملامح القرية، وتركت في قلوب الأهالي وجعا لا ينسى.

ذلك الصباح لم يكن مختلفا عن غيره بالنسبة لأهالي البرحة، فاليوم يبدأ عادة بمشوار الماء؛ رحلة النساء والفتيات اليومية نحو الخزانات لجلب ما يسدّ العطش. لكن هذا اليوم حمل في طياته ما لم تتخيله القرية الصغيرة، يوما أسود كتب في ذاكرتها إلى الأبد.


      مواضيع ذات صلة

حين يتحول الماء إلى فاجعة

صباح ذلك اليوم خرجت ثلاث فتيات صغيرات من أسرة واحدة -إخلاص (9 أعوام)، ورود (13 عامًا)، وميمونة (6 أعوام)- يحملن أوعية الماء على أمل العودة إلى المنزل كما في كل مرة، لكن القدر كان أسرع من خطواتهن الصغيرة، سقطت الفتيات داخل الخزان المائي القريب من منزل الأسرة، ولم ينج منهن أحد.

كانت الأسرة حينها منشغلة بإسعاف طفلة مريضة، وعند عودتها إلى المنزل كان المشهد مفزعا: الخزان الذي بناه الأب ليكون مصدر حياة للأسرة، تحول إلى فخ قاتل أودى بأغلى ما يملك.

يقول الشيخ “رشيد ناجي”، أحد وجهاء القرية: “عندما خرج أفراد أسرة ماجد عبدالله محمد حسن لإسعاف طفلة لهم كانت مريضة، لم يتخيلوا أن عودتهم ستقودهم إلى هذه الفاجعة؛ وجدوا الفتيات الثلاث غارقات في الخزان الذي لم يكن قد اكتمل بعد أو جرى تغطيته، كان الخزان مشروع حياة، لكنه أصبح سببا للموت”.

خزان مياه مكشوف على الطريق العام في جبل حبشي، تعز (ريف اليمن)

يؤكد مدير مكتب الإعلام في مديرية جبل حبشي، “صفوان الجبيحي”، لـ”منصة ريف اليمن”، أن الفتيات الثلاث من أسرة ماجد حسن، وقد سقطن في خزان المياه أثناء محاولتهن جلب الماء لأسرتهن، مشيرا إلى أن التحقيقات الأولية ترجح أن الحادثة وقعت نتيجة انزلاق غير مقصود أثناء اقترابهن من فتحة الخزان.

كانت القرية على موعد مع مأساة خيمت على بيوتها جميعا، فبينما تحاول الأمهات التماسك أمام أطفالهن، تتردد في الأذهان صور الفتيات الثلاث، وهنّ يغادرن المنزل في لحظاتهن الأخيرة.

صدى الفقد ووجع القلوب

يقول الناشط المجتمعي “بشير المخمري”، وهو أحد أبناء المنطقة، بصوت يملؤه الأسى: “انتهت حياة الثلاث الفتيات في أحد خزانات المياه بكارثةٍ لا تُحتمل. ذهبن دون وداع، ولم يستطع الأهالي إنقاذهن. لا أحد يعلم كيف حدث الغرق بالتحديد، فالأسرة كانت خارج المنزل، وعندما عادت لم تجد البنات، بحثت عنهن طويلًا حتى وجدتهن داخل الخزان”.

ويضيف المخمري: “ثلاث زهرات انطفأن بلمح البصر، تاركاتٍ خلفهن وجعا لا يوصف، إنها فاجعة تهز الضمير الإنساني، وصرخة تنبيه يجب أن توقظ الجميع: كم من أرواح بريئة فقدناها في مصائد الخزانات المكشوفة في ريفنا؟”.

ودعا إلى ضرورة تأمين الخزانات والآبار المكشوفة في القرى والأرياف، وتنفيذ حملات توعية عاجلة للأسر والأطفال حول مخاطرها، مؤكدًا أن “قطرات الماء لا يجب أن تكون سببًا للموت”.

تعاني أكثر المناطق اليمنية من غياب المشاريع الأساسية والخدمية وربطها بشبكات المياه، ما يجبر الأسر إلى البحث عن مصادر المياه في المرتفعات الشاهقة والسدود المكشوفة والخزانات المجاورة للمنازل التي تكون عادة خطيرة على حياة النساء اللواتي لا يستطعن السيطرة على أنفسهن إذا ما تعرضن لحوادث سقوط.

قرية البرحة ليست سوى نموذج من عشرات القرى اليمنية التي تعيش خارج خارطة الخدمات الأساسية، ويقدّر سكانها بنحو 500 نسمة، ويواجهون صعوبات يومية في الحصول على المياه، نتيجة غياب شبكات الإمداد ووعورة الطرق المؤدية إلى مصادرها.

خلفية مأساوية لمشكلة مزمنة

يقول الشيخ رشيد ناجي: “نحتاج إلى وقفة جادة من الجهات المعنية. الناس هنا يعيشون بالإمكانات البسيطة، يبنون خزانات مائية بأنفسهم، ولكنها تظل مكشوفة وخطرة؛ لأنهم لا يجدون دعمًا أو توجيهًا لحمايتها”.

تأتي هذه الحادثة في وقت تعاني فيه تعز من أزمة مياه خانقة، جعلت آلاف الأسر تضطر إلى حفر خزانات وسدود محلية لجمع مياه الأمطار، لكن هذه الحلول المؤقتة تحوّلت في كثير من الأحيان إلى مصائد موت، خصوصا للأطفال والنساء في القرى الجبلية، حيث غياب الرقابة والإرشاد وضعف الوعي بمخاطر تلك الخزانات المكشوفة.

رحلت إخلاص وورود وميمونة، وبقيت قصتهن شاهدا مؤلما على معاناة الريف اليمني، حيث الماء  صار في أحيانٍ كثيرة عنوانا للفقد والموت، رحلن وتركن وراءهن قلوبا مكلومة وأحلام الطفولة الغارقة في خزان مكشوف، تلك الحادثة المؤلمة لا تعيد فقط طرح سؤال الإهمال، بل تذكر بوجع الريف اليمني الذي ما يزال يدفع ثمن غياب أبسط مقوّمات السلامة والخدمات الأساسية.

حوادث الآبار والخزانات في المناطق الريفية في اليمن تكررت بشكل لافت؛ إذ شهدت مديرية “كُعَيدِنَة” بمحافظة حجة عدة حوادث سقوط، وسجلت وفيات، وفق تقرير سابق لمنصة ريف اليمن. وقال “أحمد حاسر (35 عاما)”، المنحدر من قرية المواهبة إن الآبار المكشوفة أصبحت شبحاً يهدد حياة السكان في القرى الريفية بمحافظة حجة”.

أحد خزانات مياه الشرب في جبل حبشي غربي تعز (ريف اليمن)

وفي محافظة الضالع فقد عبد الرحمن حيدرة (52 عاما) أربع نساء من أسرته غرقا، بينهنّ ابنته، وذلك نتيجة سقوطهن في أحد الحواجز المائية أثناء بحثهن عن المياه، بوادي مقلد بمنطقة الشريس بضواحي مدينة الضالع.

وقال حيدرة لمنصة ريف اليمن في تقرير سابق: “فقدتُ ابنتي وخالتها واثنتين من بنات صهيري بسبب سقوطهن داخل حوض ماء أثناء ذهابهن للاحتطاب. مررن بطريق صخرية محاذية للحوض المائي، وحدثت الكارثة”. وبلغ عدد حالات الوفاة نتيجة الغرق أو السقوط من المنحدرات بمديرية الأزرق بمحافظة الضالع جنوب اليمن، 30 حالة في العامين 2022 و2023، وفق إحصائية لمركز سوث 24 للدراسات.

وخلال السنوات الماضية تعرض الكثير من سكان القرى الريفية للوفاة أثناء جلب المياه من الآبار المكشوفة، التي تفتقر إلى أدنى مقومات السلامة، خصوصاً النساء اللواتي يتحملن مسؤولية البحث عن الماء، وجلبه من مناطق بعيدة من آبار غير آمنة.

الحواجز المائية المهملة.. مشاريع تنموية تتحول إلى معاناة

0

خلال موسم الأمطار الغزيرة التي شهدها اليمن في الشهرين الماضيين، لم تكن السيول وحدها مصدر قلق لمزارعي وادي نخلة شمال محافظة تعز، بل الحواجز المائية المهجورة التي تحولت من مشاريع تنموية واعدة إلى خطر دائم يهدد الأرض والإنسان، فغياب الصيانة لسنوات طويلة جعلها تفقد وظيفتها الأساسية في حفظ المياه وتنظيم جريان السيول.

تراكمت كميات ضخمة من الرواسب في قاع تلك الحواجز، حتى انسدت ممراتها وتحولت إلى سدود عشوائية، تدفع السيول نحو المزارع بدلا من احتوائها، مسببة دمارا واسعا في الأراضي الزراعية.


   مواضيع مقترحة


يقول المزارع “محمد سعيد الصوفي”: “تعرضت مزارعي التي تحتوي على أشجار المانجو والموز إلى دمار واسع، خسرت معظم محاصيلي، وغطت الأتربة القادمة من الحواجز المائية التربة الخصبة بطبقات كثيفة”.

 مصدر خطر

ويضيف لـ “منصة ريف اليمن”: “كنا نأمل أن يكون الحاجز المائي شريان حياة لمزارعنا، لكنه أصبح اليوم مُهدِّداً مباشراً لأراضينا ومزارعنا، رغم الحذر من الكارثة، لكن لم يكن باليد حيلة”.

وأشار إلى أن الأراضي الزراعية في الوادي تتميز بتربة خصبة، لكن السيول طمرتها بطبقات من الأتربة المتنوعة، وجرفت ما تبقى من محاصيل زراعية، وأصبح السكان بلا مصادر دخل، كون اعتمادهم الرئيسي على تلك المزارع.

من جهته يروي المزارع “عبد العزيز الشرعبي” المأساة المتكررة ويقول: “كل عام نعيش الكارثة ذاتها؛ السيول تجرف محاصيلنا وتغمر أراضينا بالأتربة، والسبب أن الحواجز لم يتم صيانتها منذ أكثر من عقد ونصف”.

ويضيف لـ “منصة ريف اليمن”: “أصبحت السيول أقوى، والحواجز أضعف، ونحن الخاسر الأكبر، نطالب الجهات المختصة بالتدخل العاجل لتنظيف الحواجز ورفع الرواسب المتراكمة فيها؛ حتى لا تتكرر المأساة في الموسم المقبل”.

غياب الصيانة

يصف المهندس “عبدالقادر السميطي” المشهد للحواجز قائلاً: “الحواجز المائية التي أنشئت في وادي نخلة قبل نحو سبعة عشر عاما، كانت مشروعا طموحا لاحتجاز مياه السيول وتغذية المزارع، لكنها تحولت بمرور الوقت إلى خطر قائم”.


صور تظهر الحاجز المائي ممتلئاً بالأتربة والرواسب ما يجعله مصدر تهديد للمزارعين وأراضيهم (ريف اليمن)

ويؤكد السميطي خلال حديثه لـ”منصة ريف اليمن”، أنه بسبب غياب الصيانة الدورية والرقابة الفنية، تراكمت الرسوبيات داخل الحواجز حتى فقدت سعتها التخزينية، مضيفا: “بعد 17 عاما دون صيانة دورية، أصبح الحاجز أقرب إلى منشأة منهارة وظيفياً منه إلى منشأة خزنية فعّالة، وتحول لمصدر تهديد للأراضي الزراعية”.

وعن الآثار المباشرة، قال السميطي: “على المدى القريب سيؤدي الوضع إلى فقدان جزء كبير من سعة الحاجز، وزيادة فيضان السيول أثناء الأمطار الغزيرة، وطمر مساحات زراعية كبيرة، وانخفاض انتظام إمدادات الري”، لافتا إلى أن العواقب بعيدة المدى ستشمل تحول الحوض إلى مستنقع رسوبي مغلق يقلل من نفاذية التربة، وفشل منشآت الري، وتقلص الرقعة الزراعية الصالحة، وهجرة بعض المزارعين.

وبيّن أن تراكم الرواسب رغم أنه قد يحمل مواداً عضوية مفيدة مؤقتاً، إلا أن الطمر العميق يدفن الطبقة السطحية الخصبة ويغير بنية التربة؛ مما يقلل التهوية والنفاذية، ويؤدي إلى مشاكل تصريف وزيادة الملوحة، والنتيجة النهائية هي انخفاض غلة المحصول وجودته.

وحذّر السميطي من أن غياب الصيانة قد يحول السدود من أدوات إدارة مياه قيمة إلى أعباء، مؤكداً أن الصيانة الدورية ضرورية لاستمرار فاعليتها، ويرى أن الإجراءات المقترحة يجب أن تكون مرتبة بالأولوية، بدءاً من التقييم الفني الميداني، وإزالة الرواسب، وإعادة تأهيل ممرات التصريف.

تراكم الرواسب

تواجه العديد من الحواجز والسدود في اليمن مشكلة تراكم الرواسب في قاعها، وهي ظاهرة عالمية، لكنها في اليمن تتضاعف بسبب تضاريسنا المتفاوتة، وارتفاع شدة الأمطار، فالجريان السطحي الناتج عن الأمطار الغزيرة يجرف الأتربة من أعالي المرتفعات إلى بطون الأودية والحواجز؛ ما يؤدي إلى تراكم الرواسب عامًا بعد آخر.


السميطي: بعد 17 عاما من عدم الصيانة الدورية، أصبح الحاجز أقرب إلى منشأة منهارة وظيفياً منه إلى منشأة خزنية فعّالة وتحول لمصدر تهديد للأراضي الزراعية.


ويوضح الخبير البيئي “د. أنور الشاذلي” المختص في قضايا البيئة والتغيرات المناخية أن الرواسب في قاع الحواجز المائية والسدود تمثل مشكلة عالمية، إلا أنها في اليمن تشكل معضلة مضاعفة لأسباب عدة، لافتًا إلى أن التضاريس اليمنية متباينة بين عالية المرتفعات ومتوسطة الارتفاع، إضافة إلى وجود المرتفعات القريبة من السهول الواسعة المعروفة بالأودية.

وأضاف الشاذلي لـ “منصة ريف اليمن” أن الشدة المطرية العالية في اليمن، خصوصًا أثناء الهطول الكثيف، تتفاعل مع هذه التضاريس المتفاوتة لتنتج جريانًا سطحيًا قويًا جدًا، حيث تتسارع السيول عبر الممرات الضيقة محدثة ضغطًا عاليًا على الحواجز والسدود.

ولفت إلى أن هذا الأمر يجعل تراب اليمن عرضة لعمليتي الهدم في أعالي المرتفعات والرواسب في بطون الأودية والحواجز، وهي العملية التي صنفت أكثر من 65% من تربته على أنها “تراب أنديزول”، أي ترب حديثة التطور وتراكمية، غير مستقرة، وحساسة لتراكم السيول والأمطار.

وأشار الشاذلي إلى أن الأمطار الغزيرة تجرف الأتربة من أعالي الجبال إلى أسفل، لتصطدم بالحواجز التي جفت منها المياه، ما يزيد من تراكم الرواسب عامًا بعد آخر، موضحًا أن هذا التراكم له آثار كبيرة، أولها حرمان الأراضي الزراعية من المواد الخصيبة التي تحملها هذه الأتربة، والتي تساعد على تحسين الخواص الفيزيائية للتربة وإغنائها بالعناصر الطبيعية والأكاسيد.

ويشير إلى أن استمرار تراكم الرواسب يؤدي إلى انخفاض السعة التخزينية للسدود والحواجز، ويشجع على تكوين الطحالب وانتشار المكونات غير المرغوبة؛ ما يضعف البنية الفنية لهذه المشاريع. كما أن انخفاض السعة التخزينية خلال الفيضانات يزيد من مخاطر تدمير السدود، وسحب الأشجار والمدرجات الزراعية.

تداعيات اقتصادية

وبحسب الشاذلي فإن استمرار الرواسب يحرم الأراضي الزراعية من المخصبات الطبيعية ويؤثر على خصوبة التربة؛ ما يجعلها ضحلة ويعرّي جذور الأشجار المثمرة، مؤكدًا أن ما تعانيه مناطق مثل وادي نخلة لا يختلف عن محافظات أخرى، مثل خولان بصنعاء وعمران والمناطق المنحدرة على السواحل الجنوبية، حيث تشهد تدهورًا مشابهًا في الأراضي الزراعية.


مطالبات للجهات المعنية بسرعة التحرك لإنقاذ ما تبقى من الأراضي الزراعية في المنطقة (ريف اليمن)

ولفت إلى أن هذه الظاهرة ساهمت في فقدان أكثر من 30% من الأراضي الزراعية في بعض المناطق، مؤكداً أن الحلول تتطلب تدخلا عاجلا لإزالة الرواسب المتراكمة، وتأهيل الحواجز والسدود، وتنفيذ برامج صيانة دورية ومراقبة مستمرة؛ لضمان حماية التربة الزراعية، وإعادة تأهيل السعة التخزينية للمياه واستدامة الإنتاج الزراعي.

يؤكد المزارعون أن خسائرهم الزراعية انعكست مباشرة على مستوى المعيشة، إذ تقول المواطنة “فاطمة سعيد العسالي” لـ “منصة ريف اليمن”: “لقد تأثرت جميع جوانب حياتنا، لا زراعة، لا دخل ثابت، والأطفال الآن معرضون للخطر. حتى مع المساعدات، لا يمكن تعويض الخسائر بالكامل”.

وتشير إلى أن هذه الأزمة تزيد من الهجرة الريفية إلى المدن والمناطق الأخرى بحثًا عن فرص عمل؛ ما يهدد النسيج الاجتماعي في وادي نخلة، داعية الجهات المعنية إلى التحرك بشكل عاجل لإنقاذ ما تبقى من الأراضي الزراعية في المنطقة.