تُعدّ الثروة البحرية في اليمن كنزًا زاخرًا بالفرص، ومصدرًا لإمكانات هائلة، إذ يمكن للاقتصاد الأزرق المُنعش أن يكون محركًا قويًا للتنويع الاقتصادي، وخلق فرص العمل، والأمن الغذائي، لكن رحلة إطلاق هذه الإمكانات محفوفة بالمخاطر، بفعل تداعيات الحرب.
في مقال تحليلي للرئيس التنفيذي لشبكة التنمية المستدامة في كندا، طارق حسن، تناول الإمكانات الهائلة للاقتصاد الأزرق بوصفه منارة أمل لمسيرة اليمن الشاقة نحو التعافي والتنمية المستدامة.
لخّص المقال حاجة اليمن إلى ثلاث مراحل رئيسية لتحقيق هذه الإمكانات، أولاً تهيئة الظروف الأساسية اللازمة لأي تقدم مستقبلي، ثم الدخول في مرحلة التعافي والبناء، وصولاً إلى النمو المستدام.
مواضيع مقترحة
- الصيادون اليمنيون بين جحيم الحرب وتطرف المناخ
- إغلاق مصانع الأسماك.. إضرار بالصيادين أم حفاظ على الثروة؟
- موسم الجمبري.. فرصة الصياديين المحفوفة بالتحديات
حجر الأساس
في مقال نُشر في مجلة «Impakte» الكندية -ترجمته “منصة ريف اليمن”- أكد الكاتب طارق حسن على الأهمية القصوى لتضافر كل الجهود الوطنية والدولية لتحقيق اتفاق سلام شامل، وتسهيل قيام حكومة موحدة وشرعية وفعّالة، تكون قادرة على ممارسة سيطرة كاملة وغير منازع عليها على أراضيها. فبدون إرساء هذا الاستقرار الأساسي، ستبقى الرؤى الكبرى للاستثمار في الاقتصاد الأزرق والتنمية المستدامة مجرد ضرب من الخيال.
يتحدث حسن عن مواصلة تلبية الاحتياجات العاجلة والضرورية للشعب اليمني، من الغذاء والماء والمأوى والرعاية الصحية وزيادتها بشكل كبير. إن وجود شعب مستقر وصحي وآمن ليس مجرد ضرورة إنسانية، بل هو رأس المال البشري الذي لا غنى عنه لأي نشاط اقتصادي وتنمية مستقبلية.

كما تطرق إلى حماية المنافذ البحرية إذ يُعدّ التعاون الفعّال مع الشركاء الدوليين أمرًا بالغ الأهمية لتأمين المياه الإقليمية اليمنية وممرات الشحن الحيوية، وخاصةً في البحر الأحمر. وهذا يستلزم اتخاذ تدابير صارمة لمكافحة القرصنة والصيد غير المشروع وغيرها من التهديدات البحرية. يُعدّ هذا الأمن بالغ الأهمية ليس فقط لحماية الموارد البحرية الحالية، بل أيضًا لتمكين التجارة المستقبلية وجذب الاستثمارات المترددة.
وأشار إلى رسم خريطة الأضرار ورسم المسار يُعدّ إجراء تقييم شامل ومنهجي للبنية التحتية الساحلية المتضررة من الحرب، سواء الموانئ ومرافق الصيد أو النظم البيئية البحرية أمرًا بالغ الأهمية. وفي الوقت نفسه، يجب البدء بالتخطيط الأولي لتنمية الاقتصاد الأزرق، وتحديد المجالات ذات الأولوية والمشاريع “السريعة” المحتملة التي يمكن إطلاقها بمجرد ترسيخ الاستقرار. وهذا يتطلب فهم ما تبقى وما يحتاج إلى إعادة بناء.
ولفت إلى أهمية دعم الصيادين، يجب تقديم دعم فوري ومُوجَّه لمجتمعات الصيد الحرفي، التي غالبًا ما تكون الأكثر ضعفًا. يشمل ذلك المساعدة في إصلاح القوارب ومعدات الصيد التالفة، وضمان وصول آمن ومنظم إلى مناطق الصيد التقليدية. وفي الوقت نفسه، ينبغي أن تُوجِّه الجهود التعليمية بلطف نحو ممارسات صيد مستدامة، مما يمنع المزيد من استنزاف الموارد البحرية الثمينة.
التعافي والبناء
لا يمكن أن تبدأ هذه المرحلة بشكل واقعي إلا بعد تحقيق قدر معقول من الاستقرار السياسي والأمني.
وينتقل التركيز بعد ذلك من البقاء الفوري إلى إعادة البناء المتعمد، وتعزيز الحوكمة، وتطوير القدرات البشرية والمؤسسية الأساسية لإدارة الموارد البحرية المستدامة بشكل منهجي.
من شأن تطوير اقتصاد أزرق نابض بالحياة أن يُحدث طفرة في خلق فرص عمل جديدة بدءًا من الصيادين وصولًا إلى عمّال الموانئ والعاملين في قطاع السياحة
يحدد حسن محاور رئيسية لإنجاح المرحلة أولها بناء الشرايين البحرية إعطاء الأولوية لإعادة بناء وتحديث مرافق الموانئ الرئيسية مثل عدن والحديدة والمكلا، وموانئ الصيد، ومصانع تجهيز الأسماك، وشبكات النقل المرتبطة بها. يُعد هذا الاستثمار بالغ الأهمية لتسهيل التجارة، وتحسين جودة وسلسلة قيمة المنتجات السمكية، وتهيئة بيئة مواتية لجذب المزيد من الاستثمارات.
صياغة رؤية موحدة للمحيطات: وضع خطط مكانية بحرية شاملة وتطبيقها بدقة. هذه ليست مجرد خرائط، بل هي مخططات استراتيجية لتوجيه الاستخدام المستدام للمناطق البحرية، وتخصيص مساحات بشكل منهجي لأنشطة متنوعة مثل الصيد، والشحن، ومناطق الحفظ، ومواقع الاستزراع المائي المحتملة. تتطلب هذه العملية تنسيقًا قويًا بين مختلف الجهات الحكومية والسلطات المحلية وجميع الجهات المعنية.
تمكين الجهات الراعية: الاستثمار بشكل كبير في برامج التدريب والتعليم وبناء القدرات للجهات الحكومية المسؤولة عن إدارة مصائد الأسماك، والأمن البحري، وحماية البيئة، وتخطيط المناطق الساحلية. ويشمل ذلك تطوير الخبرات في جمع البيانات، والرصد العلمي، وإنفاذ اللوائح، ووضع السياسات لضمان حوكمة فعّالة.
إدارة المخزون السمكي: تطبيق خطط إدارة مصائد الأسماك القائمة على أسس علمية لمنع الصيد الجائر، وحماية الموائل البحرية الحيوية، وضمان استمرارية المخزون السمكي وسلامته على المدى الطويل. ويشمل ذلك وضع حدود واضحة لكميات الصيد، وتطبيق لوائح لمكافحة الصيد غير القانوني، ومكافحة ممارسات الصيد غير القانوني وغير المبلغ عنه وغير المنظم التي تضر بالنظم البيئية البحرية وسبل العيش المحلية.
تنمية البحار: استكشاف مشاريع تربية الأحياء المائية المستدامة والاستثمار فيها استراتيجيًا، مع توفير الدعم الفني والحوافز المالية للمجتمعات المحلية ورواد الأعمال. لن يقتصر هذا على زيادة إنتاج الغذاء فحسب، بل سيوفر أيضًا سبل عيش بديلة، مما يُخفف الضغط على مخزون الأسماك البرية.
النمو المستدام
تركز هذه المرحلة الطويلة الأمد على إطلاق العنان للإمكانات الكاملة للاقتصاد الأزرق، وتعزيز الابتكار، والتنويع في القطاعات ذات القيمة الأعلى من خلال التركيز على التنمية المستدامة في خمسة مسارات مختلفة كالتالي:
1. إنشاء مركز بحري حديث
تحديث وتوسيع البنية التحتية للموانئ اليمنية بالكامل، وتحويلها إلى مركز إقليمي تنافسي للشحن والخدمات اللوجستية والتجارة. ويشمل ذلك تطوير محطات متخصصة، وتبسيط الإجراءات الجمركية، والتكامل مع سلاسل التوريد العالمية.
2. الصناعات ذات القيمة المضافة
تجاوز التصدير التقليدي للأسماك إلى تطوير صناعة نابضة بالحياة لتجهيز المأكولات البحرية وزيادة قيمتها المضافة. سيخلق هذا فرص عمل تتطلب مهارات أعلى، ويزيد عائدات التصدير، ويستحوذ على حصة أكبر من سوق المأكولات البحرية العالمية.
من خلال تطوير قطاعات مصائد الأسماك وتربية الأحياء المائية والتجارة البحرية، يمكن لليمن بناء أساس اقتصادي أكثر مرونة واستدامة
3. سحر الساحل كجزء من الاستثمار
مع ترسيخ الأمن والاستقرار يحتاج اليمنيين للعمل على تطوير قطاع سياحي مستدام يُبرز التراث الثقافي والطبيعي الفريد لليمن. يشمل ذلك المناطق البيئية، ومراكز الغوص، والجولات الثقافية التي تُقدم تجارب أصيلة مع الحفاظ على البيئة وإفادة المجتمعات المحلية.
4. إستخدام طاقة الرياح والأمواج
استكشاف إمكانات الطاقة المتجددة البحرية، مثل طاقة الرياح والمد والجزر. لن يوفر هذا مصدر طاقة نظيفًا ومستدامًا للمجتمعات الساحلية فحسب، بل سيضع اليمن أيضًا في صدارة التحول إلى الطاقة الخضراء.
5. التركيز على ثقافة الابتكار
إنشاء مراكز بحث وتطوير بحري لتعزيز الابتكار، ومراقبة صحة النظم البيئية البحرية، وتطوير قطاعات جديدة ومستدامة للاقتصاد الأزرق. سيضمنّ ذلك بقاء الاقتصاد الأزرق اليمني مرنًا ومتكيّفًا، وفي طليعة التقدم العلمي والتكنولوجي.
إجمالاً فإن الاقتصاد الأزرق أكثر من مجرد استراتيجية اقتصادية؛ إنه منارة أمل في أرضٍ مزقتها الصراعات، ورؤية لمستقبل لا يكون فيه البحر مصدرًا للانقسام وانعدام الأمن، بل نبعًا للسلام والازدهار والصمود. ستكون الرحلة طويلة وشاقة، والتحديات هائلة.































