تاريخ الأزمة المائية في اليمن

فؤاد الصيادي
م. فؤاد الصيادي
تاريخ الأزمة المائية في اليمن

يشير وجود العديد من السدود الصغيرة لفترة ما قبل الإسلام في جنوب غرب شبه الجزيرة العربية إلى أن معدلات هطول الأمطار كانت أفضل في الماضي. انتشار السدود والبرك الأثرية في المرتفعات اليمنية يشير إلى أن الظروف المناخية الرطبة كانت مناسبة منذ 10000 قبل الميلاد حتى 6800 قبل الميلاد، وربما إلى وقت متأخر حتى 3850 قبل الميلاد. تغيرت الأوضاع بين الفترة 1000 إلى 1270 ميلادية إلى مناخ جاف نسبياً في منطقة القرن الإفريقي وما جاورها، ثم عادت الأمطار مرة أخرى لتمتد فترتها من 1270 إلى 1850 ميلادية.

هناك نقص بيانات فيما يخص الفترة 1850-1950، لكن خمسينيات القرن العشرين تميزت بندرة في الأمطار وصولاً إلى الجفاف الشديد الذي أصاب اليمن في الفترة بين 1967 و1973. نتج عن ذلك هجرة الكثير من الأسر من مناطق المرتفعات إلى الوديان للبحث عن مياه للشرب وإنتاج الغذاء. نتيجة لذلك، اُهملت المدرجات وحدثت تعرية كبيرة للتربة.

في اليمن، لا توجد أنهار دائمة، لكن هناك عدد من الوديان الكبيرة التي تجري فيها سيول موسمية. هذه الوديان تنقسم من حيث المصب إلى ثلاثة أقسام: أودية تصب في البحر الأحمر، أودية تصب في البحر العربي، وأودية تصب في صحراء الربع الخالي. تم استغلال مياه الوديان تاريخياً عبر منشآت الري السيلي القديمة والحديثة.

رغم المشكلات التي يعانيها اليمن اليوم والمتمثلة في شحة مصادر المياه وضعف إدارة الموارد الطبيعية، إلا أن الدراسات والأبحاث تشير إلى أن “الري في اليمن القديم يعود تأريخه إلى الألفية الثانية قبل الميلاد”. بحسب الدراسة الأثرية لحوض مأرب والتي اعتمدت على قياس سمك التربة في الأراضي القريبة من السد والتي تشكلت نتيجة للري، ثبت أن الري في الحوض استمر 2500 عام. ما كان ذلك ليستمر لولا التقدم الكبير الذي كان اليمنيون قد حققوه في مجال المعرفة بالمناخ وعلوم الزراعة وتقنيات الري، ولولا وجود دولة مركزية قوية قامت بإنشاء هياكل الري وتأسيس أنظمة إدارة وتشغيل هذه المنشآت فنياً وإدارياً بما في ذلك أنظمة تحصيص وتوزيع المياه.

انقسم الري إلى عدة أنواع وهي: الري السيلي من الوادي مباشرة، الري من السدود بعد خزن المياه فيها ثم توزيعها عبر الشبكات، وأخيراً الري من الينابيع المستمرة الجريان. لم يعتمد اليمنيون على الري من الآبار إلا من بداية ستينيات القرن العشرين. كان الناس يحفرون الآبار باستخدام العمالة اليدوية والأدوات البسيطة حتى يصلوا إلى كمية كافية من المياه.

كانت الآبار القريبة من الساحل سطحية جداً، مما يعكس أن مستوى الماء الجوفي قريب جداً. استمر هذا الأسلوب من الحفر والذي لا يشكل خطورة على المياه الجوفية بحكم سهولة وإمكانية تجديد المياه فيها سنوياً عند نزول الأمطار، لكن هذه الآبار كانت تجف تماماً في مواسم ندرة الأمطار.

في حوض صنعاء، والذي يُعتبر حالياً هو الأسوأ، ظلت أعماق الآبار بعشرات الأمتار حتى وصل العمق في عام 1969 إلى 50 مترًا. السبب في ذلك كان دخول تقنية حفر الآبار (الحفارات) في ستينات القرن العشرين، واستخدامها لحفر الآبار الأنبوبية بدلاً من الآبار اليدوية السطحية.

توسعت مساحة الأراضي المعتمدة على الري من الآبار على حساب الأراضي التي تروى من الأمطار بشكل مباشر حتى بلغت 25,000 هكتار عام 1975 في منطقة تهامة بالحديدة، وبلغت 10,000 هكتار فقط في محافظات المرتفعات: صنعاء، ذمار، إب، وتعز، ليشكل إجمالي المساحات المروية من الآبار على مستوى اليمن الشمالي بالكامل آنذاك 35,000 هكتار.

خلال السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، تبنت الحكومة سياسات قصيرة النظر تشجع على استخدام المياه الجوفية لزيادة الإنتاج الزراعي، ووفرت قروض ميسرة عبر بنك التسليف التعاوني الزراعي لدعم شراء مضخات المياه ومستلزماتها وشراء معدات الحراثة الكبيرة لاستصلاح مساحات إضافية من الأراضي.

دعمت الحكومة أيضًا أسعار الديزل، فحتى منتصف التسعينات لم يتجاوز سعر الديزل في اليمن ربع السعر الذي يباع به عالميًا. هذا يعني أنه كان يباع للمزارع بربع قيمته السوقية.

توفر مضخات المياه ومعدات حراثة الأرض بقروض ميسرة، إضافة إلى دعم أسعار الديزل، أدى إلى توسع زراعة القات بشكل كبير. القات، الذي يتطلب ريًا كثيفًا، أصبح المحصول الرئيسي في اليمن، حيث استحوذ على نسبة كبيرة من الأراضي الزراعية وموارد المياه. هذا التوسع في زراعة القات استنزف الموارد المائية بشكل كبير، حيث أن القات يستهلك كميات هائلة من المياه مقارنة بالمحاصيل التقليدية الأخرى.

الوضع الحالي للمياه في اليمن

يعتمد اليمن بشكل رئيسي على المياه الجوفية لتلبية احتياجاته من المياه، حيث تقدر نسبة الاعتماد على المياه الجوفية بنسبة 90%. لكن مع تزايد عدد السكان وزيادة التوسع الزراعي واستخدام المياه الجوفية بشكل غير مستدام، بدأت مستويات المياه الجوفية في الانخفاض بشكل حاد. في بعض المناطق، انخفض مستوى المياه الجوفية بمعدل يتراوح بين 1 إلى 7 أمتار سنويًا.

بالإضافة إلى ذلك، تعاني اليمن من بنية تحتية مائية متدهورة، حيث أن معظم شبكات توزيع المياه قديمة وغير فعالة، مما يؤدي إلى فقدان كميات كبيرة من المياه بسبب التسربات. كما أن هناك نقصًا في محطات معالجة المياه، مما يؤدي إلى الاعتماد على المياه الملوثة في بعض الأحيان.

التحديات المستقبلية والحلول الممكنة

تواجه اليمن تحديات كبيرة فيما يتعلق بإدارة مواردها المائية، ومن الضروري اتخاذ إجراءات عاجلة ومستدامة لمواجهة الأزمة المائية. من بين الحلول الممكنة:

  1. تحسين إدارة الموارد المائية: يجب تحسين إدارة الموارد المائية من خلال تعزيز القدرات المؤسسية والفنية، وتحسين نظم توزيع المياه، وتشجيع استخدام تقنيات الري الحديثة التي توفر المياه.
  2. تشجيع زراعة المحاصيل التي تستهلك مياه أقل: يجب تشجيع المزارعين على زراعة المحاصيل التي تتطلب كميات أقل من المياه مقارنة بالقات، وذلك من خلال تقديم حوافز ودعم مالي وفني.
  3. تحسين البنية التحتية للمياه: يجب تحسين وتحديث شبكات توزيع المياه ومعالجة المياه لضمان توفير المياه النظيفة وتقليل الفاقد.
  4. زيادة الوعي العام: يجب زيادة الوعي العام حول أهمية الحفاظ على المياه وترشيد استخدامها، من خلال الحملات التوعوية والتعليمية.
  5. تعزيز التعاون الدولي: يمكن لليمن الاستفادة من التعاون الدولي للحصول على الدعم المالي والفني لمشاريع إدارة المياه.
  6. استغلال مصادر المياه غير التقليدية: مثل تحلية مياه البحر، والاستفادة من مياه الأمطار والسيول من خلال بناء المزيد من السدود والخزانات.

في الختام، يتطلب حل أزمة المياه في اليمن جهودًا مشتركة من الحكومة والمجتمع الدولي والمواطنين. الاستثمار في إدارة الموارد المائية بشكل مستدام سيكون له تأثير كبير على تحسين الأوضاع المعيشية والاقتصادية في البلاد.

شارك الموضوع عبر:
المقالة التالية
ليالي العيد في القرية: ذكريات ما قبل الكهرباء
المقالة السابقة
تغيرات في الاقتصاد الريفي

كتابات

حالة الطقس

+20
°
C
H: +22°
L: +14°
صنعاء‎
السبت, 27 كانون الثاني
أنظر إلى التنبؤ لسبعة أيام
الأحدالاثنينالثلاثاءالأربعاءالخميسالجمعة
+23°+23°+23°+22°+23°+22°
+14°+14°+14°+14°+14°+14°
شاهد أيضا