في حادثة مأساوية جديدة تسببت الانهيارات الصخرية بوفاة أسرة كاملة مكوّنة من سبعة أشخاص، إثر إنهيار أجزاء من جبل مطلّ على منزلها في قرية وادي القُبي عزلة بني الخياط بمديرية الطويلة التابعة لمحافظة المحويت شمال اليمن. وتذكر هذه الحادثة بسلسلة من الإنهيارات حدثت في عدد من المحافظات.
الحادثة الأليمة التي حلّت على أسرة المواطن محمد حزام البرص الذي توفى مع 6 من أفراد أسرته كلهم أطفال، بالإضافة إلى إصابة ثلاثة آخرين، صباح الحادي عشر من نوفمبر الجاري، تدق ناقوس الخطر لدى الجهات المختصة للقيام بواجباتها للحدّ من آثار تلك الانهيارات واتخاذ إجراءات ما قبل حلول الكارثة.
المحويت.. قصة إنهيار صخري
يقول زايد البرص (38 عاما) وهو أحد أقارب المتوفى: “الأسرة كانت تعيش في المنزل منذ سنوات، وقد ورثت المنزل عن الأجداد الذين عاشوا فيه، لكن الأمطار التي تساقطت بشدة على المحافظة كان لها دور في ضعف الصخور، ما أدى إلى انهيارها في النهاية وحدوث الكارثة”.
مواضيع ذات صلة
السيول والانهيارات تقتل المواطنين في المناطق الجبلية
“الخشابي”.. قرية في إب يهدّد سكانها الموت بمنازلهم
سُكان المنازل القديمة.. معاناة صامتة بسبب الأمطار
يضيف زايد لمنصة ريف اليمن قائلا: “لم نكن ندرك عواقب هذه الحادثة رغم التحذيرات من قبل الدفاع المدني، ولكن للأسف الشديد حصلت المأساة، فقدنا أخا عزيزا وأولاده، وهم علي 7 سنوات، ردفان 3 سنوات، دعاء 10 سنوات، رحمة 8 سنوات، وَعد 6 سنوات، هنادي 14 سنة”.
وأردف: “عاش محمد حزام مع أسرته المكوّنة من 14 نسمة في منزل يقبع تحت الصخر مباشرة، واتخذ من الصخر سقفًا للمنزل المكون من 4 طوابق، ومجموعة من الغُرف المنفصلة، واستغلّ التجاويف الموجودة داخل الكهف غُرَفًا مستحدِثًا مساكن جديدة، كلها أصبحت رُكاما، وما زال الخطر يحدق بالمناطق السفلى القريبة من مكان الانهيار”.
شهدت اليمن، منذ مطلع أغسطس وحتى نهاية أكتوبر المنصرم، أمطارا وسيولا غير مألوفة دمّرت منازل عدة وجرفت أراض زراعية، وتسبّبت بوفاة وإصابة العشرات، خصوصا في محافظات المحويت والحديدة وحجة وذمار.
ما يخشاه بقية سكان القرية هي التهديدات المتتالية التي تتربص بهم؛ إذ ما زال الوضع يشكل خطرًا كبيرا على السكان، وهناك خمسة منازل مهدّدة بالخطر الأكبر، وفي كل منزل يتواجد من 10 إلى 15 نسمة، وقد تُباد بالكامل إذا ما سقط الجزء المعلّق من الجبل، بحسب حديث زايد البرص.
مدير عام مديرية الطويلة، التي حدثت فيها الحادثة، راشد مروان قال: “إن تحذيرات متتالية صدرت للأهالي تنبّه من خطورة إمكانية حدوث انهيارات، لكن لم تتلقَ استجابة، حتى حلّت الكارثة، وقضت أسرة بأكملها في حادثة لم يتخيلها أحد”.
علاقة التغيرات المناخية
وفي حديثه لمنصة ريف اليمن، دعا مروان المواطنين إلى الابتعاد عن المناطق المهدّدة بالانهيارات، وجعل هذه الحادثة عِبرة كافية شافية، داعيا الجهات المختصة إلى مواصلة عملها وإزالة الأضرار التي حدثت وعمل التدابير للمناطق التي تقع في مناطق الخطر.
قبل حلول الكارثة بأشهر، حدث انهيار صخري في قرية مجاورة، ولم تُسجل أي خسائر بشرية، وبدلا من أخذ الدرس واتخاذ إجراءات استباقية، ظلت أسرة البرص في المكان نفسه، وأقامت وليمة غداء ابتهالا لله لتجنبها أخطار الانهيار الذي كان متوقعا في أي لحظة، ولم يُواجَه الأمر بحلول واقعية.
الدكتور عارف الجبلي المختص الجيولوجي في هيئة المساحة قال: “إن فِرقا نزلت للمنطقة لتقييمها، وبفحص سطح الكتلة للصخور التي سقطت لم يتبين أنها قديمة، بل حديثة وقد تأثرت بعوامل التعرية، ومن ملاحظة المنحدر بعد الانهيار، تبين أن الشقوق حديثة ما عدا في بعض المناطق”.
وقال الجبلي لمنصة ريف اليمن إن المنطقة التي حدثت فيها الكارثة تقع بين مجريين مائيين، وعندما تأتي الأمطار من الأعلى تمرّ عبر المجريين الواقعين بين الكتلة الصخرية التي سقطت وبين المبنى الذي يقع بالكامل تحت الكتلة الصخرية، وبسببه بدأت تتأثر معادن الليمونات، وتتفاعل مع المياه وشكلت خطوطا رأسية وأفقية حتى سقطت.
ويلفت إلى جوانب أخرى من تفاصيل الحادثة بقوله: “الجاذبية لعبت دورا كبيرا والتغيرات المناخية أيضا، فقد تشبعت المنحدرات بالمياه. ومع انقطاع المياه، بدأ الصخر يجفّ مع انكماش وانقباض لجزيئات المنحدر، وحدث ما لا تُحمد عقباه، وسقط جزء من الكهف ثم توالى سقوط الصخور من أعلى، وأدّى ذلك إلى تدمير المنزل بشكل شبه كلّي على رؤوس ساكنيه”.
قنبلة موقوتة
ما حصل في قرية وادي القُبي هو نفسه ما قد يحصل في قرية الظفير المقابلة، فهناك تجويفات يستعملها الأهالي للمواشي والسكن، وجزء كبير منها كانت مباني، والتهديدات مستمرة فيها، وتعتبر قنبلة موقوتة، يمكن أن تحدث بأي وقت، كما يقول الدكتور عارف الجبلي.
ويتصف سُمك الطبقات الصخرية بالضعف، فهي بين متر إلى متر ونصف، ولذا تتأثر بعوامل التعرية بشكل مباشر وسريع، في حين أن الأهالي يجرفون هذه الطبقات الضعيفة، إضافة إلى عوامل التعرية الرياح والأمطار والمياه، مما يجعل الصخور والمياه تنزل عليها محدثةً الأثر.
كثير من المناطق في اليمن مهدِّدة لحياة الإنسان وكلها معرضة لكوارث جيولوجية مرتقبة الحدوث، والمؤسف جدًا هي تلك الخرافات التي يعتقد أبناء المناطق المهدّدة بأنها تقيهم من خطر السقوط، وما يحصل في بعض المناطق، ومنها الحيوانات التي تُذبح فداءً لتفادي السقوط فتسقط الخرافة ومن يقيها.
ويدعو الدكتور الجبلي الجهات المختصة للبحث عن حلول ممكنة لرفع الضرر، وتجنب الكارثة قبل حدوثها، خاصة في المناطق الأكثر تضررا، ويستدرك قائلا: “في ظل الظروف الحالية الوضع صعب، والمناطق المهددة كثيرة جدًا، والأمر بحاجة لدعم لتنفيذ ذلك”.
أما الدكتور علي الزيكم، الذي يشغل منصب أمين عام المحافظة، فقد دعا الجهات المختصة للعمل وإزالة الصخور المهدّدة لحياة السكان، لافتا إلى أن إخلاء المساكن فيه صعوبة كبيرة، مقترحا مبادرة الجهات المختصة بالحلول بالتعاون مع المواطنين والعمل بروح الفريق الواحد لإزالة الأخطار المحدقة على كل المناطق المهدّدة.
وطالب بعمل دراسات ينفّذها فريق متخصّص من الجيولوجيين والدفاع المدني والوحدة الهندسية ودراسة الأماكن التي تحتاج إلى إزالة ومعالجات كاملة، ثم الرفع إلى الجهات المركزية للبدء بعمل حلول ممكنة لها تجنب المواطنين كوارث مشابهة لما حدث لأسرة الفقيد البرص.