أطفال الريف في اليمن.. أحلام مُثقلة بأعباء الكبار

29 % من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 12 و 14 منخرطون في العمل

أطفال الريف في اليمن.. أحلام مُثقلة بأعباء الكبار

29 % من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 12 و 14 منخرطون في العمل

في ظاهرة أصبحت جزءًا من نمط الحياة بالأرياف اليمنية نتيجة للظروف الاقتصادية القاسية، لا يكاد الطفل يُكمل عامه العاشر حتى يتحول إلى عامل صغير، يسابق الزمن تحت وطأة العمل الشاق، من أجل البقاء، تركاً أحلامه وطفولته خلف ظهره، في مشهد يعكس واقع الأطفال الصعب في بلاد تشهد حربا مستمرة منذ نحو عشر سنوات.

ويعتمد سكان الأرياف اليمنية بشكل كبير على الأطفال في أداء الأعمال الشاقة منذ سن مبكرة، حيث يُكلَّفون بأدوار ومسؤوليات تفوق أعمارهم، وتُثقل كاهلهم، مما يحمل تأثيرات عميقة عليهم، جسديًا ونفسيًا واجتماعيًا، وينعكس سلبًا على حياتهم المستقبلية.

أطفال الريف في اليمن

وتتنوع الأعباء التي يتحملها أطفال القرى منذ صغرهم، كجلب المياه، ورعاية الماشية، وحمل الحطب، والمشاركة في الأعمال الزراعية، وعمليات البيع والشراء، وحمل الأثقال، إلى جانب محاولاتهم الحفاظ على استمرارية تعليمهم رغم المشقة.

وفقًا للكاتبة المتخصصة في صحافة الطفل زهور السعيد، فإن هذه المسؤوليات تؤثر على شخصية الطفل بشكل مباشر، فتبدو جديتهم أكبر من أعمارهم. وتقول السعيد لمنصة ريف اليمن:”يعيش أطفال القرى حياة الكبار، مثقلين بالمهام والهموم، مما يقلل فرصتهم في التفاعل الطبيعي مع أقرانهم، ويزيد من احتمالية ميلهم للعزلة أو حتى العنف بسبب القسوة البيئية المحيطة بهم”.


      مواضيع ذات صلة


وتوضح أن قلة التعليم والاختلاط الاجتماعي تؤثر على طريقة تفكير الأطفال، إذ تقل لديهم مصادر المعرفة بسبب عدم تلقيهم التعليم الكافي وقد تؤدي الضغوط التي تواجههم إلى أضرار صحية ونفسية تجعلهم أكثر عرضة للاستغلال، مثل تهريبهم عبر الحدود بحجة العمل، في ظل غياب الحماية الأسرية والمجتمعية.

ويُعد عواد خالد، شاب في السابعة عشرة من عمره، انموذجًا للطفولة التي كافحت لتحقيق أحلامها، حيث نشأ في قرية نائية بمحافظة تعز، وكان يقطع يوميًا سبعة كيلومترات للوصول إلى مدرسته الابتدائية، ويتغيب يومين بسبب العمل والتزاماته.

عندما أكمل عواد الصف السادس في سن الثانية عشرة، انتقل إلى المدينة لمواصلة دراسته والبحث عن عمل في ذات الوقت، حتى وصل إلى الصف العاشر. أما زملاؤه، فلم يتمكنوا من مواصلة تعليمهم؛ حيث سافر بعضهم إلى محافظات أخرى أو اغتربوا بحثاً عن مستقبل أفضل لهم ولأسرهم.

يعمل عواد حالياً في محل للأحذية بالعاصمة صنعاء، يبدأ من الثامنة صباحا، وحتى العاشرة ليلاً، ورغم ذلك، مازال مستمر في المطالعة والتعلم لتحقيق حلمه بأن يصبح صحفياً أو مراسلا لاحد القنوات الاخبارية.

أطفال الريف في اليمن.. أحلام مُثقلة بأعباء الكبار
طفل يمني يبيع فلفل أخضر في عربة يدوية بأحد شوارع العاصمة صنعاء (ريف اليمن/عبدالله الاثوري)

وأظهر مسح عنقودي متعدد المؤشرات أجراه الجهاز المركزي للإحصاء بالشراكة مع منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسف” في أكتوبر/تشرين الأول 2023، أن 29% من أطفال اليمن منخرطون في العمل، وتتراوح أعمارهم بين 12 و14 عاماً. ووفق تقرير أصدرته منظمة العمل الدولية في يونيو/حزيران 2021، احتل اليمن المركز الأول عربياً لعمل الأطفال بنسبة 13.6%.

أعباء شاقة مخاطر نفسية

وتُحذّر فاتن الضياني، الأخصائية النفسية الإكلينيكية، من أن الأطفال الذين يُجبرون على تحمل ضغوط مبكرة دون دعم مناسب يواجهون احتمالات الإصابة باضطرابات نفسية مثل القلق، ويُمكن للأدوية الموصوفة للمُعالَجة أن تسبب لهم الإدمان.

وتضيف لمنصة ريف اليمن، “: الأطفال الذين يعملون في ظروف قاسية دون حماية قد يكتسبون بعض المرونة في مواجهة التحديات، لكن ذلك يأتي على حساب صحتهم النفسية والجسدية”.

ومع ذلك؛ تؤكد الضياني أنه في حال اضطروا للخروج للعمل بسبب ظروف الحياة، وبدون وجود أسرة داعمة، قد يتعرضون لخطر الاستغلال أو يواجهون شخصيات مضطربة، إضافة إلى احتمالية التعرض للإدمان، والفرق الأساسي يظهر في السمات التي يكتسبها هؤلاء الأفراد نتيجة لتلك الظروف.

بالإضافة للأضرار الصحية والنفسية والاجتماعية، تتسبب بيئة الأعمال في آثار جسدية خطيرة على الأطفال، مثل الإصابات الناجمة عن حمل الأوزان الثقيلة والتعرض المستمر لأشعة الشمس الحارقة.

ويظهر ذلك في حالات واضحة، بين الفتيات اللواتي يتحملن أعباء شاقة، يليها الزواج المبكر والإنجاب في سن صغيرة، ما يؤدي إلى مشكلات صحية طويلة الأمد.

ويشير ذي يزن القيسي،(40 عاما)،  إلى أن تدهور الظروف الاقتصادية والصحية جعل الكثير من العائلات تعتمد على أطفالها لتحمل أعباء الحياة، لكسب المال في أجواء قاسية، من برد قارس إلى شمس حارقة، دون حماية كافية أو ملابس مناسبة”.

أطفال الريف في اليمن.. أحلام مُثقلة بأعباء الكبار
تتنوع الأعباء التي يتحملها أطفال القرى كجلب المياه، ورعاية الماشية، وحمل الحطب (ريف اليمن/ عبدالله الأثوري)

ونوه خلال حديثه لمنصة ريف أن “بعض أولياء الأمور تدهورت صحتهم خلال السنوات الماضية، وأصبحوا يعانون من الهزال والإعاقات، سواء النفسية أو البدنية، وأمراض أخرى، وبسبب انقطاع الرواتب اضطروا لإلقاء مسؤوليات كسب المال وأعباء الحياة على عاتق أطفالهم في سن مبكرة”.

طفولة مسلوبة بلا تعليم

ومن أجل البحث عن العمل لتأمين لقمة العيش، يُجبر ملايين الأطفال على ترك التعليم والخروج إلى سوق العمل، ومنذ اندلاع الحرب تراجعت العملية التعليمية بشكل كبير، ووصلت إلى أدنى مستوى لها في تاريخ اليمن، ويُقدّر أن 4.5 مليون طفل خارج المدرسة، في حين يعاني 48% من التقزم، وهذا يحول دون نموهم بدنيا ومعرفيا.

ويصف بيتر هوكينز، ممثل الأمم المتحدة في اليمن، هذا الوضع بأنه كارثي إذ يقول: “غياب التعليم لن يؤثر فقط على الأجيال الحالية، بل سيعوق تنمية البلاد مستقبلاً. لا يمكننا تجاهل التكلفة البشرية عندما يُحرم الأطفال من حقهم الأساسي في التعليم وخاصة في مجال القراءة والكتابة والحساب”.

وأضاف هوكينز في حوار صحفي سابق:” أعتقد أن التأثير الأكبر هو على هؤلاء الأطفال أنفسهم، لقد تم المساس بحقهم في التعليم. اليونيسف واليونسكو والمنظمات الأخرى، جنبا إلى جنب مع وزاة التعليم في جميع أنحاء البلاد، تحاول بذل قصارى جهدها. لكنه لا يكفي”.

ويرى متخصصون أن الحد من ظاهرة عمالة الاطفال، تكمن في عمل توعية مجتمعية حول أهمية التعليم ومخاطر زيادة الأعباء على الأطفال، وتوفير المدارس وتحسين جودة التعليم في المناطق الريفية، فضلا عن تقديم دعم صحي ونفسي للأطفال العاملين لمساعدتهم على التغلب على الآثار السلبية للعمل المبكر.

وفي ظل التحديات الهائلة التي تواجه الأطفال ابتداًء من حرمان التعليم وصولا إلى تحمل أعباء شاقة تفوق قدراتهم تصبح الحاجة إلى تكاتف الجهود المحلية والدولية أمرًا ملحًا لضمان مستقبل أفضل لأجيال لا تزال تحمل على أكتافها عبء الماضي والحاضر.


*صورة الغلاف: يونيسف/القليعة

شارك الموضوع عبر:
الكاتب

مواضيع مقترحة: