يسابق الطفل أسامه (14 سنةً) شروق الشمس كل صباح، ويقطع مسافات طويلة مشياً على الأقدام للوصول للمحل التجاري الذي يعمل فيه، بسوق النجد الأحمر بمحافظة إب (وسط اليمن) من أجل تأمين الغذاء لأفراد عائلته على غرار مئات الآلاف من الأطفال الذين أجبرتهم الظروف للخروج إلى أسواق العمل.
خلال السنوات الماضية، أجبرت الحرب والظروف المعيشية القاسية مئات الآلاف من الأطفال بالمناطق الريفية، على ترك تعليمهم والالتحاق بأسواق العمل وممارسة المهن الشاقة، في ظل أزمة إنسانية جراء الحرب المستمرة في البلاد.
وفي اليوم العالمي للطفل الذي يصادف 20 نوفمبر/ تشرين الثاني كل عام، لا يزال أطفال اليمن يعيشون حياة البؤس، إذ تتفاقم معاناتهم بشكلٍ مستمر فهم يمارسون الأعمال الشاقة في الأرياف، مثل جلب المياه والاحتطاب في حين أن البعض منهم يضطرون للسفر إلى المدن بحثاً عن العمل لمساندة أهاليهم وتغطية نفقاتهم اليومية.
مسؤولية مبكرة
وأجبرت ظروف الحرب القاسية غالبية الأطفال والشباب في الأرياف، لتحمل أعباء الحياة اليومية والمساهمة في تأمين لقمة العيش لأفراد عائلاتهم خصوصاً الذين فقدوا آبائهم أو إخوانهم في جبهات القتال بالإضافة إلى أطفال الموظفين الحكوميين المنقطعة رواتبهم منذ سبع سنوات.
وعقب وفاة والده بأزمة قلبية أواخر عام 2022 أصبح أسامة مسؤولاً عن إعالة أفراد أسرته فهو يعمل في متجر لبيع المواد الغذائية، ويتقاضى شهرياً نحو 50 ألف ريال يمني – أي ما يعادل نحو 100 دولار أمريكي – وهي بالكاد تغطي الاحتياجات الضرورية للأسرة المكونة من سبعة أشخاص.
يقول أسامه لمنصة “ريف اليمن“: “تحملت المسؤولية بسن مبكر لقد كرهت الحياة، أعيش في الجحيم، والأطفال يلعبون ويمرحون بينما نحن محرومون، حيث تحولت أيامي إلى مشقة وضيق، لا أستطيع الغياب عن العمل حتى يوم واحد لأني إن فعلت ذلك سوف يخصم صاحب العمل أجر يومين”.
ويتابع: “يمنعني رب العمل من الاستراحة المحددة لي في الظهيرة، ويشغلني بأعمال خارجة عن العمل بصعوبة كبيرة تمكنت من الحصول على إجازة لمدة أسبوعين من أجل اختبارات نصف العام الدراسي، حيث أحاول مواصلة التعليم والعمل من أجل العيش”.
وقالت رئيس منصة إكسير للطفولة آية خالد “أن عمالة الأطفال في اليمن موجودة بشكل كبير والحرب فاقمتها أكثر حتى أنها أصبحت ظاهرة متفشية بين الأطفال، والمجتمع بدأ يعتاد على هذه المهن التي تُجرم دوليًا وتعتبر اختراق للمواثيق والعهود الدولية، وفق اتفاقية حقوق الطفل”.
وأضافت في حديث لمنصة “ريف اليمن“: “عمالة الأطفال مستقبلًا تؤثر على شخصية الطفل وبنيته السليمة عقليًا وجسمانيًا، انشغال الطفل بأعمال شاقة لا تناسب عمره يؤثر عليه صحيًا ويجعله عُرضة لأمراض كثيرة”.
ولفتت “أن الطفل العامل يتعرض للضغوطات النفسية من رب العمل، من توبيخ وشتم وسب، وهذا نفسيًا يخلق شخصية غير سوية ومترددة بداخل الطفل، ويهز ثقته بنفسه، وقد يكون لديه عُقدة تنمو معه”.
مشقة البُعد عن الأهل
في مطلع العام 2023 غادر الطفل ريان حمود (16 سنةً) قريته في ريف محافظة إب، للعمل بأحد المطاعم في العاصمة اليمنية صنعاء، لتأمين الغذاء والوقوف إلى جانب والده المنقطع راتبه الحكومي الذي كان يتعمد عليه في تأمين متطلبات الحياة اليومية منذ سبع سنوات.
وخلال السنوات الماضية كان “ريان” يمارس العمل في مهن شاقة مثل جلب المياه، والاحتطاب، ويواصل تعليمه الدراسي لكنه توقف عن الدراسة ويكتفي بحضور الامتحانات فقط منذ أن سافر إلى صنعاء مع أحد أقاربه للعمل هناك.
وقال ريان، لمنصة ريف اليمن “ظروفنا قاسية في غالبية الأيام نأكل وجبة واحدة في اليوم، وهذا دفعني نحو البحث عن العمل”، وقال متحسراً ” أشعر بالحزن عندما اشاهد الأطفال يذهبون في الصباح إلى المدرسة، وأنا أذهب للعمل في المطعم”.
وأضاف: “أتحمل كل ما يحدث لي أثناء العمل من تأنيب سواء من الزبائن أو مالك المطعم، من أجل مساندة أهلي”. وتابع: “اهلي يخشون ضياع مستقبلي، وإن كانت ظروفنا المادية جيدة لن يسمحوا خروجي من القرية إلى محافظة بعيدة”.
ويصل عدد الأطفال العاملين في اليمن، بحسب آخر بيانات مسجلة قبل الحرب الدائرة في البلاد منذ العام 2015، إلى نحو 1.6 مليون طفل.
وتحذر منظمات دولية من تنامي ظاهرة عمالة الأطفال في اليمن- التي تعد من أفقر الدول العربية، والذي يشهد أعلى معدل لعمل الأطفال بأرقام نسبية ومطلقة، إذ أن نحو 14% من أطفال البلاد بعمر (5 – 14) عامًا، ممن يقدر عددهم بحوالي 835 ألف طفل لديهم عمل.
حرمان من التعليم
قدّرت الأمم المتحدة أن قرابة مليونَي طفل يمني في سن التعليم هم خارج المقاعد الدراسية وسط نقص حاد في التمويل الذي توفره المنظمة الدولية لقطاع التعليم، بينما هناك قرابة ثمانية ملايين طفل بحاجة إلى المساعدة في مجال التعليم.
وتقول الناشطة آية خالد “أن التعليم في اليمن عامة والأرياف يشهد تدهورا كبيراً ونسبة الأمية عالية، معتبرةً أن من ضمن هذه الأسباب لجوء الأطفال للعمل، وتقديمه قبل التعليم؛ نتيجة للوضع الاقتصادي المتدني للكثير من الأسر اليمنية، وتراجع كفاءة التعليم في هذه الأرياف”.
وأضافت: “بعض الأطفال يضطر للعمل وفي ذات الوقت يُكمل تعليمه ونجده يتميز ويتفوق في المجالين، ومع ذلك أظل أردد بأن التعليم قبل كل شيء للطفل، خاصة الطفل الريفي فالوضع عامة يكون صعب بالنسبة لهم والبيئة قاسية فالتعليم يمكن أن يجعله يتغلب على الصعاب ويصنع منه شخصية كبيرة مستقبلًا، فيمكن للطفل مساعدة أسرته فقط وليس تولي عمل كامل”.
وتختم حديثها بالقول “أن الطفل في مراحله العمرية المختلفة بحاجة لرعاية خاصة واهتمام وبيئة اجتماعية مستقرة خالية من التوتر والضغوطات، لينمو بطريقة صحيحة بكل مرحلة كما يجب ويصل للاستقرار النفسي المطلوب لكل طفل”.