الألعاب الشعبية.. هوية وتُراث تهددها التكنولوجيا

تُعد الألعاب جزء أصيل من هوية المجتمع وتربط الإنسان بأصله وهويته

الألعاب الشعبية.. هوية وتُراث تهددها التكنولوجيا

تُعد الألعاب جزء أصيل من هوية المجتمع وتربط الإنسان بأصله وهويته

تُعد الألعاب الشعبية جزءً مهماً من التراث الثقافي في اليمن، وموروث شعبي قديم له مكانته التاريخية في المجتمع الريفي، وهي جزء من الذاكر التي تربط الإنسان بهويته الثقافية على مر العصور، إلا أنها أصبحت مهددة بالاندثار بسبب انتشار الهواتف الذكية.

ومع التطور التكنولوجي الحاصل وانتشار الألعاب الإلكترونية سُحب البساط من الألعاب الشعبية، وبدأ صيت هذا الموروث بالخفوت، وأصبح من النادر رؤية الأطفال يمارسون الألعاب الشعبية مع ذويهم كما كانوا عليه قبل أعوام، سواء في الأرياف اليمنية أو المدن.

ووفقا لمنظمة الصحة العالمية، يجب عدم السماح إطلاقا للأطفال بمشاهدة أي مضمون على شاشات الأجهزة الإلكترونية خلال عامهم الأول، والسماح لهم في أضيق الحدود خلال عامهم الثاني. أما بالنسبة للأطفال الذين تتراوح أعمارهم ما بين عامين وأربعة، يجب ألا تتجاوز فترات تعرضهم للشاشات الإلكترونية أكثر من ساعة واحدة فقط خلال اليوم.

الألعاب الشعبية هوية وتٌراث 

ويقصد بالألعاب الشعبية، كل لعبة يمارسها العامة منذ الطفولة، ويتوارثونها جيلا بعد جيل، ويضيفون إليها تفاصيل جديدة، ويتساوى في ممارستها الذكور والإناث منذ طفولتهم، كما أن لها خطوات وحركات، وأدوار يوزعها الأطفال فيما بينهم، ويتعلمها الطفل دون توجيه وإرشاد، ولكن من خلال مشاهدة الآخرين.

وتساعد الألعاب الشعبية على تنمية شخصية الطفل وتخلق له فرص التعرف على أصدقاء يتبادل معهم الترفيه والتسلية، كما إنها تنمّي فيه روح التحدي والمنافسة، لكن في عصرنا الحالي سيطرت ثقافة الألعاب الإلكترونية على عقول نسبة كبيرة من الأطفال وأصبحوا لا يرغبون بلعب أي شيئ غير تلك المرتبطة بأجهزتهم الذكية.

تقول نجوى أحمد (36 عاما) وهي أم لطفلين، “لم يعد هناك حضور للألعاب التقليدية إلا بشكل ضئيل جدا في بعض القرى البعيدة، وهذا يعني تلاشي واختفاء هذا النوع من الألعاب التي كانت في الصدارة قبل أعوام.

وتضيف لمنصة ريف اليمن:” في السابق كنا نلعب جميعا مع أطفال القرية مجموعة ألعاب شعبية مثل الغميضة، الحصى، وألعاب أخرى، مشيرة إلى أن التكنولوجيا، غيّبت تلك الالعاب، وساعدتها الأوضاع على ذلك، حيث أصبحنا أكثر حرصا على بقاء الأطفال في المنزل بعيدا عن المشاكل وبالتالي تأثرت الألعاب الشعبية وأصبحت شبه موجودة ونادرا ما يجتمع الأطفال في المناسبات أو الأعياد ويلعبون سويا.

” بالنسبة لي لدي طفلين والأجهزة الذكية أخذت جانبا من وقتهم من خلال اللعب أو مشاهدة فيديوهات وغيرها، حتى التلفزيون لا يتابعونه، فاليوتيوب وتطبيقات التواصل الاجتماعي أغنتهم عن التلفاز واللعب خارج المنزل”، تقول نجوى.

وتستدرك” في حقيقة الأمر الألعاب في الجوال وغيرها من الأجهزة الذكية  سهّل عليّ التعامل مع الاطفال، وجعلهم يبقون معظم الوقت في المنزل، كما أنها تساعدهم على تعلم التكنولوجيا في سن مبكر، وبالنسبة لي أن يبقى الطفل بالمنزل أفضل بكثير من الخارج”.

الألعاب الشعبية.. هوية وتُراث تهددها التكنولوجيا
أطفال في إحدى الأرياف اليمنية يلعبون في ساحة خصراء بالدراجات الهوائية، يونيو/ حزيران 2023 (فيسبوك/ أحمد حمود)

مهددة بالاندثار

بدورها تقول أحلام علي (29عاما) وهي مسؤولة أنشطة لأحد المدارس في قرية الكواهل في المحويت إن الألعاب الشعبية جزء أصيل من هوية المجتمع اليمني والحفاظ عليها يعتبر حفاظا على هويتنا التاريخية وبالرغم إن الألعاب لم تعد تحظى بشعبية كبيرة بعد ثورة الإنترنت إلا أننا نحاول في بعض الأحيان تذكير أطفالنا بها من خلال المسابقات والفعاليات التي تقام أثناء الدراسة.

وتضيف لمنصة ريف اليمن:” بعد دخول الإنترنت إلى القرى أصبح الجوال الشغل الشاغل لأطفالنا فتراهم من مكان لآخر بحثا عن أماكن التقاط الشبكة لتحميل الألعاب الإلكترونية أو تصفح المواقع، حتى كرة القدم وهي أكثر لعبة شعبية في العالم أصبح متابعة أخبارها في الهاتف خير من ممارستها على الأرض.

وبحسب دراسة يابانية، فإن تعرض الأطفال للشاشات والالعاب الالكترونية في مرحلة الطفولة المبكرة؛ يؤدي إلى تأخر نموهم العقلي في عمر عامين بجميع المجالات باستثناء المهارات الحركية، وعندما يبلغون سن 4 سنوات، يحدث لهم تأخر في مجالات التواصل وحل المشكلات على سبيل المثال.

الطفل أيمن خالد (11عاما) يؤكد تمسكه بالألعاب الإلكترونية ويقول: أجد نفسي في الألعاب الإلكترونية خاصة البو بجي وألعاب البلايستيشن، فهي تجعلني أشعر بحماس وأصبحت لا أستطيع العيش بدون الإنترنت، وهذه الألعاب تشجعني أن أكون لاعب كبير في مجال الألعاب الإلكترونية”.

يوسف هيكل (47 عاما ) وهو أحد سكان محافظة صنعاء، قال إن الإنترنت والهواتف الذكية أثرت على الألعاب الشعبية، معتقدا أن تلك الألعاب ستواصل الاندثار ولن يعاد بها للواجهة إلا انقطاع الانترنت.

ويستذكر هيكل عندما انقطع الإنترنت عام 2021 لمدة ثلاثة، بسبب تعرض الكابلات البحرية لأعطال،  كيف اتجه جميع أطفال قريته للجبال ولأودية والحقول للعب واستذكار تلك الألعاب مثل الكرة، القفز، شد الحبل، الوقل (لعبة خاصة بالأطفال يتم رسم مربعات وتلعب برجل واحدة )، الزراقيف (أحجار زجاجية ) وغيرها من الألعاب.

لافتا أن هذا الأمر لم يقتصر فقط على القرى بل حتى المدن، فكانت الحياة أكثر حيوية ونشاطا في تلك الثلاثة الأيام عرفنا بعضنا واستمتعنا بوقتنا، ولكن الانترنت أصبح عمود الحياة، وكل المصالح مرتبطة به.

رسمة1 scaled 1

جدراية للفنان عزيز المعافري لأطفال يلعبون في قرية ريفية (ريف اليمن)

عزلة اجتماعية

كما هو متعارف عليه فالألعاب الشعبية تتصف بكونها ألعاب جماعية حيث يجتمع مجموعة من الأطفال والشباب ويقومون باللعب على شكل فرق لتحديد الفائز، وهذا يخلق روح التعاون والتعارف بين الأطفال من خلال ممارسة هذه الألعاب عكس الألعاب الإلكترونية المحصورة بجهاز في فضاء افتراضي يمارس فيها الطفل اللعبة بمفرده وينعزل عن محيطه، وحتى أسرته.

وتوضح سحر يوسف وهي مختصة بالشؤون الاجتماعية كيف أثرت التكنولوجيا على الأطفال وعلى الألعاب الشعبية التي بدأت بالاختفاء تدريجيا، وتقول :”في السابق كنا نشعر بالخمول وعدم الرغبة في شيء إذا بقينا في المنزل ولم نخرج للعب مع الأصحاب، أما اليوم نشاهد النقيض يشعر الطفل بالغربة إذا ترك جهازه الإلكتروني وذهب مع والديه للزيارات أو الخروج للنزهة، وهذا يسبب عزلة اجتماعية وتجنب الاختلاط بالآخرين  ما يؤثر على نمو الطفل وطريقة تفكيره.

وتضيف سحر لمنصة ريف اليمن:” في بعض القرى الريفية نلاحظ الأطفال منشغلين بأمور الزراعة والرعي وبعض الأعمال برفقة آبائهم فبتالي يغضون النظر عن اللعب كونه لا يتناسب معهم بحجة إنهم أصبحوا كبارا، لكن في بعض القرى يكون أغلب أولياء الأمور مغتربين، ويقومون شراء أجهزة لأطفالهم للعب والتواصل وبالتالي تسبب تلك الأجهزة إدمان ونسيان الألعاب التي كنا نتهافت عليها.

وتؤكد أحلام على ضرورة تنشيط الألعاب الشعبية من خلال إقامة فعاليات دورية تشجع الأطفال على ممارستها بتعاون مشترك بين الجهات المعنية والأهالي في الأرياف، وكذلك تشجيع المبادرات الثقافية والتراثية المقدمة من قبل الشباب إضافة للحد من استخدام الأجهزة الإلكترونية بتحديد جدول زمني لها لمنع خفوت الألعاب التراثية وعودتها من جديد للواجهة.

وكانت دراسة ألمانية نشرتها المجلة الدولية للبحوث البيئية والصحة العامة، قد حذرت من استخدام الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية، على سلوكيات الطفل؛ وما تؤدي إليه من حدوث فرط نشاط وشعور باللامبالاة لدى الأطفال، كما أثبتت الأبحاث الطبية أن الجلوس أمام شاشات الحاسوب والهواتف لمدة طويلة للأطفال يؤثر على صحة العين، والإصابة بالمشكلات في العمود الفقري، فضلا على آلام الكتفين والرقبة ومفاصل اليدين التي يشعر بها الطفل.

شارك الموضوع عبر:
الكاتب

مقالات مشابهة :