مع طلوع الفجر، يخرج الحاج حسين فضل، البالغ من العمر 60 عامًا، يوميًا برفقة أطفاله الثلاثة في رحلة شاقة لجلب المياه باستخدام الحَمِير من مسافات بعيدة، في قرى منطقة مُقْرِنٌ وَكُورَةُ العَسْعُوسِ شرق مديرية الوضيع التابعة لمحافظة أبين، جنوبي اليمن.
وتواجه قرى المنطقة أزمة حادة في المياه، الأمر الذي يجبر الأهالي على الاعتماد على مصادر مياه غير آمنة، أو قطع مسافات طويلة لجلب كميات قليلة من المياه عبر وسائل بدائية، في ظل ارتفاع أسعار صهاريج المياه بشكل لا يتحمله كثير من السكان.
تكاليف المياه باهظة
يقول الحاج حسين أن الوضع المعيشي للأهالي أصبح صعبًا للغاية، حيث يبلغ سعر صهاريج المياه الصالحة للشرب 40 ألف ريالا، (نحو 20 دولارا )بينما تصل تكلفة المياه غير الصالحة للشرب، المستخدمة في الأغراض المنزلية، إلى 25 ألف ريال أو أكثر، (الدولار يساوي 2060 ريالا)تكفي الأسرة لنحو عشرة أيام فقط.
مواضيع ذات صلة
“حِميَر مقبنة” بتعز.. أعباء شاقة لجلب المياه
الحصول على المياه.. مهمة يومية شاقة للمواطنين
شح المياه في اليمن: بين نيران الحرب واحتياجات السكان
وإلى جانب الأزمة المالية، أثر نقص المياه على الحياة اليومية، حيث تسرب العديد من الأطفال من مدارسهم للمساعدة في جلب المياه، مما يعرض مستقبلهم التعليمي للخطر، حيث يؤكد فضل لـ”منصة ريف اليمن”، أن المهمة اليومية لجلب الماء تُجبر الأطفال على التغيب عن الدراسة، فقد حُرموا من التعليم بسبب معاناة انقطاع المياه”.
ويضيف الحاج فضل أن الأزمة ليست فقط في توفير المياه، بل إن الآثار السلبية تطال الحياة اليومية للأهالي، وأُجبر كثيرون على تقليل الاستهلاك إلى الحد الأدنى، في حين يجبر السكان على استهلاك مياه غير صحية ما أدى إلى تفشي الأمراض المرتبطة بتلوث المياه، مثل التهابات الجهاز الهضمي وأمراض الجلد.
وبحسب الأمم المتحدة، يواجه اليمن حاليا أزمة مياه حادة بسبب الاستغلال الجائر للمياه الجوفية غير المتجددة، وتشكل هذه الحالة الحرجة وضعا يستدعي المعالجة الفورية، خاصة وأن حوالي 17.4 مليون يمني، نصفهم من الأطفال، يحتاجون إلى مساعدة عاجلة للحصول على خدمات المياه والصرف الصحي الأساسية.
استغاثة لمساعدة السكان
ويشير الحاج حسين إلى أن الأهالي يعانون منذ سنوات طويلة في ظل تجاهل الجهات الحكومية، مما أسهم في تفاقم الأزمة المائية في المنطقة. وبسبب الارتفاع الكبير في أسعار صهاريج المياه، أصبح من الصعب على السكان تحمل هذه الأعباء المالية، ما جعلهم يعتمدون على مصادر مياه غير آمنة وغير كافية لتلبية الاحتياجات.
وناشد أهل الخير والجهات الحكومية، داخل محافظة أبين وخارجها، للتدخل العاجل لمعالجة معاناة سكان القرى المتضررة من الأزمة، وتقدم الدعم لإنشاء مشروع مياه متكامل يلبي احتياجات السكان في هذه المناطق ذات الكثافة السكانية العالية لتخفيف المعاناة التي تهدد حياة الناس.
مدير عام مديرية الوضيع، ناصر أحمد سُمّن، أكد أن السلطة المحلية تبذل جهودًا متواصلة في متابعة الجهات الخيرية والحكومية لإيجاد حلول مستدامة لهذه المشكلة التي تعاني منها القرى المتضررة.
وأوضح سُمّن لمنصة ريف اليمن، أن السلطة المحلية مستعدة لتقديم كل التسهيلات اللازمة وتذليل أي عقبات تواجه المبادرات الرامية إلى تحسين الوضع للسكان،
أما مدير مكتب الإعلام بمديرية الوضيع، محمد المارمي فأعرب عن خيبة أمله من التجاهل المتكرر للمناشدات المتعلقة بحل الأزمة، وقال: “رغم استجابة فاعلي الخير، إلا أن وعورة التضاريس تُعيق وصول الجهود لبعض المناطق”.
أبعاد الأزمة وحلول ممكنة
مسؤول في مؤسسة المياه، أوضح أن الأزمة تعود إلى عدم قدرة المواطنين على حفر آبار قريبة من منازلهم، مما يجعلهم يعتمدون على آبار بعيدة غالبًا ما تكون غير آمنة. وأضاف أن الحلول تكمن في حفر بئر ارتوازية، وبناء خزان مياه، وشبكة توزيع تصل لكل القرى.
وتتألف منطقة مقرن وكورة العسعوس من عدة قرى رئيسية، أبرزها: الكورة، حبيل مشرم، أمقصرة، تيتلح، والعيدروس. يقطن هذه القرى حوالي 2000 نسمة، يعانون منذ سنوات طويلة من انقطاع المياه ونقص المشاريع التنموية الأساسية.
وبحسب تقارير رسمية، يعد اليمن من أفقر دول العالم في الموارد المائية، ويقع في أسفل سلم الدول الواقعة تحت خط الفقر المائي، حيث يتراوح المتوسط السنوي لكمية الأمطار بين 250- 400 ملم والتي من المتوقع انخفاضها بنسبة كبيرة خلال السنوات الثلاث الماضية.
وفي الوقت الذي يواصل الأهالي معاناتهم اليومية في جلب المياه من مصادر بعيدة وغير آمنة، تتجدد آمالهم في أن تتحرك الجهات المعنية والمنظمات الخيرية لتقديم حلول دائمة لهذه الأزمة، من خلال بناء مشاريع متكاملة توفر لهم احتياجهم من الماء بشكل آمن وتخفف عنهم معاناتهم المستمرة.
وتعد شحة المياه من الأزمات الكبيرة التي تواجه اليمن منذ ما قبل اندلاع النزاع، وهذا النقص في الموارد يعد أحد العوامل المساهمة في توليد العنف، ومالم تتم معالجة الأسباب الكامنة خلف العجز المائي، فإن من شأن إيجاد حل للنزاع الراهن أن يكون من الصعوبة بمكان.
وحذر تقرير أممي، من نفاد مخزون المياه الجوفية في اليمن بحلول 2023، وقالت إن أغلب النزاعات تدور حول المياه، وقالت إن “اليمن بحاجة ماسة إلى فهم كامل لأنظمة إدارة المياه، وكيفية استخراج الموارد واستخدامها وتقاسمها وتجديدها” وفق تقرير لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو).
وأعتبر التقرير، وتهدد مثل هذه الفجوات الأمن الغذائي وصحة الإنسان وأمنه. في بعض الأحيان تُزهق أرواح بشرية عندما تتقاتل المجتمعات على الموارد، و70 إلى 80 بالمائة من الصراعات في اليمن تدور حول المياه. وأشار “أن اليمن هو أفقر دولة في العالم من حيث الموارد المائية، إذ يبلغ نصيب الفرد السنوي من المياه 83 متراً مكعباً سنوياً مقارنة بالحد المطلق البالغ 500 متر مكعب”.