مَزارع نخيل الساحل الغربي: الحرب تحولها إلى أطلال

فُقدت الآلاف من النخيل بسبب الصراع وتٌرك المزارعين بلا مصدر رزق

مَزارع نخيل الساحل الغربي: الحرب تحولها إلى أطلال

فُقدت الآلاف من النخيل بسبب الصراع وتٌرك المزارعين بلا مصدر رزق

تعتبر زراعة النخيل المهنة الثانية بعد الصيد البحري في مناطق الساحل الغربي لليمن، ولطالما كانت مصدراً للحياة والازدهار، إلا أن الحرب تركت آثارها البالغة على هذا القطاع الحيوي، متسببة في خسائر لا تُحصى للمزارعين والبيئة، وحولت مزارع النخيل إلى أطلال تُذكِّر بماضٍ كان مليئاً بالحياة.

من مناطق الدريهمي وصولاً إلى الزهاري جنوب الخوخة بمحافظة الحديدة، كانت مزارع النخيل تزهو بثمارها اليانعة، لكنها باتت الان شاهداً مؤلماً على الخراب والدمار الذي خلفته الحرب، حيث دفعت ثمناً باهظاً لصراع مستمر، أتى على خضرتها وجمالها، وترك المزارعين بلا مصدر رزق.

خسائر مزارع النخيل

يروي المزارع أحمد سعيد، من أبناء قرية النخيلة بمديرية الدريهمي التي تُعد من أكثر المناطق تضرراً، كيف فقدت أشجار النخيل في مزرعته قدرتها على الإنتاج بسبب المعارك، ويؤكد أن القتال ألحق أضراراً جسيمة بمزروعاته، حتى في ظل الهدوء النسبي الذي شهدته المنطقة مؤخراً، ما زالت المزارع غير قادرة على التعافي بالكامل.

ويقول سعيد في حديثه لمنصة ريف اليمن :” تعرضت أشجار النخيل للكسر والتدمير بسبب المواجهات العسكرية، حيث استخدمت كمتارس وميدان للمواجهات، فيما بعضها هلك بسبب الجفاف، منوها أن ما تحطم من الأشجار خلال الحرب من الصعب تعويضه، إذ تحتاج هذه المزارع لسنوات طويلة حتى تتعافى وتعود لطبيعتها السابقة.


      مواضيع ذات صلة


صورة تظهر أشجار النخيل إثر حريق بمخيم النخيل للنازحين في الخوخة بمحافظة الحديدة غربي اليمن (أنور الشريف)

“لم تقتصر الأضرار على المزارع الواقعة في خطوط المواجهة فقط، بل امتدت إلى مناطق أبعد، فقد أدى انقطاع الطرق وانهيار البنية التحتية إلى صعوبة نقل المحاصيل، مما تسبب في اختفاء تمور “المناصف” من الأسواق المحلية. كما توقف التصدير، بسبب انعدام وسائل التخزين المناسبة وغياب الثلاجات المركزية، ما زاد من الخسائر التي تكبدها المزارعون.

وفقاً للمهندس الزراعي عبد الكريم ناصر، تعرضت مناطق زراعة النخيل على الساحل الغربي لخسائر متفاوتة بسبب النزاع المستمر، وكانت التحيتا وزبيد من بين أكثر المناطق تضرراً.

ويشير عبدالكريم خلال حديثه لمنصة ريف اليمن، إلى أن المزارع الكثيفة في السويق، المدمن، الناصري، المجيليس، والجاح (الأعلى والأسفل) بالإضافة إلى سواحل الجراحي والخوخة، تحولت إلى ساحات معارك عنيفة استمرت لسنوات.

2,2 مليون شجرة نخيل

ونتيجة لهذه المواجهات، باتت البيئة الزراعية في هذه المناطق أقرب إلى الأطلال والخرابات، حيث فقدت الآلاف من أشجار النخيل التي كانت تزين المشهد الزراعي وتحمل الكثير من الخيرات للمزارعين.

ووفق تقديرات رسمية فإن هناك أكثر من مليونين ومئتي ألف شجرة نخيل في الساحل الغربي وفقاً لإحصائيات هيئة تطوير تهامة لعام 2014، كانت تنتج حوالي 35 ألف طن من البلح سنوياً قبل اندلاع الحرب، ولكن الصراع أدى إلى تدمير آلاف الأشجار، وتراجع الإنتاج بشكل كبير، وخسر المزارعون عائداتهم.

وفقًا لتقديرات الأمم المتحدة، يمثل القطاع الزراعي حوالي 65% من سبل العيش للسكان، لكنه تعرض لتدمير كبير نتيجة النزاع المسلح، والألغام، وانهيار البنية التحتية، إذ خسرت الأراضي الزراعية آلاف الهكتارات، وتضررت مزارع النخيل والمحاصيل النقدية مثل البن والقطن، ما أدى إلى تدهور سبل العيش للعديد من المزارعين.

مَزارع النخيل
أشجار النخيل في سواحل أبو زهر بمدينة الخوخة بمحافظة الحديدة غربي اليمن (انور الشريف)

جمال فتيني، مزارع من منطقة التحيتا، أوضح لمنصة “ريف اليمن أن” كثير من المزارعين خسروا مزارعهم بالكامل، خصوصا تلك الواقعة في خطوط التماس مثل “التحيتا” التي ما زالت حتى اليوم منطقة توتر ومواجهات عسكرية.

وقال فتيني :”حتى المزارعين الأكثر حظاً في هذه المنطقة فقدوا جزءاً كبيراً من أشجارهم بسبب الحرب، أما من تبقى لديهم بعض الأشجار، فقد واجهوا صعوبة في الوصول إلى مزارعهم لحصاد الثمار أو الاهتمام بالنخيل، حيث منعتهم المواجهات المسلحة.

وأضاف: “المقاتلون يمنعوننا من دخول مزارعنا، سواء لجني الثمار أو لرعاية الأشجار، ما أدى إلى انهيار مئات منها بسبب الجفاف وغياب العناية المستمرة”.

زراعة قليلة التكاليف

وتعتبر أشجار النخيل من الأشجار المعمرة، حيث يمكن أن يصل عمرها إلى مئات السنين. ووفقاً للخبير الزراعي عبد الكريم ناصر، فإن النخيل يُعدّ من بين الأشجار القليلة التي يمكن ريها بمياه البحر، كما أنها تتميز بقدرتها العالية على التكيف مع الظروف المناخية القاسية.

وتعد زراعة النخيل قليلة التكاليف ولا تتطلب الكثير من الأيدي العاملة، وهو ما جعلها شجرة مفضلة لدى سكان السواحل اليمنية، هذه العوامل مجتمعة أضفت على السواحل اليمنية خضرة وجمالاً يمتد عبر مناطق عديدة، لكن الحرب كان لها أثر مدمر، حيث اختفى العديد من مزارع النخيل، وذبلت مساحات شاسعة كانت فيما مضى تزدهر بهذه الأشجار.

وفقاً لدراسة بحثية صادرة عن المنظمة العربية للتنمية الزراعية، بلغت نسبة مساحة زراعة النخيل في اليمن حوالي 24% من إجمالي المساحات المزروعة بالفاكهة في عام 2001. ومع استمرار تدهور القطاع الزراعي نتيجة الصراع المستمر والأزمات الاقتصادية، تراجعت هذه النسبة إلى حوالي 16% بحسب كتاب الإحصاء الزراعي لعام 2019.

ويعكس هذا التراجع حجم الخسائر الكبيرة التي تعرض لها قطاع زراعة النخيل، الذي يُعتبر أحد المصادر الرئيسية للفاكهة، حيث تأثرت مزارع النخيل بشدة نتيجة الصراع المستمر، ونقص الموارد المائية اللازمة للري، بالإضافة إلى التحديات البيئية مثل التصحر وارتفاع درجات الحرارة.

شارك الموضوع عبر:
الكاتب

مواضيع مقترحة: