يعد الحصول على المياه تحديًا يوميًا لأهالي عزلة بني يوسف بمديرية المواسط جنوب محافظة تعز، حيث يعيش السكان معاناة مستمرة بسبب شحّة المياه، مما يدفعهم إلى البحث المستمر عن حلول مؤقتة وغير مستدامة، ويضطرون لقطع مسافات طويلة من أجل الحصول على المياه من الآبار التي غالباً ما تكون شحيحة.
وتُعد الأزمة المائية في اليمن من أكثر التحديات الإنسانية تعقيدًا، لا سيما في المناطق الريفية التي تشكل نحو 70% من إجمالي السكان؛ إذ يعاني نحو 49% من اليمنيين من نقص حاد في الوصول إلى مياه نظيفة وصالحة للشرب.
تعز وشحة المياه.. معاناة يومية
يصف الشاب أشرف عبد الكريم (22 عامًا) معاناة أهالي المنطقة في الحصول على المياه قائلاً لمنصة ريف اليمن: “نستيقظ قبل الفجر كلّ يوم، ونضطر إلى السير مسافات طويلة في ظروف صعبة للوصول إلى أسفل الوادي. أنا ووالدتي نقطع الطريق مشيًا على الأقدام، فقط من أجل الحصول على بضعة لترات من الماء الصالح للشرب، في رحلة يومية لا تنتهي”.
ويضيف: “في طريق العودة إلى المنزل، نصعد الجبل حاملين عبوات الماء على أكتافنا ورؤوسنا، في مشقة كبيرة. بعد هذا الجهد، أغيّر ملابسي بسرعة وأتناول وجبة بسيطة، ثم أهرع إلى مدرستي في القرية المجاورة”.
مواضيع مقترحة
الحصول على المياه.. مهمة يومية شاقة للمواطنين
شحّة المياه تُنهك سكان ومزارعي حجّة
“حِميَر مقبنة” بتعز.. أعباء شاقة لجلب المياه
قبل أن يضطر أشرف وأسرته إلى جلب المياه بهذه الطريقة، كانوا يحصلون على الماء من خزّان يمتلكه أحد المواطنين الميسورين في القرية المجاورة، فقد كان يخصّص جزءا من المياه لأبناء المنطقة نظراً لشحة المياه، ومع نفاد هذه الكمية، يشعر أشرف بقلق دائم؛ إذ يتعيّن عليه البحث عن بدائل.
وتلك المشقة اليومية لم تكن حكراً على أسرة أشرف وحدها، بل عانى منها جميع أبناء بني يوسف. ورغم انتشار الخزانات المائية في الفترة الأخيرة، ظلّت شحّة المياه في الآبار واحتكارها من قبل مالكيها تمثل عائقاً كبيراً أمام حصول الأهالي على مياه الشرب.
في ظلّ هذه المعاناة المستمرة، أُعيد الحديث عن مشروع مياه جبل ثمران الذي أُسّس في التسعينيات، وكان يُفترض أن يكون حلاً للأزمة المائية في بني يوسف، إلا أنه لم يُشغّل بالكامل، ومضى أكثر من 15 عامًا على توقفه، مما ترك السكان في معاناة مستمرة في تأمين احتياجاتهم الأساسية من الماء.
الحل المؤجل في بني يوسف
ويوضح الناشط المجتمعي أحمد الشريف أهمية المشروع قائلاً: “تتميز منطقة بني يوسف بطبيعة جبلية تجعل مياه الآبار موسمية تنقطع بانقطاع الأمطار، لذلك يُعدّ مشروع جبل ثمران حلاً مثالياً، لإنهاء المعاناة عن السكان أو على الأقل للتخفيف منها”.
ويضيف: “يمتلك المشروع شبكة مياه تمتد من قاع وادي الحريبة إلى قمة جبل ثَمران بطول 2.5 كيلومتر، ويشمل ثلاثة خزانات رئيسية، وكان من المتوقع أن يغطي 25 قرية، ويخدم نحو 30 ألف نسمة، ولكن للأسف لم يُكتب له النجاح في توفير المياه للمواطنين كما خُطط له”.
ويشير الشريف إلى أن المشروع يمكن أن يغير حياة آلاف المواطنين، ولكن يحتاج إلى دعم مستمر وإدارة فعالة لضمان تشغيله وحل مشكلة المياه في المنطقة.
وبحسب الأمم المتحدة يواجه نحو 17.8 مليون شخص نقصًا حادًا في المياه الصالحة للشرب وخدمات الصرف الصحّي، مما يُسهم في تفشّي الأمراض المنقولة عبر المياه، مثل الكوليرا والإسهال الحاد. كما أن أكثر من 30% من السكان اليمنيين لا يمكنهم الوصول إلى شبكة مياه صالحة، مما يجبرهم على المشي لمسافات طويلة لجلب المياه، مما يزيد من معاناتهم.
تعدّدت الأسباب التي حالت دون إعادة تشغيل المشروع بعد تأسيسه، وبحسب عارف محمد حزام، عضو المجلس المحلي وأحد أفراد فريق إدارة المشروع، هناك اعتقاد سائد بين بعض سكان المنطقة بأن تشغيل المشروع سيؤدّي إلى استنزاف مياه الآبار في الوديان، ما أثار مخاوفهم من تأثيره السلبي على مصادر المياه الموسمية.
ويضيف حزام لمنصة ريف اليمن أنّ سرقة الأنابيب الحديدية لشبكة المياه كانت أيضاً عائقاً كبيراً، فقد تعرضت أجزاء كبيرة من الشبكة للتخريب وسوء الاستخدام، مما جعل إعادة تشغيل المشروع أكثر صعوبة.
جهود لإعادة تشغيل المشروع
لم يقف الأهالي مكتوفي الأيدي أمام هذه التحديات، بل حاول مشايخ وأعيان المنطقة التنسيق مع السلطات المحلية للبحث عن دعم لإعادة تأهيل المشروع، وقد أبدت بعض المنظمات الدولية اهتماماً بدعم إعادة تشغيله، وطلبت تشكيل فريق من أبناء المنطقة لإدارته لضمان نجاح التنفيذ، وهو ما تم بالتوافق مع الأهالي، إلا أن الجهود لم تكتمل حتى تاريخ كتابة التقرير.
كما قامت السلطة المحلية بإصدار مذكرات لعُقال القرى لجمع الأنابيب المسروقة وإلزام الأهالي بإحضارها أو شراء بدائل لها، بهدف ضمان استمرارية المشروع وحل مشكلة شحة المياه بشكل جذري.
تقول رفاء الحيدري (21 عاما) وهي من سكان بني يوسف: “هذا المشروع سيخفّف كثيراً من معاناتنا اليومية في البحث عن الماء، لا سيما في الصيف الحار والشتاء البارد”.
وتضيف لمنصة ريف اليمن: “إذا أُعيد تشغيل المشروع، فسنتمكن من الحصول على الماء بسهولة، وسيخفّف عنا جهودا كبيرة، وسيوفر علينا ساعات طويلة تضيع في جلب الماء”، كما يشير أحمد الشريف إلى أنّ المشروع سيساعد أيضاً المزارعين في ريّ محاصيلهم، فقد كانوا يضطرون إلى جلب الماء بالشاحنات وبتكاليف باهظة. وستسهم إعادة تشغيل المشروع في تعزيز الاقتصاد المحلي وتحسين حياة السكان.
ومع ذلك، يظل مشروع مياه جبل ثَمران الأمل الحقيقي لأهالي المنطقة في الحصول على مصدر مستدام للمياه، ويبقى تحقيق هذا الأمل مرتبطًا بتضافر الجهود المجتمعية والرسمية لإعادة تشغيل المشروع، مما يساعد على إنهاء معاناة المواطنين التي استمرت طويلاً.