بين مطرقة الاستقطابات والتجنيد، وسندان الأعمال الشاقة، يقضي الأطفال في اليمن إجازتهم الصيفية، لاسيما أولئك الذين يعيشون في المناطق الريفية، في ظل أوضاع اقتصادية بالغة الصعوبة، نتيجة استمرار الحرب بين الحكومة المعترف بها دوليا، وبين جماعة الحوثي للعام التاسع على التوالي.
وتشهد عمليات التجنيد وعمالة الأطفال، نشاطا كبيرا في الأرياف اليمنية بعكس المناطق الحضرية، بسبب العوامل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في الريف، باعتبارها مناطق ترتفع نسب الفقر والأمية بين سكانها وتتدنى نسب الالتحاق بالتعليم في صفوف الفتيات والأطفال.
وبحسب الإحصائيات فإن عام 2022 كان أكثر الأعوام الذي جرى فيه تجنيد الأطفال بواقع (70) طفلا، يليه عام 2020 بواقع (56) طفلا و(30) طفلا في عام 2021 و(28) طفلا في عام 2019 و(24) طفلا في عام 2018.
ووفقا للإحصائيات الصادرة عن التحالف اليمني لرصد انتهاكات حقوق الإنسان، فإن عدد الأطفال الذين جرى تجنيدهم في الريف بلغ (239) طفلا بمقابل (13) طفلا فــي المناطق الحضرية، بسبب العوامل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في الريف.
خيارات صعبة
يقول المواطن ماجد عبد الجليل إنه نظرا لتزايد عمليات الاستقطاب وانعدام المعاهد والمراكز التدريبية المتخصصة في الأرياف، يضطر أولياء الأمور إلى اختيار واحد من ثلاثة خيارات صعبة، إما الرضوخ لعمليات التجنيد تحت التهديد أو الترغيب، أو الدفع بأطفالهم إلى مناطق أخرى للنجاة بهم، أو إشغالهم بأعمال لا تتناسب مع أعمارهم.
ويضيف عبد الجليل في حديث لـ” ريف اليمن”، أنه دفع باثنين من أطفاله إلى منازل أقاربه في مناطق تقع تحت سيطرة الحكومة الشرعية، خوفا من تجنيدهم بالقوة من قبل جماعة الحوثي التي تنشط في هذا المجال، رغم توقيعها اتفاقا مع الأمم المتحدة على إيقافه، بينما دفع بطفله الثالث إلى العمل في متجر أحد جيرانه في مركز المديرية.
ويتأسف عبدالجليل لهذا الحال، كونه كان يحلم بتسجيل أطفاله في مراكز ومعاهد متخصصة استغلالا للإجازة الصيفية وتأهيلا لهم في مواد دراسية مختلفة، لكنه أكد أن ذلك لم يعد ممكنا في ظل الأوضاع التي تشهدها البلاد، سواء الاقتصادية او عملية الاستقطاب الكبيرة للأطفال، التي جعلته يفكر كيف ينجوا بأطفاله بدلا من تأهيليهم.
عمالة أطفال الريف هي الاخرى تشهد توسعا كبيرا خلال الإجازة الصيفية، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية التي تشهدها البلاد، أبرزها انقطاع رواتب الموظفين المدنيين وفقدان آلاف المواطنين لأعمالهم ووظائفهم، مما ضاعف معاناة الأسر، وأجبرها على الدفع بأطفالها للعمالة بغية توفير متطلبات استمرار الحياة، كما هو الحال مع المواطن بشير حمادي.
ويضيف حمادي الذي كان يعمل مدرسا في إحدى المدراس الابتدائية، لـ”ريف اليمن، أنه ومنذ سنوات لم يستلم راتبه، واضطر أن يقتني دراجة نارية من أجل توفير لقمة العيش لأطفاله، ورغم ذلك لم يتمكن من الوفاء ذلك، مما أجبره على الدفع بأطفاله نحو العمالة لمساعدته.
ويتابع” أعلم بمخاطر العمالة على الأطفال، لكن الحياة صعبة، وأجبرتنا الظروف على ذلك. وحول طبيعة العمل الذي دفع اطفاله نحوه، قال حمادي” دفعت أحدهم للعمل في بيع نبتة القات في السوق، عمره 16 عاما، بينما الأخر يعمل مع أحد المقاولين، 18 عاما، الأمر فيه خطورة عليهم لكن بقاؤهم دون غذاء او دواء هو الاخطر.
وبحسب آخر البيانات المسجلة قبل الحرب، يصل عدد الأطفال العاملين إلى نحو 1.6 مليون طفل. ويبلغ عدد الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 5 و17 عامًا، 7.7 مليون نسمة يشكلون 34.3% من إجمالي السكان اليمنيين، في حين أنّ معدل العمل أعلى عند الأطفال الأكبر سنًّا مقارنة مع الأصغر سنًّا حيث يبلغ معدل الأطفال العاملين الذين تتراوح أعمارهم بين 5 و11 عامًا 11%.
ويتعرض الأطفال العاملون للاستغلال والاعتداء وسوء المعاملة وانتهاك الحقوق بشكل خطير ومقلق، وفق دراسة صدرت مؤخراً عن منظمة العمل الدولية.
تحديات كبيرة
رئيس منظمة “سياج” لحماية الطفولة أحمد القرشي، أكد أن هناك تحديات كبيرة فيما يخص آليات حماية الطفل خلال النزاع المسلح في اليمن وهي السبب الاساسي لتنامي الجرائم والانتهاكات بحق الأطفال اليمنيين من قبل الحرب ومضاعفتها بشكل غير مسبوق.
وبيّن القرشي في حديث لـ”ريف اليمن”، أن أهم تلك التحديات تتمثل في ضعف الاهتمام بحماية المؤسسة التعليمية منذ بداية الحرب الحالية، وانهيار آليات حماية الطفل وتحول القضايا الإنسانية العادلة للأطفال الى مادة لتبادل الاتهامات والمزايدة بين أطراف النزاع دون أن يكون هناك عمل حقيقي لحماية الأطفال ومحاسبة مرتكبي الجرائم والانتهاكات بحقهم.
لافتا إلى أن أنشطة خطيرة تستهدف الاطفال, سواء المتمثلة في المخيمات الصيفية التي يقيمها الحوثيون او أي أنشطة غيرها وتستهدف تلاميذ المدارس خلال الحرب وهذا يُعد مساسا بحقوق الطفل ويمثل انتهاكا للقانون الدولي وخاصة قرار مجلس الامن 1612 لسنة 2005م.
وطالب القرشي بزيادة الاهتمام بالتعليم ومعالجة الأثار وإعادة إعمار حقيقي وشامل لجميع جوانب العملية التعليمية على مستوى الوعي والمناهج الدراسية والمعلمين والبنية التحتية، وتعزيز حماية الطفل ومن ضمنها آلية قضائية مستقلة للنظر في جرائم الحرب عموما ومنها ما حدث للتعليم من تجريف.
وبحسب آخر إحصائيات الأمم المتحدة فإن أكثر من 11 ألف طفل تعرضوا للقتل أو التشويه خلال الحرب، كما أن أكثر من 3995 طفلاً بينهم 91 فتاة تم تجنيدهم للمشاركة في فعاليات أو في نقاط تفتيش أو جبهات قتالية، وأكثر من مليوني طفل في سن التعليم منقطعين عن الدراسة، كما أن 2.2 مليون طفل يمني يعانون من سوء التغذية الحاد، وهي عوامل جعلت الأطفال أكثر عرضة للتجنيد الإجباري خلال سنوات الحرب.