الفيضانات تعمّق جراح اليمنيين

أودت بحياة نحو 200 مواطن فيما طالت الأضرار منازل أكثر من 38 ألف أسرة

الفيضانات تعمّق جراح اليمنيين

أودت بحياة نحو 200 مواطن فيما طالت الأضرار منازل أكثر من 38 ألف أسرة

كانت فاطمة علي (44 عاما) بالنسبة لأسرتها، المكونة من ثمانية أشخاص، عمود الخيمة، بحسب تعبير ابنها الأكبر مازن، الذي يروي لريف اليمن بأسف كبير كيف تساقطت جدران وأسطح المنزل على رأس والدته في السادس من أغسطس الماضي، بسبب موسم الأمطار والسيول التي شهدتها منطقة القرشية الواقعة في مديرية زبيد بمحافظة الحديدة.

وأضحت الكوارث الطبيعية المصاحبة لموسم الأمطار من سيول وفيضانات وصواعق رعدية وغيرها، تفرض نفسها تهديدا وجوديا لحياة اليمنيين واستقرارهم في السنوات الأخيرة، وتمثل تحدّيا بيئيا صعبا أمام بلد تفتقر بنيته التحتية لأبسط المقومات اللازمة للقدرة إلى المواجهة والصمود في وجه التطرف المناخي، ويعيش في أتون حالة الحرب منذ قرابة العقد من الزمن.

مأساة إنسانية بسبب الفيضانات

يقول مازن: “بعد ساعات من الأمطار الغزيرة، بدأنا نسمع علامات لتحطم سقف المنزل، هرعنا جميعا إلى الخارج، لكن والدتي كانت ما تزال في الداخل لحظة الانهيار”، ويلفت إلى أن تقطّع الطرقات بسبب السيول التي كانت تجتاح كل مكان تقريبا عرقل الوصول إلى المستشفى في الوقت المناسب، وحال بينهم وإنقاذ حياة والدته.


     مواضيع مقترحة


منذ أواخر شهر يوليو الماضي، اجتاحت السيول والفيضانات عددا من المحافظات اليمنية، وبالرغم من عدم توافر إحصائية محدَّثة شاملة لجميع الخسائر البشرية والمادية، تقدّم التقارير الأولية الصادرة عن جهات حكومية وأممية مؤشرا مفزعا على تضاعف الكارثة يوما بعد آخر.

وأودت السيول بحياة 95 شخصا وإصابة 35 في محافظة الحديدة التي تأتي في صدارة المحافظات اليمنية المتضررة، حسب تحديثات لجنة الطوارئ المشكلة من قبل السلطة المحلية التابعة لسلطة صنعاء، في الثاني من شهر سبتمبر/ أيلول الجاري.

وكانت الأمم المتحدة قد قدرت ضحايا السيول والفيضانات والصواعق الرعدية التي شهدتها البلد منذ بداية الموسم وحتى الـ19 من شهر أغسطس الجاري فقط، بـ98 حالة وفاة وأكثر من 600 إصابات، فيما طالت الأضرار منازل أكثر من 38 ألف و285 أسرة يمنية، وأثرت الكارثة على نحو ربع مليون يمني.

الفيضانات تعمّق جراح اليمنيين
إحصائية لمنصة ريف اليمن عن ارقام الضحايا بسبب الفيضانات

وقبل أيام من إصدار السلطات في الحديدة تقريرها، كانت السيول وانهيارات السدود قد تسببت بكارثة طبيعية ومأساة إنسانية في مديرية ملحان بمحافظة المحويت، نتج عنها وفاة وفقدان 42 شخصا بحسب صندوق السكان التابع للأمم المتحدة، وخلال كتابة هذا التقرير، كانت كارثة مشابهة قد حلت على منطقة وصاب السافل في محافظة ذمار، وأودت بحياة 30 شخصا وإصابة وتسعة جرحى، بحسب بيان للدفاع المدني.

وكانت تقارير محلية وأممية قد تحدثت قبل ذلك، بتسبب السيول بوفاة 15 مواطنا في محافظة تعز، وثمانية في مأرب-من النازحين، وتسعة في إب، وثلاثة في صعدة، ليكون ناتج الإجمالي التجميعي لهذه التقارير هو 202 حالة وفاة وفقدان في سبع محافظات يمنية كحصيلة أولية جمعتها “منصة ريف اليمن” من تقارير رسمية صادرة عن السلطات المحلية.

مقارنةُ تصاعدِ أرقام الضحايا في موسم الأمطار لهذا العام مع المواسم السابقة، تقدّم نمطا تصاعديا لتنامي تأثير الكوارث الطبيعية عاما بعد آخر، ابتداء من عام 2020 الذي حصدت فيه السيول  حياة 172 شخصا، بحسب إحصاءات حكومية.

وعلى الرغم مِن اتسام الموسم الذي يليه بشحّة الأمطار نسبيا وقلة الفيضانات، لم يكن هناك دليل على انعدام الخسائر، في حين وثّق تقرير صادر عن الأمم المتحدة وفاة 143 شخصا خلال موسم 2022، وتلاه عام 2023، بتسجيل 218 شخصا، علما أن السيول والفيضانات ليست الكارثة الوحيدة التي بات يواجهها اليمنيون في مواسم الأمطار، فالصواعق الرعدية أيضا حصدت حياة 407 من المواطنين في ثلاث سنوات 2021-2023، بحسب تحقيق سابق نشرته ريف اليمن.

ما شهدته مديرية وصاب السافل من كارثة طبيعية مركبة نتيجة للسيول وانفجارات خزانات المياه، تتشابه بشكل كبير مع تلك التي عاشتها مديرية ملحان في المحويت من حيث المسببات والمأساة الإنسانية، بفارق أن حادثة ملحان تكشف جانبا آخر من الهشاشة البنيوية للبلد في مواجهة الكوارث.

وعجزت فرق الإنقاذ عن الوصول إلى عزلة همدان التي تُعدّ المنطقة الأكثر تضرّرا في ملحان، حتى اليوم الخامس بعد وقوع الحادثة، بحسب تأكيد المواطن “عبد الفتاح شايع” الذي جرفت السيول 17 من أفراد عائلته، في حديثه لريف اليمن.

ويشير شايع، إلى أن غالبية الضحايا من عائلته ما زالوا في خانة المفقودين، ولم يُنتشلوا ولم يُعرف مصيرهم، في الوقت الذي أصبح شايع ومَن تبقى من أفراد عائلته، ومعهم أكثر من 80 أسرة من أهالي العزلة، نازحين بلا مأوى.


ويُرجع أمين عام جمعية الهلال الأحمر في محافظة المحويت، سعد الحُفاشي، الأسباب والعوامل التي حالت دون تمكّنهم من الوصول إلى عزلة القبلة إلى تقطع الطرق بسبب الانهيارات الصخرية، واستمرار المنخفض الجوي، ووعورة التضاريس وقساوتها في المنطقة الريفية المعلّقة في أعلى قمم جبل شاهق.

وذكر الحُفاشي لـمنصة ريف اليمن أن فرقهم تمكّنت من الوصول إلى عزلة القبلة المجاورة لهمدان وثاني المناطق من حيث الضرر، وسجلت نزوح نحو 150 أسرة من أهالي العزلة إلى مديرية الخبت المجاورة، وهم الآن بحاجة إلى مأوى ومساعدات إنسانية عاجلة.

نزوح الآلاف من اليمنيين

وتخشى الأسر التي اضطرت إلى مغادرة منازلها في ملحان جراء الكارثة، المصير نفسه الذي تعيشه الآلاف من أسر النازحين في مخيمات النازحين الداخلية بسبب الحرب، وهي مخيمات تضم قرابة 4.5 مليون نسمة. وتشير التقارير الصادرة من مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى أن السيول، التي شهدتها البلاد حتى الـ 14 من أغسطس الماضي، ألحقت الضرّر بأكثر من 12 ألف مسكن ومأوى في اليمن.

ويوضح النازح عبد الله محمد، أحد القاطنين في مخيم النازحين بمنطقة “شَفَر” في مديرية عبس بمحافظة حجة، لريف اليمن الأضرار التي سببتها الأمطار الغزيرة والفيضانات على مسكن أسرته، بالقول: “السيول جرفت غرفة صغيرة من الطين كنت قد بنيتُها بجوار خيمتي، وكانت تجتاح الخيمة بشكل متواصل، لدرجة أنه تمضي أيامٌ لا نجد فيها مكانا جافا لننام فيه، أو لحافا أضعه غطاءً على صدور أطفالي”.

ويشير إلى أن الفيضانات جاءت في الوقت الذي كان قد وصل وضعهم المعيشي في المخيم إلى “تحت الصفر” بسبب تقلص المساعدات الإنسانية وانقطاعها بين الفترة والأخرى.


تأتي الفيضانات في الوقت الذي تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى حاجة 18.2 مليون يمني إلى المساعدات الإنسانية، لتعمق الأزمة الإنسانية والاقتصادية التي تعيشها البلاد نتيجة لتداعيات الحرب والحصار المستمر منذ نحو عشر سنوات.

ويؤكّد الصحفي المتخصص بالشأن الاقتصادي، رشيد الحداد، لريف اليمن أن مخاطر الكوارث الطبيعية أصبحت شبحا يداهم اليمنيين، في ظل غياب أي جهة داخلية وخارجية تقوم بواجبها بتقديم المساعدات اللازمة لتعويضهم.

ويشير إلى أن ما تلحقه السيول والفيضانات من أضرار جسيمة في منازل السكان وممتلكاتهم ومصادر دخلهم الأساسية من مساحات زراعية شاسعة ومحلات تجارية ووسائل نقل بالإضافة إلى ما تحدثه من دمار في الطرقات والبنية التحتية، سيُسهم حتما في تردّي الوضع المعيشي والإنساني للمواطنين، وسيكون له تداعيات سلبية وخسائر مضاعفة على اقتصاد البلاد المنهارة بفعل الحرب، علاوة على رفع فاتورة تكلفة إعادة الإعمار مستقبلا.

ليست الطرقات والجسور وحدها ما تعرّض للتخريب جراء الكارثة الطبيعية المخيمة على البلد، بل المواقع الأثرية والتاريخية من مدن وحصون وقلاع تعرضت للانهيارات والتهدم والتخريب، مثل مدينة صنعاء القديمة التي انهارت بعض منازلها، ومدينة زبيد التي طال الدمار أجزاء من أسوارها وبيوتها، وقلعة شمر يهرعش في رداع التي انهار جانب من سورها، وكذلك قلعتا ثلا في عمران والضحي في الحديدة وغيرها، الأمر الذي دفع بالهيئة العامة للآثار والمتاحف إلى مناشدة الجهات المعنية والمهتمة بسرعة اتخاذ إجراءات تجنّب المواقع الأثرية تداعيات كارثة السيول.

وللوقوف أكثر على أسباب وعوامل وطبيعية الكوارث الطبيعية التي حولت موسم الأمطار لدى كثير من اليمنيين إلى موسم للخوف والفزع بدلا من صفته المتوارثة عبر الأجيال موسما للاطمئنان والاستقرار والزراعة والرحمة، بحثت ريف اليمن الظاهرة مع مجموعة من المسؤولين والخبراء والباحثين المهتمين في مجال البيئة والمناخ، وهم يُرجعون الأمر، بإجماع، إلى تأثيرات التغيرات التي يشهدها العالم، وتُعدّ اليمن مِن أبرز المتأثرين بتداعياتها حسب تقارير جهات دولية، مثل منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة الفاو والبنك الدولي.

ويوضح الباحث في التغيرات المناخية، حاجب الحاجبي، أن السبب الرئيس في تصاعد وقوع الكوارث الطبيعية، كالفيضانات والأعاصير والحرائق والجفاف وغيرها، يعود إلى الاحتباس الحراري الحاصل في الغلاف الجوي والذي يزيد من وتيرة ارتفاع درجة الحرارة السطحية في الأرض، وينوّه الحاجبي إلى حقيقة علمية لا بد مِن أخذها بعين الاعتبار عند تفسير تأثير التغيرات المناخية على اليمن، وهي أن البلد يقع بين كتلتين مائيتين (البحر الأحمر والبحر العربي)، فالاحترار الحاصل في هذه الكتلتين ينعكس بسبب إشكاليات مناخية على البلد في الوقت الحاضر والمستقبل.

التغيرات المناخية في اليمن

بالإضافة إلى الخصوصية الجغرافية لموقع اليمن بين كتلتين بحريتين، هنالك جملة من العوامل تقف خلف زيادة تأثر البلد بآثار وكوارث التغيرات المناخية، أبرزها: التدهور البيئي، مثل إزالة الغابات والغطاء النباتي، وقد كان من الممكن أن تعمل حائطَ صدّ، البنية التحتية الضعيفة لأنظمة الصرف الصحي والسدود والحواجز المائية وأنظمة تصريف مياه الأمطار، مما يزيد من تأثير الفيضانات والسيول الناتجة عن الأمطار الغزيرة، بالإضافة إلى نقص الوعي للتعامل مع الكوارث عند المواطنين وعدم وجود أنظمة إنذار مبكر شاملة وغيرها، بحسب خبير البيئة والتغيرات المناخية والاستدامة، جواد الوبر، في حديثه لريف اليمن.


    مواضيع ذات صلة


ويشدّد خبير الاستدامة الوبر على ضرورة أن تتبنّى البلد استراتيجية شاملة لمعالجة آثار التغيرات المناخية والتكيّف معها، تبدأ من تحسين قدرة الاستجابة والإنذار المبكر ونشر الوعي البيئي على المدى القريب، مرورا بتعزيز البنية التحتية لأنظمة تصريف مياه الأمطار والسيول، وتطبيق قواعد التخطيط العمراني والحفاظ على المحميّات والغابات، وصولا إلى تحفيز البحث العلمي والتوجّه نحو مصادر الطاقة المتجدّدة وانتهاج سياسة بيئة مستدامة في كافة المجالات.

من جهته يرى مدير عام وحدة التغيرات المناخية بالهيئة العامة لحماية البيئة، المهندس معين السواري، في حديثه لريف اليمن أن “الحرب تمثل عائقا كبيرا أمام جهود الاستجابة للتغيرات المناخية، ويأتي في مقدمتها تعزيز البنية التحتية لمواجهة الكوارث، يليها انقطاع الدعم الفني والمالي الدولي في مجال البيئة عن البلد، عدم استفادة البلد من صندوق المناخ الأخضر أو صندوق البيئة العالمي GEF أو أية صناديق بيئية أخرى، بالإضافة إلى الوضع الاقتصادي المنهار الذي تمر به البلد”.

ويدعو مدير عام وحدة التغيرات المناخية، السواري، إلى تحييد كل ما يخصّ الحفاظ على البيئة عن الصراع، ووقف العدوان على البلد والوصول إلى حالة سلام، وتكاتف جميع الجهود الوطنية سواءً الرسمية أم المجتمعية للعمل على إيجاد استراتيجية وطنية للتغيرات المناخية تضمّ في مكوناتها جميع أطياف وفئات المجتمع، وتُسهم بشكل فعال في الحد والتكيف مع آثار التغيرات المناخية مستقبلا.

تضع الكوارث الطبيعية المصاحبة لمواسم الأمطار، الناتجة عن التغيرات المناخية الحاصلة في العالم، المجتمع اليمني أمام مسؤولية كبيرة في تفهّم تلك الظواهر والتعامل معها بالشكل الذي يقلّل مِن تعرضه للخسائر والأضرار، كما تستدعي من السلطات القائمة تجنيد الإمكانيات اللازمة لمواجهتها ومساندة المتضررين وتقديم المساعدات الإنسانية لهم، وذلك يتطلّب بشكل أو آخر دفع الجميع نحو جهود إنهاء الحرب وإعادة السلام.

فيما يتحمل المجتمع الدولي مسؤولية كبيرة في دعم اليمن للوقوف أمام تحديات التغيرات المناخية الناتجة عن أنشطة الدول الصناعية الكبرى، والأهم إلزام تلك الدول بخفض أنشطتها المتسببة بالكوارث والمهدّدة لمستقبل شعوب المعمورة.

شارك الموضوع عبر:
الكاتب

مقالات مشابهة :