الزراعة في حضرموت.. تدهور فاقمه تغير المناخ

ضعف الإنتاج وقلة المساحات الزراعية وغياب بعض المحاصيل

الزراعة في حضرموت.. تدهور فاقمه تغير المناخ

ضعف الإنتاج وقلة المساحات الزراعية وغياب بعض المحاصيل

على مدى سنوات اعتمد المواطن سالم علي (55 عاما) على الزراعة في حضرموت مصدرا رئيسا للدخل والعيش، إلا أن التغييرات المناخية قلبت موازين حياته الزراعية رأسًا على عقب، وبدأت أرضه تفقد خصوبتها، مما أثر بشكل مباشر على محاصيله، وأدّى إلى انخفاضها بشكل كبير.

من واحة لأرض قاحلة

يروي سالم الذي ينحدر من منطقة المنازح بمديرية الريدة الشرقية، لمنصة ريف اليمن، كيف تراجعت الزراعة وتحوّلت أراضيه إلى مناطق قاحلة، بسبب تراجع الأمطار بشكل كبير تارة، وهلاك المحاصيل بسبب الأمطار والفيضانات المصحوبة بالرياح الشديدة تارة أخرى.

وفي السنوات الأخيرة شهدت حضرموت تدهورًا ملحوظًا في الجانب الزراعي بسبب ارتفاع درجات الحرارة وتقلّب نمط الأمطار، وهو ما انعكس على جودة وكمية المحاصيل، فهذا الواقع فرض ضغوطًا هائلة على المزارعين، الذين كانوا يعتمدون على الموارد الطبيعية بشكل أساسي لضمان استدامة زراعتهم.

ويقول سالم: “لم تعد الأمطار تأتي كما كانت من قبل، وفي كل عام يزداد الوضع سوءا، لا أستطيع توفير الماء الكافي لريّ المحاصيل، وكثير منها فشل في النمو هذا العام، كل شيء أصبح يعمل ضدّ المزارع، تضاعفت أسعار المياه والبذور والأسمدة وغيرها”.

ويضيف: “الزراعة في حضرموت تعاني منذ سنوات مِن عقبات عدّة، أبرزها نقص المياه بسبب تغير المناخ الذي أثر بشكل مباشر على إنتاجية المحاصيل، في الوقت الذي تعتمد فيه المنطقة بشكل كبير على الأمطار الموسمية، ونتيجة لعدم انتظامها تأثرت مساحات واسعة من الأراضي الزراعية”.


      مواضيع مقترحة


ويردف قائلا: “مِن التحديات أيضا ضعف البنية التحتية الزراعية، وارتفاع تكاليف الإنتاج الذي يكابده معظم مزارعي البلاد، بما في ذلك أسعار البذور والأسمدة، إلى جانب محدودية الوصول إلى تقنيات زراعية حديثة، وقلة الدعم الحكومي، سواء من جهة توفير القروض الزراعية أم الخدمات الإرشادية”.

“رغم هذه التحديات هناك فرص يمكن استغلالها باهتمام الجهات المحلية والدولية بمشاريع التنمية الزراعية المستدامة، مثل مبادرات الزراعة المائية، وتقنيات الري الحديثة التي يمكن أن تساعد في الحفاظ على الموارد المائية”، يقول سالم.

ويضيف: “هناك إمكانية لتوسيع نطاق التعاونيات الزراعية التي تدعم المزارعين المحليين وتوفر لهم الأدوات اللازمة لزيادة الإنتاجية، وبإمكانها أيضاً التركيز على المحاصيل ذات العائد الاقتصادي المرتفع، مثل التمر الذي يمكن أن يكون أحد الحلول لتحسين الاقتصاد الزراعي في المنطقة”.

وبحسب الأرقام الواردة في أطلس التصحّر وتقرير تغير المناخ والأراضي، يفقد العالم سنويا ما يعادل 4.18 مليون كيلومتر مربع من الأراضي الصالحة للزراعة والرعي بسبب التصحّر، وتعتبر أفريقيا وآسيا الأكثر تضرّرا، وسيؤدي ذلك إلى نقص مقداره 10% من إجمالي إنتاجية المحاصيل العالمية بحلول عام 2050م.

تدخلات محدودة

مدير إدارة رقابة الجودة بمكتب الزراعة بساحل حضرموت المهندس حسين اليزيدي قال: “إن استجابة السلطة المحلية والمنظمات المختصة بهذا الجانب لا تواكب حجم الضرر الناتج عن التغيرات المناخية”، ويلفت إلى أنّ تدخلات السلطة والمنظمات محدود جدا، ولم يشمل جميع المناطق المتضررة.

وأكّد اليزيدي، في حديثه لمنصة ريف اليمن، أن الزراعة في حضرموت لها دور تاريخي مهم، فقد ارتبطت بتطوّر المجتمع المحلي منذ آلاف السنين، وتعتبر المحافظة واحدة من المناطق الزراعية الخصبة في اليمن؛ إذ فيها أودية كبيرة مثل وادي حضرموت ووادي دوعن، وتزرع فيها مجموعة متنوعة من المحاصيل التي تعتمد بشكل رئيسي على مياه الأمطار والسيول، إلى جانب نظام الريّ التقليدي المعروف بـ”الأفلاج” الذي ساعد في توفير المياه للمزارع لفترات طويلة.

الزراعة في حضرموت..تدهور فاقمه تغير المناخ
تعتبر حضرموت واحدة من المناطق الزراعية الخصبة في اليمن وتتواجد فيها أودية كبيرة وتزرع محاصيل متنوعة (حضرموت21)

ومنذ العصور القديمة شكلت الزراعة الأساس الاقتصادي لحضرموت، فقد كانت تصدر منتجات زراعية مثل التمر والحبوب إلى المناطق المجاورة وحتى إلى خارج اليمن، واعتمد سكان حضرموت على زراعة النخيل بشكل خاص، ويُعد جزءًا من التراث الزراعي للمنطقة.

ويقول اليزيدي: “ظلت الزراعة ركيزة أساسية للاقتصاد رغم التحديات الحديثة، مثل نقص المياه والتغيرات المناخية، ولا تزال تؤدي دورا مهما في معيشة كثير من سكان حضرموت، لكنها حاليا تواجه تحديات كبيرة، وفي الوقت نفسه تحمل فرصًا للنمو في ظلّ الظروف الاقتصادية والسياسية المعقدة”.

ويتحدث اليزيدي عن التأثيرات المباشرة للتغيرات المناخية على الزراعة في حضرموت والمتمثلة في ارتفاع درجات الحرارة، وهطول الأمطار الغزيرة والفيضانات، وجرفها للأراضي والترب والمحاصيل الزراعية، وأيضا الردم للسواقي ولقنوات الري، وانتشار الحشرات المختلفة طوال العام، لافتا إلى أن تأثير هذه العوامل بلغ نحو 50٪، وتبرز في ضعف إنتاجية المحاصيل وقلة المساحات الزراعية وعدم زراعة بعض المحاصيل.

حلول ممكنة

وأشار إلى الحلول الممكنة للحدّ من هذه المتغيرات التي تتمثل بإعادة تأهيل البنية التحتية من الحواجز والسدود وحماية الأراضي والمحاصيل، ومكافحة الحشرات والأمراض للحدّ من خطورتها، وإدخال التقنيات الحديثة في الزراعة مثل الزراعة في البيوت المحمية والريّ بالرش والتنقيط، وإدخال محاصيل متحملة لدرجات الحرارة والجفاف والحدّ من عملية قطع الأشجار “التحطيب”، وتوفير المدخلات الزراعية كالأسمدة والبذور للمزارعين والري الحديث والطاقة البديلة.

وبحسب تحقيق نشرته مؤسسة الصحافة الإنسانية، تشير التقديرات إلى أن تأثير تغير المناخ على المستوى العالمي يشكل تهديدًا آخر للأمن الغذائي في اليمن الذي يستورد 90% من احتياجاته، ما سيزيد من تفاقم انعدام الأمن الغذائي ونقص التغذية والاعتماد على المساعدات الخارجية.

وتزامنت موجة الجفاف مع ارتفاع غير مسبوق في درجات الحرارة في الأعوام الأخيرة، ما أثر على جميع المناطق الزراعية في البلاد، ووفقًا لتقارير رسمية، سجّل ارتفاع نسبة التصحر من 90% عام 2014 إلى 97% عام 2022، الأمر الذي أدى إلى خسارة سنوية تتراوح بين 3 – 5% من الأراضي الصالحة للزراعة.

وبحسب ما نشرته دراسة المستجدات الاقتصادية والاجتماعية في اليمن عام 2022، يعاني الإنتاج الزراعي في عدد من الأقاليم من الآثار السلبية لارتفاع درجات الحرارة، والتغييرات في مستويات الطقس، وازدياد وتيرة موجات الجفاف والفيضانات، وكثافة الظروف المناخية المتطرفة، وارتفاع مستويات البحار، وتملّح الأراضي القابلة للزراعة والمياه العذبة.

الدراسة أوضحت أن اليمن تحتل المرتبة الثلاثين بين الدول الأكثر ضعفا والمرتبة السابعة عشرة بين الأقل استعدادا لمواجهة آثار تغير المناخ، وتشير الدلائل الأخيرة إلى أن زيادة التغيرات المناخية الكبيرة والمفاجئة أحبطت جهود الأمن الغذائي بسبب تأثر كثير من الأراضي للفيضانات والسيول وكذا الجفاف نتيجة التصحّر الذي يعاني منه عدد كبير من الأراضي الزراعية.

*الصورة: UNDP Yemen

شارك الموضوع عبر:
الكاتب

مواضيع مقترحة: