أثار قرار استيراد “الطماطم” وأصناف أخرى الخضروات في اليمن ردود فعل واسعة، وموجة استنكار واستهجان كبيرة، وذلك وسط تحذيرات اقتصاديين من تبعاته الخطيرة على المزارعين اليمنيين والإنتاج الزراعي والاقتصادي الوطني بشكل عام.
وخلال الأيام الماضية انتشر الطماطم المستورد من الأردن في الأسواق المحلية بمدينة عدن، بعد نحو شهرين من ارتفاع قياسي في أسعارها في كافة المحافظات اليمنية، ووصل سعر الكيلو جرام بمدينة عدن إلى 4,000 ريال يمني (ما يعادل 2 دولار أمريكي)، وتفاوتت أسعارها في بقية المحافظات اليمنية.
وتنتج اليمن أكثر من 162 ألف طناً من الطماطم، وفق الإحصاء الزراعي 2021 الصادر من صنعاء، وتتصدر محافظة النسبة الأكبر من الإنتاج وتليها محافظة صنعاء ومن ثم مأرب، ولم يسبق أن اعتمدت اليمن على الاستيراد في الخضار خلال العقود الماضية.
مواضيع مقترحة
الزراعة في حضرموت.. تدهور فاقمه تغير المناخ
زراعة الفول السوداني.. انتعاشه في “سامع” تفتقد للتسويق
بسبب التغيرات المناخية.. هل تتغير مواسم الزراعة؟
ويعاني الإنتاج الزراعي من تذبذب في إنتاج المحاصيل الزراعية، ولا سيما الخضروات التي تُعد عنصرا رئيسيا في المطبخ اليمني، ما يؤثر على العرض والطلب في السوق، ويسبّب كسادا للمنتجات وانخفاضا في أسعارها في كثير من المواسم الزراعية بسبب غياب خطط الإنتاج.
ويعد الكساد من أبرز التحديات التي يواجهها القطاع الزراعي، حيث أن ارتفاع الإنتاج السنوي من المحاصيل ومن ضمنها “الطماطم” حيث يفوق الانتاج الاحتياجات الفعلية للسوق المحلية. ومع غياب التصدير وخطط استراتيجية في تخزين الطماط أو مصانع التعليب، يتم إغراق الأسواق بهذا المحصول ويتكبد المزارعين خسائر كبيرة.
استيراد الطماطم وتأثيره على المزارعين
واعتبر مزارعون استيراد الطماطم من الخارج إعلانَ حرب على الزراعة والمزارعين، لما قد يتسبّب به من آثار كبيرة على المزارعين الذين لن يستطيعوا الاستمرار في الزراعة في ظلّ ارتفاع تكاليف الزراعة وعدم قدرة المستهلك على الشراء.
يقول المزارع ثابت محمد من محافظة صنعاء: “نشعر بالصدمة نتيجة قيام الحكومة الشرعية باستيراد الطماطم من الأردن في هذا الوضع الاقتصادي الصعب الذي يمر به المزارعون والوطن عموما”.
وأضاف في حديثه لمنصة ريف اليمن: “ينتظر المزارعون الموسم الذي تتحسّن فيه الأسعار لتعويض الخسائر الكبيرة التي تكبدوها طيلة الأشهر الماضية، والتي وصل فيها سعر سلة الطماطم (20 كيلو) إلى أقل من ألف ريال يمني في صنعاء (ما يعادل 2 دولار)، وهذا لا يغطي أجور العمال الذين يقومون بقطفها، ناهيك عن تكاليف زراعتها”.
ولفت ثابت محمد إلى أن استيراد الخضروات من الخارج بكميات كبيرة وإغراق السوق بأسعار مدعومة أقل من أسعار المنتجات المحلية تدفع المواطن إلى العزوف عن المنتج المحلي، وهذا يُعد استهدافا للمزارعين وإحباطا لهم وسيسبب خسائر كبيرة، وإن لم يتركوا الزراعة، فسيقلّلون من المساحات المزروعة على الأقل.
وناشد ثابت الحكومة بالتحرك لدعم المزارعين وبحث خطة زراعية تعمل على توفير الخضروات والفواكه على مدار العام من مزارع اليمن، ومعالجة الأسباب التي تؤدي إلى الارتفاع المبالغ فيه في الأسعار المحلية، بدلا من استيراد الخضروات من الخارج.
وللقطاع الزراعي دور مهم في الاقتصاد الوطني؛ إذ يُعد هذا القطاع أحد أهم دعائم ومرتكزات الاقتصاد الوطني، ويبلغ متوسط إسهام القطاع الزراعي نحو 13.7% من إجمالي الناتج المحلي، بحسب المركز الوطني للمعلومات.
غياب الرؤية الحكومية
ورأى أستاذ الاقتصاد بجامعة صنعاء، ياسر قاسم، “إنّ السماح باستيراد الطماطم من الخارج يكشف غياب الرؤية لدى الحكومة، والعشوائية في اتخاذ القرار، وأن مثل هذا القرار سيُلقي بكاهله على المزارعين المعتمدين في دخلهم الأساسي على الزراعة، وهذا يزيد من رقعه الفقر”.
وأضاف في حديث لـ”منصة ريف اليمن”، “أن ترحيل العملة الصعبة للخارج بدلاً من دورانها في البلاد ذات الاقتصاد المنهار سيؤدي إلى زيادة انهيار العملة الوطنية”.
طالب الدكتور قاسم، الحكومة بعمل رؤية لدعم المزارعين وتمويلهم وإنشاء بيوت محمية لزراعة الطماطم والبطاط وغيرها من المزروعات، والسيطرة على التذبذب في الإنتاج الزراعي بخطوات علميه وصحيحة.
وأشار، أن الاستفادة البسيطة من انخفاض سعر الطماطم اليوم، سيأتي ضررها غدا عندما يتأثر المزارعون ويتراجع الإنتاج الزراعي، وحينها سنجد أنفسنا نستورد ونشتري الخضروات بأسعار مرتفعة على مدار العام.
ويتفق الصحفي الاقتصادي وفيق صالح مع الدكتور قاسم، وقال “أنّ أي توسع في الواردات والاستيراد مؤشر سلبي على وضع الاقتصاد الوطني وعلى ميزان المدفوعات، كما أنه يُسهم في تراجع حجم الإنتاج المحلي”.
وقال في تصريح لمنصة ريف اليمن: “ما لحظناه مؤخرا من وصول بعض الخضروات والفواكه المستوردة إلى السوق المحلية، سيؤثر على تراجع الإنتاج الزراعي، وسيلحق خسائر بالمنتج المحلي، لا سيما في ظل غياب الرؤية الشاملة للنهوض بالقطاع الزراعي”.
وأشار وفيق “أن واقع الانقسام الاقتصادي جعلت من أسعار الخضروات المحلية أكثر ارتفاعا من المستوردة، وهذا يدفع المستهلكين إلى العزوف عن شراء المنتج المحلي والإقبال على المستورد”.
الإنتاج المحلي وسبل العيش
ويشكل استيراد المنتجات الزراعية التي ينتجها المزارعون المحليون إلى جانب التحديات ومعوقات الزراعة التي تواجه المزارعين، وكذلك التغيرات المناخية وارتفاع التكاليف الزراعية سببا في تراجع الإنتاج الزراعي، ما يؤثر على المزارعين الذين يعتمدون على الزراعة مصدرَ دخل رئيسي لهم ولأهاليهم.
ويُعد القطاع الزراعي الأهم في اليمن، إلا أنه لا يوفر حاليا سوى 15 – 20% من الاحتياجات الغذائية، وذلك بسبب محدودية الأراضي الزراعية وموارد المياه والممارسات الزراعية السيئة، وفقا للأمم المتحدة.
يتم استيراد ما يصل إلى 85 في المائة من المواد الغذائية المستهلكة، ومعظمها من المواد الغذائية الأساسية، مثل القمح والأرز والزيت والسكر والحليب. تتمتع اليمن بالاكتفاء الذاتي في بعض الحبوب (الذرة الرفيعة والدخن والشعير)، بينما يتم استيراد 90٪ من القمح. وفق البنك الدولي.
ويمثل القطاع الزراعي جزءًا كبيرًا من الصادرات المحلية غير النفطية ويدعم سبل العيش من خلال الإنتاج الزراعي والحيواني. ويعتمد أكثر من ثلاثة ثلثي اليمنيين على الزراعة لكسب عيشهم. بحسب تقرير البنك الدولي في اليمن.