في ظل غياب الدعم الحكومي، يواصل سكان وادي المِعْقاب، في قمة جبل صَبِر بمحافظة تعز، زراعة محاصيل متنوعة، أبرزها القمح والشعير والبقوليات، وذلك بهدف تأمين الغذاء، معتمدين على الأمطار الموسمية بدرجة أساسية.
تجربة واعدة وأمن غذائي
وبحسب مزارعين تحدثوا لمنصة ريف اليمن التي زارت الوادي، يُقدّر إنتاج الوادي من القمح بحوالي 150 كيسا (عبوة 50 كيلو) سنويا، وهي كمية قليلة مقارنة بعدد السكان المحليين الذين يعتمدون على الزراعة بدرجة أساسية.
يقول عقلان الصبري (50 عاما)، أحد مزارعي القمح، إنه ورث مهنة الزراعة عن أجداده القدماء، وشرع الأعوام الماضية في زراعة القمح، بهدف تأمين الغذاء لأفراد عائلته، إلا أنه أكّد أن ما تنتجه الأرض لا يفي بالغرض، وأنه يضطر للشراء من الأسواق.
ويضيف الصبري لمنصة ريف اليمن: “زراعة القمح والشعير والبقوليات لا تتطلب بذل جهود كبيرة، وكل ما يقوم به المزارع هو حراثة الأرض وتهيئتها قبل بدء الموسم، ثم وضع البذور”، ويلفت إلى أن حراثة الأرض تجري بطريقة تقليدية قديمة.
مواضيع مقترحة
زراعة الفول السوداني.. انتعاشه في “سامع” تفتقد للتسويق
هل يمكن نجاح الزراعة بلا أسمدة أو مبيدات كيميائية؟
بسبب التغيرات المناخية.. هل تتغير مواسم الزراعة؟
ويردف: “نفتقد الدعم الحكومي وغياب الآلات والمعدات الزراعية الحديثة، فهي تخفف كثيرا من الأعباء، ونحن -المزارعين- حاليا نعتمد على الحمير والجمال في حراثة الأرض، وهذا يأخذ منا كثيرا من الوقت والجهد”.
ويبدأ موسم زراعة القمح والشعير في شهر نيسان/ أبريل، ويستمر حتى أواخر حزيران سنوياً، وتُقدّر المساحة المزروعة بالقمح في مديرية صبر المَوادم بمساحة 28 هكتارا، بينما تُقدر مساحة زراعة الشعير بمساحة 85 هكتارا، بحسب مكتب الزراعة بالمحافظة.
يعتمد عقلان ومعه كثير من المزارعين على مياه الأمطار الموسمية، ويقول لمنصة ريف اليمن: “لم نتلق أي تشجيع أو دعم من الدولة، سوى قيام المكتب الزراعي بتوفير بذور للمزارعين لمرة واحدة فقط، وتقديم حراثة أصبحت خارجة عن الخدمة”.

المزارع عبد العزيز الصبري (45 عاما) يشكو أيضا من غياب الاهتمام الحكومي بالزراعة في جبل صبر، مطالبا بالالتفات إلى معاناة المزارعين والعمل على حلّها، وتشجيعهم وتحفيزهم وإقامة دورات تدريبية لرفع قدرات المزارعين.
وقال الصبري لمنصة ريف اليمن: “دور مكتب الزراعة، سواء في المديرية أم المحافظة، غائب تماما، وللإنصاف قدمت إحدى المنظمات قبل فترة حرّاثة حديثة للوادي، لكنها سرعان ما تعطلت وخرجت عن الخدمة، ولم تُصلح حتى اللحظة”.
غياب الاهتمام
وبحسب الصبري، لم تستطع الآلة قبل خروجها عن الخدمة تغطية احتياجات المزارعين للقيام بزراعة الوادي، خاصةً مع تزايد هطول الأمطار؛ إذ يُعد جفاف الأرض عائقا أمام المزارع ويمنع من حراثة الأرض، وهي من المعوقات التي يواجهها المزارع باستمرار.
وبرر مدير مكتب الزراعة بالمديرية، مهيوب الصامت، غياب دور مكتب الزراعة بانعدام الإمكانيات، وقال: “لا توجد لدينا إمكانيات، ونعتمد على المساعدات المقدّمة من منظمة الفاو”.
وأضاف في تصريح لمنصة ريف اليمن: “رغم ذلك، حصلت صبر الموادم على النصيب الأكبر من الدعم المقدم من الفاو، كشبكة الري والبذور وتوزيع الأغنام، وتدريب وتأهيل عُمال صحة الحيوانات، لكن يبقى الأمر بحاجة إلى إمكانيات أكبر لإحداث نقلة في المجال الزراعي”.

وبرغم الدعم المذكور، يواجه المزارع الصبري ومعه مئات من المزارعين في قرى جبل صبر صعوبات عدّة؛ إذ يفتقرون إلى أبسط المقومات الزراعية، ويبذلون جهودا مضاعفة لاستمرار نشاطهم، مطالبين الجهات الحكومية بتشجيع الزراعة بعمل حواجز مائية، وتوفير تقنيات جديدة وأساليب مبتكرة لتحسين كمية الإنتاج.
ووفقا لمنظمة الأغذية والزراعة العالمية (فاو)، يلبي قطاع الزراعة في اليمن حوالي 15 – 20% من احتياجات البلد الغذائية، وقد ارتفع إسهامه في الناتج المحلي الإجمالي للبلاد من 10.4٪ في عام 2012 إلى 13.4٪ في عام 2020، وتوضح هذه البيانات محورية قطاع الزراعة وأنه يستحق الاستثمار فيه من أجل تكامل الجهود الإنسانية مع تدخلات ذات طابع أكثر استدامة وطويلة الأجل.
وعن احتياجات المديرية في المجال الزراعي، قال مستشار مكتب الزراعة بالمحافظة فضل الكامل: “نحتاج للأصناف الجيدة من البذور التي تزيد من كمية المحصول”، ويلفت إلى أن صبر الموادم قد اختيرت لبناء بنك للبذور، ويجري متابعة تنفيذه بتمويل من الفاو.
وأوضح في حديثه لمنصة ريف اليمن أن مديرية صبر تزرع القمح بمساحة 28 هكتارا والشعير بمساحة 85 هكتارا، وفيها تنوع للمحاصيل رغم أن المساحة المحصولية 1415 هكتارا، وتستحق الاهتمام والدعم، وحاليا هناك توجّه لزراعة اللوز كأنسب منطقة بعد التجربة، لافتا إلى أن المكتب يقدم خدمات الإرشاد، ولا يحصل على تمويل من الوزارة ولا من المحافظة.

صندوق لدعم الزراعة
وعن طريقة حصاد القمح والشعير، يقول المزارع عقلان: “عندما يصل المحصول إلى وزن جاف للحبوب، وتجفّ سيقانه تماما، يقطع المزارعون الجذور باستخدام المنجل، ثم تربط المجموعات على شكل عقد صغيرة، وتُوضع تحت أشعة الشمس لأيام، ثم تبدأ عملية استخراج الحبوب منها”، ويذكر أن الوادي يزرع بالإضافة للقمح والشعير، الثوم والفول والفاصوليا والحُلبة.
ويرى أستاذ الاقتصاد بجامعة تعز، الدكتور محمد علي قحطان، أن تعز أرض خصبة ومناخاتها متعددة وصالحة لزراعة كثير من المحاصيل الزراعية والتربية الحيوانية، لكنه يقول: “هناك معضلات تواجه القطاع الزراعي تتمثل بقلة المياه وزحف القات على حساب المحاصيل الأخرى”.
وقال قحطان لمنصة ريف اليمن: “في حالة حضور مكتب الزراعة والجهات الداعمة والسلطة المحلية إلى جانب المزارعين، وتقديم حلول عملية ودعم تربية الثروة الحيوانية، سيكون لذلك دور كبير في مواجهة المشكلات التي تواجه القطاع الزراعي والحيواني”.
ويقترح أستاذ الاقتصاد بجامعة تعز إنشاء صندوق مركزي تكون موارده من ضرائب القات، وتُخصص لدعم الإنتاج الزراعي، ثم تُنشأ صناديق فرعية بالمديريات، وهذا من شأنه الإسهام في تشجيع زراعة المحاصيل الغذائية وتربية الثروة الحيوانية، وإحداث نقلة نوعية من خلالها ستتوفر المنتجات الزراعية المحلية في الأسواق للمواطنين.