تضع العديد من الدراسات اليمن من بين أكثر دول العالم عرضة لتغير المناخ، وأقلها استعدادًا للتخفيف من آثاره أو التكيف معها، الأمر الذي يتطلب إعداد استراتيجية وطنية ودعم خارجي حيال ذلك.
ويشكل قطاع الزراعة واحدا من أبرز القطاعات تضررا بهذه المتغيرات المناخية سواء كان الجفاف والفيضانات الشديدة أو التغيرات في أنماط هطول الأمطار وارتفاع درجات الحرارة.
وشهدت محافظتي المهرة وحضرموت في أواخر أكتوبر الماضي، فيضانات تسببت بخسائر في البنية التحتية والممتلكات والأراضي الزراعية، كما أثرت الأمطار الغزيرة في محافظات أخرى على الحقول الزراعية.
وأظهرت أمطار السنوات الماضية؛ كيف تحوّلت في الأحيان إلى فيضانات مفاجئة مع ما يترتب على ذلك من انهيارات أرضية وتآكل التربة واقتلاع النباتات وتدهور المدرجات الزراعية.
أسباب وعوامل تغير المناخ
يقول الدكتور عبدالقادر الخراز استشاري التغيرات المناخية والتقييم البيئي لـ”ريف اليمن”، إن اليمن لا يشكل مساهمة تُذكر في تغير المناخ لكن هناك بعض العوامل التي تلعب دورا في تأثره اليمن ومنها “موقع البلد الجغرافي على بحر العرب والمحيط الهندي؛ حيث تتشكل الأعاصير”.
وأضاف: “فضلا عن التنوع الطبوغرافي والتي تتجلى في زيادة نسبة هطول الأمطار في المناطق الجبلية والوديان الداخلية مع ندرتها في المناطق الصحراوية والساحلية، التي رغم ذلك تتأثر بجريان السيول القادمة إليها من الجبال، وبالتالي تحدث في المناطق الصحراوية والساحلية تأثيرات مختلفة تضاف إلى الجفاف التي تتعرض له بفعل ندرة هطول الأمطار”.
من جانبه، يقول استشاري التنمية المستدامة محمد عبد الله الشرعبي، إنه على الرغم من أن اليمن من أقل الدول المنتجة للغازات الدفيئة والتي قد تكون سببا رئيسيا في ما يُعرف بظاهرة الاحتباس الحراري، بالإضافة إلى كونها من أغنى الدول العربية بمصادر التنوع الحيوي وأنظمتها الإيكولوجية والتي كان بالإمكان أن تساعدها للصمود أمام متغيرات المناخ، إلا أنها وبسبب موقعها الجغرافي ونتيجة لتنوع تضاريسها تعتبر من أكثر الدول تضررا بالظاهرة.
الجانب الإيجابي
ذكرت نشرة المناخ الزراعي التي أصدرتها منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) في اليمن أواخر الشهر الماضي، أن المزارعين في أجزاء من المهرة وحضرموت تأثروا سلبا بدرجات الحرارة المرتفعة التي أدت إلى تفاقم توافر مياه الري، حيث لم يتمكن معظم صغار المزارعين من تحمل تكاليف ري محاصيلهم بسبب ارتفاع أسعار الوقود. وعلاوة على ذلك، لا يزال الإجهاد المائي يمثل تحدياً لمعظم المزارعين في هذه المناطق.
وفي هذا السياق، يعدد الاستشاري البيئي الشرعبي مظاهر تغير المناخ وهي “الانزلاقات الصخرية المتنامية وأخطار السيول مع ما يرافقها من انجرافات شديدة لمعظم الأتربة وخاصة التربة الزراعية، فضلا عن ارتفاع درجة الحرارة فوق معدلها العام والتي رفعت معدلات الاحتياجات المائية للمحاصيل الزراعية ومختلف النباتات وخاصة أن معظمها منتجات ذات متطلب مائي عالي مثل القات، الموز، والمانجا، الشمام والحبحب والتي كانت قديما تزرع على مجاري المياه أو السوائل القادمة من الجبال نحو الوديان وكان يتم زراعة القصب وقصب السكر والتمر الهندي وغيرها”.
وتابع قائلا :”أدى كل هذا إلى حدوث ظاهرة الإجهاد المائي للمحاصيل و للتربة والتي تعني قلة المحصول وقلة الإنتاجية على مستوى الهكتار ورافق كل ذلك طول فترات الجفاف متغير مناخي آخر هو عدم انتظام موسمية هطول الأمطار وعدم انتظام الكميات المطرية الساقطة على مستوى المتر مكعب”.
من جهة أخرى، يعتقد د. الخراز وهو أستاذ التقييم البيئي في جامعة الحديدة، أن هناك فرصا إيجابية أيضا للظاهرة في يمكن الاستفادة منها مثل تخزين مياه الأمطار الغزيرة في المناطق الجبلية من خلال إنشاء حواجز مائية وخزانات للاستفادة منها لاحقا في الزراعة وتزويدها بشبكة ري تحافظ على المياه من التبخر عند جريانها وهذا بحد ذاته يقلل جريانها نحو المناطق الساحلية والصحراوية وبالتالي يحد من وقوع فيضانات.
وبالمثل، أضاف الخراز أنه يمكن بناء حواجز مائية في المناطق الساحلية أو الصحراوية للاحتفاظ بالمياه لاستخدامها في زراعة غطاء نباتي مناسب لمواجهة التصحر.
تقوّيض الزراعة
خلال السنوات الماضية، تأثر قطاع الزراعة، الذي يمثل ١٧ في المائة من الناتج الإجمالي للبلاد، بالفيضانات والجفاف والآفات، مما أدى إلى تراجع إنتاج المحاصيل، حيث تسبب التصحر الناجم عن الجفاف في خسارة سنوية تتراوح بين 3 و5% من الأراضي الصالحة للزراعة.
وتقدّر بعض البيانات المنشورة نسبة أراضي المدرجات الجبلية ما بين ٢٠ إلى ٢٥ في المائة من الأراضي الصالحة للزراعة، ويرجع ذلك إلى عدم وجود استصلاح منتظم لأن المزارعين لا يملكون في معظمهم القدرة المالية على ذلك وليس هناك تمويل لمساعدتهم.
وبسبب الفيضانات، نجم عن ذلك تآكل التربة وفقدان الأراضي الزراعية، مما أدى إلى انخفاض الأراضي الزراعية من 1.6 مليون هكتار في عام 2010 إلى 1.2 مليون هكتار في عام 2020، حسبما جاء في دراسة بعنوان ” آثار تغير المناخ على اليمن واستراتيجيات التكيف”، أصدرتها جمعية رعاية الأسرة اليمنية (حكومية) ومقرها العاصمة صنعاء ونشرها مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في اليمن في أواخر سبتمبر الماضي.
وبشكل عام ينتج عن الآثار الناجمة عن التغير المناخي أشكال مختلفة من الضرر مثل خسارة الناتج المحلي الإجمالي الزراعي وفقدان الإنتاج الزراعي وكذا فقدان الغذاء، فضلا عن فقدان الإنتاج الزراعي المروي، وانخفاض الإنتاج الحيواني والهجرة وفقدان الإنتاج الزراعي المطري بالإضافة إلى تقليل رطوبة التربة، انخفاض إمدادات المياه في المناطق الحضرية، حسبما جاء في دراسة “الاستراتيجية الوطنية للتغيرات المناخية في اليمن” التي أعدها كل من د. عبد القادر الخراز و د. سيف الحكيمي و د. عبد الباقي الزعيمي.
استراتيجيات للتكيف
وردا على سؤال حول نصائحه للتكيف مع المناخ، أجاب الباحث الشرعبي بأنه يمكن لنا استلهام تجاربنا في حضارتنا القديمة والتي توضح كيف تكيّف الإنسان اليمني مع متغيرات زمنه المناخية وابتكر إجراءات ساعدته في تخليد اسمه في البراعة الهندسية والري والمدرجات الزراعية.
ويواصل إجابته “قام بإنشاء وبناء المساكن والبيوت المعلقة على سفوح تلك الجبال في أعلى القمم وخطر الحواف وأنشئ عليها قنوات الصرف الصحي وقام بزراعة أحواض تلك القنوات بأشجار حراجية وشجيرات مثل الصباريات (الكاتوس) العوسج، الريحان ثم استطرد في تشييد المدرجات الزراعية بأسلوب أركولوجيا بديعا”.
وعلاوة على ذلك، يقترح إعداد “برنامج توعوي بيئية قادر على أن يعيد المصفوفة النباتية والنظم الايكولوجية المندثرة أو المهددة بالانقراض إلى صف الحياة. كما نحتاج إلى برنامج هندسي شامل يقوم بتعليم المهندسين والعاملين الفنيين على كيفية تصميم تلك المدرجات وفقا لمعايير خطوط الكنتور والخصائص الهندسية الجبلية، ثم إلى برنامج آخر يستهدف الشباب وتوعيتهم بأخطار الهجرة (للخارج) والتي قد لا تهدد الاستقرار والسلم الاجتماعي فقط وإنما قد تمتد آثارها لتطال كافة والموارد الطبيعية المتجددة وغير المتجددة وهي أغلي من تلك العملات الاجنبية التي لا تمثل حينها فارقا يُذكر”.
بدوره، ينصح الخراز “إعادة تخطيط بناء المدن؛ فمثلا بالنسبة للمدن الساحلية يتم إنشاء مساحات آمنة بين البر والبحر لتخفيف أضرار أي عواصف محتملة بجانب تنفيذ شبكة صرف صحي وشبكة تصريف مياه الأمطار وهذا ينطبق على جميع المدن لتقليل الخسائر، والتي للأسف ليس لديها شبكة تصريف مياه الأمطار”.
ويشمل الاقتراح أيضا “إعادة تخطيط مجاري الوديان لتقليل جرف الأراضي الزراعية وإعادة إصلاح المدرجات الزراعية في المناطق الجبلية لاستغلالها في زراعة الحبوب لزيادة الإنتاج”
ومن الفرص الإيجابية التي يمكن للحكومة استغلالها بحسب استشاري المناخ “الاستفادة من التمويلات التي رصدت دوليا للدول الأكثر تضررا من التغيرات المناخية والتي لم تكن سببا في حدوثها مثل اليمن”.
وبالعودة لدراسة “الاستراتيجية الوطنية.. “، فقد قدمت حلولا للتكيف في المجال الزراعي منها “الاعتماد بشكل أكبر على التحسين المعتاد في إنتاج المحاصيل البعلية، واستخدام أصناف البذور المحسنة القصيرة الموسم، ولا سيما الذرة، واستخدام الحبوب الصغيرة المقاومة للجفاف، وكذلك الاعتماد على كفاءة الري وكفاءة استخدام الموارد الأخرى المتاحة”.
ونصحت الدراسة أيضا “تحديد الممارسات الزراعية والمحاصيل الملائمة لمختلف المناطق، وتشجيع الروابط بين المزارعين والبحوث الزراعية والتوسعات الزراعية، وكذلك تحديد الخبراء لكل من المحاصيل الحقلية ومحاصيل الحبوب، ناهيك عن تنظيم تدريب على استخدام الأراضي وخطة إدارة الأراضي لأصحاب المصلحة في الريف والمحافظات، وتشجيع الأخذ بالممارسات الزراعية الملائمة وأخيرا تشجيع المحاصيل المقاومة للجفاف (مثل الذرة الرفيعة)”.
وعلاوة على ذلك، تبرز الحاجة إلى معلومات مناخية زراعية للإنذار المبكر قائمة على الأدلة وموجهة نحو العمل على اتخاذ سياسات وممارسات فعالة للمضي قدما في تحقيق الأمن الغذائي على المدى الطويل.