لم يقتصر دور المرأة اليمنية في الريف على الزراعة ورعي الماشية وسائر الأدوار التقليدية، بل تجاوز ذلك، ووصل إلى إمكانية مشاركتها في صنع السلام المجتمعي، وإسهامها في حلّ بعض القضايا بالمجتمع، وقيادة الوساطة لفض النزاعات المختلفة.
ومع إستمرار النزاع في اليمن كانت المرأة الريفية جزء من المأساة التي خلقتها الحرب، لكنها في المقابل صنعت فارق في دورها المجتمعي والإنساني، وتبرز كثير من النساء بدور أساسي في رعاية أسرتها والاعتماد على الزراعة والماشية في ذلك، وتطور دورها أيضاً كفاعل في السلام المجتمعي من خلال مبادرات ناجحة خلال السنوات الماضية.
المرأة وصناعة السلام المجتمعي
جوهرة عبيد (60 عاما) كانت من أوائل النساء الريفيات اللاتي انخرطن في مجال صناعة السلام المجتمعي، ورغم ما تعرضت له من صعوبات؛ لأنها ابنة ريف، لم تستسلم، بل أسهمت بشكل فعّال في تحريك قضايا إنسانية وملفات مجتمعية.
تقول جوهرة المنحدرة من ريف مُرَيس بمحافظة الضالع جنوب البلاد، لمنصة ريف اليمن: “بدأتُ المشاركة في مجال السلام المجتمعي منذ سنوات، وكانت نظرة المجتمع الريفي لي إيجابية، وتجاوبوا معي ومع الحلول التي أقدّمها، وتمكّنت من حل ملفات عدة”.
وحول الملفات التي نجحت فيها تضيف: “تمكّنت من حل قضايا شائكة، منها إتمام صفقة تبادل أسرى بين أطراف النزاع في عام 2015م، وفتح طرقات كانت مغلقة وتأمينها، بالإضافة إلى إطلاق سراح مواطنين أبرياء من السجون، لم يكن لهم علاقة بالحرب”.
مواضع مقترحة
المرأة الريفية اليمنية: قصة كفاح مُلهمة
حرمان النساء من الميراث: عادات ظالمة تفكك الأسر
النقش بالحنّاء: زينة ومهنة للنساء في قرى لحج
السمعة الطيبة التي حظيت بها “عُبيد” وهَبتها تقديرا واحتراما من المجتمع، وأسهم موقفها المجتمعي في رجوع المواطنين إليها في عدد من القضايا، مثل: القتل ومشاكل الميراث والخلافات الأسرية، وقد واجهت كثيرا من الصعوبات، و تغلبت عليها بحنكتها ومصابرتها.
وتكشف جوهرة أنها تعمل حاليا من أجل الإسهام في إنجاح صفقة جديدة بين أطراف النزاع سيُفرج بموجها عن عشرات الأسرى والمعتقلين، في الأشهر القليلة القادمة، وتتمنى نجاحها؛ لأنها ستدخل السرور إلى قلوب عشرات الأسر في مناطق مختلفة.
نساء الريف والمشاركة فاعلة
رئيس مؤسسة حماية القانون وتعزيز السلم والأمن، المحامي والمستشار القانوني عبد الله شداد قال: “المرأة الريفية أدركت أهمية ملفات السلام، واستطاعت رغم قلة تعليمها، الانخراط فيه وتفعيل ملفات عدة، مثل: ملف الأسرى والمعتقلين، وفتح الطرقات، وتأمين مناطق معينة، والوساطة لفض النزاعات في المستوى المحلي الريفي، وملف المياه، وعملت مع الوسطاء والأعيان والوجهاء لتحقيق نتائج إيجابية”.
ويضيف شداد لمنصة ريف اليمن: “في ريف تعز كان الوجود الأبرز للنساء الريفيات، مثل: معين العبيدي وعُلا الأغبري، وكن مشاركات فاعلات معنا في فريق الوسطاء المحليين في أي مسار للسلام نقوم به. نجاحاتهن المتتالية مكّنتهن من الحصول مؤخرا على جوائز ومناصب إدارية في السلطة المحلية، مثل بنت الريف ذكرى الصبري مدير عام قطاع المرأة في الحوبان”.
ويردف: “أولياء الأمور في الأرياف ساندوا النساء العاملات في السلام بالحضور معهن في الاجتماعات والوقفات، وعندما كنا نحضر في لقاءات تشاورية حول بعض القضايا، كانت النساء برفقة ذويهن، وهو مؤشر إيجابي للنساء ودور الأهل في دعمهن، حتى الأعيان في الأرياف أدركوا حكمة النساء وقدرتهن على تحريك المياه الراكدة، لذا يكون تجاوبهم معهن أسرع وأكثر تنفيذا”.
ووفق تقرير لمركز صنعاء للدراسات، كسرت مزيد من النساء القالب النمطي لأدوارهن المجتمعية التقليدية، واستخدمن وسائل تقليدية، مثل الأعراف القبلية، لشغل الأدوار التي كانت حكرًا على الرجال، مثل الوساطة لفض النزاعات على المستوى الأسري والمحلي، والتفاوض على الإفراج عن السجناء وتبادل الأسرى، والتدخل لتأمين مناطق معينة وحماية المصالح العامة، والإسهام في إعادة فتح الطرق والمطارات.
لم تبدأ أدوار النساء في السلام في النزاع المسلح، بل سبقت ذلك بسنوات، وذلك بالمشاركة في حل القضايا الأسرية والقبلية، كما فعلت المعلمة الخمسينية أم رنا في محافظة مأرب عام 2010، فقد تمكنت من حل مشكلة استمرت لسنوات.
تقول أم رنا المنحدرة من مديرية الجوبة لمنصة ريف اليمن: “لحظت عراكا مستمر بين طلاب معينين في الصف، وعندما اجتمعت بهم، وجدتُ أن الأمر يتصل بمشكلة بين الأسرتين عمرها تجاوز ثلاثة سنوات من دون حل، فقررتُ العمل لحلها”.
حل قضايا مختلفة
وتضيف: “قمتُ بتشكيل فريق من وجهاء القرية والقرى المجاورة، ليكونوا حلقة وصل ووسطاء خير، وعملنا على عقد اجتماع أسري، حققت بفضل الله مرادي من الاجتماع وعُقد الصلح بين الأسرتين ونُفّذ الحكم المتفق عليه”.
تتذكر أم رنا بدايات عملها في السلام المجتمعي عندما كانت في الصف التاسع، طلب منها والدها مرافقته وأختها الكبرى والتقدم بطلب للمشايخ وزعماء القبائل إلى مجلسهم بعد وليمة الغداء، وذلك من أجل تقديم حل جذري لقضية خلاف كانت بين قبيلتين أسفرت عن خسائر مادية.
وتضيف: “لم نخرج أنا وأختي إلا عندما وضع المشايخ بنادقهم، وهي علامة منهم على قبول مقترحنا، رأيت في وجوههم الرضى، وكان وجه أبي يشع فخرا بقدرتنا على حل مشكلة أرّقت قبيلتين لسنوات، ومن يومها وأنا أجد نفسي السباقة في حل الخلافات وإيجاد حلول مستدامة لسلام دائم”.
تعمل أم رنا في الوقت الحالي مستشارة للصندوق الاجتماعي للتنمية في مأرب، وتقدّم الحلول للقرى في إقامة مشاريع تنموية بمساعدة الصندوق ورجال الخير، مثل: تعبيد الطرقات، وتوفير مشاريع مياه، وبناء منشآت خدمية، بالإضافة إلى حل مشكلات مجتمعية.
وبحسب برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، تمتلك المرأة رؤى ثاقبة بشأن الأسباب الجذرية للصراعات واحتياجات مجتمعاتهن المحلية، وتُعد مشاركة المرأة اليمنية في لجان السلام جانبا مهما في الجهود الأوسع لتمكين المرأة ورفع مكانتها في المجتمع.