الآفات الزراعية باليمن: حرب مفتوحة على المزارعين

يُرجع باحثون بيئيون أسباب انتشار هذه الآفات إلى التغيرات المناخية المتطرفة

الآفات الزراعية باليمن: حرب مفتوحة على المزارعين

يُرجع باحثون بيئيون أسباب انتشار هذه الآفات إلى التغيرات المناخية المتطرفة

تُشكّل الآفات الزراعية  تحديا للمزارعين اليمنيين الذين وجدوا أنفسهم وحيدين أمام سرعة انتشارها وتكاثرها، وبالتالي إفسادها للمحاصيل والثمار، متكبدين خسائر كبيرة بعضها فوق بعض، وباتت تنتشر بشكل غير مسبوق في مختلف المحافظات اليمنية.

ويُرجع باحثون بيئيون أسباب انتشار هذه الآفات إلى التغيرات المناخية المتطرفة، إذ وفرت درجات الحرارة المرتفعة وحالة الجفاف والفيضانات في البلاد، وضعًا مناسبًا لانتقال هذه الآفات، ووسعت المدى العائلي والتوزيع الجغرافي لها، وتزايد مخاطرها على القطاع الزراعي.

حرب مفتوحة ضد المزارعين

ويشكو المزارع عبد الجليل فخري” 43 عاما ” من انتشار هذه الآفات في محاصيله وإفسادها، ويقول لمنصة ريف اليمن:” مختلف المحاصيل والثمار التي نقوم بزراعتها من خضروات وفواكه أصبحت فريسة لهذه الآفات، ولا توجد لدينا إمكانيات لمكافحتها”.

ويضيف فخري الذي ينحدر من مديرية الخوخة بمحافظة الحديدة، أن ” البصل يصاب في مراحل نموه الأولى بأمراض وحشرات مختلفة، لافتا أن هذه الآفات تعمل على قطع الجذور، ومن ثم تبدأ ألوان الغرسة بالضمور وتتحول إلى اللون الأصفر، وتقوم تلك الحشرات بأكل اوراقها، وإنهائها تماما”.


       مواضع مقترحة


ليس البصل فقط، إذ أن الفواكه الأخرى كالبطيخ، ومانجو الفلفل، وغيرها تضررت، وبحسب فخري فإنها “تتعرض لثقوب بداخلها بيض ويرقات صغيرة تفسد الثمرة وينتج عنها اعوجاج لسيقانها، ويلاحظ فخري أن هذه المشكلات تتزايد خلال فصل الشتاء”.

وقال إنه اتجه نحو زراعة السمسم، لكنه تعرض لما حدث للمحاصيل الأخرى، وأدت هذه الآفات إلى إتلافه تماما، حيث يظهر على سيقانه اللون البني القاتم ومن ثم ضموره، مشيرا أنه تكبد خسائر مالية دون تعوض”.

الآفات الزراعية باليمن: حرب مفتوحة على المزارعين
عينة من الطماطم التي تعرضت لأمراض نباتية بسبب الحشرات والآفات الزراعية المنتشرة(ريف اليمن)

ويواجه اليمن تحديات وصعوبات هائلة، منها التغيرات المناخية وارتفاع درجات الحرارة، وتغير أنماط هطول الأمطار، والظواهر الجوية المتقلبة التي تسبّب دمارا في البيئة والأراضي الزراعية، وتسببت مؤخرا بانتشار الآفات التي ألحقت أضرارا كبيرة بالمزارعين.

السيدة فاطمة محمد “69 عاما “، هي الأخرى شكت من فساد كميات كبيرة من محصول المانجو في مزارعها غربي تعز، وتساقطه قبل النضوج، وقالت محمد إنها خسرت جزءا كبيرا من مردودها المالي الذي كانت تجنيه من لمانجو بعد انتظار نحو عام كامل.

المكافحة الطبيعية

الخبير الزراعي عبدالقادر السميطي قال إن النباتات الزراعية، مثل البطاطس والطماطم والفلفل، تتعرض لأصناف متنوعة من الأمراض والآفات الحشرية والمرضية، ومن بين أبرز هذه التهديدات حشرة ذبابة التوتة، التي ألحقت أضرارًا كبيرة بمحاصيل هذا العام، متسببة بخسائر فادحة للمزارعين.

وأشار السميطي خلال حديثه لمنصة ريف اليمن، إلى وجود آفات أخرى تهدد المحاصيل، مثل الدودة المبكرة والدودة المتأخرة، والعفن الجاف، والعفن الزهري، التي تؤثر سلبًا على جودة المحاصيل، وأيضا ذبابة الفاكهة، التي تصيب أشجار المانجو والجوافة، وذبابة القرعيات، التي تهاجم محاصيل مثل البطيخ والشمام، حيث تتسلل هذه الحشرات إلى ثمار الفاكهة وتفسدها باستخدام مبايضها.

وشدد على أهمية المكافحة الطبيعية لهذه الآفات، مشيرًا إلى أنها تُعد بديلاً آمناً وفعّالاً للمبيدات الكيميائية الضارة، موضحا أن المكافحة الطبيعية تشمل مراقبة الآفات ومعالجتها باستخدام وسائل طبيعية، مثل خلط مواد عضوية كالبسباس والثوم والليمون لصنع مبيد طبيعي آمن وفعّال.

وأضاف أن طرق إنتاج هذه العلاجات الطبيعية تختلف باختلاف البيئات الزراعية في اليمن، مما يتيح للمزارعين اعتماد أساليب مناسبة لكل منطقة، مؤكدا أن التغذية السليمة والصحيحة للنباتات تلعب دورًا كبيرًا في تقويتها وزيادة مناعتها ضد الأمراض والآفات، مشددًا على ضرورة الاهتمام بالتسميد والتغذية المتوازنة لضمان صحة المحاصيل وتحسين إنتاجيتها.

الآفات الزراعية باليمن: حرب مفتوحة على المزارعين
انتشار هذه الآفات يشكل تهديدًا خطيرًا على المحاصيل ويتسبب بخسائر كبيرة للاقتصاد(ريف اليمن)

واختتم السميطي حديثه بدعوة المزارعين إلى تبني أساليب المكافحة الطبيعية والابتعاد عن المبيدات الكيميائية الضارة، مؤكدًا أن الاستثمار في الزراعة الصحية يساهم في حماية البيئة والمحاصيل مع تحسين جودة الإنتاج.

جهود حكومية غائبة

وتعاني المحاصيل الزراعية في قرى تعز وأبين ومأرب وعدد من المحافظات الأخرى من انتشار أمراض نباتية متعددة تهدد الإنتاج الزراعي، وفق ما صرح به عمر الزيلعي، مدير الحجر الزراعي بمكتب الوقاية النباتية في محافظة تعز.

وأوضح الزيلعي لمنصة ريف اليمن، أن “أبرز هذه الأمراض تشمل الفطرية مثل البياض الدقيقي، البياض الزغبي، واللفحة المتأخرة، إلى جانب الأمراض الفيروسية مثل التدهور السريع والبطيء، فضلاً عن الإصابات الحشرية مثل دودة الثمار، دودة البستان، والذبابة البيضاء.

مشيرا إلى أن الحجر الزراعي يبذل جهودًا لتوعية المزارعين بأهمية تقليل الاعتماد على المبيدات الحشرية الكيميائية التي تسبب أضرارًا بيئية وصحية، مشددًا على ضرورة استخدام البدائل الطبيعية المخلوطة ورشها على النباتات لتعمل كمبيدات وقائية ولقاحية، موضحًا أن هذه الأساليب تعزز مناعة المحاصيل وتحميها من الأمراض.

كما أكد الزيلعي على أهمية استخدام السماد البلدي بعد تخميره حول المحاصيل المزروعة، مشيرًا إلى أن ذلك يُعتبر وسيلة فعالة لتقوية النباتات وحمايتها من الإصابة، دعيا المزارعين إلى مراعاة مواسم الزراعة وتجنب زراعة المحاصيل بشكل متقارب في نفس الأرض، إذ يمكن أن يؤدي ذلك إلى زيادة احتمالية انتشار الأمراض.

يرى أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، الدكتور محمد قحطان، أن انتشار هذه الآفات يشكل تهديدًا خطيرًا على المحاصيل الزراعية، ما يسبب خسائر كبيرة للاقتصاد الوطني، مشددا على ضرورة الوقوف إلى جانب المزارعين ومكافحة هذه الآفات بشكل فعال.

الآفات الزراعية باليمن: حرب مفتوحة على المزارعين
مصيدة لذبابة الفاكهة قام بوضعها مزارعون في محاولة للمكافحة(ريف اليمن)

تضرر الاقتصاد

وأشار قحطان خلال حديثه لمنصة ريف اليمن، إلى أن مكاتب الإرشاد الزراعي كانت تنتشر في جميع المديريات والمناطق الزراعية لتقديم الدعم الفني والإرشادي للمزارعين، ولعبت دورًا محوريًا من خلال تقديم الإرشادات حول استخدام الأسمدة والأدوية الزراعية لمكافحة الآفات والأمراض، إلا أن هذا الدعم بدأ في التراجع قبل الحرب، وتوقف كليًا مع اندلاعها.

وأوضح قحطان أن توقف خدمات الإرشاد الزراعي أثر بشكل كبير على القطاع الزراعي في اليمن، حيث تراجعت إنتاجية المحاصيل الزراعية بشكل حاد، وصحرت مساحات زراعية شاسعة، ما دفع العديد من شباب الريف إلى هجرة الأنشطة الزراعية والانتقال إلى المدن أو الخارج بحثًا عن فرص عمل.

وأضاف أن هذا التدهور في القطاع الزراعي انعكس على الاقتصاد الوطني، حيث تراجع مستوى إسهام الزراعة في الناتج المحلي الإجمالي بشكل ملحوظ مقارنة بالقرن الماضي. وأدى ذلك إلى أزمة غذائية كبيرة في البلاد، حيث أصبحت اليمن تعتمد بشكل شبه كلي على استيراد الغذاء من الأسواق الخارجية، ما ساهم في تفاقم التدهور الاقتصادي والإنساني الذي يعانيه اليمن حاليًا.

وتُعد الآفات من أهم التحديات التي تواجه الإنتاج الزراعي، مما يهدد استقرار الغذاء في العديد من المناطق، في وقت يعاني فيه 22% من السكان من انعدام الأمن الغذائي الحاد، بسبب عوامل منها الأضرار الزراعية الناجمة عن الآفات.

شارك الموضوع عبر:
الكاتب

مواضيع مقترحة: