تواجه كثير من النساء اليمنيات، لا سيما في الأرياف، تحديات كبيرة للمطالبة بحقوقهن المختلفة، وعلى رأسها الحق القانوني في الميراث، ورغم وجود قوانين تنصّ على ذلك؛ رسّخت العادات والتقاليد المتجذرة، والجهل بالقانون في أذهان كثير فكرة أن المرأة ليست مستحقة للإرث.
وتبرز حالات الحرمان الشائعة للنساء في حقها في إرث الأراضي والبيوت، أو تفضيل الذكور على الإناث في تقسيم الميراث، وتعد حالة المماطلة التي تجعل النساء يتنازلن مثلا عن منزل العائلة أو جزء من حقهن.
ويؤثر حرمان النساء من حقوقهن في الميراث على تماسك الأسر ويؤدي تفكك المجتمع، وفرض سلطة القهر على النساء، الذي ينتهي بقطع الصلات بين الأخوة وخاصة النساء التي تشعر بحرمان إضافي عند امتناع إخوانها من زيارتها.
حرمان بسبب العادات
السيدة فاطمة سالم (44 عامًا) التي تنحدر من الريف الغربي لمديرية جبل حبشي غربي تعز تذكر أنها حُرمت مِن الحصول على حقّها في الميراث، بسبب العادات والتقاليد المجتمعية القائمة على مبدأ سلطة الرجال.
تقول فاطمة لمنصة ريف اليمن: “بعد وفاة والدي، حُرمت مِن حقّي الشرعي في الميراث من الأرض؛ لأنّ عادات وتقاليد قريتنا تُفضل الذكور، وتُجبر النساء على التنازل على حقوقهن، ولم أتمكن من الذهاب للمحاكم لأخذ حقي نتيجة ضعفي”.
وتعد سيطرة الابن الأكبر أو الوحيد على الميراث، من ضمن الحالات التي يكثر فيها حرمان النساء من الميراث. مثلما حدث مع آمنة سعيد (50 عامًا) التي تحدثت لمنصة “ريف اليمن” حرمانها من الميراث، وقالت: “عقب وفاة والدي وجدتُ نفسي في مواجهة مع شقيقي الوحيد الذي رفض تقسيم الميراث بيننا”.
تحلم آمنة بالحصول على مساحة صغيرة من تركة والدها من أجل زراعتها والانتفاع بها، لكن معظم التركة لا تزال تحت قبضة شقيقها الأكبر. تقول آمنة: “يدّعي شقيقي أن له الحق في الميراث، وبعد إصرار ومطالبة بحقوقنا استجاب وقرّر تقسيم التركة بين الورثة، لكنه فرض علينا مبالغ مالية باهظة، مما أجبرنا على التنازل عن نصيبنا مقابل خسارته”.
وهناك حرمان للنساء مرتبط بالإرث الثقافي المجتمعي الذي يجعل الأسر ترى ان إعطاء الأسرة حقها إهدار للمال خارج إطار العائلة، فإما تضطر لحرمانهن من الميراث أو تزوجهن من اقاربهن، وبعض النساء تتحصل على جزء من حقهن كحالة من الترضية، بينما يتم حرمانها من حقها الكامل.
ميراث النساء في القانون اليمني
وتٌعرّف المادة 299 من قانون الأحوال الشخصية الميراث بانه انتقال الأموال والحقوق الخاصة بالميت الى من يرثه، فيما تُعرّف الوارث بأنه” من يستحق التركة أو نصيباً منها بسبب القرابة أو الزوجية أو الولاء”، دون تخصيص ذلك بالذكر فقط.
يقول المحامي والحقوقي عمر الحميري: “إن القانون اليمني نظم أحوال الميراث وفق القواعد الشرعية، لكن الممارسة الفعلية تتم بشكل مختلف؛ إذ يسعى بعض أولياء الأمور لاستغلال حقوق النساء بطرق ملتوية، مثل كتابة وصايا أو هبات غير مشروعة”.
ويضيف الحميري لمنصة ريف اليمن أن هذه السلوكيات لا تتماشى مع الأخلاق اليمنية العربية التي تفرض على الرجال وأبناء العائلة الواحدة أن يكونوا كرماء، مؤكدا أن حرمان النساء من حقوقهن يُعد سلوكًا منبوذًا وغير مقبول.
ويلفت إلى أن عدم وجود نص قانوني يعاقب من يمتنع عن تمكين النساء من حقّهن في الميراث يمثل ثغرة خطيرة في النظام القانوني للجمهورية اليمنية، داعيا إلى ضرورة النظر في تعديل تشريعي لإدراج عقوبات قانونية مناسبة لمن يمتنع عن منح النساء حقهن في الميراث.
أما أستاذ علم الاجتماع بجامعة تعز الدكتور محمود البكاري فقال: “النظرة الاجتماعية للميراث بالنسبة للمرأة تتفاوت بشكل كبير من منطقة إلى أخرى؛ إذ تعاني كثير من النساء من ضغوطات اجتماعية تقليدية تؤثر سلباً على حقوقهن”.
وقال البكاري لمنصة ريف اليمن: “في بعض المناطق تُحرم المرأة من الزواج خوفا على تشتت الملكية، بينما تُحرم المرأة المتزوجة من حقّها في الميراث بدعوى أن ذلك يعتبر عيبا، وعادةً ما تُجبر النساء على ترك إرثهن لأسرهن أو لأشخاص آخرين، مما يعرضهن لمخاطر اقتصادية”.
ويضيف: “تعكس هذه الضغوط ثقافة اجتماعية تقليدية تتعارض مع قيم العلم والدين”، ويلفت إلى أن المرأة تُحرم نهائيا من الميراث ببعض المناطق، ويُنظر إليها على أنها ترتكب منكرًا إذا قامت بالمطالبة بحقها، مما يجعلها تضطر لقبول هذا الحرمان لتفادي الحكم الاجتماعي.
وأشار إلى وجود مناطق أخرى تمنح المرأة حقها في الميراث بكل يسر واهتمام، بل إنّ الرجال في تلك المجتمعات يسعون لضمان حصول النساء على حقوقهن دون الحاجة لطلب ذلك، مما يمكّن المرأة من التصرف في نصيبها بحرية ودون وصاية.
حق مشروع
وفي سياق حديثه لمنصة ريف اليمن، دعا الدكتور البكاري إلى ضرورة تعزيز الوعي بحقوق المرأة القانونية والاجتماعية، والعمل على تغيير المفاهيم التقليدية التي تعيق حصولها على حقوقها المشروعة.
أستاذ علم النفس بجامعة تعز جمهور الحميدي بدوره قال: “إن الميراث يُعد من القضايا الحيوية والمشروعة بجميع الأديان والعادات والقيم”، ويشدّد على أن الإسلام والقوانين المعمول بها في المجتمعات تؤكّد على أهمية هذا الحق.
وقال الحميدي لمنصة ريف اليمن: “للميراث تأثيرات اقتصادية واجتماعية على الأفراد والأسر، خاصة بعد فقدان المعيل، سواء كان ذكراً أم أنثى”، ويوضّح أنّ فقدان المعيل يمكن أن يؤدي إلى أضرار نفسية كبيرة، مما يستدعي النظر في كيفية توزيع الميراث بشكل عادل.
ولفت إلى الجانب النفسي للميراث، معتبرا أن حرمان أي فئة من الميراث، سواء أكان ذكرا أم أنثى، يمكن أن يؤدي إلى مشاعر الحقد والكراهية، مؤكدا أن القيمة الاجتماعية للميراث تتجاوز الجوانب الاقتصادية؛ إذ تُعتبر قيمة تكافلية تهدف لدعم الأفراد وتمكينهم، فالشخص القادر على إدارة موارده المالية يمكنه تحقيق ذاته حتى في غياب الميراث، بينما قد يؤدي حرمان شخص غير ناجح من الميراث إلى تفاقم مشاكله.
وشدّد على ضرورة تعزيز الوعي بأهمية الميراث حقّا مشروع للجميع، والعمل على تغيير العادات السلبية التي تعيق تمكين المرأة وتحقيق العدالة الاجتماعية، مؤكدا على أهمية تنفيذ التعاليم الإسلامية، والوصول إلى حلول تراضٍ بين الورثة دون الحاجة إلى تدخل المحاكم أو الجهات الأخرى.