تعاني اليمن من شح الموارد المائية، لا سيما في ظل تفاوت هطول الأمطار السنوية، وتتابُع أزمات الجفاف التي بدورها أدت إلى انخفاض المحاصيل الزراعية بشكل ملحوظ، وفاقمت أزمة شحة المياه في كثير من المناطق.
خلال السنوات الماضية، أدت أزمة المناخ المتفاقمة إلى تخلخل دورة المياه على الأرض، وخلفت أضرارا كبيرةً في مخزون المياه الجوفية على الكوكب مما ينذر بكوارث مستقبلية لا حصر لها، وباتت تلوح في الأفق أكثر فأكثر مع العبث المتزايد للإنسان بالمناخ، وتقع اليمن في قلب هذه الأزمة.
وتُعد اليمن من أكثر دول العالم تعرضًا لأزمة مائية مزمنة، إذ تقع ضمن حزام جغرافي يعرف بندرة الموارد المائية، وتُسيطر عليه ظروف مناخية قاسية تتراوح بين الجفاف وشبه الجفاف. في الوقت الذي يحذر خبراء من مغبة استمرار أسباب تفاقم أزمة المياه في العالم بلا حل جدي في محاولة لتجنيب البشرية دفع ثمن باهظ في المستقبل القريب.
مواضيع ذات صلة
- كيف تتأثر اليمن بزيادة مستوى سطح البحر العالمي؟
- ما علاقة أزمة المناخ وارتفاع الحرارة بالفيضانات الكارثية؟
- حروب المياه: نزاع يهدد النسيج المجتمعي في الريف
انخفاض مستويات المياه الجوفية
في اليمن تحديداً تتزايد التحذيرات من الانخفاض الخطير لمستويات المياه في طبقات المياه الجوفية؛ إذ شهدت البلاد، خلال نصف القرن الماضي، ارتفاع متوسط درجات الحرارة بمقدار 1.8 درجة مئوية؛ مما أدى إلى سلسلة من الأحداث المتتالية، شملت هطول أمطار غير متوقعة، وفترات جفاف طويلة، وفيضانات عارمة.
وبحسب تقارير، أدت هذه الاتجاهات المناخية إلى تدمير الأراضي الصالحة للزراعة، وتدمير البنية التحتية الحيوية، ونزوح عشرات الآلاف من الناس.
مؤخرا حذر باحثون من أن الاحتباس الحراري يُغيّر طريقة حركة الماء حول الأرض؛ إذ يؤدي ارتفاع درجات الحرارة، الناجم عن استمرار حرق الوقود الأحفوري، إلى اختلال دورة المياه بطرق متعددة. كما يمكن أن يؤدي الاحتباس الحراري العالمي إلى زيادة الجفاف من خلال التسبب في زيادة تبخر التربة، بالإضافة إلى تغير أنماط هطول الأمطار.

بحسب تقارير، تضع أزمة المياه منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في قلب المخاطر الزراعية ومخاطر الأمن الغذائي؛ إذ إنه وعلى الرغم من أن دول منطقتنا تُسهم بأقل من 5% من انبعاثات الكربون العالمية، إلا أنها تتحمل العبء الأكبر من عواقب تغير المناخ.
فمع ارتفاع درجات الحرارة بمعدل أسرع بمرتين من المتوسط العالمي، وندرة المياه التي تجعل المنطقة من أكثر مناطق العالم جفافًا، يتزايد خطر الأمن الغذائي والزراعي في منطقة تعتمد اعتمادًا كبيرًا على الزراعة لتلبية احتياجاتها الغذائية، والحفاظ على سبل عيش سكانها.
على سبيل المثال توقعت دراسة حالة أجرتها جامعة ستانفورد البريطانية أن الأردن سيشهد انخفاضًا في هطول الأمطار بنسبة 30%، وسيشهد تضاعفًا في حالات الجفاف ثلاث مرات بحلول عام 2100 في ظل الظروف الحالية. وفي سوريا تعاظم خطر الأمن الغذائي مع تناقص كمية الأمطار مؤخرا، حيث تعتمد نحو 70% من الأراضي الزراعية السورية على الأمطار؛ مما جعلها أولى ضحايا التغير المناخي.
الزراعة في مواجهة شبح الجفاف
من المتوقع أن تتزايد ندرة المياه الزراعية في أكثر من 80% من الأراضي الزراعية في العالم بحلول عام 2050، وفقًا لدراسة نُشرت في مجلة Earth’s Future التابعة للاتحاد الجيوفيزيائي الأمريكي. وقالت بأنه خلال المائة عام الماضية، ازداد الطلب على المياه عالميًا بمعدل ضعفي معدل نمو السكان، حيث تُعدّ ندرة المياه بالفعل مشكلةً في جميع قارات العالم، وتمثل تهديدًا كبيرًا للأمن الغذائي.
ويعتبر خبراء دوليون بأن اليمن يمثل الشاهد الأبرز -من بين أماكن قليلة في العالم- على تكشف التهديدات التي يفرضها تغير المناخ، فبعد أن كان بلدًا يعتمد بشكل كبير على الزراعة، انخفضت نسبة سكان المناطق الريفية من 91% إلى 61% بين عامي 1960 و2020. ومع تدهور الزراعة بشكل متزايد، هاجرت المجتمعات الزراعية إلى المدن بحثًا عن سبل عيش بديلة بينما يتواصل الري غير المنظم لمن بقي منهم في الزراعة.
وجد الباحثون أنه في ظل تغير المناخ، فإن ندرة المياه الزراعية العالمية سوف تتفاقم في ما يصل إلى 84٪ من الأراضي الزراعية مع فقدان إمدادات المياه مما يؤدي إلى ندرة في حوالي 60٪ من هذه الأراضي الزراعية.
وتسببت موجات الجفاف التي شهدتها مناطق مختلفة من العالم في أضرار جسيمة؛ إذ انخفض إنتاج المحاصيل في جنوب أفريقيا إلى النصف؛ مما أدى إلى معاناة أكثر من 30 مليون شخص من نقص الغذاء حتى اضطر المزارعون إلى ذبح مواشيهم بسبب جفاف مراعيهم.
وشهدت الأرض خلال عام 2024، أشد أعوامها حرارة على الإطلاق، وتحملت أنظمة المياه في جميع أنحاء العالم العبء الأكبر، مما أدى إلى إحداث فوضى في دورة المياه، بحسب تقرير الغارديان البريطانية، والذي توقع حدوث جفاف مطول، وظواهر جوية متطرفة قياسية. بل حذّر من مخاطر أكبر في عام 2025 مع استمرار ارتفاع انبعاثات الكربون.

المناطق الساحلية أشد خطورة
يواجه عدد متزايد من المجتمعات الساحلية تهديدًا خفيًا لإمداداتها المائية، حيث أفاد المجلة الأمريكية “Earth’s Future” أن المياه المالحة من المحيط تتسرب إلى مصادر المياه العذبة الجوفية التي يعتمد عليها ملايين البشر للشرب والزراعة.
كما يتوقع أن تشهد ثلاث من كل أربع مناطق ساحلية في جميع أنحاء العالم انتقال المياه المالحة إلى إمدادات المياه العذبة مع نهاية القرن الحالي، وفقًا لبحث جديد من مختبر الدفع النفاث التابع لوكالة ناسا.
وتنبع المشكلة من ارتفاع منسوب مياه البحار؛ مما يدفع المناطق الداخلية إلى مزيد من الأراضي، وقلة الأمطار اللازمة لتجديد احتياطيات المياه الجوفية.
فعادةً ما تحافظ أنظمة المياه الساحلية على توازن طبيعي؛ حيث تُشكّل الأمطار والمياه الجوفية ضغطًا يُبقي مياه المحيطات في حالة سكون، لكن هذا التوازن يتغير مع ارتفاع منسوب مياه البحار وتغيّر أنماط الطقس.
يثير تسرب المياه المالحة قلق العديد من الخبراء حول العالم، فعندما تتسرب المياه المالحة إلى مصادر مياه الشرب، تصبح غير آمنة وغير صالحة للشرب، وهذا يُلقي بضغط هائل على المدن والبلدات الساحلية للبحث عن مصادر مياه جديدة، وتشمل المناطق الأكثر عرضة للمخاطر: جنوب شرق آسيا، وخليج المكسيك، والساحل الشرقي للولايات المتحدة.
على سبيل المثال تواجه دلتا النيل، قلب مصر الزراعي، خطر تسرب المياه المالحة وارتفاع منسوب مياه البحر؛ مما يُهدد أراضيها الخصبة، ويزيد من احتمال انخفاض الإنتاج الزراعي في السنوات القادمة.
يُعزى تسرب المياه المالحة إلى دلتا النيل إلى عدة عوامل رئيسية، أبرزها ارتفاع مستوى سطح البحر الناجم عن تغير المناخ والاستخراج المفرط للمياه الجوفية. إضافةً إلى ذلك، يُسهم تلوث المياه والتوسع العمراني في تدهور التربة وانتشار الملوحة. كما تتفاقم المشكلة جراء ممارسات الري غير السليمة وتغير أنماط هطول الأمطار.
تهديد وجودي في اليمن
وتحذر منظمة جرينبيس البيئية من أن تغير المناخ ليس مجرد أزمة بيئية فحسب، بل هو تهديد وجودي يُقوّض جميع جوانب الأمن البشري، إذ تؤكد بأن تراجع إنتاج الغذاء، وتزايد الفقر، وتفاقم الجوع، ليست سوى لمحات من أزمة تتفاقم يومًا بعد يوم إذا لم تُتخذ إجراءات عاجلة. ومع ذلك، فلم يفت الأوان بعد لمعالجة، أو على الأقل، تدارك أزمة المياه العالمية. فزيادة هطول الأمطار -مثلا- مرتبط مع انخفاض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.
ويرى نيكو جعفرنيا، وهو باحث إقليمي في شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بأن: “في اليمن تحذيراً واضحاً لبقية دول العالم، فتغير المناخ يُفاقم الصراعات، وإذا تُرك دون معالجة، فإنه يُهدد بتفاقم الحروب القائمة وخلق حروب جديدة، سواء في اليمن أو في أي جزء آخر من العالم”.
وفي مقال له على موقع الجزيرة الإنجليزية نشر أواخر 2022، حذر من أن الشعب اليمني تحديداً يواجه مخاطر جسيمة في ظل غياب حلول مستدامة وطويلة الأمد للتخفيف من آثار تغير المناخ والتدمير البيئي الناجم عن أنشطة الإنسان، لافتا إلى أنه وفي ظل غياب البنية الأساسية اللازمة لالتقاط مياه الأمطار وتوجيهها نحو أحواض المياه في البلاد، تتضاءل مستويات المياه في طبقات المياه الجوفية في اليمن بشكل خطير.
وشدد خبراء لصحيفة الغارديان البريطانية على أهمية الاستعداد والتكيف مع الظواهر المناخية المتطرفة الأشد وطأة التي لا مفر منها، وهذا يعني تعزيز الدفاعات ضد الفيضانات، وتطوير إنتاج غذائي وإمدادات مائية أكثر قدرة على مواجهة الجفاف، وتحسين أنظمة الإنذار المبكر.
تتفق الخبيرة والمهندسة الزراعية اليمنية تيسير السنحاني مع ذلك تماماً، إذ أوصت في مقابلة خاصة مع منصة ريف اليمن “المزارعين في اليمن بالاعتماد على المحاصيل المقاومة للجفاف، إلى جانب استخدام تقنيات الري الحديثة جنباً إلى جنب مع تخطيط محاصيلهم وفقا للظروف المناخية”.