شهدت محافظة لحج جنوبي اليمن نجاح زراعة محاصيل توقفت منذ سنوات، كان من أبرزها زراعة القمح للمرة الثالثة، إلى جانب إعادة زراعة أشجار الجاك فروت، والفنص؛ مستفيدة من تعدُّل الأجواء المناخية التي شهدتها المحافظة.
المزارع عبدربه القيسي (57 عاما) أحد رواد هذه التجربة، حيث تمكن من زراعة القمح بمساحة أربعة أفدنة بمزرعته الواقعة بمنطقة كود دعيس بالوادي الأعظم التابعة لمديرية تبن، وهي التجربة الثانية التي تشهدها المحافظة.
زراعة القمح
وكيل مزرعة القيسي، “محمد أحمد الدفين الغراف”، أوضح لمنصة “ريف اليمن” أن الهدف الأساسي من زراعة القمح كان تأمين الاستهلاك العائلي في ظل الارتفاع الحاد في أسعار المواد الغذائية، والذي يعود إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية، وانخفاض قيمة الريال اليمني أمام العملات الأجنبية. وأضاف الغراف أن التجربة حققت نجاحًا ملحوظًا، لافتا إلى أنه سيتم توسيع نطاق زراعة القمح لتصديره للأسواق المحلية.
مواضيع ذات صلة
تعز: زراعة القمح في صَبِرْ تجربة واعدة للإكتفاء الذاتي
مخلفات الماشية ملاذ المزارعين مع ارتفاع أسعار الأسمدة
الزراعة المستدامة.. وسيلة فعّالة لمواجهة التحديات المناخية
تحمّل القيسي تكلفة مضاعفة لاستيراد البذور من محافظة حضرموت، فضلًا عن التكاليف المرتفعة لحرث الأرض، والتي تعتبر ضرورية لزراعة القمح، ومع ذلك، يؤكد الغراف أن هذه التكاليف تظل أقل من تكلفة شراء القمح الجاهز من الأسواق، وهو ما يجعل الزراعة خيارًا استراتيجيًا لتخفيف العبء الاقتصادي على المزارعين والمستهلكين على حد سواء.
يؤكد المحلل الاقتصادي “فارس النجار” أن اليمن تستورد 90% من القمح، كون الإنتاج المحلي لا يتعدى 10 بالمائة، لافتا إلى أن اليمن استوردت عام 2023 أكثر من مليوني طن بقيمة تصل إلى 700 مليون دولار.
وأوضح النجار أن توسيع نطاق زراعة القمح محليًا سيساهم بشكل كبير في تعزيز الأمن الغذائي، وتقليل الاعتماد على الاستيراد؛ مما يقلل استنزاف النقد الأجنبي، مشيرا إلى أنه في حال تمكنت اليمن من رفع إنتاجها المحلي من القمح إلى 20% من الاحتياج الوطني، فإن ذلك سيؤدي إلى توفير 70 مليون دولار من فاتورة الاستيراد.
وأكد المحلل الاقتصادي أن استصلاح الاراضي الزراعية وزيادة معدل ما تنتجه البلد من القمح له آثار اقتصادية كثيرة؛ أهمها ما هو مرتبط بالأمن الغذائي للناس وانخفاض حدة المجاعة، ومرتبط أيضاً بالمؤشرات الاقتصادية الكلية للبلد من ناحية تقليل عملية الاستيراد من الخارج، والمعروف أن عملية تقليل الاستيراد تقي الاقتصاد المحلي من خروج النقد الأجنبي للخارج.
واقع الأمن الغذائي
وفقًا لتقارير الأمم المتحدة، تعاني اليمن من مستويات مرتفعة من انعدام الأمن الغذائي؛ حيث يحتاج 21 مليون يمني إلى مساعدات عاجلة، فيما يعاني 19 مليون شخص من مستويات حرجة من الجوع.
ويقع 1.2 مليون شخص في المستوى الرابع من المجاعة، ما يعني أنهم بالكاد يحصلون على وجبة واحدة يوميًا. كما أشارت تقارير البنك الدولي إلى ظهور بؤر مجاعة في محافظات حجة والمحويت والحديدة.
![زراعة القمح بلحج.. نجاح واعد رغم التحديات](https://reefyemen.net/wp-content/uploads/2025/02/80.jpg)
تعتبر محافظات حضرموت وشبوة الأكثر توسعًا في زراعة القمح، فيما تنتج إب ولحج كميات محدودة. وعلى الرغم من أن لحج تمتلك أراضي زراعية واسعة، حيث تشير تقارير وزارة الزراعة لعام 2018 إلى أن المساحة الصالحة للزراعة في المحافظة تبلغ 26 ألفاً و360 هكتارًا، إلا أن زراعة القمح لا تزال محدودة، وتعتمد على أساليب بدائية وتقليدية، خاصة في دلتا تبن.
يؤكد النجار أن استصلاح المزيد من الأراضي، وزيادة الإنتاج المحلي للقمح سيسهم في تعزيز الاقتصاد، وتقليل الحاجة إلى الواردات؛ مما يعزز استقرار العملة المحلية. كما شدد على ضرورة توفير الدعم للمزارعين، وتطوير أساليب الري والزراعة لتحقيق إنتاجية أفضل.
التحديات والفرص
أستاذ الوراثة وتربية النبات في كلية الزراعة بجامعة صنعاء الدكتور “أمين الحكيمي”، قال إن القمح المعروف محليًا باسم “البُر”، يُزرع في اليمن منذ العصور القديمة، حيث انتقل مع السكان من رملة السبعتين (منطقة صحراوية تقع بين الجوف، مأرب، شبوة)، والهضبة الشرقية، وانتقل مع السكان إلى جميع مناطق اليمن.
ويوضح الحكيمي أن زراعة القمح تتطلب ظروفًا مناخية باردة نسبيًا، حيث تحتاج النبتة إلى درجات حرارة منخفضة لتحقيق إنتاج جيد، لافتا إلى أن السكان في اليمن طوَّروا أنماطاً معينة تتناسب مع طبيعة وظروف مناطق الإنتاج بكافة المحافظات والأراضي القابلة لزراعة القمح، ومنها مديرية تبن في لحج.
ويلفت إلى أن القمح لديه إمكانية النمو في منطقة تبن لحج، والمناطق الدافئة، ولكن الإنتاج سيكون ركيكاً بكميته ونوعيته؛ وذلك لأن المتطلبات البيئية اللازمة لإنتاج طبيعي تتطلب درجات حرارة متدنية على الأقل حول العشر درجات مئوية من أجل أن يزدهر النبات، ويعطي إنتاجاً جيداً.
ووفقا لمنظمة الأغذية والزراعة العالمية (فاو)، يلبي قطاع الزراعة في اليمن حوالي 15 – 20% من احتياجات البلد الغذائية، وقد ارتفع إسهامه في الناتج المحلي الإجمالي للبلاد من 10.4٪ في عام 2012 إلى 13.4٪ في عام 2020، وتوضح هذه البيانات محورية قطاع الزراعة، وأنه يستحق الاستثمار فيه من أجل تكامل الجهود الإنسانية مع تدخلات ذات طابع أكثر استدامة وطويلة الأجل.