الزراعة المستدامة.. وسيلة فعّالة لمواجهة التحديات المناخية

اليمن من أكثر الدول المتأثرة بالتغيّر المناخي وأقلها قدرة على مواجهته

الزراعة المستدامة.. وسيلة فعّالة لمواجهة التحديات المناخية

اليمن من أكثر الدول المتأثرة بالتغيّر المناخي وأقلها قدرة على مواجهته

في ظلّ التحديات المتزايدة التي يواجهها المزارعون اليمنيون، بدءًا بندرة الموارد المائية وارتفاع تكاليف المبيدات والأسمدة، وصولًا إلى التأثيرات المتفاقمة للتغيرات المناخية، تبرز الزراعة المستدامة حلّا ضروريا لتحقيق الأمن الغذائي، والحفاظ على الموارد الطبيعية، وتعزيز الإنتاجية بطرق صديقة للبيئة.

الزراعة المستدامة

وتُصنف اليمن حالياً واحدةً من أكثر الدول المتأثرة بالتغيّر المناخي وأقلها قدرة على مواجهة هذه التغيرات، ومع ذلك يمكن تدارك الوضع بتطبيق أساليب الزراعة المستدامة على أرض الواقع، وقد أثبتت نجاحا لدى كثير من المزارعين باتباع طرق متاحة وغير مكلفة.

وأظهرت السنوات الأخيرة نتائج وأرقاما بيّنت عدم جدوى أساليب الزراعة التقليدية المتوارثة التي يتبعها المزارع اليمني، ولا تعكس الكفاءة المطلوبة في ظل التحديات، ويظهر ذلك جليا مع نهاية مواسم الحصاد، حيث تنتج الأرض أقل من نصف المتوقع، بحسب أقوال المزارعين.


      مواضيع مقترحة


ويمكن للزراعة المستدامة أن تسهم في تحسين معيشة المزارعين وضمان استدامة القطاع الزراعي للأجيال القادمة، وذلك بتبني تقنيات مبتكرة، مثل إدارة الموارد بكفاءة وتنويع المحاصيل واستخدام تقنيات الري الحديثة لتقليل استهلاك المياه، واستخدام السماد العضوي لتغذية التربة والحفاظ على بنيتها.

وقد تأثر القطاع الزراعي في اليمن بشكل كبير، وانخفض إجمالي إنتاج الحبوب بمقدار الثلث، كما انخفضت مساحة زراعة الحبوب في اليمن بنسبة 41‎%، بحسب مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، مما يستدعي إيجاد حلول جذرية، وذلك بتبني الزراعة المستدامة، كما يفيد المهندس الزراعي عسكر عزيز.

ويؤكد المهندس عزيز في حديثه لمنصة ريف اليمن قائلا: “الزراعة المستدامة تعد وسيلة فعالة لإحداث تغيير إيجابي في البيئة ومواجهة التحديات المناخية لاعتمادها على أساليب زراعية تقلّل من الأضرار التي تلحق بالكائنات الحية والتربة، وتهدف إلى حماية البيئة والنظم الإيكولوجية وتوفير الظروف المناسبة لتعزيز الإنتاجية الزراعية”.

“كما تعزز الزراعة المستدامة من الإنتاجية والجودة، وتسهم في تقليل الآثار السلبية على البيئة، مع التركيز على زيادة الإنتاج إلى الحد الأقصى من دون التأثير على الموارد الطبيعية”، يضيف عزيز.

أهمية الزراعة المستدامة

تتميز الزراعة المستدامة بالتأسيس الكامل على العلم والتقنية، مما يحقق فرص نجاح أكثر للمحاصيل، وبالنظر للمقومات التي تعتمد عليها الأساليب المستدامة، فهي تضع في المقام الأول توفير المياه عن طريق الخزانات، والقنوات المائية، والري بالتنقيط، بالإضافة إلى اختبار نوع التربة والمحاصيل التي تتناسب معها، مما يعزّز قدرتها على التكيّف مع التغيرات المناخية، وتدعيم النظم البيئية، كما أن تطبيقها بالشكل الصحيح يحقق دخلا عاليا للمزارع، مما يحسن جودة الحياة والوضع الاقتصادي بشكل عام، ويخلق فرص عمل أكثر.

ويشكل العاملون في المجال الزراعي الشريحة الأكبر في البلاد؛ إذ يحتل القطاع الزراعي المرتبة الأولى في استيعاب العمالة، كما يعد أحد دعائم ومرتكزات الاقتصاد الوطني مع مساهمته بنحو 13.7% من إجمالي الناتج المحلي، وفق بيانات المركز الوطني للمعلومات.

المناخ القاسي أجبر الكثير من الناس على التخلي عن أراضيهم والانتقال إلى المدن بحثاً عن سبل عيش أخرى (برنامج الأمم المتحدة الإنمائي)

تتظافر مجموعة من العوامل الطبيعية والبشرية في وجه المزارع اليمني لتحدّ من إنتاج الأرض، وتتمثل هذه العوامل في نقص المعلومات والإرشادات الزراعية الصحيحة، بالإضافة إلى الظروف المناخية المتقلبة والمتمثلة بفترات طويلة من الجفاف، تليها فترات من الأمطار الغزيرة والفيضانات، وما ينجو من موجات الحر القاتلة تجرفه السيول المدمرة.

ويوجه المهندس الزراعي عسكر عزيز عددا من النصائح للمزارعين، منها تجنّب تكرار زراعة محصول واحد طوال العام للمحافظة على جودة التربة الزراعية وتعويض العناصر الغذائية المفقودة، واستخدام بقايا الفواكه سمادا طبيعيا من أجل الحفاظ على التربة من دون اللجوء إلى المواد الكيميائية، وأكد عزيز على ضرورة إزالة الأعشاب الضارة وزراعة الأعشاب العطرية التي تعمل على طرد الحشرات.

وتروي المزارعة هناء محمد تجربتها في تطبيق أساليب الزراعة المستدامة في مديرية شرعب قائلة: “حصلنا على دعم مادي من إحدى الجهات لبناء خزانات لتجميع مياه الأمطار، وبهذه الخطوة تغلبنا على مشكلة الجفاف التي كانت تصيب المحاصيل في فترات انقطاع الأمطار”.

وتضيف لمنصة ريف اليمن: “بدأتُ في البحث عن أساليب مستدامة أخرى لتعزيز الإنتاج، منها الزراعة المستقيمة التي وفرت المساحة، وقد أنتجت الطماطم بكمية أكبر وبجودة مثالية، وذلك بالتسميد الطبيعي ومكافحة الآفات باستخدام مواد طبيعية”.

في ظل انعدام الأمن الغذائي في اليمن، تشكل الزراعة المستدامة حلاً ذا أبعاد مستقبلية واعدة وضرورة قصوى لتحدي التغيرات المناخية، فاليمن تمتلك مساحات زراعية شاسعة وأيادٍ عاملة، وجل ما ينقصها هو الخطط الزراعية المعتمدة على الاستدامة، التي يمكن بها تحقيق الاكتفاء الذاتي، بل تتعدى ذلك إلى إمكانية التصدير.

ويقول المهندس الزراعي محمد الحزمي: “إن الزراعة المستدامة تحافظ على الموارد الطبيعية والبيئة، وتضمن استمرارية الإنتاج للأجيال القادمة، وبتطبيقها يُحفاظ على الموارد المائية وعلى التربة وتُحسّن جودة المنتجات”.

وأكد على أهمية العمل على تطبيق هذه الزراعة باليمن، خاصة مع التغيرات المناخية وانتشار الملوحة في الأراضي بسبب الاستخدام العشوائي للأسمدة الزراعية، لافتا النظر إلى أهمية التوعية بأهمية هذه الزراعة بشتى الوسائل المتاحة، وإيجاد دعم حكومي في هذا الجانب، وعملية بحث وتطوير من مراكز البحوث الزراعية والجامعات.

جدوى تطبيقها في اليمن

وعن كيفية تطبيق الزراعة المستدامة، يقول الحزمي: “يمكن تلخيص ذلك في عدة نقاط، منها تدوير المخلفات الزراعية والاستفادة من مخلفات الحيوانات بعد تخميرها لمدة ثلاثة إلى أربعة أشهر؛ لأن استخدامها مباشرة يحرق النباتات، كذلك استخدام وسائل الري الحديثة بالتنقيط والرش والري المحوري، وتطبيق الدورة الزراعية، أي عدم زراعة المحصول نفسه لفترة طويلة، بل يجب التنويع”.

مزارع في حضرموت يجمع مخلفات الماشية لإستخدامها كسماد في الآراضي الزراعية (مواقع التواصل)

ومن الخطوات، بحسب المهندس الحزمي، العمل على تطبيق الإدارة المتكاملة لمكافحة الآفات بالطرق الطبيعية الآمنة أو عن طريق استخدام المبيدات بطريقة مقننة جدا، أو زراعة نباتات ثانوية تجذب الآفات إليها أكثر من المحصول الرئيسي، وحماية التربة من الانجراف بسبب السيول والملوحة التي تصيبها بسبب التسميد العشوائي، لافتا النظر إلى أن الزراعة المستدامة تحافظ على الموارد المائية والتربة ومختلف النظم البيئية، وبالتالي تتحسن جودة المنتجات.

ويروي المزارع يحيي ناصر معاناته نتيجة التغيرات المناخية قائلا: “كنتُ في السابق أجني كمية وفيرة من الكشت (أحد أنواع النباتات البقولية) والحبوب، وأخزّن ما يفيض منها للعام القادم، لكن الأوضاع اختلفت بسبب التغيرات المناخية”.

ويضيف لمنصة ريف اليمن: “حاليا أصبح المزارع يعاني من عدة مشاكل، منها الأمطار الغزيرة والسيول التي تأتي في غير وقتها، فتجرف التربة والمحاصيل، بالإضافة للآفات التي أصبح من الصعب مكافحتها، ولكننا لاحظنا اختلافا في هذا العام بعد الاعتماد على مجاري المياه والخزانات في الري واستخدام المحميات، وأصبحت المحاصيل تنتج أكثر من المتوقع، حتى إننا بدأنا بزراعة الكراث والفلفل الحلو”.

وتحظى اليمن باهتمام خاص من المنظمات الدولية، ومع تدهور الأوضاع الأمنية والسياسية، أبدت بعض الجهات اهتمامًا بالجانب الإنساني وسبل تحسين الحياة بدعم المشاريع الزراعية، مما يعطي بصيص أمل للمزارع اليمني الذي يمتلك أراضٍ خصبة ومصادر مائية قابلة للتطوير، ويزيد من فرص نجاح الزراعة المستدامة.

شارك الموضوع عبر:
الكاتب

مواضيع مقترحة: