في منطقة قَدَسْ بريف محافظة تعز، يعيش كارم عبدالكريم (34 عاما) مع أسرته في منزل متواضع بالقرب من مكان مخصص لمياه الصرف الصحي، حيث أصبح مصدرًا يوميًا لمعاناتهم، بفعل ما تخلفه من مخاطر على حياتهم الصحية والبيئية.
ويواجه سكان القرى الريفية مشكلات صحية وبيئية خطيرة؛ نتيجة غياب خدمات الصرف الصحي، والتصريف العشوائي للمجاري، حيث تضاعفت معاناة الأهالي جراء انتشار البعوض والروائح الكريهة في القرى الريفية بشكل غير مسبوق.
منطقة قَدَسْ: واقع مؤلم وحلول غائبة
يقول عبدالكريم لمنصة “ريف اليمن”: “تتفاقم معاناتي وأسرتي بسبب انتشار الروائح الكريهة، البعوض والذباب في كل زوايا المنزل، حينما نذهب إلى العمل أو يذهب أطفالنا إلى المدرسة يزيد خوفنا على صحتنا وصحة أطفالنا”.
وتتضاعف معاناة عبدالكريم ومعه مئات الآلاف من السكان الريفيين من مخاطر مياه الصرف الصحي وتأثيرها على الأراضي الزراعية إذ يقول: “ما يزيد الوضع سوءاً هو تصريف مياه الصرف الصحي إلى الأراضي الزراعية، خصوصًا خلال فترة هطول الأمطار، وانتشار المياه الملوثة في كل مكان، والتي تهدد حياة السكان والزراعة التي نعتمد عليها في معيشتنا”.
وتُشكل أنظمة الصرف الصحي التقليدية وغير المعالجة -التي يستخدمها سكان ريف تعز- إحدى التحديات الكبيرة التي تواجه المناطق الريفية، ورغم أن هذه الأنظمة تُعتبر حلولاً مؤقتة ذات تكلفة تشغيلية منخفضة، إلا أنها تحمل أضرارًا بيئية وصحية تهدد المجتمعات على المدى الطويل.
مواضيع ذات صلة
- مستنقعات الصرف الصحي بريف “عَمران” كارثة بيئية بلا حل
- سكان قرية طَهْرُور بلحج: العيش وسط الأوبئة بسبب الصرف الصحي
- مياه الصرف الصحي والنفايات.. قاتل يتفشى بالأرياف
مدير مشاريع المؤسسة المحلية للمياه والصرف الصحي في تعز، زايد التميمي قال إن “الاعتماد على أنظمة الصرف الصحي التقليدية يعود إلى عدة عوامل رئيسية؛ أولها انخفاض التكاليف التشغيلية مقارنة بالأنظمة الحديثة التي تحتاج إلى تجهيزات ومعدات متطورة”.
وأشار التميمي في حديثه لمنصة ريف اليمن إلى أن “هذه الأنظمة تمتاز بمرونتها في التوسّع؛ إذ يمكن تمديدها بسهولة لتلبية الاحتياجات المتزايدة للمجتمعات مع نمو السكان، كما أنها لا تتطلب لوحدات معالجة ابتدائية معقدة، حيث يتم تصريف المياه مباشرة دون أي تجهيزات متقدمة، ما يجعلها خيارًا عمليًا وبسيطًا في ظل الظروف الحالية”.
غير أن التميمي شدد على أن تلك الحلول -رغم فعاليتها الاقتصادية على المدى القصير- تترتب عليها مخاطر جسيمة تؤثر سلبًا على البيئة وصحة السكان.
الصرف الصحي والتأثيرات البيئية
تعد مشكلة الصرف الصحي من أخطر التهديدات على الإنسان، إذ يؤكد مدير عام هيئة حماية البيئة بمحافظة تعز المهندس بدري حسن أن “المخلفات الصلبة المكشوفة تُشكل بيئة مناسبة لانتشار البعوض الذي ينقل أمراضًا مثل التيفوئيد والكوليرا عبر الأطعمة المكشوفة، كما تؤدي المخلفات السائلة إلى تلوث المياه السطحية والجوفية، وتسبب أمراضًا كالإسهالات الحادة والكوليرا”.
وأوضح بدري لمنصة ريف اليمن أن “المياه الراكدة تُعد بيئة مثالية لتكاثر البعوض، ما يؤدي لانتشار الأوبئة مثل الملاريا وحمى الضنك، بالإضافة إلى الأمراض الجلدية وأمراض القلب”، مشيراً إلى أن محطات المعالجة غير المصممة وفق معايير بيئية تُسهم في تسرب الملوثات إلى المياه، مما يزيد من تفاقم المشكلة.
من جانبه قال التميمي إن “الملوثات الرئيسية للمياه تشمل: البكتيريا، والفيروسات، والطفيليات، والأسمدة والمبيدات التي تلوث المياه الجوفية والسطحية، بالإضافة إلى النفايات الصيدلانية والبرازية التي تزيد من المواد الكيميائية السامة”.
وأكد التميمي لمنصة ريف اليمن “خطورة الملوثات غير المرئية التي لا تغير دائمًا لون الماء، لكنها تتسلل إلى السلاسل الغذائية وتُسبب آثارًا صحية طويلة المدى على البشر والكائنات الحية” ، مشدداً على “ضرورة مراقبة جودة المياه واعتماد أنظمة معالجة فعالة للحد من هذه المخاطر” .
وتعتبر أنظمة الصرف الصحي غير الآمنة إحدى التحديات الكبرى التي تؤثر على البيئة بشكل مباشر، إذ تشمل التأثيرات البيئية مخلفات عضوية، ومواد كيميائية، ومعادن ثقيلة ناتجة عن الأنشطة المختلفة، خاصة في التربة.
الحلول والمعوقات
في ظل المخاوف الكبيرة من تفشي الأمراض والأوبئة، والتحديات البيئية المرتبطة بأنظمة الصرف الصحي، يؤكد المهندس بدري على ضرورة اتخاذ خطوات إستراتيجية لحماية البيئة وصحة الإنسان.
ويقترح بدري على المكاتب المعنية بمشاريع البناء والإسكان الالتزام بمعايير بيئية صارمة، وضرورة الرجوع إلى مكتب حماية البيئة قبل البدء في أي مشروع، خاصة مشاريع الصرف الصحي؛ لضمان تقييم الأثر البيئي والاجتماعي والصحي.
وتطرق إلى مخاطر الإهمال البيئي المتمثلة في غياب المعايير البيئية، والتي تؤدي إلى تلويث مصادر المياه، مما يهدد الأمن المائي، وتدهور التربة الزراعية من خلال تسرب المخلفات إلى التربة، ويؤدي إلى تملُّحها وفقدان جودتها، مما يهدد الأمن الغذائي.
من جانبه شدد التميمي على أهمية نشر الوعي المجتمعي حول الحفاظ على شبكات الصرف الصحي، والتأكيد على دور المعالجة الصحيحة لمياه الصرف في تقليل التلوث البيئي، والاستفادة منها في الري والزراعة.
لكن تحسين أنظمة الصرف الصحي بريف تعز يواجه معوقات أبرزها: التكلفة الباهظة لتقنيات معالجة مياه الصرف الصحي، والتي تتطلب استثمارات كبيرة قد لا تكون متاحة في بعض المناطق، بالإضافة لعدم تقبُّلِ المجتمع لاستخدام التقنيات الحديثة في المعالجة، بسبب غياب التوعية بفوائد هذه الأنظمة. وأشار التميمي إلى ضعف القناعة لدى المجتمع بفكرة استخدام المياه المعالجة في الزراعة والري، أو اعتمادها في إنتاج الأسمدة، الأمر الذي يعيق تبني تلك الحلول المستدامة.
وأدت الحرب المندلعة في البلاد منذُ عشر سنوات إلى تدمير البنية التحتية، بالإضافة إلى توقف كافة المشاريع الخدمية؛ أبرزها إصلاح شبكات الصرف الصحي، سواء في المدن الحضرية أو الريف. وتشير تقارير دولية إلى أن أكثر من 14 مليون شخص يُحرَمون من إمدادات المياه الصالحة للشرب، وخدمات الصرف الصحي، وجمع القمامة في اليمن.