مستنقعات الصرف الصحي بريف “عَمران” كارثة بيئية بلا حل

55% من سكان اليمن لايحصلون على مياه الشرب وخدمات الصرف الصحي

مستنقعات الصرف الصحي بريف “عَمران” كارثة بيئية بلا حل

55% من سكان اليمن لايحصلون على مياه الشرب وخدمات الصرف الصحي

نجح المواطن اليمني الثلاثيني أحمد العقاري، الذي يسكن في قرية القارة الواقعة بريف مديرية مسور بمحافظة عَمران، في تشجيع أهالي قريته على إنشاء مرافق صرف صحي في منازلهم، غير أنّ معظم البيارات حُفرت عشوائيا بجوار المنازل، ومُدّدت أنابيب تصريفها إلى أماكن مكشوفة بوسط الأراضي الزراعية، وأخرى على المنحدرات والصخور الجبلية التي تقع معظم منازل القرى الريفية على حافتها.

يبلغ عدد سكان قرية العقاري نحو مئة نسمة، ومع ذلك يعانون من مشكلة مستنقعات الصرف الصحي المكشوفة، التي تسبب تلوث المياه والبيئة وانتشار كثير من أوبئة؛ وفق ما ذكره “أحمد العقاري” لمنصة “ريف اليمن”.

عشوائية الصرف الصحي

وقدرت الهيئة العامة لمشاريع مياه الريف بصنعاء، حجم تغطية خدمات الصرف الصحي بعموم مناطق الريف اليمني حتى عام 2011م بنحو 26% فقط، وهي بيارات مغطاة نفذها الأهالي، ومحطات معالجة، وحمامات جافة، حسبما جاء في الخطة الاستراتيجية للهيئة للأعوام (2022-2025م).


     مواضيع مقترحة


وأقرت بعدم امتلاكها إحصاءات دقيقة ومحدّثة عن خدمات الصرف الصحي بالمناطق الريفية، لكنها أشارت إلى أنها “تسعى إلى ربط تنفيذ أي مشاريع لإمدادات المياه بمكون الإصحاح البيئي (الصرف الصحي) بما يتناسب مع طبيعة المناطق الريفية، والعمل على تغطية المناطق الريفية التي تتوفر فيها مشاريع إمدادات مائية بمرافق صرف صحي بجميع محافظات الجمهورية، خلال العشر السنوات القادمة”.

ويمثل قطاع المياه والصرف الصحي في ريف اليمن 71% من إجمالي التعداد السكاني للبلاد، ويسكن ما يقارب 80% من الفقراء في المناطق الريفية، وتديره الهيئة العامة لمشاريع مياه الريف، حسبما جاء في كتيب “إدارة مرافق المياه – حالات دراسية من المنطقة العربية”، الصادر عن الجمعية العربية لمرافق المياه.

ورغم ذلك ما تزال كثير من منازل المواطنين، خصوصا القديمة منها في ريف مديريات مسور وجبل عيال يزيد والمدان وصوير وقفلة عذر والعشة وحرف سفيان وذيبين وخمر وبني صريم وحوث، تفتقر إلى وجود دورات مياه، ويكتفي ساكنوها بقضاء حاجاتهم في أماكن مكشوفة بالعراء.

بعض تلك المنازل لديها مرافق صرف صحي وتمديدات تصبّ في حُفر مكشوفة أو منحدرات جبلية قريبة منها، وبعضها تصبّ في وسط المزروعات القريبة من المنازل، وأخرى في مجاري المياه، الأمر الذي يؤدي إلى تلوث البيئة، ويجعل ساكنيها عرضة للإصابة بكثير من الأمراض والأوبئة، أبرزها الإسهال والبلهارسيا والملاريا والديدان المعوية وأمراض الكلى، وسط غياب شبه تام للمرافق والخدمات الصحية، حسبما ذكر أحد العاملين الصحيين بالمحافظة – فضّل عدم ذكر اسمه – في حديثه لمنصة ريف اليمن.

عَمران.. مستنقعات الصرف الصحي بالريف كارثة بيئية بلا حل
تفتقر أغلب منازل السكان لدورات مياه، ويكتفي ساكنوها بقضاء حاجاتهم في أماكن مكشوفة بالعراء(ريف اليمن/ عبده حسين)

تكاليف إنشاء شبكات الصرف الصحي في المناطق الريفية رخيصة وليست مكلفة، وتوجد مناطق مفتوحة وبعيدة عن المنازل السكنية يمكن استخدامها في استقبال مياه الصرف الصحي، وفق العامل الصحي.

وكذلك هو الحال بالنسبة لكثير من مساجد ومدارس تلك التجمعات الريفية المتناثرة، إذ تعاني أيضاً من انعدام دورات المياه، وإن وجدت فهي مغلقة نتيجة عدم توفر المياه، ما يضطر المصلين والطلاب إلى اللجوء إلى طرق بدائية لقضاء حاجتهم، في أماكن مفتوحة، بحسب تأكيد معلمين وأئمة مساجد في أكثر من نصف مديريات المحافظة، في حديثهم لريف اليمن.

وقال المهندس ماجد الأشول، المدير الفني بمؤسسة المياه والصرف الصحي في محافظة عَمران “لا يوجد لدى المؤسسة العامة للمياه والصرف الصحي بالمحافظة خطة لتوفير المياه للمناطق الريفية بجميع المديريات، أو تشجيع المواطنين على بناء مرافق للصرف الصحي في منازلهم بدلاً من الحفر المكشوفة؛ لأن المناطق الريفية كبيرة وواسعة، وهي بحاجة إلى تشكيل فرق توعية عبر مموّلين لمشروع كهذا”.

وأضاف في حديث لمنصة “ريف اليمن”، “المؤسسة لا تغطي إلا 45% في مدينة عَمران مركز المحافظة، بخدمات المياه والصرف الصحي، لدى المؤسسة خطة حالياً لتنفيذ شبكة مياه وصرف صحي ومحطة معالجة لبعض المناطق الريفية الثانوية بمديريات ريدة وخمر وحوث”.

عَمران.. غياب محطات المعالجة

يتطلب الصرف الصحي الحديث المزيد من المياه، ليس فقط لغسل المراحيض، ولكن أيضًا لدفع النفايات على طول شبكات الصرف الصحي إلى مواقع التخلّص منها. وأدى الغياب التام لمحطات معالجة مياه الصرف الصحي في المناطق الريفية إلى تراكم مياه الصرف الصحي الملوثة بالقرب من المناطق السكنية.

وبالتالي إلى انتشار الأمراض بتوفيرها بيئة حاضنة لتكاثر البعوض وتركيز السالمونيلا وغيرها من البكتيريا التي تسبب الأمراض المعدية، وذلك بحسب تحليل أعدته هيلين لاكنر، لمركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، بعنوان “مدى تأثر اليمن بتغيّر المناخ: كيفية تعزيز استراتيجيات التكيّف”. لاكنر أوصت بتحسين الهياكل الإدارية وآليات الإدارة لضمان حصول السكان في الأرياف على كميات كافية من المياه الصالحة للشرب وكذا خدمة الصرف الصحي.

عملت لجان مياه القرى في عدد من مديريات المحافظة على التوعية بحماية البيئة الريفية وحفر بيارات لمياه الصرف الصحي بعيدا عن المنازل والقيام بتغطيتها، بدلاً من تركها مكشوفة، والمحافظة على مصادر مياه الشرب نظيفة، وتعزيز استدامتها، والإسهام في رفع الوعي الصحي والبيئي عبر تطبيق منهج الصرف الصحي الكامل بقيادة المجتمع في عشرات القرى المختلفة بمديريات المحافظة.

“إلا أن جهود تلك اللجان توقفت في سنوات الحرب التسع، وعاد مواطنون إلى حفر بيارات مكشوفة بجوار منازلهم، لغرض تجفيف المخلفات واستخدامها سمادا للمزروعات”،  حسبما أفاد يحيى بن علي، أحد رؤساء لجان المياه في مديرية ذيبين في حديث لمنصة “ريف اليمن”.

وطبقت تلك اللجان خلال السنوات الماضية، بإشراف الصندوق الاجتماعي للتنمية ومشروع التعاون والتنمية الألماني GIZ، نهج التوعية المجتمعية المكثفة ذات التأثير الإقناعي، وذلك بتحفيز ومتابعة أصحاب المنازل لبناء مرافق الصرف الصحي (الحمامات، وحفر البيارات، وتغطيتها)، وتعميم التجربة على المرافق العامة كالمساجد والمدارس، والقيام بحملات نظافة للقرى، وفق بن علي، الذي دعا أيضا إلى دعم ومساندة الجهود الشعبية في تحسين الحصول على المياه والصرف الصحي لسكان المناطق الريفية بالمحافظة وعموم اليمن.

يُعدّ اليمن مِن بين أكثر بلدان العالم شحّا في المياه، ولا يحصل أكثر من 55% من سكان البلاد، أي نحو 18 مليون نسمة، على المياه الصالحة للشرب وخدمات الصرف الصحي المأمونة، وفق تقرير للبنك الدولي، ما يؤكد أن فقر المياه وعدم توفرها من أكبر التحديات في المجتمعات الريفية.

تسمح المادة (60) من قانون المياه اليمني رقم (33) لسنة 2002م، بـ”إنشاء حُفَر أو مسطحات في القرى الريفية لأعداد محدودة من المستفيدين، تحت إشراف لجان الأحواض أو السلطات المحلية، للتخلص من مياه الصرف الصحي المنزلية أو معالجتها على أن يلتزم أصحابها بتنفيذها وتشغيلها وصيانتها ذاتيا، ويحق لهيئة الموارد المائية أثناء عمليات التفتيش والمراقبة الأمر بإزالتها أو تعديلها إذا وجدت أن لها آثارا ضارة على مصادر المياه أو الصحة العامة أو البيئة بعد التعويض المناسب”.

وبناء على ذلك، تقوم السلطات المحلية في بعض المديريات والقرى والمناطق الريفية وبجهود تطوعية شخصية بالإشراف على بعض عمليات إنشاء مرافق الصرف الصحي في المنازل والمساجد والمدارس وتوعية المواطنين بالطرق المناسبة للتخلص من مياه الصرف الصحي، والحفاظ على البيئة وصحة وسلامة المواطنين، بحسب تأكيد مصلح زايد، عضو المجلس المحلي بمديرية ذيبين، في حديثه لريف اليمن.

آثار بيئية وتلوث المياه

يسبّب غياب مرافق الصرف الصحي في منازل بعض مواطني المناطق الريفية النائية بمحافظة عَمران خصوصا، وريف اليمن عموما، كثيرا من الآثار البيئية، منها تفشي الأمراض الجلدية لدى السكان نتيجة لدغات البعوض الناقل للمرض.

وقال الدكتور مجيد هزاع نعمان، أستاذ العلوم البيئية المشارك بجامعة عَمران”أن المخلفات المنزلية التي تفتقر إلى الصرف الصحي اللازم، إضافة إلى أن تسرب مخلفات المنازل إلى سطح التربة، يجعلها عرضة للحشرات الناقلة للأمراض وانتشار الروائح الكريهة”.

وأضاف في حديث لـ”ريف اليمن”، “إذا استُعملت ما يعرف بالبيارات التي يقوم بحفرها أصحاب المنازل لاستيعاب مخلفات الصرف المنزلي، فقد تصل تلك المخلفات إلى المياه الجوفية أو مصادر المياه السطحية مثل مياه الآبار التي يستخدمها السكان للشرب وتختلط معها، وبذلك تتسبب في تلوثها وتنتقل الأمراض للمجتمع”.

وشجع عدم الاهتمام بالنظافة الكافية من قبل المجتمع، والخوف من الإسراف في استخدام المياه اللازمة لذلك، إلى استمرار انعدام خدمات الصرف الصحي وما ينتج عنها من تفشي الأوبئة، قد تصل مخلفات المنازل إلى التربة الزراعية وتلوثها، وبالتالي تلوث المحاصيل، ومنها تنتقل الأمراض إلى الإنسان. وفق ما ذكر أستاذ العلوم البيئة نعمان.

من جانبه اعتبر الباحث السكاني، حافظ البدوي “أن كثير من المنازل الريفية بجميع مديريات محافظة عَمران من كثير من الظواهر والممارسات البيئية غير الصحية، أخطرها مشكلة عدم توفر مرافق للصرف الصحي، والاعتياد على قضاء الحاجة في العراء بجوار تلك المساكن وعلى قارعة الطرقات ومصارف السيول”.

ورأى في حديث لمنصة “ريف اليمن”، “أن هذه سلوكيات اعتادها الريفيون، نتيجة لتصورهم بأنها لا تؤثر على صحتهم، جراء قصور التعليم والوعي، وشح المياه، وتردي الوضع الاقتصادي لغالبية الأسر الريفية وعدم قدرتها على إنشاء مرافق صرف صحي في المنازل، لا سيما القديمة منها التي تتكون من عدة طوابق”.

وقال البدوي “تسهم شبكات الصرف الصحي  في تحسين صحة وحياة سكان القرى الريفية، والمحافظة على بيئة نظيفة وخالية من التلوث، ويحدّ من تفشي الأمراض والأوبئة، لا سيما في مواسم هطول الأمطار في فصلي الصيف والخريف”، ولفت “أن مرافق الصرف الصحي تحدّ من تلوث المياه، لا سيما مياه السدود والبرك والأحواض المكشوفة، وهي تعد المصدر الوحيد للشرب في بعض تلك المناطق، وتمنع انتشار الإسهالات المائية”.

شارك الموضوع عبر:
الكاتب

مواضيع مقترحة: