المناخ والصراع يهددان التنوّع البيولوجي باليمن

تشكل مناطق الغابات الطبيعية 1.04% من مساحة الأراضي في اليمن

المناخ والصراع يهددان التنوّع البيولوجي باليمن

تشكل مناطق الغابات الطبيعية 1.04% من مساحة الأراضي في اليمن

تشهد اليمن أزمات بيئية متعدّدة، نتيجة تداخل عوامل طبيعية، وصراعات بشرية مستمرة، في وقتٍ تتفاقم فيه تداعيات التغير المناخي، ما يلقي بظلال قاتمة على مستقبل التنوع البيولوجي والموارد الطبيعية في البلاد، وتؤثر على سبل العيش وصحة الأفراد.

تتمتع اليمن بتنوع حيوي فريد من النباتات والطيور والموارد البحرية والساحلية والجزر، وبحسب وزارة الزراعة، تشكل مناطق الغابات الطبيعية 1.04% من مساحة الأراضي في اليمن، إضافة إلى ما تزخر به من الأسماك والمنتجات البحرية والساحلية والشعاب المرجانية والطيور والأراضي الرطبة، وهي بحاجة إلى وضع خطة عمل وطنية.

المناخ والتنوع البيولوجي

يقول مدير عام التنوع الحيوي في هيئة حماية البيئة المهندس عبد الله أبو الفتوح: “إن التغير المناخي يشكل تهديدًا مباشرًا على موائل الكائنات الحية في الريف اليمني”، ويلفت إلى أن تقليص المساحات الخضراء وتدمير مصادر المياه الطبيعية يضع كثيرا من الأنواع مثل الأرانب البرية وبعض الطيور في خطر؛ لأنها تعتمد على الغطاء النباتي والماء للبقاء.

ويؤكد أبو الفتوح في حديثه لمنصة ريف اليمن أن التغير المناخي والصراعات المستمرة يشكّلان تهديدًا كبيرًا للبيئة في اليمن، ويؤديان إلى تدهور الموارد الطبيعية والتنوع البيولوجي، فضلا عن تجريف الأراضي الزراعية وقطع الغابات، وينوّه إلى أن النزوح الداخلي الناجم عن الصراع ضاعف الضغط على الغابات ومصادر المياه، وأدى إلى استنزاف الموارد الحيوية.

وقال: “إن الأنظمة الزراعية في اليمن تتعرض لضغوط شديدة من آثار التغير المناخي، مثل الجفاف والفيضانات المتكررة التي تضر بالمحاصيل وتؤدي إلى تدهور التربة، ما ينعكس سلبًا على التنوع البيولوجي ويهدّد الإنتاج الزراعي في البلاد”.

المناخ والصراع يهددان التنوّع البيولوجي باليمن
إنتشار التلوث والبلاستيك في الموائل الطبيعة أحد مهددات التنوع البيولوجي في اليمن (ريف اليمن)

        مواضيع مقترحة


وتشكل الصراعات المسلحة في اليمن عاملًا مدمّرًا للبيئة؛ إذ تؤدّي إلى تدهور الأراضي وتلوّث المياه، مما يزيد من انعدام الأمن الغذائي ويعزّز انتشار الأمراض، كما تترك التغيرات المناخية أثرًا سلبيًا كبيرًا على الكائنات الحية، والنباتات الصحراوية والحيوانات الرعوية التي تعتمد على الموارد الطبيعية، وفقا للدكتور حاجب الحاجبي، الباحث في التغيرات المناخية وعضو هيئة التدريس بجامعة صنعاء.

ويقول الحاجبي لمنصة ريف اليمن: “بعض الأنواع الحيوانية الفريدة في اليمن مهددة بالانقراض، مثل القطّ البري العربي الذي يُعدّ من أندر القطط البرية عالميًا، والضبع المخطط الذي يتعرض للصيد الجائر بسبب الاعتقادات الخاطئة حوله، والغزال العربي الذي يعاني من فقدان الموائل الطبيعية واستمرار عمليات الصيد الجائر، كما أن أنواعًا عدّة من الطيور مثل النسر المصري والعقاب الذهبي، بالإضافة إلى بعض أنواع الأسماك، تواجه خطر التلوث والصيد المفرط، مما يهدد وجودها”.

ويلفت الحاجبي إلى أن تأثير التغير المناخي على الموارد الطبيعية في الريف اليمني، فالزيادة في درجات الحرارة وتغير أنماط هطول الأمطار تتسبب في تفاقم الجفاف وندرة المياه، ما يؤدي إلى تدهور الأراضي الزراعية وتقليل إنتاجيتها، في حين أن ارتفاع مستوى سطح البحر يهدد المناطق الساحلية ويؤدي إلى تدمير الشعاب المرجانية وفقدان الأراضي الزراعية.

ويشير إلى أن الجفاف المتكرر أدى إلى تدهور خصوبة التربة وزيادة الملوحة، ما يهدد الإنتاج الزراعي ويزيد من أسعار المواد الغذائية، كما أن انتشار الآفات والأمراض التي تصيب المحاصيل والحيوانات أصبح أكثر شيوعًا مع التغيرات المناخية.

المناخ والصراع يهددان التنوّع البيولوجي باليمن
تعتبر سقطرى من أكبر المحميات الطبيعية في العالم وتشتهر بتنوعها البيولوجي الفريد على مستوى العالم (نادي السياحة الروسي)

وأكد الباحث في التغيرات المناخية حاجب الحاجبي أنّ وقف الأعمال العدائية وإعادة تأهيل الأراضي المتضرّرة، إلى جانب حماية الموارد المائية وتعزيز الزراعة المستدامة، أمر حيوي للحفاظ على التنوع البيولوجي المتعرّض للخطر، داعيا إلى تعزيز إدارة موارد المياه وإعادة تأهيل الأراضي وحماية المناطق المحمية، إلى جانب تعزيز الوعي البيئي والتعاون الدولي لمواجهة هذه التحديات البيئية المتفاقمة.

التلوث وإنقراض الحيوانات 

بدوره، يؤكّد الدكتور عبد القادر الخراز، أستاذ علوم البيئة بجامعة الحديدة، أن النزاع يهدد التنوع البيولوجي، مشيرًا إلى أن غياب القوانين البيئية يعرض النمر العربي وأنواعا أخرى من الحيوانات لخطر الانقراض، كما أن النزاعات تسهم في تلوث البحار والهواء والتربة بالمواد الكيميائية السامة والنفايات غير المعالجة، مما يؤثر على صحة الإنسان وموارده الطبيعية.

وأوضحت دراسة للدكتور نفسه عام 2019 أن النزاعات تؤثر بشكل سلبي على الأنواع المهاجرة والمهددة بالانقراض، وتُعتبر اليمن معبرًا مهمًا لهجرة الطيور التي تعاني من فقدان الموائل الطبيعية نتيجة السطو على أراضي المحميات. كما أن الأنواع البحرية، مثل بعض أسماك القرش، تعاني من الاصطياد المفرط، مما يستدعي تدخلًا من الجهات المعنية للحد من الأنشطة الضارة.

وبحسب ما أشار إليه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في تقرير تقييم النزاع على المياه في اليمن، سيؤثر تغيير المناخ على دورة المياه، وهي ستؤثر بدورها على الإنتاج الزراعي، فالزراعة تستخدم 80-90% من موارد المياه في اليمن بشكل متفاوت جدًا.

المناخ والصراع يهددان التنوّع البيولوجي باليمن
استمرار عمليات الصيد الجائر للحيوان النادرة أبرزها الوعل اليمني في محافظات مختلفة خصوصا شبوة وحضرموت (مواقع تواصل)

من جانبه يقول المهندس عبد القادر السميطي، ممثل الجمعية الوطنية للبحث العلمي والتنمية البشرية بأبين: “اليمن يواجه أزمات بيئية معقّدة مثل التلوث بالبلاستيك والنفايات، وهي تؤثر سلبًا على الأراضي الزراعية والمياه الجوفية”، مشيرا إلى أن زيادة درجات الحرارة أدّت إلى فيضانات متكررة وجفاف، وتسببت في تملّح التربة، ما يزيد من صعوبة الإنتاج الزراعي ويرفع تكاليف المحاصيل، وذلك يؤثر بدوره على الأسعار وتوافر الغذاء.

ويلفت السميطي في حديثه لمنصة ريف اليمن إلى انتشار الآفات والحشرات الضارة في السنوات الأخيرة مثل ذبابة الفاكهة ودودة الطماطم، وقد زادت نتيجة التغير المناخي والاستخدام العشوائي للمبيدات، منوها إلى أن اليمن يعاني من مشكلة قطع الأشجار بشكل عشوائي؛ إذ يعتمد السكان بشكل متزايد على الحطب، ما يهدّد النباتات الهامة مثل السدر والسمر والطلح، التي يعتمد عليها النحل، وذلك يهدد إنتاج العسل المحلي.

ويؤكد السميطي أن بعض الأنواع النباتية بدأت تتراجع وتظهر بأعداد قليلة، مثل نباتات الأراك والأثل والمريمرة والسدر، موضحا أن شجرتي الميطي والعصل اللتينِ تنتشران في مناطق مثل الطرية وجعار وزنجبار، باتتا مهددتين بالانقراض، مشدّدا على أهمية تطوير تقنيات زراعية حديثة للتكيف مع التغيرات المناخية، مثل استخدام المصائد الفرمونية لحماية المحاصيل، والتوجه نحو المكافحة البيولوجية للحفاظ على البيئة وتقليل استخدام المبيدات.

بدوره، يشير الدكتور علي يحيى عبد الله اللكمة، باحث في جامعة صنعاء، إلى أن الحرب أثّرت على الموارد المائية، فاليمن يعتمد بشكل أساسي على المياه الجوفية والأمطار لغياب الأنهار، وأكثر من ثلث مياهه من مصادر غير متجددة. ويرى اللكمة أن غياب الحوكمة البيئية الفعالة يعمّق أزمة التدهور البيئي ويزيد من الاعتماد على المساعدات الإنسانية.

تأثير الصراع على البيئة الريفية

أما الدكتور مساعد عقلان من مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، فيسلط الضوء على تأثير الصراع على الريف اليمني، الذي يعتمد على الزراعة والثروة الحيوانية مصدرا رئيسيا للمعيشة. ويعاني سكان الريف من صعوبات في الوصول إلى الخدمات الأساسية، وارتفاع تكاليف النقل والمحروقات، مما يجعل الزراعة صعبة ويؤدي إلى تدهور الأمن الغذائي.

وبيّنت دراسة للدكتور عزي شريم عام 2020 أنّ التحديات البيئية الناجمة عن تلوث الهواء في اليمن، وهي تشمل ملوثات مثل غاز ثاني أكسيد الكربون وأول أكسيد الكربون والجسيمات العالقة. وأشار شريم إلى أن الحروب تزيد من التلوث البيئي نتيجة انبعاث المواد الكيميائية السامة، مما يؤثر على جودة الهواء والماء، ويعزز تلوث التربة. وأضاف أن الصراعات تتسبب في تلويث البحار بالنفايات وحرقها عشوائيًا، ما ينعكس سلبًا على الاقتصاد والبيئة والمجتمع اليمني كله.

وتشهد البيئة البحرية في اليمن تحديات خطيرة تهدّد التنوع البيولوجي، ويشير الدكتور عبد القادر الخراز إلى أن السلاحف البحرية، بما في ذلك السلاحف المنقارية والسلاحف الخضراء، تواجه خطر الانقراض نتيجة تدهور البيئات الساحلية.

وعلى الصعيد النباتي، تُعد جزيرة سقطرى من أبرز المناطق المتأثرة بالتغيرات المناخية؛ إذ تعرضت بعض الأنواع النادرة، مثل شجرة دم الأخوين، لأضرار جسيمة بسبب الأعاصير، ومنها إعصار تشابلا الذي تسبّب في اقتلاع كثير من هذه الأشجار.

كما أن المناطق الرطبة الساحلية تعاني بدورها من الآثار السلبية للنزاعات المستمرة والتغير المناخي، مما يفاقم التحديات البيئية في اليمن. وعلى مستوى النباتات، تتعرض شجرة اللُّبان، المشهورة في اليمن بإنتاجها للبان عالي الجودة، إلى التهديد بسبب التوسع الزراعي والصيد الجائر للبذور، ويتسبب جمع النباتات الطبية بشكل مفرط في اقترابها من حافة الانقراض، بينما تتعرض الشعاب المرجانية في البحر الأحمر لأضرار ناجمة عن تغير المناخ والتلوث، مما يعمق الأزمة البيئية.

جانب من محمية بُرع الطبيعة في الحديدة غربي اليمن (ريف اليمن)
شارك الموضوع عبر:
الكاتب

مواضيع مقترحة: