في تجربة جديدة، تمكَّنَ المزارع محمد السهيلي من إنتاج أضعاف محصول الطماطم الذي كان يحصل عليه في مساحة الأرض التي يملكها والمقدرة بـ20 فداناً، في قريته “ميكلن” الواقعة في حي الآثار، بمحافظة أبين جنوبي اليمن.
وعن تجربته التي يصفها بالناجحة يقول السهيلي لمنصة ريف اليمن: “بعد نصائح مهندسين وخبراء المبيدات والحشرات بشراء بذور مقاومة للآفات الزراعية المنتشرة، وبالفعل اشتريت نوع من أحد المحلات المتخصصة بالبذور، حينئذ أدهشتني أشجار الطماطم الكثيرة ومحصولها المثمر”.
مقاومة للمناخ
بحسب حديث السهيلي، فإن صنف البذور الذي استخدمه “روان” يتميز بمقاومته للتغيرات البيئية والمناخية، كما أثبت قدرته على مقاومة الآفات الحشرية المدمرة للطماطم، أشهرها حشرة “التوتا ابسلوتا”، مما مكنه من إنتاج كمية مضاعفة من الطماطم بخلاف ما أنتجه العام السابق.
هذا الصنف حفز “السهيلي” ومزارعين آخرين في محافظة أبين على الاستمرار في زراعة الطماطم، من حيث كمية الإنتاج وجودة المنتج. ويلفت إلى أنه كان قد تسلل اليأس إلى قلبه بالعزوف عن زراعة الطماطم خلال السنوات الأخيرة لما واجهه من خسائر كبيرة في نهاية الموسم، ولكن صنف روان عدّل من فكرته وشجعه على زراعة مساحات أوسع.
مواضيع مقترحة
الطماطم في أبين.. تحديات تواجه الإنتاج
استيراد الطماطم: حرب على “سُبل العيش” للمزارعين
وادي الضباب.. سلة تعز الغذائية في مواجهة التحديات
في يوليو 2023، سجلت درجة الحرارة أعلى رقم قياس على الإطلاق، كما قالت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، ويعد الأعلى منذ بداية تسجيل القياسات. وفي اليمن -وبالتزامن مع ارتفاع درجة الحرارة- اجتاحت العديد من الفيضانات والأمطار الغزيرة مزارع الطماطم مسببةً دمارا كبيرا فيها، والذي انعكس سلبا على المزارع والأسواق المحلية.
في هذا الصدد يقول السهيلي: “الزراعة أصبحت متعبة، لاسيما عقب موجة الفيضانات السابقة، وأيضا التغيرات المناخية، بالإضافة إلى الحشرات والأوبئة التي تفتك بالمحاصيل بشكل مستمر”، لافتا إلى أن المبيدات الحشرية باتت مقلدة، ولا تفي بالغرض مما يتسبب بخسائر كبيرة للمزارعين.
أما عن سعر سلة الطماطم، فيقول المزارع السهيلي: “سعر سلة الطماطم 20 كيلو يبلغ 20 ألفاً في سوق الجُملة ويباع الكيلو في الاسواق بـ1500″، وهو سعر اعتبره متوسطا، بعد أن بلغ سعر الكيلو سابقاً 4 آلاف ريال يمني (الدولاريساوي 2060 ريال).
ويؤكد المهندس الزراعي عبد الله الحسيني أن التغيرات المناخية تلعب دورا كبيرا في إتلاف المحاصيل الزراعية في اليمن، مشيرا إلى أن الأجواء الحالية تهيئ بيئة خصبة لانتشار الآفات الزراعية، مثل المن والتربس، المعروف محلياً بـ”العسال”.
وأوضح الحسيني لمنصة “ريف اليمن” أن “هذه التحديات تؤثر بشكل مباشر على إنتاجية المحاصيل، بما في ذلك الطماطم، التي تعد واحدة من المحاصيل الرئيسية في المحافظة”.
وذكر الحسيني أبرز التحديات التي تواجه القطاع الزراعي، منها انخفاض سعر العملة، وارتفاع تكاليف المعيشة، وارتفاع تكاليف المبيدات الحشرية، والتغيرات المناخية، كما لفت إلى غلاء المشتقات النفطية وتأثيرها على تكاليف الإنتاج الزراعي، مؤكدا: “هناك غياب للتنظيم في عملية الزراعة، مع نقص في الأسواق المحلية وغياب آليات فعالة لتصدير المنتجات الزراعية”.
تأثير إيجابي
وبحسب الحسيني، رغم الأجواء المناخية غير الملائمة، فإن زراعة الطماطم لها تأثير إيجابي على المجتمع المحلي من خلال توفير فرص عمل في الحقول وللموردين الزراعيين، بالإضافة إلى الاكتفاء الذاتي من المحاصيل الزراعية.
ويتجه المزارعين للحصول على بذور تستطيع مواجهة التحديات الزراعية. وقال الحسيني “أن البذور التي استخدمها تتميز بمقاومتها للأمراض الحشرية والفطرية، مع نمو خضري وإزهار ممتازين، ما ينتج عنه محصول ذو جودة عالية ومطلوبة في الأسواق المحلية”.
ويحتاج المزارعين إلى تفعيل البحوث الزراعية المحلية لحل مشاكل المزراعين والتحديات الجديدة التي يواجهونها، وهذا يحتاج جهد مضاعف من قبل السلطات لدعم اجراء بحوث وتجارب ميدانية لمعرفة جودة البذور وكيف ممكن ان تكون مقاومة للتغييرات التي طرأت على المزارعين.
ودعا إلى تكثيف الإرشادات الزراعية وتقديم الدعم للمزارعين، مع ضرورة تنظيم عملية الزراعة وتوفير الأسواق المحلية والدولية للمنتجات، كما شدد على ضرورة تفعيل دور الحكومة الغائب المتمثل في وزارة الزراعة، مؤكدا أن مثل هذه التدابير يمكن أن تسهم في تقليل الأعباء على المزارعين وزيادة الإنتاجية.
ووفقًا لكتاب الإحصاء الزراعي السنوي لوزارة الزراعة والري في صنعاء، بلغت مساحة زراعة الطماطم في اليمن عام 2021 حوالي 8,400 هكتار، بإنتاجية تقارب 163 ألف طن. وفي عام 2022 ارتفع الإنتاج إلى نحو 172 ألفاً و830 طناً، كما بلغ إجمالي إنتاج اليمن من الخضروات سنويًا إلى حوالي 888 ألف طن.
المهندس الزراعي عبدالقادر السميطي أوضح أن ارتفاع درجات الحرارة وزيادة ملوحة الأراضي والمياه وانتشار الآفات والأمراض الحشرية، مثل ذبابة التوتا والذبابة البيضاء، أسهمت بشكل كبير في تراجع إنتاج المحاصيل، وعلى رأسها الطماطم في محافظة أبين.
وأشار السميطي، في حديثه لمنصة “ريف اليمن” إلى أن موجات الرياح والأعاصير الأخيرة أسهمت في انتشار الآفات الحشرية التي تسببت بأضرار بالغة للمحاصيل، وقد أدى ذلك إلى فشل زراعة الطماطم في البيوت المحمية والمشاتل في لحج وأبين؛ حيث تتعرض النباتات للموت بسبب ارتفاع درجات الحرارة.
وأضاف أن المزارعين باتوا مضطرين لجلب الشتلات من مناطق أكثر برودة، مثل تعز، ذمار، إب، وصنعاء، على الرغم من التكاليف المرتفعة المرتبطة بذلك، برغم أنه لا تزال زراعة الطماطم في اليمن تعتمد على أصناف قديمة مثل “العزيزة”، “الكريمة”، “الهيفاء”، و”نوال”، التي أصبحت تعاني من تدهور مستمر بفعل التغيرات البيئية والمناخية.
آفات وغياب حكومي
عن الأعباء الاقتصادية التي يواجهها المزارعون، يشير السميطي إلى تكاليف الإنتاج المرتفعة والمبيدات التي تجعل الزراعة عبئًا ثقيلاً. وقال: “حتى أصغر مزارع يجد نفسه مدينًا بمبالغ تصل إلى 5 ملايين ريال لتغطية تكاليف المبيدات وحدها”. ونوه إلى أن إنتاجية الطماطم في المناطق جنوبي اليمن أصبحت أقل مما هو متوقع، وهو ما يدفع الأسواق المحلية إلى استيراد الطماطم مؤخرا من الخارج، بأسعار مرتفعة تفوق أحيانًا أسعار الفواكة.
وانتقد المهندس الزراعي عبدالقادر السميطي غياب دور وزارة الزراعة في دعم المزارعين، سواء من خلال مكافحة الآفات، أو توفير أصناف جديدة تتلاءم مع التغيرات المناخية، وأكد على أهمية إدخال أصناف حديثة مثل صنف “روان”، الذي يمتلك مقاومة جيدة للتغيرات المناخية، ويمكن أن يظل فعالًا لمدة خمس سنوات قادمة.
ودعا السميطي إلى ضرورة تدخل الجهات المعنية لتوفير أصناف جديدة مهجنة تتناسب مع التحديات الحالية، وإعادة هيكلة طرق الزراعة لتشمل أساليب ري حديثة مثل التنقيط بدلاً من الغمر، مع توفير دعم للمزارعين في مكافحة الآفات والتخفيف من التكاليف المرتفعة للإنتاج، مع توفير ثلاجات حفظ المحاصيل تفادياً لتلفها، وفي محافظة أبين، يُقدّر السميطي المساحة المزروعة بالطماطم بين 1,000 و3,000 فدان، مع إنتاجية تتراوح بين 15 ألفاً و20 ألف كيلوغرام للفدان الواحد.
وفي ظل التحديات المناخية والاقتصادية، تبقى زراعة الطماطم واحدة من أهم المحاصيل الزراعية في اليمن. ويبدو أن الحلول التقنية الحديثة، مثل اعتماد أصناف بذور مقاومة قادرة على دعم القطاع الزراعي، وتخفيف الآثار السلبية على المزارعين والأسواق المحلية.