سكان باقَرْوَان حضرموت: عندما تصبح الخدمات الصحية أُمْنِيَة

تمتلك المنطقة التي يقطنها نحو 45 ألف نسمة مركزًا صحيًا بدون خدمات

سكان باقَرْوَان حضرموت: عندما تصبح الخدمات الصحية أُمْنِيَة

تمتلك المنطقة التي يقطنها نحو 45 ألف نسمة مركزًا صحيًا بدون خدمات

“تجرعتُ الألم لساعات طويلة دون أدنى مساعدة طبية، كدت أموت، ولم أكن أتوقع انني سأبقى على قيد الحياة”، بهذه العبارة وصفت السيدة أم مريم معاناتها القاسية أثناء مخاضها الأول، بسبب غياب الرعاية والخدمات الصحية في منطقة حصن باقَرْوَان بمحافظة حضرموت.

ويتكبّد السكان بمختلف فئاتهم، نساء، وأطفال، وكبار سن، في منطقة حصن باقَرْوَان التابعة لمديرية حَجْر، مشقة مضاعفة بسبب غياب الرعاية الصحية؛ إذ لا يتوفر في المنطقة التي يقطنها نحو 45 ألف نسمة، سوى مركز صحي وحيد، يفتقد إلى أبسط الخدمات؛ مما يؤثر سلبًا على السكان، ويجعلهم عرضة للمخاطر، لا سيما النساء الحوامل.

سكان باقَرْوَان مشقة مضاعفة

تروي أم مريم البالغة من العمر 30 عاما، معاناتها لـ”منصة ريف اليمن” قائلة: “كانت لحظات المخاض قاسية ومؤلمة بشكل يفوق التصور، أجبرت على تحمل الآلام لساعات طويلة دون أي مساعدة بسبب غياب الخدمات الصحية في المنطقة”.

وتضيف: “استمر المخاض ساعات طويلة، في ظل ظروف بدائية لا تتوفر فيها أدوات طبية أو أدوية تسكن الألآم أو تساعد في إنقاذ الجنين”. وبعد معاناتها الكبيرة ومَخاضها القاسي، فقدت أم مريم طفلها نهاية العام الماضي، إن تقول بحسرة”: فقدت حلمي الذي انتظرته بسبب غياب الرعاية”.

أم مريم انموذج مصغر لما يعانيه السكان، وخاصة النساء، إذ تؤكد أن هذه المعاناة ليست مقتصرة عليها، بل تشاركها معظم النساء في حصن باقروان، خاصة الحوامل اللواتي يواجهن مخاطر كبيرة أثناء الحمل والولادة بسبب غياب المرافق الصحية والأطباء المتخصصين، ما يجعل كل ولادة مغامرة محفوفة بالخطر قد تنتهي بفقدان الأم أو الجنين.


     مواضيع مقترحة


ومنطقة حصن باقروان من المناطق الريفية التي تتميز بتضاريس جبلية صعبة الوصول مما يجعل التنقل فيها محدوداً ويزيد من عزلتها عن المناطق الأخرى، وتعد من المناطق التي تفتقر لأبسط المقومات والخدمات التعليمية والصحية وغيرها، ما يضاعف من معاناة سكانها و خاصة النساء والأطفال. وتُقدّر المسافة بين المنطقة ومدينة المكلا عاصمة المحافظة بحوالي 145 كيلومتر.

ونتيجة للطرق الوعرة؛ وضعف البنية التحتية يستغرق نقل المرضى من المنطقة إلى أقرب مشفى نحو ساعتين على الأقل؛ خاصةً أن الطرق غير معبّدة بشكل كامل، مما يضاعف معاناة المرضى، وسط انتشار وتفشي العديد من الأمراض أبرزها: سوء التغذية، وفقر الدم، والحميات، والإسهالات المائية المنتشرة بين النساء والأطفال، فضلا عن معاناة الحوامل.

يحكي المواطن أبو سالم باقروان، وهو أب لخمسة أطفال، معاناته اليومية مع غياب الخدمات الصحية، قائلاً: “أحد أطفالي البالغ من العمر سبع سنوات، أصيب بحمى شديدة ليلاً، وكانت الوحدة الصحية الوحيدة مغلقة، ولم يكن هناك أي وسيلة لإسعافه سوى قطع مسافة طويلة على دراجة نارية للوصول إلى أقرب مركز طبي خارج المنطقة”.

سكان باقَرْوَان حضرموت..عندما تصبح الخدمات الصحة أمنية
المبنى الصحي الخاص بالمنطقة تحول إلى مبنى مهجور بسبب عدم استكماله (ريف اليمن)

ويضيف أبو سالم في حديثه لمنصة ريف اليمن: “الطريق الوعرة وانعدام الإسعافات الأولية في المنطقة جعلا الأمر محفوفاً بالمخاطر، حيث كاد الطفل يفقد حياته بسبب التأخر في إسعافه لتلقي العلاج”، مؤكدا أن ما حدث مع ابنه يتكرر كثيراً مع الأطفال وكبار السن في المنطقة، مشيراً إلى أن غياب الرعاية الصحية الأساسية جعل من أبسط الأمراض تهديداً كبيراً لحياة السكان.

خدمات صحية بطرق تقليدية

يؤكد عمر باقاسم، وهو ناشط مجتمعي، أن المعاناة تتضاعف بفعل عناء السفر، لافتا إلى أن “السكان يتكبدون أسعاراً كبيرة للوصول إلى مستشفى المديرية الريفي دون الحصول على الرعاية المطلوبة، فيضطرون للسفر ساعات إلى عاصمة المحافظة المكلا، وهذا يلخص بشكل موجز حجم المعاناة التي يعاني منها أبناء المديرية”.

ويضيف باقاسم خلال حديثه لمنصة ريف اليمن: “خلال موسم هطول الأمطار تتضاعف المعاناة بشكلٍ أكبر، غالبية الطرق جبلية وفي مجاري السيول؛ مما يؤدي إلى تأخير إسعاف الكثير من الحالات الحرجة، ويضطر البعض إلى حمل مرضاهم على الأكتاف للعبور إلى الاتجاهات الأخرى من الطريق في مشهدٍ قاسٍ يرسم حجم المعاناة”.

ويواجه السكان تحديات متعددة، من أبرزها ضعف وغياب الوعي الصحي، والنقص الكبير في الكادر الصحي، خصوصاً النسوي، إلى جانب استمرار تقديم الخدمات الصحية بالطرق التقليدية، التي تتسبب أحيانا بمضاعفات خطيرة على الأم أو الجنين.

تحتل المديرية المركز الثاني على مستوى المحافظة من حيث المساحة، وعلى الرغم شدة حجم الاحتياج فيها إلا أن معظم مناطقها لا تتواجد بها غير وحدات صحية صغيرة لا تلبي حجم احتياج الناس فمعظم تلك الوحدات لا توجد بها الخدمات الصحية المتكاملة، ومنها على سبيل المثال المحاليل المخبرية، وأجهزة الفحص الحديثة، ناهيك عن الأجهزة والمتطلبات الأخرى.

ويقول عوض باموزة (فني مختبر): “تعاني المديرية من غياب التطوير الذي ينقل الوضع الصحي في المديرية إلى الأفضل، وأيضاً العبث في تصريف أعمال المنظمات، وعدم الاستفادة القصوى منها في تحسين البنية التحتية للمرافق الصحية”.

 

سكان باقَرْوَان حضرموت..عندما تصبح الخدمات الصحة أمنية
منطقة حصن باقروان من المناطق الريفية التي تتميز بتضاريس جبلية وتفتقر لأبسط الخدمات

وأكد باموزة لمنصة ريف اليمن أن “هناك إهمال كبير من قبل السلطة ومكتب الصحة في بعض المراكز الصحية بعدم استكمالها وتشغيلها، وعدم تفعيل بعض المراكز وتوفير المعدات والأدوات الصحية والكادر الطبي فيها بشكل مستمر”.

تدخلات مجتمعية محدودة

في ظل التحديات الصحية المتفاقمة برزت العديد من المبادرات المحلية المتنقلة التي تقدم خدماتها بشكل مجاني لتحسين واقع الرعاية الصحية وتلبية احتياجات السكان كعيادة النساء والولادة والأطفال وإجراء الفحوصات الطبية، والعلاجات الأساسية، وتثقيف المجتمع لكنها لم تستمر سوى فترة قليلة، نتيجة عدم توفر الدعم.

وقال باقاسم إن المبادرات المحلية تكاد تكون نادرة ووقت انتشار الأوبئة والأمراض، وتتلخص في عمل بعض المؤسسات والمنتديات الشبابية على تنسيق وتنفيذ بعض المخيمات والعيادات الطبية المجانية لفترة زمنية محددة.

أما عن الجهود الحكومية فيقول باموزة بأنها “عبارة عن جهود روتينية من قبل مكتبي الصحة بالمديرية والمحافظة، وتشمل قطاع الرعاية الصحية الأولية وقطاع الحملات التطعيمية، ومرافقة عمل المنظمات الدولية العاملة في المديرية من أجل تنفيذ مشاريعها من أجل الكسب المادي والظهور الإعلامي”، حسب قوله.

يشار إلى أن منصة “ريف اليمن” حاولت التواصل مع مدير مكتب الصحة بالمديرية للوقوف على المعاناة، والأسباب التي وقفت عائقا أمام انتشال الوضع الصحي، لتقديم الخدمات بشكل أفضل للسكان، لكنها لم تلقَ أي استجابة.

ويبقى الوضع الصحي في مديرية حجر بمحافظة حضرموت مرآة لضعف التدخلات الحكومية والمحلية، مما يعكس الحاجة الملحة لتكاتف الجهود بين الجهات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني لتعزيز القطاع الصحي، وتوفير الخدمات الأساسية للسكان. ومن دون أي تحرك جاد ستظل معاناة الأهالي مستمرة ماينذر بتفاقم الوضع الصحي، وزيادة الأعباء على الفئات الأكثر ضعفا في المجتمع.

شارك الموضوع عبر:
الكاتب

مواضيع مقترحة: