يعيش السكان في قرية المنصوري بمحافظة لحج جنوب اليمن، حياة قاسية في قلب الصحراء محرومون من أبسط مقومات الحياة، ويصارعون من أجل لقمة العيش، منازلهم يتم بناؤها من الطين والقش وهناك منازل محدودة مبنية من طوب الخرسان (البلوك)، يعانون بشكل دائم مع تقلبات المناخ سواء كان برد قارس في الشتاء، أو ارتفاع الحرارة خلال فصل الصيف.
قرية المنصوري.. حياة بدائية
أطفال القرية التي تقع في مديرية تُبَن، وتبعد خمسة عشر كيلومترا عن مركز المحافظة، وتتكون من 66 منزلا متفرقا، لا يعرفون شكل المدارس، ونساؤها يعشن مشقة يومية، وأما رجالها فينتظرون الإغاثة، قوتهم كِسَر من الخبز، وأفرشتهم تملؤها الرمال، ويجمعهم رعي الأغنام.
يقول صدام ملهم (30 عاما) وهو أحد سكان القرية: “قريتنا تفتقر إلى أبسط الخدمات، ونحن مواطنون نتبع محافظة لحج، ولكنا محرومون من كل الحقوق، لا نمتلك طريقا إسفلتية تسهل عملية تنقلنا، لا كهرباء، ولا شبكة مياه، كل شيء منعدم هنا”.
ويضيف ملهم لمنصة ريف اليمن: “أطفالنا لا يعرفون شيئا من التعليم، بسبب عدم وجود مدرسة، لا نطمح بالكثير، لا نريد إلا أن نرى أطفالنا يستطيعون كتابة أسمائهم، وتمييز أعمارهم. سئمنا من وضعنا، ولدنا في هذه الأرض دون خدمات”.
وتساءل ملهم بالقول: “نحن لسنا متعلمين، ونعاني من الجهل، نأمل أن لا يصبح أطفالنا مثلنا، نحلم حتى بفصلين دراسيين. هنا لا توجد مدرسة، ولا طريق تسهّل على الأطفال التنقل إلى المدارس المحيطة بنا للحصول على التعليم، وما زلنا ننتظر الجهات الحكومية لعلها تتذكر أسر تنتظرها منذ سنوات”.
المواطنة خضراء بركة ذات الخمسين عاما تقول بحسرة: “ذهب العمر دون جدوى، وما زلنا ندور في الدائرة نفسها، أطفالنا يلحقون بنا دون تعليم، فتياتنا الصغار يشاركننا الوجع يوميا، نعاني من أمراض بسبب نقل الماء يوميا للمنازل”.
الحلم بالتعليم
وتضيف: “نحن هنا نفتقر لحياة آدمية، لا نعرف تذوق الخضار إلا مرة كل أسبوع، نحصل عليها بمشقة بسبب بعد المسافة، وهي أكثر من نصف ساعة مشيا على الأقدام، لا نعرف الكهرباء، ولا تجد في القرية قطرة ماء نظيف”.
وتردف: “أطفالنا يحلمون بالتعليم، لكن أحلامهم تذوب في رمال الصحراء. نحن هنا كأننا نعيش في زمن ماض، وتضيف وهي تمسح عينيها بكلتا يديها: “نحن محرومون من كل شيء، حتى من الأمل، نعاني مشقّة يومية في جلب الماء من بئر بعيدة، مخاوفنا كبيرة على صحة أطفالنا الذين يعانون من سوء التغذية والأمراض”.
هذا هو الواقع المرير الذي يعيشه سكان قرية المنصوري التي تُعدّ قصة مأساوية بكل المقاييس، تعكس حجم المعاناة التي يعيشها كثير من اليمنيين في المناطق النائية، ويعود سبب معاناة سكان هذه القرية إلى الموقع الجغرافي الذي عزلها عن محيطها، بالإضافة إلى الحروب والصراعات التي تشهدها اليمن منذ سنوات. كما أن نقص الاستثمارات الحكومية والإهمال وعدم وجود خطط تنموية طويلة الأمد أسهم في تفاقم معاناة السكان.
لا تقتصر معاناة السكان على الافتقار إلى الخدمات، بل يعاني سكان قرية المنصوري من آثار نفسية واجتماعية عميقة نتيجة للعيش في مثل هذه الظروف القاسية. فقدان الأمل، والشعور بالعزلة، واليأس من المستقبل، كلها عوامل تسهم في تفكك الأسرة وتدهور الصحة النفسية.
دعوة للتدخل
تقول الصحفية وفاء فضل: “إن معاناة سكان القرية كبيرة، ويجب على الحكومة والمنظمات الدولية والمحلية أن تتكاتف لتخفيفها وتوفير الخدمات الأساسية للسكان، كالمياه النظيفة من خلال مدّ شبكة مياه للمنازل، وإدخال خدمة الكهرباء أو حتى مدّهم بمنظومات شمسية”.
وحول مشكلة التعليم، دعت فضل إلى وضع خطة لحل هذه المشكلة ببناء مدرسة أو حتى ربط الأطفال بمدارس القرى المجاورة وإيجاد طريق آمنة للطلاب، لكي تسهم في عملية التنقل، وكذلك بناء وحدة صحية لحل الأزمات الصحية الطارئة من إسعافات أولية وغير ذلك وتوفير شبكة صرف صحي تام لوقايتهم من الأمراض.
وبحسب المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة، فإن أكثر من 6 ملايين طالب يمني يعانون من انهيار النظام التعليمي، وينال طلاب الأرياف الجزء الأكبر من هذه المعاناة، إذ تتراوح نسبتهم من 65 إلى 70 %، من إجمالي عدد الطلاب في البلاد.
ووفقا لتقرير صادر عن مكتب الأمم المتحدة للشؤون الانسانية في اليمن، فإن نحو 4 / 7 ملايين طفل يحتاجون إلى مساعدة في مجال التعليم، 3.7 مليون في حاجة ماسة، ويشمل ذلك حوالي 2 مليون طفل غير ملتحقين بالمدرسة، مايعني أن التسرب وصل إلى أرقام قياسية.