تشتهر عزلة طالوق في مديرية المِسراخ، جنوب غرب محافظة تعز، بزراعة البنّ اليمني الذي يحتلّ مرتبة عالية في الجودة، وفيها أكثر من 30 ألف شجرة، ويعتمد أغلب سكانها، البالغ عددهم 3200 نسمة، على النشاط الزراعي مصدرا للدخل، وبمناسبة يوم القهوة العالمي الذي يصادف 1 أكتوبر، سلّطت منصة ريف اليمن على بُن طالوق والصعوبات التي تواجه المزارعين.
بداية زراعته
تختلف الروايات المحلية في بداية زراعة البن في طالوق، فيذكر مزارعون أنها بدأت منذ مئات السنين، وفي طالوق أشجار بن يتراوح عمرها بين 100 إلى 130 عامًا، وقد أظهرت وثائق ملكية (تُسمّى محليا: بصائر) لدى بعض ملاك الأراضي أنها بدأت منذ 150 سنة، ولكن يُذكر أن هناك وثائق ملكية تدل على وجود البن منذ 500 سنة.
يقول محمد قائد، صاحب مزارع بن في طالوق، لمنصة ريف اليمن: “إنتاج المنطقة من البن كان يبلغ 15 طنًا سنويًا، وهو نوعان: الأول التفاحي، والثاني الدوائري، ومؤخرًا أدخل بعض المزارعين، بواسطة أصحاب المشاتل، النوع العديني”.
ورغم جودة البن، تراجعت زراعته في طالوق بنسبة كبيرة، ويقدّر المزارع قائد تراجع الإنتاج بنسبة 90% عما كان عليه، ويعيد ذلك لأسباب، منها تقدم عمر الأشجار من دون تقليم المزارعين لها، وإصابة شجرة البن بمرض صدأ البن، وتحول المزارعين إلى زراعة شجرة القات.
“هناك عوامل عدّة تؤثر في جودة البن، منها اختلاف التضاريس والارتفاع عن مستوى سطح البحر، وطريقة تعامل المزارع، ابتداءً بالحراثة والسقي، وانتهاءً بطريقة الحصاد والتجفيف، ومع ذلك يتمتع بن طالوق بجودته ومذاقه العالي مع فوارق طفيفة في الجودة من منطقة لأخرى”، يقول قائد.
وتوضح دراسة أجرتها جمعية طالوق النسوية للبن عام 2015 أن عدد أشجار البن يُقدر بنحو 32,265 شجرة، أي ما يقارب ربع عدد أشجار البن في محافظة تعز بأكملها، وفي المنطقة 250 مزارعًا للبن، وذلك بحسب إحصاءات تعود للعام نفسه.
غياب الدعم الحكومي
يشكو المزارعون في منطقة طالوق من انعدام الدعم الحكومي، ومن وجود عصابة تتحكم بسوق البن، هو ما يعود على المزارعين بالضرر الاقتصادي، ويصيبهم بالإحباط، ويقول محمد قائد: “أنا -المزارع- كنتُ أنتج محصولي بالطرق الحديثة في الجني والتجفيف، ثم أبيعه لأحد الأشخاص لتسويقه للخارج، لكنه مؤخرا اشترط أن يشتري مني بسعر المنتج الذي تُستعمل فيه الطرق البدائية”.
وتابع حديثه بمرارة: “هذا الأمر أحبطني كثيرا، وعلاوة على هذا، توقّف عن شراء البن المجفّف بالطرق الحديثة، وأصبح يشتري أي منتج بسعر السوق المحلي، وذلك أثّر في عملي بالتسويق المحلي”.
مدير مكتب الزراعة في مديرية المسراخ محمد العامري قال: “مكتب الزراعة بالمديرية لا يمتلك أيّ إمكانيات لتقديم الدعم للمزارعين، سواء في منطقة طالوق أم غيرها”.
وأوضح العامري لمنصة ريف اليمن أنّ جهود المكتب تقتصر على ترشيح احتياجات مزارعي البن والأشجار الأخرى في المديرية للمانحين والمنظمات التي لها تدخلات في المديرية،
مشيرًا إلى أن منطقة طالوق من أكثر المناطق التي تدخّلوا فيها. ويطالب المزارعون الجهات الحكومية بتنظيم تجارة البن، وتوفير المبيدات اللازمة لمكافحة الآفات التي تصيب أشجار البن، مثل صدأ البن، وتوفير خزانات مياه سطحية وتحت سطحية مخصصة لري أشجار البن.
فاطمة عبد الخبير، رئيسة جمعية طالوق النسوية للبن، قالت: “الجمعية التي تأسست عام 2001 أسهمت في إيجاد فرص عمل للنساء في معمل الجمعية، وفي دعم المزارعات بشتلات البن وإنشاء خزانات مياه”.
ويُعتبر البن اليمني مِن أشهر وأجود أنواع البن في العالم، وقد كان يُعرف قديما باسم “موكا”، نسبةً إلى ميناء المخا الذي كانت تُصدّر منه القهوة اليمنية، ويحتفل اليمنيون في 3 مارس/آذار من كل عام، إحياءً لذكرى زراعة البن، وقد اختير هذا التاريخ؛ لأنه يوافق موسم غرس أشجار البن الجديدة استعدادًا لموسم الحصاد المقبل.
تحديات التغير المناخي
أوضحت عبد الخبير في حديثها لمنصة ريف اليمن أن التغيرات المناخية المتمثلة بقلة الأمطار تعدّ تحديًا كبيرًا أمام المزارعين، مشيرة إلى أن الجمعية تتابع الجهات الداعمة لإنشاء خزانات مياه لمزارع البن، وتنشئ خزانات لريّ شجرة البن، وتدرّب المزارعين على كيفية مكافحة الأمراض الزراعية وتقنيات الحصاد والتجفيف.
ويعاني اليمن من نضوب واسع للآبار الارتوازية وشحة المياه، ورغم هذه المشكلة، طغت زراعة القات التي تستهلك كميات كبيرة من المياه، وكان ذلك على حساب معظم المحاصيل المهمة التي تعود على خزينة الدولة بالعملة الصعبة، وذلك في وقت تشهد فيه البلاد أزمات اقتصادية وإنسانية قد تدفعها إلى حافة المجاعة، بحسب الأمم المتحدة.
وبحسب تحليل سلسلة قيمة البن والقات في اليمن الذي أعدّه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، تستهلك نبتة القات ثلث المياه الجوفية، هذا بالإضافة إلى الآثار الصحية الناتجة عن تعاطي القات وضرره الاقتصادي على الفرد والمجتمع.
ويُزرع البن في 15 محافظة يمنية، ومع زراعته في المرتفعات الجبلية، تكون مساحة الأراضي المتاحة لكل أسرة ريفية صغيرة جدًا، فلا تتجاوز 0.291 من الهكتار، وذلك يضم نحو 394 شجرة بنّ، مع إنتاج سنوي لا يتخطى 114 كيلوجرامًا للأسرة الواحدة، وذلك بحسب دراسة للبرنامج الإنمائي للأمم المتحدة حول زراعة البن في اليمن لعام 2022.
الخبير الزراعي عبد القادر سميطي، أوضح أن أهم المشاكل التي تواجه البن هي التغيرات المناخية كارتفاع درجات الحرارة، أو سقوط الأمطار في غير موعدها، أو الرياح، أو الجفاف مما يؤثر سلبيًا على أشجار البن، التي تعد من المحاصيل التي تحتاج إلى عناية دقيقة.
وأشار السميطي لمنصة ريف اليمن، إلى أن “هناك أساسيات لزراعة البن، وهناك ممارسات زراعية مهمة منها التسميد، الري في التوقيت المحدد، التعشيب، والتقليم، والاخير له أهمية كبيرة في محصول البن سواء كان تقليم تربية، تقليمًا جائرًا، أو تقليم تجديد، ويعد من أهم العمليات الزراعية على الإطلاق في محصول البن، خاصة كتقليم الأجزاء الميتة، المصابة، والمريضة، من أجل إعطاء محصول وافر في الموسم الذي يليه، وتُعد عملية التقليم مكمن السر الذي يجعل البن اليمني مميزًا على مستوى العالم.
وأضاف أن “التسويق أيضا يعتبر مشكلة كبيرة للمزارعين، فالمزارع يتعب ويصدم بسوق يعيده بخسارة، ولذلك على الحكومة إعطاء هذا المحصول أهمية، ودعمه بمهندسين زراعيين، وإدخال البحوث الزراعية لتحسين أصناف البن. وإدخال تقنيات حديثة، مثل إدخال الري الحديث.
لافتا إلى ضعف الثقافة الزراعية لدى المزارعين، باعتبار أن مزارع البن توجد في المناطق الريفية، مع صعوبة وصول المهندسين الزراعيين إليها، لذلك، أتمنى من وزارة الزراعة أن تؤهل مرشدين زراعيين في كل منطقة. أيضًا، يجب أن تكون هناك مشاتل خاصة لزراعة شتلات البن وتوزيعها على المزارعين، ولكن تبقى المشكلة الرئيسية هي المياه، ولذلك من المهم جدًا استخدام حصاد مياه الأمطار”.