يستخدم المزارع محمد قاسم (55 سنةً) السماد العضوي، مثل كثير من المزارعين اليمنيين، الذين لجأوا لإعادة تدوير مخلفات الحيوانات، في ظل ارتفاع أسعار الأسمدة والمبيدات الكيماوية منذ اندلاع الحرب في اليمن.
ينحدر قاسم من منطقة ذي السُفال في محافظة إب وسط اليمن، ويعمل في الزراعة وتربية الثروة الحيوانية منذ طفولته، فهو ورث ذلك عن أجداده الذين كانوا يعتمدون على الأراضي الزراعية، فهي مصدر دخلهم الوحيد الذي يعتمدون عليه في تأمين الغذاء لأفراد عائلتهم.
منذ اندلاع الحرب التي تعصف بالبلاد منذ تسع سنوات، وارتفاع أسعار الأسمدة، تمكن المزارعون في المناطق الريفية النائية من التغلب على عجزهم في توفير الأسمدة، من خلال العودة إلى الطريقة القديمة التي تعتمد على إعادة تدوير مخلفات الحيوانات وتحويلها إلى أسمدة يمكن الاستفادة منها في رعاية المزروعات وتحقيق إنتاج زراعي أفضل.
ويعتمد غالبية سكان المناطق الريفية في اليمن على الزراعة في تأمين الغذاء لأفراد عائلتهم، فيحققون الاكتفاء الذاتي سنوياً، خصوصاً الذين يبذلون جهوداً كبيرةً في العمل وتهيئة الأراضي خلال الفترة الزراعية التي تبدأ في منتصف نيسان/ أبريل وتستمر حتى أواخر أيلول/ سبتمبر من كل عام.
عقب ارتفاع أسعار الأسمدة لجأ “قاسم” إلى العودة إلى الطريقة القديمة، وقال لمنصة “ريف اليمن”، “منذ أكثر من سبع سنوات وأنا استخدم مخلفات الأبقار والماشية للاستفادة منها في معالجة وإصلاح الاراضي الزراعية وساهمت بالتعويض عن غياب الاسمدة وارتفاع أسعارها في السوق المحلي”.
يمتلك المزارع “قاسم” أرض نحو 30 قصبة (القصبة تساوى 56,25 متر مربع) من الأراضي الزراعية، يزرع فيها الحبوب المتنوعة: الذرة البيضاء، والذرة الشامية والقمح، والبقوليات المختلفة مثل الفول والفاصوليا وغيرها.
بعد سنوات من استخدام مخلفات الحيوانات يقول قاسم “أيقنت أهمية استخدام السماد العضوي بدلاً عن السماد الكيماوي لقد وجدت تأثيره الجيد على المحاصيل الزراعية لذلك أدعو كافة المزارعين إلى الاستمرار في استخدام السماد العضوي في مزارعهم”.
تتفق معه السيدة فاطمة غالب، وقال لمنصة “ريف اليمن”، “إن استخدام روث الحيوانات كان الحل الوحيد للتعويض عن الأسمدة الكيماوية فهي منذ ارتفاع أسعار الأسمدة أصبحت تعتمد على إعادة تدوير مخلفات الحيوانات ومع بداية كل موسم زراعي تقوم بنقلها إلى المزارع”.
تعتمد فاطمة (50 سنةً)، على الزراعة بالدرجة الأساسية في تأمين الغذاء لأفراد العائلة على غرار الكثير من الأسرة اليمنية الذين يعتمدون على الأراضي الزراعية في المناطق الريفية في اليمن.
وتشرح طريقة استخدام مخلفات الأبقار والماشية فتقول: “أعمل على تجميعها طول العام في مكان بعيد عن المنزل حتى يبدأ الموسم الزراعي ومن ثم نقوم بنقلها إلى الأرضي الزراعية ونضعها في التربة لتختلط بها قبل ان نضع البذور وأحيانا بعدها وتختلف الطريقة من مزارع الى اخر”.
بديل مناسب
يعتقد كثير من المزارعين اليمنيين ان الطرق التقليدية في الزراعة كانت تعطي حصاداً جيدا قديماً، وأن آبائهم لم يكونوا يستخدمون اسمدة وكانت مخلفات الابقار والمواشي المختلفة هي من تستخدم كسماد للأراضي الزراعية، وتختلف الطريقة من منطقة إلى أخرى.
وأدى ارتفاع أسعار الأسمدة والمبيدات إلى مفاقمة معاناة المزارعين إذ يقول مزارعون لـ “منصة ريف اليمن” إن الأسمدة ارتفعت بأكثر من 120 في المئة عما كانت عليه وذلك بدوره أدى إلى تراجع عوائد الزراعة ومداخل المزارعين التي أصبحت لا تكفي لتغطية التكاليف في ظل تدهور الأوضاع المعيشية والاقتصادية في بلد صُنفت ضمن أسوأ الأماكن للعيش في العالم.
المزارع رشاد حمود (62 سنةً) ما يزال يكافح في زراعة المحاصيل الزراعية في مزرعته الواقعة بوادي السياني في ريف محافظة إب فهي مصدر دخله الوحيد الذي يعتمد عليه في تأمين الغذاء لأفراد عائلته.
يقول حمود لـ منصة ريف اليمن: “تمكنت من التغلب على ارتفاع أسعار الأسمدة والمبيدات الكيماوية بالعودة إلى استخدام الطريقة القديمة وعلى الرغم من التحديات والصعوبات التي تواجه تحويل مخلفات الحيوانات إلى أسمدة لكن صبرنا من أجل لقمة العيش وشغفنا وحبنا الكبير للأراضي الزراعية حفزنا نحو الاستمرار برغم المعوقات.
وأضاف: “صحيح الطريقة القديمة تحتاج إلى بذل جهود كبيرة لكن عجزنا عن شراء الأسمدة يدفعنا نحو العمل لقد وصل سعر الـ 50الكليو من الأسمدة إلى ما يقارب نحو 50 ألف ريال يمني أي ما يعادل نحو 100 دولار أمريكي بسعر صرف الدولار في صنعاء”.
وتشهد أسعار الأسمدة ومختلف مستلزمات الإنتاج الزراعي ارتفاعا متصاعدا منذ أكثر من ثماني سنوات لكنها تضاعفت بشكل كبير عقب اندلاع الحرب الروسية في أوكرانيا في فبراير/ شباط 2022، إذ يقدّر تجار ومزارعون نسبة الارتفاع بأكثر من 120% عما كانت عليه قبل اندلاع الحرب.
الحفاظ على البيئة
ويوفر استخدم الأسمدة العضوية تكاليف مادية كبيرة رغم الجهد الشاق الذي يبذل فيها، بالإضافة إلى أن ذلك يحافظ على الأراضي الزراعية من الاستخدام العشوائي والمفرط للأسمدة الكيماوية والتي تؤدي إلى حدوث أضرار خطيرة في التربة والنباتات والمياه الجوفية، وتتضاعف عند استخدامها بطريقة عشوائية وخاطئة.
وقال استاذ العلوم الزراعية بجامعة لحج أحمد محمد محرن “كان الآباء يستخدمون السماد البلدي من زمان وكانوا يستخدمونه بطريقة صحيحة حيث أنه قبل الموسم بثلاثة أشهر يقومون بوضع السماد البلدي إلى الحقول ووضعه في كومات صغيرة ومن ثم تغطيتها بالتربة وغالبا تأتي مطره خفيفة فيتم رش هذا السماد مما يساعد على تحلله”.
وأضاف في حديث لمنصة “ريف اليمن”، “عند بدء الموسم وشرب الأرضي يتم حرثها وبالتالي خلط السماد العضوي لذلك يمكن اعتبار أن السماد البلدي المستخدم بالنظام القديم كان هو الأسلوب الصحيح”.
وأشار “أن المخلفات الزراعية النباتية والحيوانية هي نواتج ثانوية داخل منظومة الإنتاج الزراعي يجب تنظيم الاستفادة منها بتحويلها إلى أسمدة عضوية أو أعلاف غير تقليدية أو غذاء للإنسان أو طاقة نظيفة، أو تصنيعها مما يساهم في تحقيق الزراعة النظيفة وحماية البيئة من التلوث وتحسين المنتجات الزراعية، وتوفير فرص العمالة الشباب الخريجين، وبالتالي تحسين الوضع الاقتصاد والبيئي ورفع المستوى الصحي والاجتماعي بالريف”.
وللاستفادة القصوى من المخلفات العضوية يحث الدكتور “محرن” على أهمية إلقاء الضوء على مصادر تلك المخلفات وخصائصها حتى يكون التخطيط صحيحا تدوير هذه المخلفات والاستفادة المثلى منها في الإنتاج الزراعي ويمكن وضع تلك المخلفات العضوية.
ويمكن أن يخلق الاهتمام بهذا النوع من الأسمدة بشكل منظم وعلمي في توفير فرص عمل وإنتاج زراعي، وبالتالي تحسين الوضع الاقتصاد والبيئي ورفع المستوى التنموي في الأرياف اليمنية التي تعاني من تردي الخدمات وصعوبة المعيشية.
في المقابل يعتبر الإفراط في استخدام الأسمدة الكيميائية يُفقد التربة خصوبتها، وهذا الأمر يجعل المزارعين يستخدمون كميات إضافيةً من الأسمدة ما يُسبّب تراكمها في التربة، وما يزيد الخطورة هو استهلاك المزارعين للأسمدة الكيميائية المهرّبة والتي لم تخضع لأي رقابة، وبعضها ربما يكون منتهي الصلاحية أو يحتوي على مواد سامّة وغير صالحة للاستخدام.
وإلى جانب السماد العضوي المعروف في المناطق الريفية في اليمن، هناك مصادر أخرى، منها بقايا النباتات من أوراق وسيقان وجذور، بقايا الكائنات الحية الدقيقة والراقية، مخلفات المحاصيل وقمامة المنازل العضوية، مخلفات الملاحم، ومن فوائده أنه نظيف وغير ملوث للبيئة ولا يتسبب أي أضرار للإنسان أو الحيوان.
كيف ينتج السماد العضوي
الأسمدة العضوية، يقصد بها إضافة المادة العضوية إلى الأرض أو زيادة محتواها منها، وهذه المادة بعد إضافتها وبما تحتويه من عناصر مغذية في صورة متحللة صالحة للامتصاص تُحسّن من خواص التربة الفيزيائية والكيماوية، وتكون المادة العضوية عبارة عن نواتج تحلل الكائنات الحية النباتية أو الحيوانية أو خليط بينهما.
ورأى الدكتور محرن “هنالك فوائد لاستخدام السماد العضوي فهي نظيفة غير ملوثة للبيئة ولا تسبب أي أضرار للإنسان أو الحيوان، وتعمل على تجهيز النبات بعناصر غذائية طبيعية وبعض الأنزيمات والأحماض الأمينية والعضوية والسكريات المتعددة ومنظمات نمو وغيرها من المركبات التي تساهم في زيادة الإنتاج”؟
ووفق تقرير لمنصة ويكي فارمر «WIKIFARME» المتخصصة بالزراعة، “فإن عملية صنع السماد العضوي باعتبارها تقنية اجتماعية بيئية مستدامة مثبتة علميًا ومناسبة تقنيًا، تحتاج تهيئة الظروف المواتية، ويوصى باستخدام الكربون والنيتروجين وفقًا للنسبة المناسبة التي تقارب 30 جزء كربون لكل 1 جزء نيتروجين”.
وأضاف “كلما زاد تنوع المواد الطبيعية لتحضير السماد، كانت جودة المنتج النهائي أفضل فيما يتعلق بالعناصر المغذية، من الناحيتين الفيزيائية والكيميائية. ومع ذلك، عندما لا تتم معالجة هذه المادة الخام غير الطبيعية بشكل مناسب فإن العملية قد لا تكتمل بنجاح”.
ومن ضمن المشاكل التي قد تنشأ أثناء عملية صنع السماد العضوي، هي لإهمال في المعالجة، حيث إن ترك المواد الخام معرضة للعوامل الجوية غير الخاضعة للسيطرة قد يؤدي إلى عدم كفاية أو عدم اكتمال تحللها وفي هذه الحالة، قد تحدث خسارة لا يمكن تعويضها لعناصر الإخصاب في السماد، وفقا للتقرير.