مشكلات المزارع اليمني تبرز في عدم قدرته شراء الأسمدة، كما يقول الخبير الزراعي، عبد القادر السميطي، ورأى أن الأسمدة الطبيعة (العضوية) بديل أفضل ولها إيجابيات كثيرة، وقال: “يمكن الاستغناء كلياً عن الأسمدة الكيميائية المصنعة”.
المهندس “السميطي”، الذي يعمل في أبين، ممثل للجمعية الوطنية للبحث العلمي، مهتم بتجارب الزراعة دون أسمدة كيميائية ويقود مبادرة لتعميم ذلك على المزارعين، يقول، إنه يجرى تجارب ودراسات مستمرة ونتائجها جيدة، ودعا المزارعين لاستخدام الأسمدة العضوية فقط.
وعن فصول الكارثة التي تتكشف في اليمن نتيجة التغيرات المناخية قال: “إن انجراف الأراضي الزراعية والجفاف هما أبرز المشاكل التي تواجه اليمن حاليا، وهناك خسائر كبيرة بسبب هشاشة البنية التحتية”.
وأشار الخبير السميطي أهمية “الخطط الزراعية التي تتزامن مع خطط صناعية لتجنب الكساد الذي يشهده الإنتاج الزراعي من الفواكه والخضروات”، وقدم نصائح حول كيفية اختيار البذور غير الفاسدة.
وأوضح: “ان عودة الزراعة في اليمن مرهون بوجود الدولة، التي تخطط وتنفذ وتشرف”، لافتا إلى غياب دور الدولة في الاهتمام بالقطاع الزراعي رغم أنه عمود فقري للاكتفاء الذاتي.
الجزء الثاني والأخير من المقابلة
وجدنا أنك مهتم بالزراعة من دون أسمدة كيمائية، لماذا ترى ذلك مهما؟
بالطبع الجميع يعرف أهمية الزراعة العضوية من دون مكملات كيمائية وصناعية، وأن استخدام كل ما هو طبيعي يعمل على إنتاج وفير وصحي، ويعطي جودة غذائية بدون آثار خطيرة على صحة الإنسان.
وعملنا خلال السنوات القليلة الماضية مع جمعية التنمية المستدامة في إعداد خطة لإنتاج زراعي خالٍ من الأسمدة الكيمائية، عدا الأسمدة العضوية الجيدة، وأقمنا ورشة تدريب لنحو 200 مزارع ومزارعة في محافظة أبين، لكن جدية التطبيق سيكون في حالة منع تصدير المبيدات الخارجية، وهذا يعود إلى الجهات الرسمية.
- الأسمدة العضوية
هل يمكن أن نرى محصولا من دون أسمدة كيميائية؟ أخبرنا كيف ذلك.
إذا لجأ المزارعون إلى استخدام الأسمدة العضوية، فسوف تكون الفوائد كبيرة، منها: زيادة نسبة الإنتاج بنسبة 30 إلى 35%، وسيكون كل ما يزرع صحيا كليًا للاستهلاك الآدمي.
الأسمدة العضوية أكثر فائدة وثباتا في الأرض، وقد يمتد بقاؤها من 6 الى 7 أشهر ولا تتأثر بتقلبات الطقس، وتعطي جرعة نمو طبيعية للنباتات.
واستعمال المواد العضوية أيضا يوفر الرطوبة المناسبة في التربة، ويقلّل من عملية الري، ويعطي مناعة للنباتات ضد الآفات والأمراض، كما تحتوي الأسمدة العضوية على جميع العناصر الغذائية التي يحتاجها النبات ويمتصها بطريقة سهله على عكس الصناعية.
عملت الجمعية الوطنية للبحث العلمي دراسات وتدريبات تهدف إلى تقليل مستوى استخدام المبيدات الزراعية الصناعية، وكانت النتائج مذهلة جدا، وهناك عمل يجري على قدمٍ وساق في هذا الخصوص تجنبًا لاستخدام أي أسمدة صناعية غير صحية.
ومن إيجابيات الأسمدة الطبيعية أنها متوفرة وبأسعار مناسبة جدًا تتماشى مع قدرة المزارع على شرائها، والأسمدة العضوية هي تدوير للمخلفات الحيوانية والنباتية، وتوفر الوقت والجهد والخسائر.
إلى جانب أن معظم المزارعين يشكون من خسائر كبيرة، وكلها تتمحور حول غلاء الأسمدة الصناعية، وعبر منصتكم ندعو المزارعين في اليمن قاطبة للاهتمام بالأسمدة الطبيعية حلا أساسيا وبديلا عن الأسمدة الصناعية المكلفة التي لا قيمة أو فائدة لها.
وعلى المستوى العالمي، يركز العلم حاليًا على استخدام الأسمدة العضوية؛ لأنها تجنّب المزارعين كثيرا من الأمراض القاتلة وتجنّب تلوث التربة بالملوحة.
- الاستخدام العشوائي للأسمدة
ما خطورة الاستخدام العشوائي للأسمدة على مستقبل الزراعة، وعلى الأرض والإنسان المستهلك؟
هذا السؤال يعيدنا إلى التذكير بأهمية الزراعة العضوية، حيث تكمن خطورة الأسمدة والمبيدات في الاستخدام العشوائي، لذا يجب أن يكون هناك ضوابط محددة لاستخدامها، لأن ذلك يؤدي إلى تملّح التربة، بالإضافة إلى خسارة المزارعين بسبب أن الاستخدام الخاطئ لن يفيد المحصول.
وللأسف هناك أسمدة مغشوشة لا تستفيد منها الأرض، بل تؤثر على خصوبتها وتقلّل من نشاطها، علاوة على ذلك هذه الأسمدة سريعة التبخر في الهواء، ومدة بقائها شبه ضعيفة، وهي بدون فائدة.
وعلى عكس ذلك تبرز الأسمدة العضوية واحدةً من العناصر الأكثر فائدة وثباتا في الأرض، وقد يمتد بقاؤها من 6 الى 7 أشهر ولا تتأثر بتقلبات الطقس، كما تعطي جرعة نمو طبيعية للنباتات.
المزارع رقيب على محصوله، ويجب أن يكون أكثر حرصًا لئلا يتعرض لخسارة في أرضة ومحصوله، وذلك باستشارة متخصصين في طريقة الاستخدام، وهنا أكرر ما أقول: الأسمدة العضوية واحدة من العوامل الكبيرة التي تفيد التربة والإنتاج.
ما هي أبرز الأخطاء الشائعة التي يمارسها المزارعون؟
هناك أخطاء يقترفها المزارعون من دون علم وفي ظل غياب الإرشاد الزراعي، خاصة في الأسمدة، وتكمن الكارثة في الاستخدام المفرط للمبيدات، ويجب على المزارع أن يأخذ كمية مناسبة للمساحة ويحرص على إرشاد متخصص.
وأيضاً هناك من يخلط عدة أنواع من المبيدات بشكل غير مدروس، وهذه كارثة بالنسبة للمزارع والأرض، وقد تُحدث إحراقا للمحصول بالكامل، ونحذر المزارعين من خلط أنواع المبيدات المختلفة.
ومن الأخطاء عملية الرش للمحصول، ويجب أن تقدر جيداً من ناحية المقاييس، وأيضاً ترك الأعشاب الثانوية التي تزرع بجانب المحصول، وهي ضارة تحاصر سريان المياه والغذاء إلى المحصول، وتؤدي الى ضمور وانتهاء النباتات والأشجار.
- البذور الفاسدة
يشكو المزارعون من بذور فاسدة، ما أسباب ذلك؟ وكيف يتم التأكد من صلاحيتها؟
هذه المشكلة أيضا تتعلق بالإرشاد الزراعي، بمعنى أنه في أحيان كثيرة تغيب عن المزارع معرفة صلاحية البذور، لكن إذا وجد الوعي يوجد النجاح.
يجب على المزارعين أن يفرقوا بين البذور الصينية والبذور الأمريكية، خصوصاً فاكهة الحبحب (البطيخ) والشمام، وهناك شركات مختلفة لتوزيع البذور فيها بعض العيوب، ولكن من يكشفها هو المزارع والأمر يتعلق بالتوعية.
وندعو المزارعين إلى الاعتماد على أنفسهم في الاحتفاظ ببذورهم الأصلية، أو شرائها من أماكن موثوقة، فهذا يضمن لهم سلامة البذور.
- التغير المناخي
كيف يهدّد التغيّر المناخي الزراعة؟ وما أبرز الخسائر التي رصدتها؟
فصول الكارثة الطبيعية بسبب التغيرات المناخية بدأت الآن بالتكشف، ومن وقت لآخر تشهد اليمن حالة إعصارا أو منخفضا جويا يتسبب بفيضانات، ولكن إلى حد الآن التغيرات المناخية تأثيرها ضعيف.
السميطي: نحتاج عودة الدولة للاهتمام بالزراعة، وتشجيع البحث العلمي، وتنظيم تداول الأسمدة والمبيدات الكيماوية، واستصلاح الأراضي.
ولكن هناك أضرار، مثل انجراف الأراضي بسبب السيول الكبيرة، والجفاف أكبر مشكلة في اليمن، وهنا أخص بالذكر بعض مناطق أبين، وفي منطقة يافع التي تزرع محصول البُن، فقد خسرت أكثر من أربعة ملايين شجرة خلال العشرين السنة الماضية.
وقد تخسر اليمن كثيرا إذا تضاعفت قوة هذه التغيرات المناخية في السنوات القادمة، نتيجة هشاشة البنية التحتية وغياب قنوات تصريف السيول الضخمة، وبلادنا خصبة لتشكل الأعاصير؛ لأنها تقع على شريط ساحلي كبير، وقد لاحظنا ذلك في محافظات المهرة أو سقطرى وحضرموت، حيث أحدثت أضرارا بالغة لم تعالج إلى الآن.
- كساد المحاصيل
كثير من المزارعين يشكون من الكساد، ما الحلول لذلك؟
أعتقد أن من أسباب الكساد الافتقار للتخطيط الزراعي، وعدم معرفة المزارع بكيفية إيصال المنتج إلى السوق المحلية، وهناك عوامل أخرى تتعلق بطريقة تصديره بالإضافة إلى تهاوي سعر العملة الوطنية.
وبسبب عدم استقرار العُملة (الريال اليمني)، يفقد السوق نشاطه التجاري والحيوي، والكساد مشكلة باتت معقدة في اليمن نتيجة توسع رقعة الفقر في البلاد، ولهذا يجب أن يسير التخطيط الزراعي بالتوازي مع تخطيط صناعي للمنتجات.
ماذا تحتاج الزراعة في اليمن لكي تعود رافدًا اقتصاديًا أساسيًا؟
بصورة عامة عودة الزراعة في اليمن مرهون بعودة الدولة التي تخطط وتنفذ وتشرف، ونحتاج إلى تشجيع البحث العلمي، وإلى مشروع إكثار البذور محليًا من خلال بنك بذور، وإعادة تأهيل المرافق الزراعية الحيوية.
ونحتاج إلى تنظيم تداول الأسمدة والمبيدات الكيماوية، واستصلاح الأراضي الميتة ودعمها بالمستلزمات المناسبة، والزراعة تُعد عمودا فقريا للاكتفاء الذاتي، وهذا بحد ذاته يعطي البلاد استقلالية، ويمثل قيمة كبرى للإنقاذ الوطني.
الآن في هذا الوقت أعتقد أن الدولة غائبة كليا عن قضية الزراعة في اليمن، والحديث عن الزراعة غائب، رغم أهميته باعتباره أحد ركائز الدولة وعمودها القومي والإنساني، وهذا الصمت والإهمال يحاكي واقع الزراعة في اليمن إجمالًا.