حُرم الطفل “فراس عبدالله”، البالغ من العمر 9 سنوات، من أبسط حقوقه المتمثلة بالتعليم، بعد أن أجبرت ظروف النزوح القاسية أسرته على إيقافه عن مواصلة دراسته بالصف الثالث الابتدائي، في مخيم الرحبة للنازحين، الواقع في مديرية جبل حبشي بمحافظة تعز (جنوب غربي اليمن).
وفي الوقت الذي يحتفل فيه العالم باليوم الدولي للتعليم الذي يصادف الـ24 من يناير من كل عام، بهدف تسليط الضوء على تحديات قطاع التعليم عالميًا، بات الوضع في اليمن مختلفاً كثيرا، وأصبحت هذه المناسبة فرصة لتسليط الضوء على معاناة آلاف الأطفال النازحين الذين حُرِموا من التعليم.
معاناة وحرمان من التعليم
وخلال سنوات الحرب، شهد التعليم في اليمن تحديات كثيرة، ويواجه الأطفال اليمنيون بشكل عام، والنازحون على وجه التحديد، صعوبات كبيرة للحصول على فرص التعليم في بيئة آمنة ومناسبة؛ نتيجة استمرار الصراع المسلح، والنزوح المستمر، وانقطاع المرتبات.
مواضيع مقترحة
سكان تهامة بين جحيم النزوح وتوسع رقعة الفقر
قصة هائل في ذمار: نازح متشرد ينجح بتحقيق ثروة زراعية
أطفال الريف بين مشقة العمل والحرمان من التعليم
ويواجه أطفال مخيم الرحبة تحديات يومية تتمثل في السير لمسافات طويلة على الأقدام للوصول إلى مدرسة صلاح الدين الأيوبي، مما يزيد من معاناتهم، ويعيق قدرتهم على الاستمرار في التعليم بشكل منتظم.
يقول “محمد الغفاري”، عم الطفل فراس في حديث لـ”منصة ريف اليمن”، إن “ظروف النزوح جعلت التعليم شبه مستحيل، ولم نتمكن من توفير المستلزمات المدرسية من كتب وحقائب بسبب الفقر، كما أن المسافة الطويلة بين المخيم والمدرسة تزيد الوضع سوءًا”.
ويضيف الغفاري: “أطفال مخيم الرحبة يواجهون صعوبة كبيرة في الحصول على التعليم في مخيمات النزوح؛ بسبب عدم توفر مدرسة قريبة من المخيم، ويسلكون مسافة طويلة سيرًا على الأقدام إلى مدرسة صلاح الدين الأيوبي التي تبعد مسافة كبيرة عن المخيم”.
الغفاري أشار إلى أن المدرسة -التي أصبحت ملاذًا وحيدًا لأطفال المخيم- تعاني من اكتظاظ كبير؛ نتيجة تزايد أعداد الطلاب النازحين وطلاب المجتمع المضيف؛ ما يجعل الحصول على تعليم نوعي أمرًا شبه مستحيل.
وتقول الأمم المتحدة إن هناك 8.1 مليون طفل وطفلة في اليمن بحاجة إلى مساعدة التعليم في حالات الطوارئ في اليمن، يشمل ذلك 1.65 مليون طفل نازح داخليًا، و1.5 مليون طفل من ذوي الإعاقة والأقليات التي تواجه تحديات في الحصول على التعليم.
“منير مقبل عبدالجليل”، مسؤول التعليم في مخيم الرحبة، أكد لـ”منصة ريف اليمن” أن الوضع التعليمي في المخيم يعاني وضعاً صعباً؛ حيث يواجه الطلاب صعوبات كبيرة في الالتحاق بالتعليم نتيجة بُعدِ مسافة المدرسة عن المخيم، وعدم قدرتهم على توفير المستلزمات المدرسية إلى جانب الرسوم الدراسية؛ الأمر الذي أدى إلى تسرُّب العديد من الطلاب في المخيم.
وأوضح عبدالجليل أن مدرسة صلاح الدين الأيوبي فرضت هذا العام رسومًا تتراوح بين 5000 إلى 10 آلاف ريال يمني حسب المرحلة الدراسية؛ ما أدى إلى حرمان العديد من الطلاب من التسجيل؛ كون غالبية أولياء الأمور غير قادرين على تسديد الرسوم.
“الفصول الدراسية مكتظة للغاية، إذ يصل عدد الطلاب في الفصل الواحد إلى 150-160 طالبًا”، يضيف عبدالجليل. موضحاً أن أكثر من 211 طالبًا وطالبة من المخيم يواجهون خطر الانقطاع عن التعليم بسبب هذه التحديات، لافتاً إلى أن وضع التعليم في المخيم يتطلب تدخلاً عاجلاً لتوفير بيئة تعليمية مناسبة للطلاب.
عبدالجليل أشار إلى أن المنظمات الإغاثية والصندوق الاجتماعي، لم يلتزموا بتعهداتهم بإضافة فصول دراسية جديدة لتحسين الوضع التعليمي، ما يترك الأطفال عالقين في دوامة الحرمان، مشيراً إلى أن إدارة المدرسة رفضت تسجيل بعض الطلاب، وحرمتهم من التعليم بسبب الكثافة الطلابية.
يكاد هذا الوضع ينطبق على مختلف مخيمات النزوح بالمحافظات، فالأطفال النازحون في مخيمات مأرب يعانون أيضا في سبيل حصولهم على التعليم، غير أن معاناتهم تختلف قليلا؛ إذ تتمثل في انعدام الكادر التعليمي؛ ما جعل خريجي الثانوية العامة يقومون بالتدريس لتغطية عجز وغياب المعلمين في المخيمات.
وأوضح “زايد الجبري”، أحد المعلمين في مخيمات النزوح، لـ”منصة ريف اليمن” أن معظم من يقومون حاليا بمهنة التدريس يفتقرون إلى المؤهلات اللازمة، حيث يعمل الكثير منهم كمتطوعين دون خبرة أو تدريب كافٍ، ولم يحصلوا أيضا على مقابل مادي من مكتب وزارة التربية والتعليم بالمحافظة.
لم يكن تهجير الأطفال والفتيات من منازلهم وتشريدهم وأسرهم في صحاري ووديان محافظة مأرب كافيا، بل رافقه أيضا الزواج المبكر، والحرمان من التعليم نتيجة الأوضاع التي تشهدها البلاد، وانهيار العملية التعليمية. “الأطفال هنا لا يحصلون على تعليم جيد بسبب نقص الكوادر المؤهلة، ما يزيد من صعوبة تحسين مستواهم التعليمي”، يضيف الجبري.
ما زالت الأزمة في اليمن واحدةً من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، وتواجه البلاد تحدياتٍ هائلةً رغم تحول الاهتمام العام إلى حالات طوارئ عالميةٍ أخرى. وفقا للأمم المتحدة، يوجد في اليمن 18.2 مليون شخص –بما في ذلك 4.5 مليون نازح– بحاجةٍ ملحة إلى المساعدات الإنسانية، ويشمل ذلك أكثر من 60 ألف لاجئٍ وطالب لجوءٍ من الصومال وإثيوبيا بشكلٍ رئيسي.
معلمون بلا مؤهلات
مسؤول القطاع الخامس الشرقي للنازحين في مديرية الوادي بمحافظة مأرب “ناصر على الأشرم” قال لـ “منصة ريف اليمن” إن التعليم في مخيمات النزوح يواجه تحديات كبيرة ومعقدة، خاصة تعليم الأطفال؛ حيث يعانون من ظروف صعبة في الحصول على التعليم.
ويشير الأشرم إلى أن الظروف المعيشية التي يعاني منها الأطفال تؤثر على تركيزهم في التعليم، نتيجة سوء التغذية والضغوط النفسية التي يواجهونها. ولفت إلى أن الزواج المبكر كان أحد أسباب حرمان الفتيات في المخيمات من التعليم، وأن العديد من الأطفال يلجؤون إلى العمل لمساعدة أسرهم؛ مما يؤثر على تحصيلهم الدراسي.
ويرى أن انخفاض مستوى التعليم في محافظة مأرب يعود إلى عدة أسباب، منها: نقص الموارد والبنية التحتية، وهذا ما يؤدي إلى انخفاض مستوى التعليم، بالإضافة إلى انخراط الطلاب في سوق العمل للبحث عن مصدر دخل لتوفير بعض من المتطلبات الأساسية لأسرهم، وهذا ما يؤدي إلى تسرب الطلاب من المدارس.
وتشير أحدث البيانات الأممية إلى أن حوالي 40% من الأطفال في سن الدراسة لا يلتحقون بالمدارس، وسط تصاعد الأزمة الإنسانية في البلاد، وتظهر سجلات الالتحاق بالنظام التعليمي أن 61% فقط من الأطفال في سن الدراسة يذهبون إلى المدارس، من بين 10.7 ملايين طفل في سن الدراسة باليمن.
وتؤكد الناشطة الحقوقية “إشراق المقطري” أن نسبة التعليم في مخيمات النزوح متدنية، وأن هناك شريحة كبيرة من الأطفال تواجه صعوبات وتحديات كبيرة في الحصول على التعليم.
وأشارت في حديثها لـ “منصة ريف اليمن” إلى الوضع الصحي والنفسي الذي يواجه الأطفال في مخيمات النزوح، لافتة إلى أنهم بحاجة إلى تأهيل نفسي ودمج في المجتمع وإعادة الثقة إليهم، بالإضافة إلى معلمين متخصصين في التعامل مع الأطفال الناجين من مناطق الصراع.
وبحسب المقطري، فإن مخيمات النزوح غير مهيأة للتعليم؛ كونها لم تحصل على الإعداد والتجهيز من قبل المنظمات الدولية والكيانات الحكومية لإعداد خطة إستراتيجية لشرائح النازحين، وبناء مدارس لهم، وتوفير المستلزمات الدراسية للأطفال النازحين من الكتب والحقيبة المدرسية والزي المدرسي، وتمكينهم من تلقي التعليم.
وأكدت أن هناك مخاطر أمنية يواجهها الطلاب النازحون، يعاني منها القادمون من المحافظات المنكوبة، ويتعرضون للكثير من الإقصاء والتمييز والتهميش في المدارس بالمحافظات والمديريات التي استضافت هؤلاء النازحين.
ووفقا للمقطري: “الأطفال النازحون يعانون من نظرة سلبية، حيث يُنظر إليهم على أنهم عبء على المجتمعات المضيفة؛ ما يؤدي إلى عزلتهم وتسربهم من المدارس، وأصبح لدى الكثير مبرر إضافي لعدم رغبتهم بالانخراط في التعليم”.
ومهما اختلفت الأسباب وتعددت التحديات، يبقى أطفال مخيمات النزوح في اليمن محرومين من أبسط حقوقهم الأساسية، وهو التعليم، ومع ارتفاع أعدادهم، تبدو المخاوف من أن جيلاً كاملاً مهدد بالأمية أمراً واقعياً، وهو ما يستدعي تحركاً عاجلاً من الجهات المعنية لتوفير بيئة تعليمية مناسبة، وإطلاق برامج لإنقاذ هؤلاء الأطفال من براثن الجهل والضياع.