الزواج في ريف اليمن: تعقيدات تتضاعف ومهور عالية

صُنفت اليمن في المرتبة 14 عربياً بالعنوسة بنسبة 30%

الزواج في ريف اليمن: تعقيدات تتضاعف ومهور عالية

صُنفت اليمن في المرتبة 14 عربياً بالعنوسة بنسبة 30%

تعد مشكلة غلاء المهور في القرى الريفية اليمنية واحدة من أكبر التحديات التي يواجهها الكثير من الشباب المقبلين على الزواج، لا سيما في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية جراء تداعيات الحرب المندلعة في البلاد منذُ عشر سنوات.

وبسبب غلاء المهور، وعادات وتقاليد مراسيم الزفاف الباهظة؛ يجد الشاب الريفي نفسه محاصرا بين صعوبات لا يستطيع حملها، ويكافح لسنوات في سبيل توفير الأموال الكافية لدفع تلك التكاليف التي باتت تشكل تحدياً وعبئاً مضاعفاً، وتسببت بحرمانهم من تحقيق هذا الهدف الأساسي في الحياة.

تعقيدات الزواج في الريف

وخلال السنوات الماضية، ونتيجة لانهيار العملة الوطنية، شهدت معظم المناطق الريفية ازديادا كبيرا في أسعار المهور بشكل لم يحدث من قبل، خصوصاً ما بعد 2017-2018 فبعد أن كانت المهور تتراوح بين 400 إلى 600 الف ريال يمني قبل فترة، أصبحت الآن تتراوح بين 2 إلى 5 ملايين ريال، مع الإشارة إلى اختلاف ذلك بين محافظة وأخرى، وهو ما جعل الزواج حلما بعيد المنال “ولمن استطاع إليه سبيلاً”.

يعبِّر الشاب صلاح أحمد (25 عاما) عن استغرابه من ارتفاع أسعار المهور بهذا الشكل في ظل هذه الظروف الصعبة، ويقول: “الكثير من شباب المناطق الريفية عاطلون عن العمل، والفرص منعدمة، والحرب فاقمت المعاناة، وبدلا من التخفيف عن الشباب بتخفيض المهور، رأينا العكس”، متسائلاً: ما الذي يحدث؟.


     مواضيع مقترحة


ويضيف صلاح لمنصة ريف اليمن: “بالزواج تستمر الحياة، والمرأة ليست سلعة حتى يُغالا في سعرها، بل الواجب على الآباء أن يخففوا المهور لكي يستقر المجتمع، وينعم بالسكنية”. ويتابع: “الآباء يعرفون الوضع جيدا، فلماذا يقومون بهذه الممارسة التي ستؤدي حتما إلى انتشار العنوسة بين الفتيات، وكذلك الشباب؟”.

غير أن الكثير من أولياء الأمور أرجعوا السبب الرئيسي في زيادة غلاء المهور إلى الانهيار الاقتصادي، وارتفاع أسعار مختلف السلع والملابس وغيرها، ما جعلهم يستدينون أمولا لاستكمال متطلبات العرس، وهو ما جعلهم يفكرون جديا برفع الأسعار؛ ليس للربح، وإنما لتفادي الاستدانة.

بالإضافة إلى غلاء المهور، يتذمر الكثير من الشباب المقبلين على الزواج من العادات والتقاليد المجتمعية المتمثلة في إقامة مراسيم الزفاف، التي باتت تشكل عبئاً على الكثيرين منهم، خصوصاً في ظل انعدام فرص العمل، وتدهور أوضاعهم المعيشية.

على الرغم من التكاليف الباهظة، إلا أن الكثير من المواطنين والمقيمين في الأرياف يعتبرونها أمراً ضرورياً في الأعراس، فقد تعددت التقاليد واشتهرت بمسميات عديدة مثل: الذبح، والصالات، والفنانين ويوم الغسل والكوافير، وغيرها من العادات التي تزيد من أعباء الزواج.

ويؤكد صلاح أن كل هذه العادات ترفع التكلفة على العريس، وتُثقل كاهله، والمجتمع لا يرحم ولا يعذر المقبلين على الزواج بالاستغناء عن هذه العادات التي تعتبر كماليات ولا ضرورة لها، إلا أن بعض العائلات تعتبرها رمزاً يمثل مكانة العائلات ومستواها الاجتماعي الذي يميزها بين أفراد المجتمع.

حلول اجتماعية

تعتبر قضية غلاء المهور من القضايا التي تنعكس سلباً على المجتمع؛ فهي تؤدي إلى ارتفاع ظاهرة العنوسة بين أوساط الشباب والفتيات، بالإضافة إلى انعدام الاستقرار الاجتماعي والأسري، كما أنها أيضا تدفع العديد من الشباب نحو اللجوء الى إقامة العلاقات المحرمة.

وبحسب مركز الخليج العربي للدراسات والبحوث، صُنفت اليمن في المرتبة 14 عربياً بنسبة تقديرية بنحو أكثر 30 في المئة، في ارتفاع نسبة العنوسة للعام 2021، في الوقت الذي يستمر الصراع في رفع نِسَب تأخر سن الزواج.

وسط هذا الكم الكبير من التكاليف، ولتخفيف الأعباء المضاعفة على الشباب؛ أطلق سكان قرية حبيل الحُبابي، في مديرية دمنة خدير جنوب مدينة تعز، منتصف 2024م مبادرة مجتمعية؛ تهدف لتخفض تكاليف الزواج، وتسهيل إقامة مراسيم الزفاف، والاستغناء عن بعض العادات والتقاليد التي تُكلف مبالغ باهظة.

اتفق السكان على انتخاب شخصيات اجتماعية لوضع حدٍ للمشكلة، وتم الاتفاق على تحديد مبلغ 800 ألف ريال عملة من الطبعة القديمة، أي ما يعادل 6 آلاف ريال سعودي، بعد أن كانت محددة بمليون و500 ألف ريال، بما يعادل أكثر من 10 آلاف سعودي، ويشمل الاتفاق شباب القرية الذين سيتزوجون من فتيات القرية فقط.

يقول زياد قاسم المسؤول المبادرة: “غلاء المهور انعكس سلباً على الكثير من الشباب، وأوصل البعض منهم إلى سن العنوسة”. مشيراً إلى أن غلاء المهور قضية إنسانية واجتماعية تتطلب القيام بحلول عاجلة تعمل على مساعدة الشباب المقبلين على الزواج.

وأوضح قاسم: “الاتفاق يقضي بتحديد مبلغ 600 ألف ريال للمهر، ونحو 100 ألف ريال لشراء خاتم الخطوبة، كما تضمنت الاتفاقية تحديد مبلغ لكسوة العروسة بمبلغ لا يزيد عن 100 ألف ريال”. وأشار إلى أن الاتفاق شمل إلغاء العادات والتقاليد التي لا شأن لها؛ مثل حضور الفنانين ومكبرات الصوت والسهرات المتأخرة في الليل، وعدم توفير الكوافير في عقد القِران.الزواج في ريف اليمن: تعقيدات تتضاعف ومهور عالية

إعادة الأمل للشباب

وقال عزام عارف وهو أحد شباب القرية: “الاتفاقية أعادت الأمل للشباب، وشجعتهم على التفكير بجدية لبدء مشروع العمر”، معبرا عن أمله أن يتوسع الاتفاق ويشمل القرى المجاورة، حتى يعم المحافظة ككل، ويتم القضاء على العنوسة التي بدأت تتوسع.

وترى المتخصصة في علم الاجتماع والاستشارة الأسرية الدكتورة ألطاف الأهدل أن ظهور مثل هذه المبادرات أمر طيب ويشاد به، وتظهر أن المجتمع لُحمة واحدة، ويدل على مساحة التعاون والتكافل التي يجب أن تبقى إلى الأبد، خصوصاً في ظل هذه الظروف الصعبة.

وأضافت الأهدل لمنصة ريف اليمن أن مثل هذه المبادرات ستعمل على تشجيع الكثير من الشباب لإكمال نصف دينهم، ولاستكمال القالب الطبيعي والفطري للحياة الاجتماعية والعاطفية.

وتؤكد الدكتورة الأهدل أن غلاء المهور من المشكلات التي يعاني منها الشباب كثيراً؛ حيث أصبح أولياء الأمور يركزون عليها، فبدلاً من الاهتمام والنظر إلى حُسن سلوكيات المتقدمين للزواج وأخلاقهم ودينهم، أصبحوا يسألون عن الوظائف والمساكن، وغيرها من الأمور المادية.

تختم الأهدل حديثها بالقول: “مشكلة المهور قضية تتطلب توعية وتطبيق القوانين وتعزيز التعاون. يمكن للمجتمع اتخاذ خطوات فعّالة من أجل خفض غلاء المهور وتسهيل الزواج للشباب، إذ إن تحقيق هذا الهدف سساهم في بناء مجتمع أكثر توازناً واستقراراً”.

شارك الموضوع عبر:
الكاتب

مواضيع مقترحة: