كتب هذه المادة: محمد جمال الطياري – وصاب | لمى عبدالسلام الحذيفي – ريمة
انتشر استخدام التلفريك لدى سكان الريف بمحافظتي ريمة وذمار وسط اليمن، حيث يعانون في المناطق الجبلية من تحديات وصعوبات كبيرة في التنقل، وإسعاف المرضى، وإيصال الخدمات الأساسية بسبب وعورة الطرقات، وانعدامها في أغلب المناطق الجبلية.
ويعد “التلفريك” وسيلة مواصلات معلّقة تعمل بالكهرباء وتسير على أسلاك معلقة في الهواء.
يقطع السكان مسافة 7 ساعات مشيًا على الأقدام للوصول إلى الطريق المعبّدة التي تصل إليها السيارة، ثم يحملون أمتعتهم على الحمير وفوق ظهورهم، وهناك من فقد بعض أعز أقاربه بسبب انعدامِ المواصلات، في مشهدٍ ظل ينغص حياتهم، ويفاقم معاناتهم، مما جعلهم يفكرون بإيجاد حلول ممكنة، والتي انتهت بإنشاء “التلفريك” الذي أصبح شريان حياة للسكان.
التلفريك شريان حياة
لم تخلقْ فكرة التلفريك بسهولة، بل من رحم المعاناة، ويقول علي الجرادي ( 40 عاماً)، مهندس ومالك مشروع تلفريك في عزلة الأثلوث بمنطقة وصاب العالي بذمار، في حديث لمنصة ريف اليمن: “في القرى المعلقة على قمم الجبال حتى الحمير لا يمكن العثور عليها بسهولة، فهي لا تتوفر إلا نادرًا، كان يتعين علينا الانتظار أياماً كي نتمكن من نقل الدقيق والخدمات الأخرى”.
مواضيع مقترحة
“سُور ريمة” مبادرة تطوي عقود مِن المعاناة
فتاة ريفية تحترف صيانة الهواتف لحماية النساء من الابتزاز
ريف إب: الوصول إلى مستشفى مشقة لا تنتهي
يتكرر ذات المشهد في محافظة ريمة؛ كما قال زاهر العياشي ( 28عاماً) الذي أكد لمنصة ريف اليمن بأنهم كانوا يستخدمون الحمير لنقل البضائع في رحلة تستمر خمس ساعات متواصلة.
إنشاء التلفريك أنهى تلك المعاناة، فهو وفق العياشي “يحمِل خمسة أكياس دقيق وزن 50 كيلو، ويصل خلال دقائق معدودةٍ، مقابل الف ريال للكيس الواحد، لقد سعدنا كثيراً بالتلفريك؛ فقد سهَّل علينا نقل البضائع الثقيلة، كما أنه وفر لنا الكثير من الوقت والجهد”.
يتكون التلفريك من حبلٍ معدني شديد الصلابة (خبطة) على اتجاهين، ملفوفٍ بإحكام على إسطوانتي حديد (طاوة سيارة)، إحداها في محطة الانطلاق والأخرى في محطة الوصول إلى القرية، والإسطوانتان مثبتتان بإحكامٍ على عامودٍ من الحديد القوي المغروس في الأرض على نحو ثابتٍ ومنيع، ثم حوضٍ ناقلٍ معلقٍ على عجلة حديد (مكَرَة) يندفع عبر الحبال بمسافة 500 متر إلى القرية الأولى، ثم إلى القرية التي تليها 700 متر.
ويقول الصحافي حاشد الشبلي: “جاءت فكرة التلفريك في محافظة ريمة نتيجة الحاجة للتخفيف من المعاناة جراء انعدام الطرقاتِ ووعورتها، فقد عاش أبناء المحافظة عقوداً طويلةً من الحرمان من أبسط مقومات الحياة”.
وأضاف في حديثه لمنصة ريف اليمن: “من أجل إيجاد وسيلةِ نقلٍ سريعةٍ تساهم في إسعاف المرضى ووصولهم إلى أقرب مركزٍ صحي، كان التلفريك هو الحل الأنسب لتجاوز هذه المعوقات رغم خطورته، والطرق البدائية التي يعمل بها”.
علي الحميري (60 عاماً)، مهندس ومخترع أول تلفريك في محافظة ريمة، استطاع اختصار الجهد والوقت خلال فترة بناء مدرسة جمال الدين الريمي بمنطقة اليمانية؛ إذ عمل على إنشاء أول تلفريك لبناء المدرسة التي أتاحت التعليم للمئات من طلاب القرى الريفية في المحافظة.
يقطع التلفريك مسافة 1500 متر، ويحمل نحو 200 كيلو، ويعمل في خطين على سيارةٍ واحدة: “خطٌ للصعود وخطٌ للنزول” وفق المهندس الحميري.
اختصار للجهد والوقت
أما في وصاب فيقول الجرادي إن “المسافةَ التي يقطعها التلفريك تبلغ 5000 متر. في السابق كان يقطعها السكان من أجل نقل الدقيق فوق ظهور الحمير خلال نحو 12 ساعة ذهابًا وإيابا، وبعض القرى لا يتوفر فيها سوى دابة واحدة فقط يعتمد عليها سكان القرية كلهم”.
هذه المعاناة دفعت الجرادي نحو التفكير بمشروع التلفريك من أجل تسهيل نقل المرضى والعاجزين عن المشي مسافة 5000 مترٍ صعودًا على الجبال في قمم وصاب العالي.
المعاناة ولّدت الفكرة للجرادي، حيث يقول: “أتت فكرة التلفريك قبل ثلاث سنوات، عندما شعرنا أنه من الصعب الوصول للمنطقة بمجهودنا الذاتي بفعل صعوبة التضاريس، فقررت أنا وبعض الأصدقاء أن نوجد حلاً”.

انتظر الجرادي وأصدقاؤه ثلاث سنواتٍ حتى وصلت المسارات، وقاموا بتركيبها واستمرت ثلاثة أشهر بحيث تم فحص عينة قبل أن يطلب البقية من الصين، وتم الفحص في كلية الهندسة _ جامعة صنعاء في معملٍ خاصٍ لاختبار الشدة والطاقة.
“يعتبر تلفريك وصاب أول تلفريك في اليمن بهذا المسار ويشتغل على الكهرباء، لأننا لا نستطيع تشغيل التلفريك من الوادي إلى منتصف الجبل” كما يصف الجرادي.
وأوضح أن “تلفريك وصاب المشروع الوحيد في المنطقة، وفي أصعب المناطقِ وعورة، وأكثرها فقرًا في الجهة الجنوبية من عزلة الأثلوث وصاب العالي، ويخدمُ تقريباَ أكثر من ألفي نسمةٍ من السكان العالقين أعلى المرتفعات الجبلية”.
وتابع بأن المواد المستخدمة في التلفريك على مستوى عالٍ من الموثوقية، ويصف بأن قوة الخبطات 65 كيلو/نيوتن ثابت قوة الشد، و27 كيلو/نيوتن متحرك قوة الشد والجسور، والأعمدة الأتش سمكها 17 ملي، والمسار الخاص بالدوران المكنات 70 كبيرة جدًا مصنوعة من الفولاذ”.
تسهيل التواصل
أما الحميري فيقول إن الفكرة جاءت منذ الثمانينات، وولدت من المعاناة المستمرة التي يعانيها أبناء القرى المعلقة في قمم جبال ريمة، وبدأت في عام 1984، واستمرت دراسة وتخطيط العمل نحو أربعة أعوام.
تم إنشاء التلفريك وفق معاييرَ وضوابطَ متفقٍ عليها من أجل حماية الصاعدينَ على متنه، ووفق المكان والمسافة التي يقطعها التلفريك، وتثبيته في صخورٍ صلبةٍ ومؤمَّنةٍ كما يصف الحميري، “حيث يجب أن يكونَ لكل حبلٍ ضغطٌ يصل إلى 50 كيلو” حد قوله.
وقال خالد محمود (30 عاماً)، من سكان مديرية الجعفرية بمحافظة ريمة: “في الثمانينات تم إنشاء التلفريك لغرضِ الوصولِ الى قمةِ جبل يفوز لوضع برجٍ لشبكة الهاتف الثابت، وتمت هندسته بكل تفانٍ وإتقان بينما توقفتْ خدماته لاحقًا بتوفرِ أجهزة الهاتف النقال واندثر بعدها”.
وأضاف لمنصة ريف اليمن: “بعد ذلك تم إنشاء العديد من التلفريكات في مناطق مختلفة لتسهيل التواصل، وتأمين مقومات العيش إلى القرى المعلقة أعلى الجبال، التي كانت بجهود ذاتية من المواطنين، لكنها اتصفت بالخطر، واستمرت فترةً طويلة لنقل الخدمات”.
وتابع خالد: “هناك منظمات ومؤسسات تأتي لبناء مشاريعها هنا في ريمة لإنشاء خطوط تلفريك، لكن دائماً ما يكون مؤقتاً، حيث يقومونَ بعد مدةٍ بأخذه، فلا يوجدُ خط تلفريك مستمرٍ بالعمل هنا، وما زلنا نعاني الكثير في منطقة بني الحرازي”.
مؤخراً تراجعت نسبة استخدام التلفريكات في ريمة عقب توسع المبادرات المجتمعية التي ساهمت بشق الطرقات؛ أبرزها سور ريمة الذي أنشئ بتكاتفٍ وجهودٍ مجتمعية ومبادرات خيرية واسعة. وأصبح التلفريك نادر الاستخدام في بعض المناطق، كبني الحرازي.
ويردف خالد قائلاً: “هناك منظماتٌ ومؤسسات تأتي لبناء مشاريعها هنا في ريمة لإنشاء خطوط تلفريك، لكن دائماً ما يكون مؤقتاً، حيث يقومونَ بعد مدةٍ بأخذه فلا يوجدُ خط تلفريك مستمرٍ بالعمل هنا”.
ويؤكد يوسف الجبل أن “التلفريك الذي يقع في قمة جبل الأسلاف في ريمة كان خاصا ومؤقتا أثناء عمل بناء برجِ شبكة تابعٍ لشركة يمن موبايل، وعندما انتهوا من عملهم تم أخذ التلفريك”، لافتا أن هناك مبادراتٌ مجتمعية لشق الطرقات لتخفيف المعاناة وإيصال الطرقات إلى مناطقَ مختلفة.