خالد الحيدري: قصة نجاح باقية الأثر في ريف تعز

ساهم في مشاريع مختلفة وابتكر حلول صديقة للبيئة

خالد الحيدري: قصة نجاح باقية الأثر في ريف تعز

ساهم في مشاريع مختلفة وابتكر حلول صديقة للبيئة

في قرية الضياء بريف تعز، عاش الراحل خالد الحيدري حياته مصاباً بإعاقة في يده اليمنى، لكنها لم تقف عائقًا أمامه، بل استطاع التغلب عليها من خلال إنجاز أفكار خارج المألوف، سواءً على مستوى أسرته أو مجتمعه، حتى أصبح يلقَّب بصديق البيئة والسكان.

تمكن الحيدري من المساهمة في مشاريع مختلفة؛ أبرزها تخفيف أزمة المياه عن سكان قريته بمديرية سامع جنوبي المحافظة، بالإضافة إلى ابتكار حلول صديقة للبيئة؛ في تأكيد عملي بأن الاستدامة تبدأ من الفرد، وأنه بإمكان المواطن المجتهد أن يخدم بيئته، ويحقق لنفسه شيئاً من الاكتفاء الذاتي.

 تخفيف أزمة المياه 

بجهود ذاتية، تمكن الحيدري من استخراج المياه من باطن الأرض من أمام منزله في منطقة جبلية، عبر استخدام أدوات بسيطة، ثم أصبح مشروعه واحدًا من أهم منابع مياه الشرب لسكان قرية الضياء، خصوصاً خلال فصل الشتاء.


    مواضيع مقترحة


تؤكد السيدة هدى عبدالمجيد، وهي إحدى سكان قرية الضياء، بأن “الحيدري من أبرز رجال الخير في القرية؛ حيث ساهم في استخراج مياه الشرب من باطن الجبل، فكان ذلك العين مصدرًا لجميع سكان قريتنا، أنا وجميع النساء نجلب المياه من هناك، لاسيما في فصل الشتاء، كهذه الأيام”.

وأضافت هدى لمنصة ريف اليمن: “قرية الضياء من أكثر قرى مديرية سامع معاناة في المياه، ومن هنا تأتي الأهمية الكبيرة للبئر الذي أنجزه المرحوم خالد الحيدري، الذي نسأل الله أن يكتب له الأجر العظيم، ويسكنه فسيح جناته”.

تحويل محيط منزله إلى بستان

على الرغم من المساحة الصغيرة والتضاريس الوعرة، إلا أن الحيدري تمكن من استصلاحها وتحويلها إلى بستان؛ مستفيدا من الماء الذي كان قد استخرجه من باطن الجبل.

وتمكن الحيدري من زراعة العديد من الأشجار والفواكه المتنوعة، مثل: التفاح، والرمان، والعِنَب، والمانجو، والبُن، بالإضافة إلى زراعة الخضروات مثل: البطاط، والبصل، والبقل، والثوم، والدُّبا، والكراث.

كما تمكن الحيدري من زراعة البقوليات؛ إذ كان يعتمد على أساليب زراعية عضوية بعيدًا عن المبيدات والكيماويات، مما جعل بُستانه ومزرعته المتواضعة مُلهمة وحالة فريدة وسط التضاريس الصعبة للمنطقة.

الغاز من مخلفات الماشية

عُرف الراحل خالد الحيدري بتفكيره خارج المألوف في مجتمعه، ولم يتوقف تميّزه عند مجرد التفكير، بل كان دائم الاجتهاد في تحويل الأفكار إلى واقع ملموس ومنظور ومُثمر، بكثير من التجارب التي لم توقِفها الإخفاقات وكثرة المحاولات.

"خالد الحيدري".. نموذج للمواطن الصديق للبيئة
جانب من الأشجار التي قام الراحل الحيدري بزراعتها جوار منزله في قرية الضياء بمديرية سامع جنوب تعز (ريف اليمن)

حقق الحيدري نجاحًا مميزًا بتمكّنه من استخلاص الغاز المنزلي من فضلات الأبقار والأغنام، وخاض الكثير من المحاولات. ورغم الفشل إلا أنه تمكن من الوصول إلى تجربة ناجحة، واستطاع إشعال شولة منزله بالغاز المُنتج محليًا.

وعن نجاح تجربته يتحدث ابنه يونس قائلاً: “ظل والدي يحاول كثيرًا استخراج الغاز من مخلفات المواشي، بعد أن كان قد سمع وقرأ عن إمكانية استخراجه من المخلفات، وأن هناك من نجح في مناطق بعيدة وفي بعض الدول، فبقيت الفكرة تراوده وتكبر لديه، ثم بدأ يحاول تنفيذها في 2014 تقريبًا”.

وأضاف يونس لمنصة ريف اليمن: “بدأ والدي بعمل حفرة لمخلفات المواشي، وتجهيز جدرانها بمواد أسمنتية وشمعية وأشياء أخرى تمنع تسرب الغاز، وقام بتوصيل أنبوب من الحفرة إلى شولة البيت، لكن الغاز في البدايات لم يشتعل، ومع ذلك لم يستسلم، بل ظل يحاول، فأعاد تأهيل الحفرة من جديد”.

وتابع:” بعد ذلك قام بإضافة مواد أخرى، حتى تمكن من تشغيل الغاز بعد نحو سنة من التجارب، فساعدنا ذلك على تقليل الاعتماد على الغاز المُشترى، ولو أن لدينا عدداً من البهائم ومرعى مناسباً، لتمكنّا من تحقيق الاكتفاء الذاتي”.

إصلاح الأجهزة الكهربائية

امتد إبداع الحيدري إلى إصلاح بعض الأجهزة الكهربائية؛ إذ كان العديد من سكان قرية الضياء يقصدونه لإصلاح أجهزتهم. حاول مرارًا تقوية تغطية الهاتف في منزله باستخدام أدوات بدائية؛ كلاقطات الراديوهات (الأريلات)، فعل ذلك رغم أنه لم يدرس الهندسة، بل كان التحق بكلية التربية، ولم يكمل دراسته بسبب الظروف المعيشية.

محمد دعكم، أحد الوجاهات المجتمعية في قرية الضياء أكد لمنصة ريف اليمن أن “الراحل خالد كان شخصية عصامية مُتعدد المواهب، وصاحب عقلية متقدة وعبقرية نادرة، عاش حياة ثريّة بالإنجازات”.

صور مدمجة لجانب من محيط منزل “الحيدري” المزروع بالأشجار والنباتات المختلفة (ريف اليمن)

وأضاف لمنصة ريف اليمن: “رغم الإعاقة في يده اليمنى، إلا أنه الأكثر إنجازًا في المجتمع، جهوده أفادت أسرته ومجتمعه، وامتدت ثمارها الإيجابية إلى خارج القرية”.

رغم الإعاقة عمل الحيدري في البناء، لكنه في السنوات الأخيرة فضَّل العمل في الخياطة، وقام بإنشاء معمل للخياطة في منزله، فتعلّم وعلّم أفراد أسرته حرفة الخياطة، وأصبح مقصدًا لسكان قريته والقرى المحيطة.

لم يقتصر الأمر عند ذلك، بل وفّر لفترة زمنية فرص عمل في معمله لعدد من نساء القرية، فاستفاد واستفادت أسرته والعديد من النساء، واستفاد مجتمعه؛ من خلال تعزيز الاستدامة الاقتصادية في الريف، بدلًا عن الذهاب إلى المدينة.

الوفاة واستمرار الحلم البيئي

توفي الحيدري عام 2018، وهو في مطلع الأربعينات من عمره إثر مضاعفات صحية، وبقيت أفكاره ومشاريعه قائمة بجهود أبنائه الذين حافظوا عليها واستمروا على طريق أبيهم، فما أنجزه الراحل ما يزال قائمًا، بل إن بعضه حظي بشيء من التطوير على أيدي أولاده.

وحتى اللحظة، لا يزال منزل الحيدري -الذي يبعد مسافات عن قريته الريفية- مركزًا لأفكاره البيئية ومشاريعه التنموية التي حققها بجهوده الذاتية. عاش صديقًا للبيئة، وبطلًا لم تصنعه الأضواء بل صنع نفسه بنفسه، فهو قصة نجاح جديرة بالتوثيق، أنجز وتميّز، وأشعل نور الأمل بيده المُعاقة، وخلال فترة حياته أثبت الحيدري أنه بالإمكان تحقيق جوانب من التنمية المستدامة بالإرادة والإبداع رغم الأوجاع والمعوقات والصعوبات وشحّة الإمكانيات.

نار مشتعلة من الغاز الذي نجح في استخراجه من مخلفات الحيوانات (ريف اليمن)
شارك الموضوع عبر:
الكاتب

مواضيع مقترحة: