يقف عبد الرحمن البحري (45 عاما)، على متن دراجته النارية، تحت أشعة الشمس الحارقة بشكلٍ يومي في شوارع مدينة الحديدة الساحلية، ينادي المتسوّقين الذين يمرون بجواره للركوب معه لإيصالهم إلى الأماكن التي يقصدونها، بهدف توفير الاحتياجات الضرورية لأفراد عائلته.
يسكن البحري مع أسرته المكونة من 9 أفراد، في شُقة شعبية بمحافظة الحديدة جنوب غرب اليمن، بعد أن أجبرته الحرب على النزوح من مديرية الخوخة مطلع عام 2018.
ويمرّ النازحون في تهامة بحالة إنسانية صعبة لانعدام فرص العمل، وإيقاف المساعدات الإنسانية، وتراكم ديون الإيجارات، وعجز غالبيتهم عن العودة إلى القرى الريفية نتيجة لارتفاع تكاليف البناء لاستعادة منازلهم التي دمرتها الحرب، بيد أن انتشار الألغام يُعدّ العائق الأخطر.
جحيم النزوح في تهامة
يحتاج البحري إلى المال لشراء المواد الغذائية الأساسية، لكنه يشكو من قلة الدخل، فهو يعتمد على دراجته النارية التي تُعدّ مصدر دخله الوحيد؛ إذ يقول إن ما يحصل عليه من العمل طوال اليوم لا يتعدى نحو 4 ألف ريال يمني، أي ما يعادل 8 دولار أمريكي، وهي لا تكفي لشراء أبسط الاحتياجات الضرورية.
وقال البحري لمنصة ريف اليمن متحدثا باللهجة التهامية: “الناس كرهوا ام عيش (العيش)” ويضيف: “لا رواتب ولا فرص، العمل تراجع بشكل غير مسبوق. أقضي ساعات أنتظر المارّة، لكنهم يفضلون المشي على الأقدام لأنهم لا يمتلكون تكاليف المواصلات”.
ويضيف البحري أن شحّ الدخل وظروفه المعيشية التي يمر بها أجبرته على التخلي عن كل شيء، عدا الاحتياجات الأساسية التي تبقيه مع أسرته على قيد الحياة، ودفع إيجار الشقة التي يسكن بها.
وفي ظلّ المعاناة التي يتكبّدها النازحون يحنّ البحري إلى الحياة الريفية التي كان يعيشها قبل النزوح رغم بساطتها، في إشارة إلى أنها لا تثقل كاهل أرباب الأسر كما هو الحال في المدن.
وتقول الحكومة المعترف بها دوليا إن نسبة انعدام الأمن الغذائي وصلت إلى 60% من السكان، وهناك 80% من السكان يحتاجون إلى مساعدات إنسانية، فضلاً عن نزوج حوالي 4.3 مليون إنسان، جلهم يفتقرون إلى الخدمات الأساسية.
مشقة البحث عن عمل
الظروف القاسية نفسها أجبرت محمد راشد (50 عاما) على مغادرة قريته التي يعيش فيها بمديرية جبل رأس بالحديدة، متجها صوب محافظة إب وسط اليمن، في سبيل البحث عن مصدر دخل يعول به أسرته المكونة من 6 أفراد.
يعمل راشد بالأجر اليومي في مهنة البناء، وتشييد وترميم المنازل الريفية مقابل أجر لا يساوي ما يبذله من جهد وإتقان وما قد يتعرّض له من مخاطر أثناء عملية البناء نتيجة لغياب أدوات السلامة.
ويتعرّض العمال لكثير من المخاطر، كما تعرض راشد قبل عامين؛ إذ سقط من الطابق الثاني وتعرّض على إثر ذلك إلى كسر في ساقه اليمنى، وما زال يعاني من آثاره حتى اللحظة.
جرت العادة أن يغترب معلم البناء راشد ما بين خمسة إلى 8 أشهر في العام ثم يعود إلى أسرته، لكن ظروف الحياة القاسية أجبرته على الاغتراب مدة أطول، ليستطيع توفير متطلبات الحياة.
بينما تنتظر أسرة راشد عودته لشراء الاحتياجات الأساسية، يشكو لمنصة ريف اليمن من انعدام فرص العمل قائلاً: “على الرغم من الحرب في السنوات الماضية، كنا نتمكن من الحصول على أعمال لمدة شهرين ثلاثة متواصلة، لكن في هذا العام توقف غالبية العمال عن العمل، ولا نحصل إلا على المصاريف”.
توقف المساعدات
مع دخول الحرب في اليمن عامها العاشر، وتدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، تتضاعف معاناة سكان المناطق الريفية بريف تهامة، لا سيما عقب إعلان منظمة الأغذية العالمي للأمم المتحدة في اليمن إيقاف المساعدات مؤقتا في 5 ديسمبر 2023.
أعلنت المنظمة عن إيقاف برنامج المساعدات الغذائية في المحافظات الواقعة تحت سيطرة الحوثيين، بسبب ما أسمته محدودية التمويل وعدم التوصّل إلى اتفاق مع السلطات هناك من أجل تنفيذ برنامج أصغر يتناسب مع الموارد المتاحة للأسر الأشد فقرا.
ويهدّد قرار إيقاف المساعدات الغذائية بانعدام الأمن الغذائي وزيادة المجاعة؛ إذ تؤكد شبكة أنظمة الإنذار المبكر بالمجاعة FEWS أن ملايين الأسر في اليمن ستواجه فجوات غذائية شديدة عام 2024، وتشير إلى أن ما بين 18 إلى 19 مليون شخص سوف يحتاجون إلى مساعدات غذائية عاجلة بحلول مايو من العام الجاري. (روابط المعلومات)
ويرى المحلل الاقتصادي محمد الجماعي أن إيقاف المساعدات الإنسانية سيؤثر على الأسر بشكل متفاوت، مشيرا الى أن النازحين هم الأكثر تضرّرا من بين كل الفئات.
وقال الجماعي لمنصة ريف اليمن: “إن المشكلة الحقيقية تتلخّص في غياب فرص العمل في ظل استمرار انقطاع المرتبات الحكومية للموظفين في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، الأمر الذي يضاعف من معاناة السكان”.
وأدى انقطاع المساعدات الإنسانية إلى انتشار الفقر والمجاعة في الساحل التهامي الأشد فقرا في اليمن، ويشكل سكان محافظة الحديدة نسبة 11% من إجمالي سكان البلاد، ويصنف غالبيتهم من الفقراء المعدمين، ويعملون في الزراعة والرعي والصيد والصناعات الحرفية.
وتسببت عدة عوامل في زيادة الأسر المحتاجة إلى مساعدات إنسانية عاجلة، وقد بلغت نسبة ذلك إلى 82% وفقا لبيانات حكومي سابقة، ومن تلك العوامل طبيعية الساحل التهامي الذي تسيطر على أجزاء منه قوات الحكومة المعترف بها دوليا.