حروب المياه: نزاع يهدد النسيج المجتمعي في الريف

يعد اليمن أحد أكثر بلدان العالم فقراً في المياه ومعرَّض لخطر الجفاف

حروب المياه: نزاع يهدد النسيج المجتمعي في الريف

يعد اليمن أحد أكثر بلدان العالم فقراً في المياه ومعرَّض لخطر الجفاف

“أربعة آلاف شخص يُقتلون في اليمن سنويًا بسبب النزاع على الأراضي والمياه”، وفقًا للمركز الدولي المعنيّ بتأثير الصراعات على المدنيين (سيفيك)، هذا الرقم الصادم يعكس مدى تصاعد التوترات والصراعات داخل المجتمعات الريفية؛ للحصول على حصص كافية من المياه.

مع تراجع هطول الأمطار الموسمية، وتدهور الأوضاع المعيشية والأزمة الإنسانية التي خلفتها الحرب؛ باتت مشكلة المياه تشكل تحديًا كبيرًا، وتهدد الاستقرار المجتمعي والاقتصادي لسكان القرى الريفية الذين يعتمدون على الزراعة بدرجة أساسية في تأمين احتياجاتهم اليومية.

حروب المياه

ولعل أبرز حروب المياه التي شهدها الريف اليمني، ما دار بين قريتي قراضة والمرزوح في مديرية صبر الموادم، بمحافظة تعز (جنوب غربي اليمن)، والتي استمرت لنحو 17 عاما، على مراحل خلّفت 18 قتيلا، وحوالي 70 جريحا من الطرفين، إضافة إلى تهجير عشرات الأسر وتدمير المزارع.

يستذكر “عمر الشجاع (40 عاما)”، الذي كان وسيطا محليا في النزاع الذي بدأ بين القريتين عام 1998م، واستمر حتى 2014، كيف شهدت القريتان مشكلات متعددة، وتسببت بمآسي كثيرة، وأسفرت عن سقوط قتلى وجرحى، وتم تشكيل لجان رئاسية وحملات أمنية حتى تمكنت الدولة من حلها.

يلفت الشجاع خلال حديثه لمنصة ريف اليمن، إلى أن “لجان الوساطة بذلت حينها جهودا كبيرة للعمل على حل هذه المشكلة، وتضمنت الحلول المقترحة تقسيم المياه بشكل عادل بين القريتين، وتنفيذ مشاريع تنموية تساهم في تقليل التوتر وضمان استقرار العلاقات، من ضمنها مشروع جسر السلام”.


      مواضيع مقترحة


ويقول الباحث الاجتماعي “محمد علي أبو صلاح”، إن المياه تعتبر أحد أسباب الصراعات بين أفراد المجتمع، حيث يؤدي الحرص للحصول عليها بسبب شحتها إلى نزاعات بمختلف المحافظات؛ ما يسفر عن سقوط ضحايا، ويهدد استقرار القرى والمزارعين وسبل عيشهم.

أبو صلاح شدد خلال حديثه “لمنصة ريف اليمن”، على التعاون والحوار وإيجاد الحلول؛ لتجنب هذه المشكلات التي تهدد استقرار السكان، وحل النزاعات سلميا، وتحويل الموارد المائية الى وسيلة للاستقرار الاجتماعي، بدلا من تحويلها إلى مصدر للاقتتال، لافتاً إلى أن المياه شريان حياة، ويجب إيجاد حلول وأرضية مشتركة لجميع الاطراف المستفيدين من هذه الموارد.

ومنذ بداية النزاع الحالي في 2014، زادت الأطراف المتحاربة من مفاقمة أزمة المياه في اليمن، وهناك –بحسب الأمم المتحدة– 15.3 مليون يمني، أي أكثر من نصف السكان، لا يحصلون على مياه كافية ومأمونة ومقبولة للاستخدامات الشخصية والمنزلية، بما في ذلك الشرب والطهي والصرف الصحي.

بالإضافة للصراع على المياه، تصاعدت كذلك حدة التوترات على الأراضي، خصوصاً مع التوسع العمراني الكبير الذي شهدته العديد من القرى الريفية في اليمن، كما هو الحال في ريف محافظة صنعاء، والتي غالبيتها ناجمة عن غياب الوثائق الرسمية لدى بعض الأطراف المتنازعة.

 

حروب المياه والأراضي تعكّر صفو حياة الريف
تمديدات خاصة بمياه الري لآبار مشتركة الملكية في منطقة بني حشيش بصنعاء (ريف اليمن)

تروي السيدة “وفاء الحميدي (30 عاما)” وهي إحدى نساء قرية بيت اللهيدة في بني حشيش، شمال صنعاء، حادثة صراع حول تقسيم حدود الأرض بين قبيلتين، والتي راح ضحيتها قتلى وجرحى أواخر موسم الصيف الماضي.

تقول الحميدي لمنصة ريف اليمن: “بعد أن تدخلت السلطة المحلية لإنهاء المشكلة، رفض أحد الأطراف الحكم بسبب مقتل أحد أفراده، وقام بتطويق الوسطاء وإطلاق النار عشوائيا ما أسفر عن مقتل 4 أشخاص وإصابة آخرين”.

صراعات الأراضي

ويوضح العقيد بالأمن رامز الضراب، أن “النزاع كان حول “المشاع”، وهي أراضٍ ذات ملكية عامة تُشكّل حدودًا بين منطقتين، وتمتاز هذه الأراضي بخصوبتها العالية وتوفر مصادر المياه فيها، فضلاً عن أهميتها لزراعة القات، ما يجعلها محط أطماع متزايدة بين القبيلتين”.

ويضيف الضراب، وهو أحد ضباط شرطة بني حشيش لمنصة ريف اليمن: “هذه القضية ليست استثناءً، بل جزءاً من نمط متكرر في المنطقة، حيث تؤدي العوامل الاقتصادية، مثل زراعة القات وندرة الموارد، إلى تأجيج الخلافات”.

ويلفت إلى أهمية وضع حلول جذرية تشمل توثيق الأراضي، وتنظيم استغلال الموارد، وتعزيز دور السلطة المحلية في حل النزاعات قبل أن تتحول إلى صراعات دامية تُهدد الاستقرار في المنطقة بأكملها.

وتلعب المجالس المحلية في اليمن دوراً مهماً في تخفيف التوتر وتسوية النزاعات والخلافات المجتمعية، مستفيدة من معرفتها العميقة بالديناميكيات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والقبلية المحلية المعقدة، وبحسب “فيصل مجلي”، وهو عضو المجلس المحلي بصنعاء، إن المجلس يؤدي دورًا بالغ الأهمية في تسوية النزاعات من خلال فهم الأسباب الكامنة وراءها، وتحديد الحقوق لكل طرف، ومعرفة من تجاوز على الآخر، ثم العمل على إيجاد حلول عادلة وفعالة.

وأضاف مجلي لمنصة ريف اليمن: “عندما يتعلق النزاع بمصادر المياه، يتدخل المجلس المحلي لاحتواء الخلافات التي قد تؤدي إلى صراعات أوسع، ويتمثل الحل غالبًا في طلب حفر بئر إضافي لتخفيف الضغط وتجنب الفتنة، أو وضع خطة مدروسة لتقسيم المياه بشكل عادل تحت إشراف المختصين في المنطقة”.

ويشكّل تغير المناخ تهديدا كبيرا على الموارد الشحيحة أصلا، في بلد يعد من أكثر بلدان العالم فقراً في المياه، ما يجعله معرَّضاً لخطر الجفاف التام، إذ توقع البنك الدولي في عام 2010 استنفاد احتياطيات المياه الجوفية في اليمن بين عامي 2030 و2040، في وقت قال فيه المركز إن هذا التوقع لم يتغير إلى حد كبير.

ويجزم المركز الدولي المعنيّ بتأثير الصراعات على المدنيين (سيفيك)، أن شح المياه والأراضي لا يزال حتى اليوم من أكبر التحديات التي تواجه اليمن، ولا تزال تتسبب في النزاعات المحلية في جميع أنحاء البلاد؛ إذ إن العائلات تهرب من النزاع، لينتهي بها الأمر إلى التقاتل مع المجتمعات المضيفة هناك حول مصادر المياه المحدودة.

شارك الموضوع عبر:
الكاتب

مواضيع مقترحة: