تواجه جوامع لحج الأثرية جنوب اليمن، خطر التهدّم إذ تعرّض كثير منها للدمار بفعل الحرب والإهمال المتعاقب من قبل السلطات الحكومية في البلاد منذ عقود. وتتركز المعالم الأثرية والجوامع التأريخية في رأس العارة بمديرية المضاربة بمحافظة لحج.
وتُقدر عدد الجوامع الأثرية في المحافظة بأكثر من 10 تتوزّع بين مناطق الحوطة ويافع والصبيحة والمسيمير وطور الباحة، وكلها تواجه خطر التهدّم. رغم أنها تحمل قيمة تأريخية عريقة.
جوامع لحج الأثرية والتصدعات
جامع السروري أحد أقدم الجوامع الأثرية القديمة في قرية تربة “أبو الأسرار” بمحافظة لحج، يتعرض لإهمال كبير، وبدت عليه تشققات وتصدّعات كبيرة، وذلك وسط غياب تام لدور السلطات المعنية وغياب دور المنظمات المهتمة بالآثار.
ويعود تاريخ بناء الجامع إلى عام 510 هجرية، ويتكون من 8 قباب مطلية باللون الأبيض، وسور يحيط به، ومبنى تعليمي كان يُستخدم لتعليم الأطفال العلوم الشرعية، والرياضيات واللغة العربية في خمسينيات القرن الماضي؛ إذ دُشن فيه أول تعليم نظامي بعهد السلطنة اللحجية، وذلك بعد زيارة السلطان علي عبد الكريم العبدلي سلطان لحج للجامع قبل تأسيس مدرسة التربة مطلع الستينيات.
مواضيع ذات صلة
معالم لحج التاريخية مهددة بالاندثار بسبب العبث
السياحة الريفية في لحج: تاريخ عريق وطبيعة متنوعة
آثار تهامة تحت رحمة هواة التنقيب العشوائي
وللجامع دور محوري في خمسينيات القرن الماضي، وقد استمر طيلة العقود الماضية في نشر الدين والأفكار الوسطية وتعليم مختلف العلوم، وقد تخرج منه مئات الطلاب من مختلف مناطق الصبيحة والحجرية، ودرّس في الجامع مشايخ من زبيد وحضرموت.
يقول علي المطري أحد القائمين على الجامع: “تعرّض الجامع للإهمال من قبل السلطات المتعاقبة في العقدين الماضيين، لكن سنوات الحرب ضاعفت حدة الخراب، فقد ظهرت التشققات والتصدعات بشكل كبير في جدران وأسقف الجامع”.
وأضاف المطري في حديثه لمنصة ريف اليمن أن الجامع تعرض لاعتداء من قبل مجهولين وإلى نبش أحد القبور فيه بحثا عن الكنوز، وذلك من إفرازات غياب الدولة وغياب حماية هذه المعالم الأثرية والتاريخية.
وفي مطلع العام الجاري، أقدم مسلحون مجهولون على حفر أحد القبور في الجامع، الأمر الذي خلق موجة سخط في المنطقة، وأرجع البعض الأمرَ إلى هواة باحثين عن الكنوز، يحفرون في كثير من الجوامع والمعالم الأثرية القديمة، بحسب المطري.
في السياق نفسه، قال أحمد المنصوب وهو أحد رواد الجامع: “تعرض الجامع لتدمير وحفر في كثير من المرات السابقة، بالإضافة إلى شن حملة تعبئة فكرية ضده”.
وأضاف لمنصة ريف اليمن: “طالبنا وزارة الأوقاف بالتدخل لإنقاذ المسجد، لكنها تجاهلت رغم معرفتها بما تعانيه الجوامع الأثرية. لا نعلم لمَ كل هذا الصمت تجاه ما تتعرض له هذه المعالم الفريدة”.
إهمال الآثار التأريخية
جامع الدولة أيضا يواجه خطر التهدّم، ويُعدّ من أبرز المعالم الأثرية بمحافظة لحج، وقد بناه السلطان العبدلي عام 1292 هجرية 1875م، وباشر بناءه مهندسون من الهند بشكل معماري فريد.
يقول محمد كرد وهو أحد رواده: “للجامع مكانة كبيرة في قلوب كثيرين في لحج، وهناك من يعملون على الحفاظ عليه ليل نهار، ويبذلون جهودا في سبيل إصلاح الخراب الذي أصاب الجامع من تشقّقات جراء تقادم الزمن”.
وأضاف لمنصة ريف اليمن: “هناك إهمال من الجهات المعنية، ويحرص كثير على زيارة المسجد باستمرار، لكن دون أن نلمس واقعا حقيقيا في الحفاظ على معالمه من السقوط والتهدّم”.
وعن التعبئة الخاطئة التي تتعرض لها الجوامع الأثرية، يرى مصطفى قادري، مؤرخ ومختص في الآثار، أن بعض الجوامع عُبّئ ضدها في السنوات الماضية، خصوصاً الجوامع ذات القباب والأنماط الإسلامية القديمة، مثل جامع ابن حنكاش وجامع قرية القاضي وجامع الرويعي وجامع عطية.
وقال قادري لمنصة ريف اليمن: “أثّرت التعبئة الخاطئة بشكل كبير على الجوامع الأثرية، لا سيما في ظل الحرب وغياب الدولة وعدم الوعي عند المواطنين بأهمية المعالم التاريخية”.
وأضاف: “بعض من يقف ضد هذه المعالم يطالب بإحداث تغيير فيها، وذلك ببناء أسوار بداخلها بحجة وجود قبور، وهناك تيارات ترفض هذا الرأي تماما، وترى أنه لا بد من هدم هذه القباب”.
وتابع: “الخطر الذي يهدد هذه المعالم هو عدم وجود هيئة أو جهة من الحكومة تتصدى لمثل هذه الأفكار من أجل الحفاظ على المعالم التي حافظت الأجيال عليها لمئات السنين، وباتت عرضة للهدم إذا ما استمر غضّ الطرف عن هذه التهديدات من قبل الجهات الحكومية والأمنية”.
دعوات للإهتمام
في الفترة الماضية، تعالت الأصوات المطالبة بالمحافظة على الجوامع الأثرية، يقول أحمد المنصوب: “على مدى سنوات، أرسلنا خطابات عدّة للسلطة المحلية والجهات المعنية من أجل العمل والحفاظ على المعالم الأثرية مما يهدد بقاءها”.
ويضيف: “تجاهلت السلطات المعنية ولم تسمع النداءات، وذلك في ظل الحرب وغياب الوعي المجتمعي بأهمية الحفاظ على هذه المعالم الأثرية بوصفها جزءا من التراث الحضاري”.
وتابع: “أغلقت كثير من الجوامع التاريخية أبوابها بشكل نهائي، وبعضها لا تزال قائمة حتى اللحظة، لكنها تواجه التهديد تارة بهدم القباب، وأخرى بعمل تغيير في بنائها، وساعد على ذلك انشغال المجتمع بظروف الحرب وما خلّفته من آثار اقتصادية وغياب أي دور للسلطات المعنية”.
ومنذ سنوات، تواجه المناطق الأثرية والآثار اليمنية القديمة كثيرا من التحديات، زادت وتيرتها مع اندلاع الحرب، فقد تحوّلت كثير من المواقع الأثرية لساحة معركة، واستخدمت مبانيها وأسوارها العريقة متارس، في حين تعرضت أخرى لاعتداءات متكررة بحثا عن كنوز، مما أدى إلى تضررها بشكل كبير.
وتتميز محافظة لحج بتراثها الثقافي الغني، ويوجد فيها كثير من المواقع الأثرية ذات الأهمية التاريخية، والتي تعد امتداد للحضارة اليمنية المتنوعة والعريقة والتي يعود تأريخها القديم من الألفية الثانية قبل الميلاد حتى القرن السابع، ويوجد آثار اكتشفت من عصر ما قبل التأريخ.
ويوجد خمس مناطق ومدن يمنية تأريخية مدرجة في قائمة اليونسكو للتراث الإنساني وتضم كثير من المواقع الأثرية أدرجت ثلاث منها في ثمانيات وتسعينات القرن الماضي وآخرها العام الماضي، حيث أعلن ادراج معالم مملكة سبأ القديمة في مأرب (شرق اليمن) في يناير/ كانون ثاني 2023 وتضم 7 مواقع أثرية. واتخذت اليونسكو إجراء طارئاً لإدراج هذه المواقع في قائمة التراث العالمي المعرض للخطر، بسبب تهديدات التدمير جراء الصراع.