في مشهد غير مألوف، تقود السيدة فاطمة (40 عاما) دراجتها النارية من أجل نقل الثمار والمحاصيل الزراعية من أرضها الواقعة بمنطقة عُتمة بمحافظة ذمار وسط اليمن، إلى منزلها، متجاوزة الانتقادات التي واجهتها من قبل أفراد المجتمع.
دراجات نارية لتخفيف المعاناة
فاطمة هي واحدة من بين عدد من النساء الريفيات في اليمن اللواتي اقتحمن مجال قيادة الدراجات النارية في الأرياف لتخفيف مشاقّ نقل المحاصيل الزراعية، لا سيما أن المرأة شريك أساسي للرجل في المجال الزراعي، ويقع عليها العبء الأكبر.
وتشير إحصاءات البنك الدولي إلى أن النساء يشكّلن نحو 50% من القوى العاملة الزراعية في اليمن، وهي نسبة تمثل 70% من القوى العاملة في المناطق الريفية في البلاد.
وتتكبد نساء الريف في اليمن مشقة قطع مسافات طويلة مشيًا على الأقدام أو على ظهور الحمير والبغال لنقل الحطب والمحاصيل الزراعية، لكن مع التغيرات المناخية والتحديات الجغرافية، وجدت المزارعات أنفسهن بحاجة إلى حلول مبتكرة تتيح لهن مواصلة العمل بكفاءة أعلى وجهد أقل، فلجأ بعضهن إلى الدراجات النارية.
تقول فاطمة لمنصة ريف اليمن: “عقب وفاة زوجي وهجرة أبنائي للعمل في المدينة، وجدتُ نفسي وحيدة، فقد كان زوجي يساندني في حمل المحاصيل والحطب على الدراجة النارية، وبعد وفاته قررت أن أقود الدراجة بنفسي، رغم الانتقادات التي أتعرض لها من بعض أفراد المجتمع”.
مواضيع مقترحة
كيف تؤثر التحديات المناخية على حياة المرأة الريفية باليمن؟
المرأة الريفية.. حرمان من أبسط الحقوق
نساء الريف صمام أمان لتأمين الغذاء
وتضيف: “لجأتُ إلى الدراجة النارية لتخفيف أعباء نقل المحاصيل الزراعية والحطب الذي نحمله على رؤوسنا، الدراجة لا تختلف كثيرًا عن الحمير والبغال التي كانت تستخدمها أمهاتنا وجدّاتنا قديمًا”.
تتعرض النساء الريفيات بمختلف القرى الريفية في اليمن لمشاقّ الطرق الوعرة والتغيرات المناخية المتطرفة، مثل حرارة الصيف الشديدة أو برودة الشتاء القاسية، وتفرض تحديات جسيمة على النساء أثناء نقل كميات كبيرة من الحطب والمحاصيل على رؤوسهن، مما يؤثر سلبًا على أبدانهن، ويصيبهن بالأمراض في الرأس والظهر والرقبة، خاصة عند السير لمسافات طويلة.
تماما مثل فاطمة، تقود السيدة هناء (35 عامًا) دراجتها النارية بمنطقة بني مطر التابعة لمحافظة صنعاء، فهي سبيلها الوحيد لنقل الخدمات والثمار وغيرها.
تقول هناء لمنصة ريف اليمن: “قررتُ شراء دراجة نارية من أجل استخدامها في المجال الزراعي، وبعتُ ما كان بحوزتي من مجوهرات، واستغنيتُ بذلك عن الحمار الذي كان يحتاج إلى رعاية ومأوى دائمين”.
وتضيف: “شعرتُ بفارق كبير بعد استخدام الدراجة، فهي أسرع وأسهل في التنقل وساعدتني كثيرًا في الزراعة، وخفّفت عني كثيرا من أعباء الحياة اليومية”.
الخوف من المجتمع
في حين تقود السيدة هناء ومعها كثير من النساء اليمنيات للدراجات النارية من أجل تسهيل عملية النقل، يرى رجال أن قيادة المرأة للدراجات النارية في اليمن لا يزال أمرا معيبا ومنافيا للعادات والتقاليد ويفقد المرأة أنوثتها.
المزارع يحيى عبده أحد المزارعين في محافظة صعدة، استهجن استخدام النساء للدراجات النارية في أمور الزراعة وحمل الحطب، وقال لمنصة ريف اليمن: “النساء قديما كن ينقلن الحطب وثمار المحاصيل فوق رؤوسهن ويقطعن مسافات بعيدة”، ويتساءل بلهجته المحلّية: “ليش الآن يشتين مُتورات؟! المُترات حق الرجال”.
في ظل الخوف من نظرة المجتمع السلبية، كادت السيدة حنان تفقد حياتها بسبب قيادتها للدراجة النارية. حنان (29 عاما) تنحدر من ريف محافظة إب، وتقول لمنصة ريف اليمن: “نمتلك دراجات نارية يتنقل بها أخواني للمزرعة، وذات يوم شعرت بالألم في ظهري وكتفي الأيسر ولم أتمكن من حمل الحطب من المزرعة للمنزل، خاصة أن البيت يبعد عن المزرعة بنحو ساعة مشيا على الأقدام”.
وتكمل القصة: “قررتُ الذهاب على الدراجة النارية كي أستفيد منها بحكم قدرتي على القيادة، وذات يوم استيقظت فجرا وأخذت الدراجة متوجّهة إلى المزرعة. شعرت بالراحة، فقد وصلت في وقت مبكر ومن دون تعب، لكن فرحتي لم تدم طويلا، فقد لحقني شقيقي الأكبر، وكاد يقتلني لولا استغاثات المزارعات بجانب مزرعتنا”.
وتكمل: “كان يصرخ بشدة: تريدين أن تجعلينا مسخرة أمام الناس؟! تسوقي بدون حياء؟! ورجعت خائبة للمنزل على قدمي دون أن يكترثوا لشعوري بالتعب والآلام”.
كسر القيود
في خطوة لكسر القيود المجتمعية، أقدم طارق (34 عاما) المنحدر من وادي ضيعان في محافظة عمران على شراء دراجة نارية، وبدلاً من أن يحتكر قيادتها لنفسه، سمح لزوجته وأخته بتعلم القيادة واستخدامها في أعمال الزراعة.
يقول طارق لمنصة ريف اليمن: “أثار القرار استغراب الناس في البداية، وتعرضت إلى الانتقادات؛ لأن قيادة النساء للدراجات يعتبر عيبا وتحديا للتقاليد، ولكن ذلك لم يمنعني من السماح لزوجتي بقيادة الدراجة النارية”.
وأضاف: “وفرت الدراجة علينا وعلى الأسرة كثيرا من الجهد”، ويؤكد طارق أن الدراجة في النهاية مجرد أداة مثل أي أداة أخرى.
عضو التوافق النسوي اليمني من أجل الأمن والسلام، وداد البدوي، قالت إن الوضع الاقتصادي الصعب وهجرة الرجال للخارج أو للمدن للبحث عن فرص للحياة جعل النساء يضطرّين لتحمل المسؤولية خاصة في الأرياف والمناطق الزراعية التي كانت تعيب الكثير من المهن على المرأة.
وأضافت البدوي لمنصة ريف اليمن:” المناطق الريفية أغلبها بعيدة وتحتاج مسافات طويلة لتصل للأسواق وإرسال منتجاتها الزراعية، لذا استطاعت المرأة اليمينة أن تكسر هذه القاعدة من خلال إيجادها للحلول الاقتصادية البديلة؛ فبدأت بعض المزارعات في الأرياف باستقلال الدراجات النارية كون أسعارها منخفضة مقارنه بالسيارات وتعد سريعة واقتصادية في استخدام الوقود.
وأوضحت أن المرأة اليمنية لاتزال تعاني من التنمر حتى وهي في منزلها وليس فقط لابتكارها حلول جديدة لمجاراة العيش وسط وضع اقتصادي سيء، ويجب على المجتمع مساندتها وشكرها لكونها لازالت تقدم وتعطي وتبتكر الحلول لا أن يقف ضدها ويتنمر عليها.
وعلى الرغم من أن النساء اليمنيات بتن يعتمدن على الدراجات النارية للوصول إلى كل مكان برفقة أزواجهن أو أخوتهن، لا يزال المجتمع متحفظًا عندما يتعلق الأمر بقيادتهن لتلك الدراجات. فهل سيتاح لهن قيادة الدراجات النارية بدون أي مضايقات وقيود أم سيبقى الأمر مقصورا على الرجال فقط؟
الصورة: برنامج الأمم المتحدة الإنمائي