نتيجة للتغيرات المناخية التي يشهدها اليمن تضطر أسماء التهامي (27) عامًا، قطع مسافة كبيرة كل صباح من قريتها بمحافظة الحديدة، للوصول إلى الآبار التي تتواجد فيها المياه، بعد أن نضبت الآبار القريبة من منزلها.
قصة أسماء تعكس حجم المعاناة التي تواجهها النساء الريفيات نتيجة الجفاف الناتج عن التغيرات المناخية، حيث يعشن ظروفا صعبة وتحديات متعددة، ما جعلهن يواجهن صعوبات كبيرة بغية الحصول على احتياجاتهن، في ظل غياب الحماية والدعم والحقوق التي تستحقها المرأة لمواجهة التحديات البيئية والمناخية.
وتقول الدكتورة أمل بورزان إن ممارسة جلب المياه، تأثر على صحة النساء والفتيات وتؤدي إلى تدهور الصحة الجسدية وربما العقلية لهن، ويمكن أن يتسبب بوفاة الأجنة بأشهر الحمل الأولى.
وتوضح بورزان خلال حديث مع منصة “ريف اليمن“، أن سكان المناطق الريفية يضطرون لقطع مسافات طويلة للحصول على مياه نظيفة، مما يعرضهم للعديد من المخاطر مثل التعثر والسقوط أثناء تسلق الجبال والمنحدرات، مشيرة إلى أن النساء تحمل على رؤوسهن الأواني المملوءة بالمياه الثقيلة مما يزيد من حدة الآلام الجسدية “.
بدروها تقول رئيس المؤسسة العربية لحقوق الإنسان رجاء المصعبي إن النساء يواجهن تحديات كبيرة تتعلق بنقص المياه حيث يقطعن مسافات طويلة ويبذلن جهود بدنية لجلب المياه للاستخدام بالزراعة والتنظيف والشرب.
لافتة إلى ان هذا الواقع ليس مجرد مجهود بدني وعاطفي على النساء، بل يستغرق أيضًا الكثير من وقتهن الثمين الذي يمكن أن يستخدمنه بمجالات أخرى هامة مثل العمل أو التعليم.
قساوة البيئة
ويعتبر اليمن واحدا من البلدان الجافة وشبه الجافة بالعالم، حيث يعاني البلاد من جفاف بمناخها وتضاريسها المتنوعة التي تتضمن جبالًا وسهولًا وصحاري، ونقص المياه بتلك المناطق يؤدي إلى إنشاء بيئة قاسية وغير مستقرة. بحسب الندوة الوطنية لمكافحة التصحر.
ويفتقر إلى حلول لمعالجة خطر التغيرات المناخية التي تهدد الأمن الغذائي والأسر الزراعية بالأرياف، وهي الأكثر تأثرًا بهذه الأزمة، وتعتمد النساء بشكل كبير على القطاع الزراعي والنباتي بتلك المناطق.
ووفقًا لتقرير الإبلاغ عن التصحر للعام 2023م الصادر عن إدارة الغابات ومكافحة التصحر ، فإن هناك زيادة بالأراضي المعرضة للجفاف، وتصل نسبة الجفاف الحاد والشديد بالبلاد إلى 48.8% – 76.5% وفقًا للظروف المحددة.
التغيرات المناخية، تسببت أيضا بإنهاء مصدر رزق غالبية الأسر اليمنية التي تعتمد على الزراعة كمصدر دخل وحيد، كأسرة المواطنة غصون الحيمي 55 عاما، التي كانت تزرع فاكهة البطيخ وتعيش على مردوده المالي.
وتقف غصون ، على حافة مزرعتها بقرية الدنين بالحديدة، وقد أصبحت خاوية، بعد أن كانت تزخر بأنواع الفواكه والخضروات، وهي تتذكر الأيام الجميلة التي خلت، متمنية عودتها.
تقول لـ” منصة ريف اليمن“، نعيش بمعاناة مستمرة بسبب التغير المناخي والجفاف الذي أثر على المنطقة، وتضيف” كنا نزرع البطيخ وكان مردوده مصدرًا رئيسيًا للعيش، أما الآن بالمزرعة أصبحت متصحرة، بسبب الجفاف “.
وتتابع حيمي متحسرة” “كانت مزرعتنا الأمل في توفير الدخل اللازم للأسرة أما الآن أصبحنا من دون مصدر أي مصدر”.
مثل غصون تعاني أسرة أبو خالد بمحافظة حجة، حيث كانت تزرع حبوب الدخن، ونتيجة للتغيرات المناخية فقدت الأسرة مصدر دخلها، وأصبحت تعاني كثيرا لتوفير متطلبات الحياة.
وتقول أم خالد لـ” منصة ريف اليمن“، الزراعة كانت مصدر رزقنا الوحيد ونعتمد عليها لتأمين الاحتياجات الأساسية، ، أما الآن أصبحنا نعاني صعوبة كبيرة بسبب تدهور الأرض وتصحرها تدريجيًا بالمنطقة.
ويشير محفوظ الشامي، صحافي مهتم بالشؤون الاجتماعية والمرأة، إلى أن تدهور الزراعة بالريف اليمني أدى إلى تقليل فرص العمل للنساء وحرمانهن من مصادر الدخل التي اعتدن عليها، وبالتالي لم يعد بإمكانهن شراء احتياجاتهن الضرورية.
غياب الدولة
ولم تتخذ الدولة أي تدابير لحماية حقوق المرأة ومساعدتها لمواجهة التحديات البيئية. وعوضا عن ذلك تقوم منظمات إنسانية وإغاثية محدودة بتقديم المساعدة من خلال برامج تعليمية بمجالات مثل الخياطة وصناعة المجوهرات والبخور والعطور.
ويؤكد مدير عام إدارة الغابات بوزارة الزراعة بصنعاء عبده مدار، أن التغير المناخي يتسبب بتغير درجات الحرارة على مستوى العالم، ويعد الجفاف واحدًا من أولويات التهديدات، وأن ارتفاع درجات الحرارة يجعل المناخ غير ملائم لهطول الأمطار، مما يزيد من تصحر الأراضي وحركة الرمال نحو الأراضي الزراعية بسبب جفافها.
ويضيف مدار أن هذه التأثيرات السلبية تؤثر على المزارعين والرعاة وجميع السكان المقيمين بالمنطقة. فهي تؤثر سلبًا على الاقتصاد بشكل عام وعلى قطاعي الزراعة والرعي بشكل خاص، وتفقد الأراضي خصوبتها وتتراجع إنتاجيتها، وتتناقص أنواع المراعي وعددها، كما ينخفض عدد القطعان، مما يؤدي إلى تراجع دخل السكان الريفيين الذين يعتمدون على إيراداتها.