في تجربة هي الأولى مِن نوعها، توجّه المزارع عمار صالح (30 عاما) إلى زراعة شجرة البُن، بمنطقة العَوْد بمحافظة الضالع، التي تنتشر فيها زراعة شجرة القات، وذلك في محاولة منه للتوجّه إلى محاصيل مفيدة للمجتمع، والبدء بالتخلّص من نبتة القات التي تهدّد البيئة بفعل السموم والمبيدات الكيماوية.
يقول عمار: “جاءت فكرة زراعة البُنّ من أحد المواطنين بمحافظة إب، وتحدّثنا في أهميتها ومردودها المالي، وظلّت الفكرة عالقة في ذهني، حتى اتخذت قرار البدء بزراعتها”.
ويضيف لمنصة ريف اليمن: “نحن نعتمد بشكل أساسي على شجرة القات، لكن مردودها لم يعد يلبي احتياجاتنا، وتردّدت كثيرًا قبل اتخاذ قرار البدء بزراعة شجرة البن، ثم وجدتُ أنها فكرة مناسبة لاستثمار الأرض التي تقع تحت تصرفي، وبدأت التجربة وأتمنى أن تكلّل بالنجاح”.
مواضيع مقترحة
- هل يمكن نجاح الزراعة بلا أسمدة أو مبيدات كيميائية؟
- زراعة القات: تهديد للمحاصيل واستنزف للمياه الجوفية
- مزارعو وادي حريب بمأرب.. طموحات وتحديات كبيرة
البُن بديل عن القات
لم يتخلّ صالح حتى الآن عن زراعة القات، لا سيما أن شجرة البن تحتاج إلى وقت لبدء الإنتاج، لكنه يؤكّد أن فكرة اجتثاث تلك النبتة تبقى هدفه المستقبلي، لا سيما إذا نجحت تجربته الأولى بزراعة البن التي ستمثّل دافعا لبقية المزارعين.
وقد سبقت تجربة البن زراعةُ القمح، فقد شهدت المنطقة نفسها في العام المنصرم تجربة زراعة القمح، وقد تكلّلت بالنجاح، وهو ما مثل دافعا لصالح الذي يقول: “كانت تجربة زراعة القمح في منطقتنا حافزًا دفعني لأخذ قراري في استغلال الأرض بزراعة أي محصول يعود علي بالنفع، فرأيتُ أن زراعة البن هي القرار المناسب”.
على الرغم من أنها التجربة الأولى لزراعة شجرة البن، لاقت استحسانًا من مزارعي المنطقة، وفتحت لهم آفاقًا جديدة في استغلال أراضيهم. كما يقول المزارع عبد العزيز أحمد.
ويضيف أحمد لمنصة ريف اليمن: “لم تعد زراعة القات مربحة، وأصبحنا نعاني كثيرًا، مِن ارتفاع أسعار المبيدات وآثارها على التربة، فأغلبها مهرّبة، وجعلت الأرض شبه غير صالحة للإنتاج، وانتاجها لا يلبي الاحتياجات اللازمة لأسر المزارعين”.
وأشاد عبد العزيز بالتجربة التي اعتبرها خطوة جيدة في ظلّ التحديات التي يواجهها معظم المزارعين، لافتا أنه بدأ يفكر بزراعة جزء من أرضه بشجرة البن، ومحصول الفاصوليا، مؤكّدا أنه إذا توفرت الإمكانيات ونجحت التجربة، فإنها ستعكس نظرة إيجابية لدى المزارعين، ليتجهوا نحو محاصيل توفر لهم سبل جديدة للعيش وتحقق الأمن الغذائي للمنطقة.
نقص الخبرة
وتشير آخر الاحصاءات الرسمية الى ان إجمالي المساحة المزروعة بمحصول البن ارتفعت عام 2006م الى 32 الف و 260 هكتار مقارنة بــ 28 الف و 821 هكتار عام 2005م، كما ارتفعت كمية إنتاج البن إلى 17 الف و 292 طن مقابل 11 الف و 331 طن خلال نفس الفترة . وتعزو دراسات أسباب تراجع إنتاج البن اليمني إلى أزمة المياه المتفاقمة وموجات الجفاف التي ضربت مناطق زراعته واستخدام الوسائل التقليدية في الري وارتفاع كلفة الإنتاج.
من جهته يقول المزارع محمد علي لمنصة ريف اليمن: “إن السبب الرئيسي وراء المخاوف من تجربة زراعة المحاصيل الأخرى هو الافتقار إلى الخبرة الزراعية في المنطقة؛ لأن معظم الطلاب في المرحلة الجامعية يختارون تخصّصات أخرى تُعد في نظرهم تخصصات مرموقة، وهذا ما جعلنا نتخلى عن فكرة الزراعة للمحاصيل التي تعود علينا بالنفع”.
أما الدكتور في كلية الزراعة بجامعة صنعاء، عبد الرحمن ثابت، فقال: “إن القات أصبح أبرز العوامل المسؤولة عن إعاقة التنمية الزراعية، وجعل قطاع الزراعة عاجزًا أمام المتطلبات المتزايدة للمحاصيل الزراعية المختلفة”.
وأضاف لـمنصة ريف اليمن: “ذلك يترتب عليه وجود عجز كبير في الناتج الزراعي المحلي، بالإضافة إلى زيادة الحجم الحقيقي للواردات من السلع الغذائية وخروج النقد الأجنبي إلى خارج البلاد، ما سيشكل أزمة كبيرة بفارق الصرف، وينعكس على زيادة أسعار السلع واستمرار تضخم سعر صرف العملة الوطنية”.
ويذكر الدكتور أن عزوف المزارعين عن زراعة شجرة البن يرجع إلى أن المزارعين وجدوا أنفسهم عاجزين أمام متطلبات زراعته وتصديره، بسبب احتكار التجار، وهذا الأمر ساعد على انتشار نبتة القات وإحلالها محل المحاصيل الأخرى كالبن وغيرها، بالإضافة إلى المردود المالي الذي توفره نبتة القات.
وبحسب تحليل سلسلة قيمة البن والقات في اليمن الذي أعدّه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، تستهلك نبتة القات ثلث المياه الجوفية، بالإضافة إلى الآثار الصحية الناتجة عن تعاطي هذه النبتة وإهلاك الميزانيات في شرائها.
فرص ضائعة
يعتمد اليمن يعتمد بشكل أساسي على الأمطار الموسمية، وذلك جعل بناء السدود حاجة مُلحة في سبيل الوصول إلى نتائج إيجابية للتنمية المستدامة، كما يقول الخبير الزراعي في مديرية قعطبة، عبد الله أحمد.
ويضيف أحمد لمنصة ريف اليمن: “هناك كثير من الأراضي في منطقة العَوْد لم تزرع بعد، وهي الآن بحاجة إلى الاستصلاح وزراعتها بأصناف من المحاصيل التي تعود على المواطنين بالأمن الغذائي ومردود مالي وفير”، ويشدّد على ضرورة استغلال المياه بزراعة أصناف من المحاصيل بهدف رفد الاقتصاد المحلي.
وأكّد على حاجة المنطقة الماسة إلى الحواجز والسدود المائية التي تغذي الأراضي بشكل مستدام، فوجودها السبيل الوحيد لاستصلاح الأراضي، بالإضافة إلى نشر الوعي لدى المزارعين وإمدادهم بالخبرة للوصول إلى نتائج ملموسة تدفعهم للاستمرار”.
ويبقى المزارع “عمار” بادرة أمل ومصدر إلهام للمزارعين، تذكرهم بأهمية التوجه نحو محاصيل زراعية تخدم المجتمع، وتؤمّن له الأمن الغذائي، وتذكرهم بالسعي في زراعة شجرة البن للإسهام في رفد الاقتصاد. لكن السؤوال هنا هل تنجح التجربة وتحقق تطلع المزراعين؟