زراعة القات: تهديد للمحاصيل واستنزف للمياه الجوفية

زراعة القات: تهديد للمحاصيل واستنزف للمياه الجوفية

بعد أن كان المزارع مهدي غانم (55 عاما) يحقّق الاكتفاء الذاتي سنوياً من الحبوب المتنوعة مثل الذرة البيضاء والذرة الشامية والقمح والبقوليات، أصبح اليوم يخسر نصف المحصول بسبب زراعته لشجرة القات.

غانم من أهالي منطقة السَّيّاني جنوب محافظة إب بوسط اليمن، ويعمل في الزراعة منذ طفولته، وهو يمتلك كثيرا من الأراضي والمساحات الواسعة، لكنه عقب اندلاع الحرب استبدلَ بنصف مزروعاته شجرة القات على غرار أغلبية المزارعين بمختلف المحافظات.

ومؤخراً توسعت ظاهرة زراعة شجرة القات بشكل لافت في كثير من الوديان والحقول والجبال في المناطق الريفية اليمنية، وكل ذلك كان على حساب تراجع زراعة المحاصيل الزراعية التي بدأت بالانحسار بشكل غير مسبوق، مما انعكس سلباً على حياة المزارعين، وفاقم من معاناتهم في بلد يشهد أسوأ أزمة إنسانية في العالم.

توسع زراعة القات بلا فائدة

بالنسبة للمزارع غانم، لم يكسب من المساحات المزروعة بشجرة القات شيئاً طوال فترة فصل الصيف، مقارنة بما كان يحصل عليه عند نهاية الموسم الزراعي الذي يبدأ في أبريل /نيسان، ويستمر حتى موسم الحصاد في أكتوبر/ تشرين الأول من كل عام.

ويقول غانم لمنصة ريف اليمن: “نزرع نوعاً من القات يسمى (البلدي)، ونعتمد في زراعته على مياه الأمطار الموسمية، ومع إغلاق الطرق الرئيسية بين المحافظات بسبب الحرب، أصبحنا نبيع القات في الأسواق بأسعار منخفضة جداً، ولا سيما في الموسم الماضي؛ إذ لم تغطِّ مبيعاته تكاليف العمال الذين يعملون في إصلاح المزرعة”.

ويضيف: “في السنوات الأخيرة لم تعد زراعة القات مجدية، لا سيما عند زارعي القات البلدي الذين يعتمدون على مياه الأمطار بدرجة أساسية؛ إذ إن شجرة القات تتطلب كثيرا من الماء، ومع تراجع هطول الأمطار وموجة الجفاف التي شهدتها البلاد، انعكس ذلك سلباً على ملاك مزارع القات”.

ويكمل غانم في بيان أبعاد المشكلة: “صحيح أن هناك مناطق يحصل ملّاك مزارع القات فيها على أموال باهظة، لكنهم المزارعون الذين يعتمدون على مياه الآبار، أما نحن فزراعة المحاصيل الزراعية المتنوعة أنسب لنا. قبل سنوات كنت أحصل على محصول وفير يؤمن احتياجات الأسرة لسنة كاملة، أرغب بالعودة إلى غرس المحاصيل الزراعية”.

يعلق الخبير في الشؤون الاقتصادية رشيد الحداد قائلاً: “هذه النبتة استحوذت على مساحات زراعية خصبة، وقد عزف كثير من الناس عن زراعة محاصيل نقدية مهمة، واستبدلوا بها زراعة القات، نظرا لتراجع الجدوى الاقتصادية لبعض المحاصيل، ولعدم وجود الأسواق القادرة على استقبال تلك المحاصيل بأسعار مجدية”.

ويضيف الحداد في حديث خاص لمنصة ريف اليمن: “شجرة القات ضارة بصحة الإنسان. استحوذت على مساحات زراعية واسعة في الجمهورية اليمنية بالإضافة إلى استهلاكها كميات كبيرة من المياه تتجاوز 50%”.

هدر للمياه

بمناطق ريفية مختلفة من محافظة إب، وأبرزها: ميتم والسحول وودي نخلان، يزرع المزارعون شجرة القات في فصل الشتاء باستخدام مياه الآبار، ولا يزالون يسقون أشجار القات بالطريقة التقليدية، أي غمر الحقول بالمياه، وذلك يؤدي إلى ضياع كميات كبيرة من المياه، فيضطر بعضهم إلى استخراج المياه من الآبار وتوصيلها للحقول عبر السواقي، مما يؤدي إلى هدر كثير من المياه.

ووفقاً لكثير من الدراسات، تستهلك شجرة القات في اليمن أكثر من 800 مليون متر مكعب من المياه؛ إذ يُروى الهكتار الواحد بكمية تقديرية تصل إلى 6،279 مترًا مكعبًا، وهذا يفوق استهلاك القمح بـ4،252 مترًا مكعبًا لكل هكتار.

وفي ظل استمرار هدر المياه، تحذر تقارير دولية ومحلية من احتمالية حدوث موجة جفاف في اليمن، ويؤكد تقرير حديث للبنك الدولي أن توفير مياه الشرب في اليمن سيكون من أكبر المشاكل التي سيواجهها اليمنيون في السنوات المقبلة. ويعتبر استنزاف المياه لزراعة شجرة القات السبب الرئيسي وراء كارثة الجفاف المتوقع حدوثها مستقبلاً في البلاد؛ إذ يتزايد استنزاف المياه بشكل كبير بالتزامن مع تنامي زراعة القات التي تمثل تهديداً كبيراً للبيئة والإنسان في اليمن.

خطر على البيئة

بالإضافة إلى تأثيرات زراعة شجرة القات على المحاصيل الزراعية والنقدية وهدر المياه الجوفية، تعتبر النبتة أيضا من أهم الأخطار التي تهدد البيئة، فهي تحتاج إلى السموم والمبيدات الكيماوية، ويستخدم المزارعون المبيدات بشكل مفرط، وكل ذلك ينعكس بصورة سلبية على البيئة والإنسان.

أستاذ العلوم الزراعية بجامعة لحج الدكتور أحمد محرن يقول: “تُستخدم المبيدات الحشرية والأسمدة الكيميائية بكميات كبيرة في زراعة شجرة القات، وتؤدي هذه المواد الكيميائية إلى تلوث التربة والمياه، مما يشكل خطرًا على الصحة العامة والبيئة”.

وأضاف في حديث خاص لمنصة ريف اليمن: “تتسرب المبيدات الحشرية إلى التربة والمياه الجوفية، مما يؤثر على النباتات والحيوانات التي تعيش في هذه المناطق، كما يمكن أن تنتقل هذه المواد الكيميائية إلى الإنسان عن طريق الغذاء والماء، وتؤدي الأسمدة الكيميائية إلى زيادة نسبة الملوحة في التربة، مما يؤثر على نمو النباتات، كما يمكن أن تتسبب في تلوث المياه الجوفية، وذلك يؤثر على جودة المياه الصالحة للشرب”.

وفي ظل الأضرار الاقتصادية والمخاطر البيئة الناجمة عن التوسع في زراعة شجرة القات في اليمن، ينصح الخبير الاقتصادي الحداد بضرورة إنقاذ القطاع الزراعي والحد من زراعة النبتة التي يصفها بـ”الضارة”، مؤكدا أنه لو سُخّرت هذه المياه لزراعة القمح والحبوب المتنوعة، لكانت الجدوى أكبر، وأن ذلك كان سيحقق الأمن الغذائي في فترة وجيزة.

شارك الموضوع عبر:
الكاتب

مقالات مشابهة :