العدالة الاجتماعية: فجوة تتوسع في ريف اليمن

العدالة الاجتماعية: فجوة تتوسع في ريف اليمن

في الوقت الذي احتفل فيه العالم باليوم العالمي لـ “العدالة الاجتماعية”، لا تزال هذه العدالة بعيدة المنال في العديد من مناطق اليمن، وخصوصًا في الأرياف التي تعاني من تدهور الأوضاع المعيشية والاقتصادية بسبب استمرار الحرب التي عمّقت انتهاكات حقوق الإنسان، وأضعفت الحريات الأساسية.

وتعاني المناطق الريفية اليمنية من غياب الخدمات الأساسية، مثل: التعليم والصحة والبنية التحتية، فضلًا عن انعدام التنمية الاقتصادية، وانتشار الفقر والبطالة؛ بسبب ضعف برامج التنمية، وغياب الرقابة على تنفيذها، خصوصًا في ظل الحرب التي زادت من معدلات الفقر والتخلف، وأثّرت بشكل مباشر على استقرار المجتمع وتقدّمه.

المساواة في الفرص والحقوق

والعدالة الاجتماعية هي مبدأ يهدف إلى تحقيق المساواة في الحقوق والفرص بين جميع أفراد المجتمع، بغض النظر عن الطبقة الاجتماعية، أو الخلفية الاقتصادية، أو العرق أو الجنس، وهي تعتمد على توزيع عادل للموارد والخدمات، وضمان تكافؤ الفرص، وإزالة الفوارق الاجتماعية والاقتصادية بما يحقق حياة كريمة للجميع.

ويؤكد الدكتور “محمود البكاري”، أستاذ علم الاجتماع في جامعة تعز، أن تحقيق العدالة الاجتماعية يتطلب خطوات عملية لمعالجة الفجوة الاقتصادية، وتحقيق تنمية شاملة، موضحًا أن الحرب المستمرة تمثل العائق الأكبر أمام العدالة الاجتماعية؛ حيث تعطِّلٌ المشاريعَ التنموية، وتزيد من معدلات الفقر والبطالة؛ ما يجعل تحقيق التنمية تحديًا بالغ الصعوبة.


       مواضيع مقترحة


وأشار البكاري خلال حديثه لمنصة ريف اليمن، إلى أن التشريعات والقوانين الوطنية تضمن العدالة الاجتماعية، إلا أن الواقع يواجه تحديات كبيرة، أبرزها غياب الاستقرار السياسي، وتوقُّف برامج التنمية نتيجة النزاعات المستمرة؛ ما يعوق تنفيذ السياسات التنموية.

ويؤكد أن التعليم هو الأداة الأكثر فعالية للتوعية بأهمية العدالة الاجتماعية؛ حيث يساعد في حشد جهود المجتمع والدولة لتحويل هذه المبادئ إلى واقع ملموس ينعكس إيجابًا على حياة الأفراد والمجتمع.

العدالة الاجتماعية ريف اليمن
فلاح يمني في إحدى جبال ريف محافظة إب وسط اليمن (مروان البعداني)

ويشدد البكاري على ضرورة توافق الإرادات السياسية والمجتمعية لتحقيق العدالة والتنمية الشاملة كأهداف استراتيجية للمؤسسات الرسمية، والأحزاب ومنظمات المجتمع المدني، والمؤسسات الإعلامية والثقافية، مشددا على أهمية دور الأفراد في تعزيز العدالة الاجتماعية من خلال الوعي بمصفوفة الحقوق والواجبات، والدفاع عنها، وتربية أفراد الأسرة على قيم العدالة كممارسة وسلوك يومي لتحقيق مجتمع أكثر عدلاً واستقرارًا.

ومنذ اندلاع الحرب قبل عشر سنوات، تفاقمت معاناة الأسر اليمنية، لا سيما في المناطق الريفية التي أصبحت الأكثر تضررًا من الأزمة الإنسانية؛ فقد تسببت الحرب في اتساع رقعة الفقر، وحرمان العديد من اليمنيين من حقوقهم الأساسية؛ مما جعل العدالة الاجتماعية في هذه المناطق أمرًا بعيد المنال.

وتؤكد عضو اللجنة الوطنية للتحقيق في ادعاءات انتهاكات حقوق الإنسان، القاضية “إشراق المقطري” أن حقوق الإنسان تشكل الأساس لتحقيق العدالة بجميع أشكالها، خاصة في ظل الظروف الصعبة التي تعيشها البلاد من صراعات وحروب، موضحةً أن الصراعات والحروب تضاعف الانتهاكات، وتؤدي إلى تحديات جديدة أمام المؤسسات الحقوقية والأمنية.

حقوق الإنسان تشكل الأساس لتحقيق العدالة بجميع أشكالها، خاصة في ظل الظروف الصعبة التي تعيشها البلاد

وأضافت المقطري لمنصة ريف اليمن، أن العنف والاعتداءات على الحقوق تتفاقم خلال النزاعات، مما يستدعي تكاتف جهود الدولة، ومنظمات المجتمع المدني، والنقابات، والاتحادات العمالية؛ لضمان حماية حقوق الإنسان، وتعزيز مبادئ العدالة الاجتماعية.

فجوة متزايدة

وتشير إلى أن عدم المساواة في الفرص والموارد هو أحد الأسباب الرئيسية للصراعات؛ حيث ولّدت هذه الفجوة مطالبات متزايدة بالمواطنة المتساوية، وضرورة معالجة التفاوتات الاقتصادية والاجتماعية.

وشددت المقطري على أهمية دور الأفراد في تعزيز حقوق الإنسان من خلال الالتزام بالقوانين والمبادئ التي تحمي هذه الحقوق، بالإضافة إلى التعاون بين الأفراد والمؤسسات الأمنية والقضائية لضمان عدم المساس بها.

وأوضحت أن تحقيق العدالة الاجتماعية يستوجب ضمان حقوق الإنسان بمختلف أشكالها المدنية والاقتصادية والاجتماعية؛ من خلال وضع استراتيجيات واضحة لحماية هذه الحقوق من التهميش والتمييز، داعيةً إلى سنِّ قوانين تحمي هذه الحقوق من أي انتهاك.

لا يزال تحقيق العدالة الاجتماعية في اليمن -وخاصة في المناطق الريفية- تحديًا كبيرًا في ظل استمرار الحرب، والتدهور الاقتصادي والاجتماعي

كما شددت المقطري على أن التعاون بين الأفراد والمؤسسات الأمنية والقضائية ضروري لضمان عدم المساس بالحقوق الأساسية، مؤكدةً أن حماية حقوق الإنسان تتطلب جهودًا مشتركة من جميع مكونات المجتمع لتحقيق الاستقرار والعدالة للجميع.

ولا يزال تحقيق العدالة الاجتماعية في اليمن -وخاصة في المناطق الريفية- تحديًا كبيرًا في ظل استمرار الحرب، والتدهور الاقتصادي والاجتماعي، حيث تعيق النزاعات تنفيذ القوانين والتشريعات الوطنية التي تنص على مبادئ العدالة والمساواة، مما يزيد من معاناة الفئات الأكثر ضعفًا.

ويرى حقوقيون أن الحل يكمن في توافق الإرادات السياسية والمجتمعية على جعل العدالة الاجتماعية والتنمية أولوية وطنية، إلى جانب تعزيز التعليم والتوعية، ودعم دَوْرِ الأفراد والمجتمع المدني في تحقيق هذه الأهداف.

ومع استمرار الأوضاع الصعبة، يظل الأمل معقودًا على الجهود المشتركة بين الدولة والمجتمع لتحقيق العدالة الاجتماعية، وضمان حقوق الإنسان؛ ليصبح هذا المفهوم أكثر من مجرد شعار يُرفع في المناسبات، بل واقعًا ملموسًا يسهم في بناء مجتمع أكثر استقرارًا وعدلًا.


صورة الغلاف: البراء منصور | مجلة العربية السعيدة

شارك الموضوع عبر:
الكاتب

مواضيع مقترحة: