يتميز يوم الجمعة في اليمن بخصوصية ثقافية سواء في الريف أو المدن الرئيسية، وتنفرد صنعاء بطقوس اجتماعية وأجواء خاصة، تستعد له كل الأسرة بالأكلات الشعبية واللقاءات العائلية.
منذ الصباح، تعيش العائلات في البيوت الصنعانية، فيما يشبه حالة طوارئ، حيث يستيقظ الرجال مبكرا من أجل الاستعداد لحضور خطبة وصلاة الجمعة، والنساء تقوم بإعداد وجبة “الغداء” الشعبية.
يكون اليوم أشبه بمهرجان شعبي خالص، إلى جانب خصوصيته الدينية، حيث يرتدي غالبية الرجال الزي الشعبي الشهير مع أطفالهم، ويتكون من ثوب ابيض وعسيب (الخنجر اليمني) وشال، قبل ذهابهم إلى صلاة الجمعة.
إلى جانب ذلك يكون فرصة لتذوق المأكولات الشعبية اللذيذة، التي في العادة ليست متوفرة خلال أيام الأسبوع الأخرى، ويتميز بالحيوية والنشاط، وتحمل النساء العبء الأكبر في تجهيز كل متطلبات وجبة الغداء.
إستعدادت يوم الجمعة
أحياناً يبدأ الاستعداد من يوم الخميس، حيث تتسوق أغلب الأسر لشراء مصاريف والأغراض نظرا لزحمة الأسواق الشعبية، ثم يذهبوا مبكرا في يوم الجمعة لشراء اللحمة، لكن مع الأوضاع الصعبة وانعدام الرواتب أصبحت اغلب الاسر تشتري الدجاج فقط.
الحاج عبد الرحمن علي (57)، يقول “يوم الجمعة نسميه عيد صغير، كنا قبل الحرب نخرج عند طلوع الشمس نشتري اللحمة، الان دجاجة وأحياناً نصفها، نسوي مرق، ويوم الجمعة فيها روحانية كبيرة”.
تقول “أم عبد الله” (35 سنة) ربة منزل تسكن في حي شعوب وسط العاصمة صنعاء “يوم الجمعة عندنا يوم مميز لكنه متعب لان العمل فيه لا ينتهي، نستيقظ من الصباح الباكر للبدء بتجهيز المأكولات بدء من اعداد عجينة كل من “اللحوح” و”الخبز” و”الذمول” و “بنت الصحن” (مخبوزات شعبية)”.
وتتابع لـ “منصة ريف اليمن”، “بعدها نبدأ بمرحلة أخرى من تجهير بقية الأكلات الرئيسة في وأبرزها السلتة (وجبة من اللحم المفروم والمرق)، ومن المفترض يعود الرجال من صلاة الجمعة وقد قربنا الغداء فوق السفرة”.
في العادة تكون الجمعة مناسبة، لتبادل الزيارات في إطار العوائل، فيلتقي الرجال للمقيل، لذا هو مساحة للراحة الأسبوعية.
جُمعة البنات
تعطي العائلة الصنعانية مساحة لاجتماع على افراد الأسرة يوم الجمعة المتوزعين بذات المدينة، وقد تذهب النساء المتزوجات الى بيت أهاليهن مع أولادهن للجلوس معهم على وجبة الغداء. بعض النساء تخصص جمعة في بيت عائلتها وجمعة في بيت عائلة زوجها، ويسمونه “البيت الكبير”.
وتلتقي العائلات جميع أفرادها بما في ذلك بناتها المتزوجات، ويتم تسمية يوم الجمعة التي تذهب النساء المتزوجات لبيت اهاليهن لتناول الغداء بـ “جمعة البنات”، أي أن رب الأسرة من المفترض أن يجهز ذلك من أجل بناته وأولادهن.
مريم عبد الله (٤٥ سنة) تعيش في منطقة الصافية بصنعاء تقول بلهجتها المحلية: “كل ثاني جمعة بناتي المزوجات يجين عندي، يجلسين مع أخواتهن وزوجات أخوانهن، وهذا اليوم يجين يتغدين عندي واقوم من الصبح اسبك الغداء (اقوم بعمل غداء لذيذ ومميز)”.
وأضاف لـ “منصة ريف اليمن”، وبعد العصر نسوي لنا ذَمُول أو كُبانة (مخبوزات) على قهوة قشر أو شاي، وحتى نهاية النهار مع غروب الشمس، يذهب الأطفال من أمهاتهم، كلا يعود إلى منزله”.
سلبية الهواتف الذكية
تعتقد كثير من النساء أن الهواتف الذكية، تركت أثر سلبي على اللمة العائلة في يوم الجمعة تحديدا، مقارنة بما كانت عليها قديماً، ورغم ان تلك اللقاءات العائلية ربما تخرج على وسائل التواصل الاجتماعي، لكنها تفسد اللقاء ذاته.
علياء طالب (40 سنة) ترى “ان الهواتف الذكية أثرت سلباً على المجالس النسائية واللقاءات العائلية، عندما نصل إلى البيت نبدأ بالحديث فوق وجبة الغداء، وعندما نكمل الكثير يجلسن على هواتفهن بصمت”.
وأضاف لـ”منصة ريف اليمن”، “ولأننا من الجيل الذي عشنا على اللمات العائلية دون أنترنت، نشعر بالانزعاج من هذا دائماً ونستطيع تفهم الأكبر منا سناً لذلك، لكن الجيل الجديد من الصعب اقناعهم التخلي عن هواتفهم”.
وتابعت: “لكن على اية حال مازال هذا اليوم مميز للغاية وننتظر طوال الأسبوع، فالأجمل فيه لقاء العائلة، والحديث معهم، والشعور بالقرب الروحي منهم جميعاً”.
وتعد طقوس يوم الجمعة، جزءًا من تراث وثقافة صنعاء سواء في المدينة أو الريف، وتسهم في تعزيز التواصل والتماسك المجتمعي بين افراد العائلة، وتعطي طاقة إيجابية تعزز التعاون وتبادل الهموم والمشاكل المشتركة.
الصورة: مجلس يمني في إحدى المنازل القديمة بمدينة صنعاء التأريخية (فيسبوك/ على السنيدار)