لم تعد الدكاكين في القرى الريفية بمحافظة الضالع جنوبي اليمن، مجرد متاجر لبيع المواد الغذائية، بل أصبحت ملاذًا لعشاق الرياضة، حيث يتجمع الشباب حول الشاشات الصغيرة مع كل مباراة رياضية، لتشجيع فرقهم المفضلة، بسبب غياب المرافق الرياضية والترفيهية، في أرياف المحافظة والأرياف اليمنية بشكل عام.
عبدالرحمن سلمان، شاب شغوف بالرياضة ومالك دكان في منطقة عزاب بأرياف مديرية قعطبة، يقول لمنصة ريف اليمن، إن دكانه يتحول إلى ملتقى للشباب خلال المباريات المهمة، حيث يتوافدون بحماس، ويتوقعون النتائج ويخوضون نقاشات حماسية تزيد من متعة المشاهدة.
الرياضة في الريف
هذا الأمر ليس مقتصرا على أبناء قريته، بل يقطع بعض الشباب مسافات طويلة من قرى مجاورة لمشاهدة المباريات، تاركين أعمالهم لمشاركة لحظات الحماس مع أقرانهم وتشجيع فرقهم المفضلة. يضيف عبدالرحمن أن دكانه يكتظ بالشباب خلال المباريات الكبرى مثل الكلاسيكو، إذ يصبح وجهة رئيسية للاستمتاع بالمنافسات الرياضية.
يستعد الشباب لمشاهدة المباريات الكبرى بالتجمع مبكرًا، حيث يُحضّرون نبة القات ومستلزماتهم، ويرتدي بعضهم قمصان نجومهم المفضلين قبل التوجه إلى أقرب دكان، وعلى الرغم من الازدحام الشديد، تظل الدكاكين الملاذ الوحيد للتفاعل ومتابعة المباريات وسط أجواء مشحونة بالحماس.
مواضيع مقترحة
زراعة عبّاد الشمس بالحديدة: مزارعون ينجحون بالتجربة
مواهب كرة القدم المنسية في الريف اليمني
عن شغف كرة القدم في الريف اليمني
لم تقتصر متابعة المباريات على المشاهدة فقط، بل أشعلت شرارة الشغف الرياضي بين الشباب، مما دفعهم للتفكير في إنشاء دوريات محلية وممارسة الرياضة في أوقات الفراغ، ويؤكد الكابتن رياض الجسري، لاعب فريق “الفاروق” في وادي بيت الشوكي، أن متابعة الدوريات العربية والعالمية أسهمت في غرس الشغف الرياضي وتطوير الثقافة الرياضية لدى الشباب.
ويضيف الجسري في حديثه لمنصة ريف اليمن” ان المشاهدة ولّدت طموحًا لدى العديد من المواهب المحلية المغمورة والمغيبة في الوديان، لافتا أن متابعة الرياضة بدأت في وادي بيت الشوكي برغبة الشباب في التواصل مع العالم الخارجي وتقليد النجوم العالميين.
وأوضح أن بعض الشباب قاموا بشراء شاشة وكرت اشتراك لقنوات “بي إن سبورت” مع سيرفر خاص، ووضعوها في أحد دكاكين قرى الوادي، مما تسبب في ازدحام كبير، دفع هذا الوضع البعض للتفكير في شراء شاشات إضافية، وبدعم من المغتربين، تم تركيب شاشات في دكاكين القرى، مما عزز الشغف الرياضي، لدى أبناء الريف.
الحاجة لمراكز رياضية
ويرى الدكتور خالد عمر، أستاذ علم الاجتماع بجامعة صنعاء، أن شغف الشباب بالرياضة في المناطق الريفية يُعد انعكاسًا طبيعيًا لحاجة الإنسان الفطرية للتفاعل والترفيه، لافتا أن غياب المؤسسات الرياضية والترفيهية يدفع الشباب للبحث عن بدائل، مما يجعل الدكاكين والاماكن المحلية مراكز تجمع تُحقق هذا الغرض بشكل غير مباشر.

ويوضح الدكتور عمر لمنصة ريف اليمن، أن الرياضة في الأرياف ليست مجرد نشاط ترفيهي، بل هي وسيلة لبناء ثقافة اجتماعية ورياضية، ما يستدعي دعمًا أكبر من الجهات المسؤولة لتطوير البنية التحتية وتحويل هذا الشغف إلى طاقة منتجة تسهم في تنمية المجتمع ككل.
لافتا أن التجمعات الشبابية، مثل تلك التي تحدث في الأرياف، وخاصة في دكاكين القرى، تُعد منابر لتبادل الأفكار والنقاش حول المباريات، مما يعزز الروابط الاجتماعية ويخلق بيئة من التفاعل الإيجابي بين أفراد المجتمع، ولكن للأسف قد تحدث في بعض الأحيان مشادات حينما يصل التعصب لفريق معين الى درجة كبيرة، مما تؤدي لقاءات المشاهدة إلى نتائج سلبية.
ويقول دكتور علم الاجتماع خالد عمر أن متابعة الشباب للمباريات الدولية والعربية تسهم بشكل كبير في توسيع مداركهم الرياضية وتطوير وعيهم الثقافي، لافتًا إلى أن “كل شيء يبدأ بالتقليد”، ويظهر هذا في الأرياف حيث دفع شغف الشباب بالرياضة إلى تنظيم دوريات محلية، ما أتاح الفرصة لاكتشاف مواهب جديدة تعكس إمكانيات كبيرة تحتاج إلى احتضان وتنمية.
ويرى أن الحل يكمن في إنشاء مراكز رياضية على مستوى القرى والمناطق الريفية، لتلبية شغف الشباب بالرياضة بشكل منظم. ويقول: “لو توفرت المؤسسات الرياضية، لربما كانت الدكاكين أقل ازدحامًا، ولتمكن الشباب من استثمار وقتهم في ممارسة الرياضة بدلاً من الاكتفاء بمتابعتها مع مضغ القات.
رغم التطور التكنولوجي، تظل الدكاكين الوجهة المفضلة لمتابعة المباريات بسبب ضعف الإنترنت، كما أنها تتميز بالحماس الجماهيري، حيث تصل التحديات والمراهنات إلى ذروتها خلال المباريات الكبرى.
تطور الوعي الرياضي
ويوضح ذياب أحمد، لاعب من أرياف مديرية الضالع، أن الشباب يراهنون على العشاء أو جلسات القات، حيث يقوم الخاسر بشراء خروف أو ماعز لإعداد وليمة للفائزين، مما يعزز الروابط الاجتماعية ويزيد من أجواء التفاعل والحماس وفي بعض الأحيان، تكون الرهانات مالية، تُمنح لمن يتوقع النتيجة الصحيحة أو لمشجعي الفريق الفائز.

ويلفت ان مباريات كرة القدم في مديرية الضالع تتسم بالحماس ذاته سواء في الأرياف أو في المدن، بل أصبحت فرق الأرياف تنافس بقوة في جميع البطولات التي تشارك فيها على مستوى المديرية، ويتميز لاعبو الأرياف بحماسهم ونشاطهم العالي، مما يمنحهم فرصة أكبر للتميز والنجاح مقارنة بفرق المدن.
وبسبب تراجع الأعمال الزراعية في موسم الشتاء، تشهد الأرياف نشاطًا رياضيًا كبيرًا حيث تُقام بطولتان رئيسيتان في منطقة مريس: بطولة الكابتن الراحل علي محسن المريسي، وبطولة شهداء مريس، ويؤكد صادق السكني، ناشط إعلامي من مريس، أن هذه البطولات تعزز الروح الاجتماعية وتساهم في التفاعل الجماهيري الكبير.
السكني أوضح لـ”ريف اليمن” أن الرياضة المحلية في مريس بدأت من خلال دوريات صغيرة داخل القرى كبقية الارياف في المحافظة، إلا أنها تطورت لتصبح منافسات واسعة على مستوى القرى، وتتميز بتفاعل جماهيري كبير مقارنة بالدوريات الأخرى في المحافظة.
ويؤكد أن هذه البطولات تسهم بشكل كبير في تعزيز الروح الاجتماعية بين أفراد المجتمع، وتوفر بيئة ترفيهية ورياضية تساعد في تقوية العلاقات الاجتماعية وتطوير الوعي الرياضي بين الشباب.
وساهمت متابعة المباريات في تطور الوعي الرياضي، مما أدى إلى تقليل التعصب والخلافات بين المشجعين، ويوضح السكني أن الروح الرياضية تحسنت، واختفت الظواهر السلبية مثل إطلاق الرصاص والألعاب النارية بعد المباريات، مما يعكس تطور الثقافة الرياضية لدى الشباب.
وأضاف السكني أن المواهب الرياضية في الأرياف أصبحت كثيرة بسبب شغف المجتمع بالرياضة، لكنها بحاجة ماسة إلى الدعم والاحتواء لتطوير قدراتها، مشيرا أن البطولات المحلية تُقام على ملاعب ترابية وتفتقر إلى الدعم الكافي محذرًا من ضياع تلك المواهب كما حدث مع الكثيرين الذين اضطروا للعودة إلى الزراعة أو التفرغ لمضغ القات.