عن شغف كرة القدم في الريف اليمني

عن شغف كرة القدم في الريف اليمني

عند الساعة الثالثة عصراً يتوجه ماهر أمين (18 سنة) إلى لعب كرة القدم، مع زملائه وجيرانه في المساحة الترابية، القريبة من منزله في القرية، التي يعيش فيها مع أسرته بريف السياني، جنوب محافظة إب (وسط اليمن).

يرتدي ماهر قميص ريال مدريد، رقم 7 الذي يحمله اللاعب البرازيلي فينيسيوس فهو من محبيه، وسط موجة من الألوان في الملعب، حيث يرتدي كل لاعب قميص النادي الذي يشجعه، في مشهد يعكس شغف اليمنيين وعشقهم لكرة القدم في بلد تعصف به الحرب، منذ أكثر من ثماني سنوات.

 لم يفقد الأطفال والشباب في الأرياف اليمنية، شغفهم وعشقهم لكرة القدم، إذ يمارسون الرياضة بشكل مستمر، وينظمون العديد من البطولات والدوريات في الملاعب الترابية، على الرغم من غياب المرافق والمنشآت والملاعب الرياضية، وحدت قلوب السكان، وكانت ملاذا للهروب، من ويلات الحرب التي تعصف بالبلاد منذ سنوات.

الهوس بكرة القدم

يقول ماهر لـ منصة ريف اليمن “كرة القدم هي حياتي، واللعب في المساحة الترابية في القرية، هو الشيء الذي لم يتغير في حياتنا فنحن نمارس الرياضة بشكل يومي، ونعيش السعادة والفرح كرة القدم، هي السبيل الوحيد للتواصل والتعرف على أصدقاء من مختلف المناطق الريفية”.

يضيف ماهر: “أمارس لعب كرة القدم مع الأصدقاء والجيران في القرية، ألعب في خط الهجوم مع نادي قريتي، في الدوري الرياضي الذي ينظمه الشباب، بجهود ذاتية يشارك فيه أندية يمثلون عدداً من القرى، تنطلق الدوريات في يناير وتنتهي في أواخر أبريل وهو موسم فصل الشتاء، في ريف محافظة إب”.

وفي حين يمارس ماهر، ومعه مئات الآلاف من الأطفال والشباب، لعب كرة القدم في الأرياف، يقول رئيس جمعية الاعلاميين الرياضيين اليمنيين، وأستاذ الإعلام بجامعة صنعاء الدكتور صالح حميد بأن: “معظم المواهب في أنحاء العالم تأتي من الأرياف لأنها تتمتع بالجو المعتدل، وبيئة معتدلة، لافتاً إلى أن قدرات الشباب في الأرياف، تكون أعلى وأكبر من المدن، حيث من الممكن الحصول على لاعبين، يجدون السرعة واللياقة البدنية العالية نتيجة النشاط الذي يتمتع به الإنسان الريفي”.

وأضاف الدكتور حميد لـ” منصة ريف اليمن “اللاعب في المدينة تتوفر لديه كافة الإمكانيات، مثل النادي وكافة مقومات الرياضة، من حيث الملعب والمدرب وغيرها، في حين أن اللاعب في الريف يفتقر إلى كل ذلك، والسبب هو غياب دور المجالس المحلية الذي يفترض بأنها تعمل على تنشيط كافة الأنشطة الرياضية لدعم الشباب وإبعادهم عن العادات السيئة مثل تعاطي القات”.

الإقلاع عن القات

خلال السنوات الماضية، شجعت دوريات كرة القدم في القرى والمناطق الريفية، الكثير من الشباب نحو الابتعاد عن العادات السيئة، المتمثلة بتعاطي القات والتدخين، حيث يقضي معظم الشباب، في الأرياف ساعات طويلة في تناول القات سوى في المجالس المنتشرة بشكل لافت، أو السهر ليلا وكل ذلك ينعكس سلباً على حياتهم ومستقبلهم.

الشاب يوسف حمود (27 سنة) تخلي عن مضغ نبتة القات، مطلع العام 2023 الجاري، بعد أن كان يقضي معظم أوقاته في تناوله، لكنه فضل ممارسة لعب كرة القدم، إذ انضم مؤخراً إلى الفريق الرياضي، في قريته بمنطقة جبلة في محافظة إب (وسط اليمن).

يقول يوسف لـ “منصة ريف اليمن” بعد أشهر من ممارسة الرياضة، وجدت نفسي أشعر بالسعادة، لقد منحتني كرة القدم، نكهة وطعم مختلف للحياة أفضل من ذي قبل، أنصح الشباب بترك تعاطي القات وممارسة كرة القدم، للحفاظ على صحتهم الجسدية والنفسية”.

تماماً مثل يوسف ترك الشاب خالد محمد(29 سنة) تعاطي القات، وفضل الالتحاق بالدوري الرياضي، الذي ينظمه شباب قريته في السياني جنوب محافظة إب، فهو يذهب بشكل يومي، للمشاركة في المباريات التي تقام في ملعب ترابي يبعد مسافات عن القرية”.

يقول خالد لـ منصة ريف اليمن: “عندما دُعيت للانضمام لأول مرة، ترددت، ولكن بمجرد أن شاركت في المباريات، أدركت مدى روعة لعب كرة القدم، لم أتناول القات يومًا واحدًا من منذ ثلاث سنوات، كل واحد منا وجد نفسه أفضل، بعد ترك القات”.

في السياق يقول الدكتور صالح حميد “عندما يتم ترسيخ ثقافة الابتعاد عن تعاطي القات، في عقول الأطفال والشباب ونشر الثقافة الرياضية، يمكن أن نخرج بشباب لديهم الوعي التام، بأضراره حينها يمكن الحصول على شباب قادرين، على المنافسة والوصول إلى المنتخبات الوطنية”.

وأضاف في حديث خاص لـ منصة ريف اليمن” غياب الوزارة التي تعد الركيزة الأساسية، عن دورها، أدى إلى تدهور حال كرة القدم والرياضة في اليمن، إذ من المفترض الاهتمام في الأرياف اليمنية، من خلال عملية التنشيط، لإقامة الدوريات الرياضية، ودعوة الشباب إلى الأنشطة الرياضية، بدلا من مكوثه أسير العادات السيئة “.

وتابع الدكتور حميد:” غالبية الشباب في الأرياف، يقضون معظم أوقاتهم في تعاطي القات، سوى كانوا مزارعين أو متعاطيين له، وكل ذلك ينعكس سلباً على صحتهم وتدمير مستقبلهم”.

ضرورة الاهتمام الرسمي

تفتقر المناطق الريفية في اليمن لوجود أبسط الإمكانيات، والقدرات التي من شأنها المساهمة، في تطوير مهارات الشباب الذين يمارسون كرة القدم، في الملاعب الترابية، ويعملون بجهود ذاتية في إقامة الدوريات الرياضية، بشكل مستمر ساعدت الكثير منهم على منع تعاطي القات، والهروب من ويلات الحرب التي تعصف بالبلاد منذ تسع سنوات.

وفي ظل التحديات التي يواجهها الشباب في الأرياف اليمنية، ينصح الدكتور حميد كافة الشباب في الانخراط في الدوريات الرياضية، تحديداً كرة القدم، مشيراً إلى ضرورة تأسيس أندية حقيقية، تستطيع أن تمارس كافة الألعاب والأنشطة الرياضية، بدعم من وزارة الشباب والرياضية”.

وأضاف لـ”منصة ريف اليمن ” يمكن للوزارة دعم المدربين، لدينا الكثير من خريجي التربية البدنية والرياضية، والذي يفترض أنهم بالتنسيق مع وزارة التربية والتعليم، بحيث أن كل مدرسة ريفية يتواجد فيها مدرب للأنشطة الرياضية، يمكن من خلاله الحصول على بيانات أولية، عن المواهب المتوفرة في الريف سوى على مستوى المديرية والمحافظة، والوصول إلى الاتحاد العام، المعنى بترشيح لاعبين في الانخراط في المنتخبات الوطنية”.

“يمكن من خلال المدرب البحث عن أصحاب الكفاءات العالية، واستمرارية الأنشطة، أثناء العام الدراسي، والتنسيق بين المجالس المحلية في المديريات، إذ يمكن لهذه الأدوات أن تساهم في الوصول إلى عمل إيجابي للشباب، في الأرياف اليمنية وانخراطهم في العمل الرياضي أفضل من تعاطي القات”، يقول حميد.

ويختم بالقول” أتمنى أن يكون هناك اهتمام من قبل الوزارة، بحيث يتم عمل دراسة على مستوى المحافظات، وعلى مستوى المديريات، وتبني أندية أولية للتدريب، ومنح مدرب رياضي على مستوى المديرية، للقيام في تأهيل تلك المواهب المتوفرة في ريف اليمن”.

شارك الموضوع عبر:
الكاتب

مقالات مشابهة :