على غير العادة ومن بين ركام الحرب، اتجه المزارع ناصر الحضرمي (في العقد الثالث من عمره)، إلى إحداث نقلة نوعية جديدة بزراعة شجرة عباد الشمس، في منطقة بيت مغاري غرب مديرية حيس بالحديدة بمساحة زراعية تقدر بنحو 75 متر في تجربة تعد الأولى في اليمن.
استطاع الحضرمي، بجهود ذاتية أن يحول المنطقة التي كانت مسرحاً للحرب، إلى حقول واسعة من نبتة عباد الشمس كمحاولة منه إلى رفد السوق، بمنتج جديد بما في ذلك التكسب منه، وحثّ جميع المزارعين باستثمار هذا النبات الفريد والتكسب منه كونه نباتاً مربحاً، إضافة إلى استحداث أنواع جديدة من مختلف النباتات، التي تفتقرها البلاد والتي تعود بالفائدة للمزارع والبلاد إجمالاً.
يقول الحضرمي أثناء حديثه لـ” منصة ريف اليمن” تّعود المزارع اليمني على غرس أشجار مستهلكة، لا تفي بالقوت اليومي، و باقي النباتات المدرة للمال في تركوها سلة إهمال، والبعض منهم خوفاً من غرس أية أنواع جديدة، من الأشجار خشية الخسارة، وهذا المبدأ الذي تسلحت فيه للخوض في تجربة زراعة عباد الشمس، والتي تكللت بالنجاح، رغم الصعوبات”.
ويضيف ” قبل أن أقدم على غرس البذور قرأت عن بعض الأشجار فوجدت عباد الشمس، أحد أكبر النباتات المفيدة، والتي يستطيع من خلالها المزارع، أن يجني منها مردود مالي خير يساعده على تأمين حياة كريمة خاصة في هذه الظروف الصعبة”.
بداية الغرس عبّاد الشمس
دأب عدداً من المزارعين في مديريتي حيس والخشم بمحافظة الحديدة، للخوض في تجربة زراعة نبات عباد الشمس، بعد رحلة شاقة تقدر بثلاثة أشهر من العمل المتواصل، داخل الحقول الزراعية، إبتداءً من نبش التربة وإخراج جميع المخلفات التي قد تعثر نمو المحصول الحديث، مروراً باستيراد بذور عباد الشمس، والبدء في الغرس والاهتمام والعناية بالمنابت الصغيرة وصولاً إلى قطف الثمرة.
لم تكن الرحلة سهلة خاصة في هذه الظروف الصعبة، يقول المزارع أحمد جابر أحد مزارعي عباد الشمس في منطقة الخشم مديرية الزهرة في تهامة لمنصة ريف اليمن، “تجربة ناجحة رغم الصعوبات التي واجهت المزارع منها ارتفاع تكاليف الأسمدة والمبيدات لمكافحة الآفات الزراعية التي تفتك بالمحصول إلى جانب التكلفة لكن الناجح الملموس كان بمثابة جرعة علاجية لك المعاناة التي عشنها أثناء الزراعة”.
ويضيف “من خلال التجربة هذه حاولنا أن نضيف عنصر جديد للسوق اليمني في ظل محدودة المنتجات الزراعية ومن خلال هذه العملية الفريدة، نأمل لفت الجهات المسؤولة إلى هذا النبات الذي يعود محصوله بالكثير من الخير على المزارع الذي يعيش ظروف معيشية قاهرة”.
من جانبه يقول المزارع ناصر الحضرمي “هذه الشجر بحاجة ماسة إلى الدعم والوقوف مع المزارع، الذي يجاهد من أجل ذلك المزروعات حتى تنجح وستعم الفائدة الجميع من المزارع إلى الدولة، وسيكسب طيف واسع من المزارعين الذين سيتوجهون إلى زراعة هذا المحصول، إذا شعروا أن هناك من يقف معهم في زراعة مساحات كبيرة من عباد الشمس”.
صنف جديد
رغم النجاح الذي حققه الحضرمي، بعد أن أقدم على زراعة صنف جديد من نبات عباد الشمس، والذي استغرق ما يقارب ثلاثة أشهر، من لحظة دفن البذور داخل الأرض، إلى أن المعوقات التي وقفت أمامه أثناء الزراعة، كانت كبيرة خاصة أن الأرض التي زرع فيها عباد الشمس، كانت مسرحاً للعمليات القتالية.
يصف الحضرمي في حديثه” تغيب هذه النبتة في اليمن بشكل شبه كلي خاصة مع غياب التوعية عن خيرات هذا المحصول على رأسها الزيوت الذي تنتجه هذه الشجرة حيث يعد كلفته السعرية باهظة الثمن، وقد يشكل إضافة نوعية للناتج المحلي، إذا توفرت المصانع الخاصة بإستخراج الزيوت من ثمرتها”.
بحسب المزارع الحضرمي” فإن وجود آلة حديثة لإخراج الزيوت من عباد الشمس في المنطقة، سيساعد المزارع كثير في جني أرباح كبيرة، إضافة إلى ذلك وجود مساندة قوية من الجهات المعنية على تشجيع المزارعين”.
“نقص الخبرة الكافية للمزارع في الزراعة تعطي نتائج سلبية، حيث كانت الصعوبة التي واجهتني، أثناء الزراعة، عندما استخدمت الحفر، بعمق داخل التربة لوضع حوض لبذور عباد الشمس فاكتشفت لاحقا أنها لا تحتاج سوى 2 سم متر وبعدها يتم الغرس فالحفر بعمق لا يناسب البذور وقد تتعرض للتلف”. يقو ل المزارع ناصر الحضرمي.
يشكو مزارعين عباد الشمس، من كلفة النقل الباهظة التي تفرض عليهم أثناء السفر ببضائعهم خاصة، أنهم يقطعون مسافة طويلة للوصول إلى الحوبان في محافظة تعز المكان الوحيد، لبيع المحصول لوجود معامل خاصة باستخراج الزيوت.
أنفق المزارع ناصر الحضرمي على زراعة عباد الشمس اثنين مليون ريال يمني، بالإضافة إلى تكاليف إصلاح الأراضي، وأجور العمال وغيره، وحصد مقابل ذلك 120 كيلو من عباد الشمس، على اعتبار أن قيمة 50 الكيلو يصل سعره إلى 1200 ريال سعودي.
يرى الحضرمي أن “كلفة النقل إلى الحوبان لبيع ذلك المحصول سيأخذ منه مبلغ أكبر من قيمة المحصول كامل وهذا ما حصل عليه من بيع محصوله من عباد الشمس ستكون الخسارة عليه فادحة”، داعياً “إلى توفير آلة حديثة لإخراج الزيوت من ثمرتها يجنبه الخسارة”.
نبتة فوائدها كثيرة
تمتاز شجرة عباد الشمس بالعديد من الفوائد، أهمها الزيت الذي يستخرج من الضغط على بذور زهرة عباد الشمس، ويمكن استخدامه في الطبخ وعلاج الأمراض.
كما تتفرد عباد الشمس لاحتوائها على الأحماض الدهنية مثل حمض اللينوليك وحمض الأوليك وترتبط جميع فوائد زيت عباد الشمس بأصناف عالية من “الأوليك” خاصة تلك التي تحتوي على 80% أو أكثر من حمض الأوليك، وتشير بعض الأبحاث إلى اتباع نظام غذائي غني بالأحماض الدهنية الأحادية غير المشبعة، مثل حمض الأوليك الموجود في عباد الشمس، وقد يساعد في تقليل مستويات الكوليسترول، وبالتالي يخفف من خطر الإصابة بأمراض القلب، وفقا لمدير مكتب الزراعة في حيس أنور الاهدل في حديثه لـ” منصة ريف اليمن”.
يضيف الأهدل “عباد الشمس، يحتوي زيت عباد الشمس على مجموعة من الفيتامينات مثل: فيتامين ه، بالإضافة إلى عناصر غذائية: الحديد والمغنيسيوم والزنك؛ فهذا واجبا وطنيا على تشجيع مزراعي عباد الشمس على الاستمرار في توسيع المشروعات”.
الخبير الزراعي أمين الحضرمي، يقول لمنصة ريف اليمن، “إحداث اختراق في زراعة عباد الشمس، وبجهود ذاتية خاصة في ظل الحرب التي نالت من الجانب الزراعي”.
ويطالب السلطات المعنية بدعم المزارعين تشجيعا لما بذلوه من عمل حتى تظهر هذه الحقول بنبة تعد من أعرق النباتات في محصولها.
شجرة عباد الشمس تُزرع في الصيف، ويتم حصادها في الخريف حيث ينمو عباد الشمس بدرجة حرارة لا تقل عن 10 درجات مئوية وحالة الطقس هذه مناسبة جدا في الحديدة، كما أن هذه محاصيل حقلية صناعية اقتصادية وجميع الدول تبذل قصارى جهدها للاستثمار هذا النبات المربح، ما قد يشكل ثورة زراعية كبرى تعود بالفائدة لهذه البلاد المنهكة.